من مولات التسوق إلى كليات أهلية.. بغداد تفقد هويتها تحت ضغط الأرباح

شفق نيوز/ شهدت العاصمة بغداد انتشاراً واسعاً لمراكز التسوق أو ما يُعرف بـ "المولات" خلال السنوات التي تلت العام 2003، لتصبح جزءاً من المشهد العمراني الجديد للمدينة.

ومع ذلك، فإن هذا الانتشار العشوائي كان له تأثيرات سلبية على هوية المدينة التاريخية والجمالية، خاصة في ظل تزايد التحول اللافت لهذه المولات إلى مدارس وكليات أهلية، وهو ما أثار جدلاً واسعاً لدى الشارع البغدادي والمتخصصين والمهتمين بالشأن الاقتصادي والتعليمي.

قبل العام 2003، كانت بغداد تضم عدداً محدوداً من المولات التي كانت تخضع للتخطيط والتنظيم، لكن ما نشهده اليوم من زيادة كبيرة في عدد المولات يعكس تراكم رؤوس الأموال لدى بعض المستثمرين.

ومع انخفاض العائدات التجارية لهذه المراكز بسبب التنافس الحاد والارتفاع الكبير في إيجارات المحال داخلها، وجد المستثمرون في تحويل المولات إلى مدارس وكليات أهلية حلاً أكثر ربحية، وهذا التحول رغم ما يحققه من مكاسب مالية، إلا أنه يتم غالباً دون مراعاة شروط اختيار المواقع المناسبة لهذا النوع من المؤسسات التعليمية، مما ينعكس سلباً على جودة التعليم والبنية الجمالية للمدينة.

أرباح فلكية

وفقاً للخبير الاقتصادي علي دعدوش، فإن هذا الانتشار العشوائي للكليات والمدارس الأهلية لم يساهم في رفع جودة التعليم في العراق، بل على العكس، أرهق الموازنة العامة نتيجة تخريج أعداد كبيرة من الطلبة بمختلف التخصصات دون وجود سوق عمل يستوعبهم.

ويضيف، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إن "غياب التخطيط لتحويل هذه المولات إلى مؤسسات تعليمية يعكس هدفاً مادياً صرفاً، حيث تسعى هذه المشاريع إلى تحقيق أرباح كبيرة دون النظر إلى جودة التعليم التي تُقدم".

ويشير دعدوش، إلى أن "الأرباح المحققة من المدارس والكليات الأهلية تفوق بكثير ما يمكن تحقيقه من المولات"، مبيناً أن "مدرسة أهلية واحدة مكونة من 12 صفاً، وكل صف يضم 20 طالباً، يمكن أن تحقق أكثر من نصف مليار دينار سنوياً، وترتفع هذه الأرباح في المناطق الأكثر رفاهية في بغداد، وتتضاعف بشكل كبير في الكليات الأهلية، خاصة في الأقسام العلمية والطبية ذات الأقساط المرتفعة. من جهة أخرى".

وبحسب حديث الخبير الاقتصادي، فإن "بعض المستثمرين يستخدمون هذا النشاط كوسيلة لتبييض الأموال من خلال شراء العقارات وتحويلها إلى مراكز تعليمية وتجارية.

كوارث في توزيع المولات

في المقابل، يقول المقاول فؤاد علي، في حديث لوكالة شفق نيوز، إن "المولات الموجودة في بغداد لا تُصنف كمولات حقيقية بمعايير التصميم والتنظيم العالمية، حيث تفتقر للمساحات الكافية ومواقف السيارات التي تستوعب الضغط المتزايد خلال أيام العطل والمناسبات".

ويضيف، صاحب الـ 66 عاماً، أن "ارتفاع الإيجارات داخل هذه المولات أدى إلى زيادة أسعار المواد المعروضة، مما جعلها بيئة طاردة للزبائن".

ويتابع علي، حديثه بالقول إن "الإيجارات في المولات تعتمد على مساحة المحل حيث يتراوح السعر ما بين 80 إلى 100 دولار للمتر المربع الواحد بالتالي فإن المساحة تنعكس على الأسعار وهذا بحد ذاته بيئة طاردة للزبائن".

هناك عشوائية في إنشاء مراكز التسوق داخل المدن دون دراسة توزيع الأسواق بشكل منطقي، والكلام لعلي، الذي استطرد قائلاً "المشكلة الأكبر تكمن في تحول هذه المولات إلى جامعات ومراكز دراسية على الرغم من افتقار هذه المواقع إلى الشروط الواجب توفرها".

بينما يشير الأستاذ الجامعي محمد حريب، إلى أن "تحويل المولات إلى كليات ومدارس يمثل هدماً للنسيج الحضاري والتراثي للمدينة، ويعكس تغليب الأهداف المادية على الاعتبارات العلمية والتخطيطية".

وفي حديث لوكالة شفق نيوز، يضيف أن "هذا التحول يؤدي إلى تراجع في رغبة الطلبة بالسعي الجاد لتحصيل العلم، و يطمس الهوية التاريخية للمدينة بسبب العشوائية في اختيار المواقع".

ويوضح الأستاذ الجامعي، أن "هناك غياباً واضحاً في التخطيط والسيطرة على نفوذ بعض الجهات الاستثمارية".


تعليق نيابي على الظاهرة

من جانبه، يؤكد عضو لجنة الاستثمار والتنمية النيابية صائب الحجامي، أن "اللجنة تعمل على تقديم توصيات لتنظيم انتشار مراكز التسوق والكليات الأهلية بما يضمن الحفاظ على معالم المدينة والبنية التحتية".

ويشير الحجامي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى "أهمية وضع معايير صارمة لاختيار المواقع بما يتماشى مع خطط التنمية العمرانية"، لافتة إلى أن "اللجنة تتدخل في اختيار مواقع الكليات مراكز التسوق لضمان أن تكون المواقع المختارة متوافقة مع خطط التنمية العمرانية للمدينة، وتجنب التأثير على البنية التحتية والمعالم الثقافية".

وتداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً، أخباراً تفيد بتحويل "مول الشعب"، أحد المعالم التجارية الشهيرة، إلى كلية أهلية، مما أثار موجة واسعة من التعليقات وردود الأفعال المتباينة بين مؤيد ومعارض للفكرة.

وبحسب المعلومات المتداولة، فإن الجهات المعنية قد أتمت صفقة بيع المول إلى إحدى المؤسسات التعليمية الخاصة، التي تنوي تحويله إلى مقر لكلية أهلية تضم عدداً من التخصصات الأكاديمية.

وتفاعل المواطنون بشكل كبير مع الخبر، حيث أعرب البعض عن استيائهم من هذا القرار، معتبرين أن تحويل المول إلى كلية أهلية يُفقد المنطقة مركزاً تجارياً حيوياً كان يخدم عدداً كبيراً من السكان ويوفر فرص عمل للعديد من الشباب.

في المقابل، رأى آخرون أن الخط تراجع واضح في المستوى العلمي، فقد اعتبرت الباحثة الاجتماعية أمل كباشي، أن تزايد أعداد المولات والكليات الأهلية هو نتيجة لفرص استثمارية غير مدروسة لا تأخذ في الحسبان حاجة السوق.

وتقول كباشي، في حديث لوكالة شفق نيوز، إن "منافسة الكليات الأهلية لنظيراتها الحكومية في التخصصات نفسها أدى إلى تراجع المستوى العلمي وتدهور خبرات الطلبة، حيث كان من الأجدر أن توفر هذه الكليات اختصاصات غير متوفرة في الجامعات الحكومية".

أما الخبير الاقتصادي ناصر الكناني، فقد وصف المولات بأنها جزء من الفساد المستشري تحت غطاء الاستثمار.

ويشير الكناني، لوكالة شفق نيوز، إلى أن "انخفاض إيرادات هذه المراكز يدفع أصحابها لتحويلها إلى مشاريع أخرى بحثاً عن الربح، مثل المدارس والكليات الأهلية".

وشهدت العاصمة العراقية بغداد مؤخراً افتتاح مول الجادرية، الذي يُعد أحد أحدث المراكز التجارية والترفيهية في المدينة، كونه يتميز بموقعه الحيوي في منطقة الجادرية الراقية.

في الوقت ذاته، يترقب البغداديون افتتاح "مول العراق"، الذي يقع في منطقة الدورة جنوبي العاصمة، والمتوقع أن يكون أحد أكبر المراكز التجارية في العراق.

وتُبرز هذه الظاهرة تحديات كبيرة تواجه بغداد، وفقاً لمتخصصين، سواء على المستوى التخطيطي أم الاقتصادي، مع استمرار تغليب المصالح الفردية على احتياجات المدينة وهويتها التاريخية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1610 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع