الموت في طهران والمخاوف في بغداد
العرب/بغداد- تحرص حكومة محمد شياع السوداني على النأي بالعراق عن المواجهة الجارية بين إيران وإسرائيل، واتصلت في الغرض بالولايات المتحدة، كما اتصلت بإيران. وإذا كان الاتصال بالولايات المتحدة مفهوما لإيصال موقف بغداد عن طريقها إلى إسرائيل، فإن الاتصال بطهران يثير التساؤل عما إذا كان العراق فعلا ينأى بنفسه عنها وعن مصالحها أم أن الأمر لا يتجاوز المناورة؟
ويشير مراقبون عراقيون إلى أن موقف العراق هذه المرة من إيران موقف جدي، وأن حكومة السوداني تجد في التصعيد الحالي فرصة لتتحرر من نفوذ إيران وإقناع الأميركيين بأن العراق جاد في الابتعاد عنها، كما تشترط ذلك إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وطالبت فصائل عراقية مسلحة موالية لطهران الجمعة بمغادرة القوات الأميركية المنتشرة في البلد ضمن التحالف الدولي، فيما حذّرت كتائب حزب الله خصوصا من “مزيد من الحروب في المنطقة” بعد هجمات إسرائيل على إيران. وكشف مسؤول أمني أن “الجميع” في العراق، بمن في ذلك الفصائل المسلحة، “متعاون مع الحكومة لإبعاد العراق عن الصراع.”
واللافت أن الميليشيات الحليفة لإيران تدفع نحو النأي بالنفس وتحييد العراق في الصراع، مع أن تأسيسها وتدريبها وتسليحها كان استعدادا لمثل هذه الظروف، أي خوض معارك بالوكالة لصالح إيران. لكن من الواضح أن ما جرى لحزب الله وتصفية قيادات الصف الأول سياسيا وعسكريا، ثم مقتل القيادات العسكرية الإيرانية الجمعة، عوامل تدفع الميليشيات إلى الانسحاب وقادتها إلى الاختباء خوفا من انتقام إسرائيلي أو أميركي قاس.
وعقد الإطار التنسيقي (التحالف الشيعي الحاكم في العراق الحليف لإيران) اجتماعا مع السوداني بعد الضربات الإسرائيلية ضد إيران، ولم يصدر عن الاجتماع أي خطاب تضامني مع إيران، وتمت الدعوة إلى “العمل على تهدئة الأوضاع بالمنطقة من خلال تحركات دبلوماسية يقودها العراق،” وهو كلام فضفاض واقعيا ولا يتجاوز مجرد الاتصالات الهاتفية مع بعض الوزراء في المنطقة.
وبدا النأي بالنفس في سلوك الإطار التنسيقي واضحا من خلال تصريحات رئيس تحالف الفتح هادي العامري التي جاءت هادئة وردد فيها كلاما عاما مثل “السكوت عن الجريمة هو شراكةٌ في تنفيذها، وأنّ الرّد على العدوان حقٌ مشروع وأمانةٌ شرعية،” وتحميل أميركا “المسؤولية الكاملة عن خرق الأجواء العراقية من قبل الكيان الصهيوني (…) وعلى الحكومة العراقية اتخاذ كافة الإجراءات لمنع تكرار مثل هذه الحوادث المؤسفة.”
وشذّت عن الموقف البارد للميليشيات الحليفة لإيران حركة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي التي قالت في بيان إن “العدوان الإسرائيلي على المدن الإيرانية لن يمر دون عقاب صارم وحازم،” وهو موقف يقول مراقبون إنه لا يتجاوز تسجيل الحضور وعدم إغضاب إيران.
ويحاول العراق، حليف إيران التي تتشارك معه حدودا طويلة وعلاقات تاريخية ثقافية وسياسية، الحفاظ منذ سنوات على علاقته الإستراتيجية مع واشنطن.
وقال مسؤول عراقي أمني كبير لفرانس برس طالبا عدم كشف هويته إن بغداد طلبت من طهران تجنّب استهداف المصالح الأميركية في أراضي العراق، موضحا “تم الطلب ووعدنا الإيرانيون خيرا.” وأضاف أن “إيران متفهمة للطلب العراقي.”
من جهته قال مسؤول حكومي طلب عدم كشف هويته إن بغداد “طلبت رسميا من الولايات المتحدة عدم السماح للطائرات الإسرائيلية بخرق الأجواء العراقية،” مؤكدا على “أهمية احترام سيادة العراق وسلامة مجاله الجوي.”
وأعلن العراق الجمعة رفع شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل التي اتهمها باستخدام أجوائه في ضرب إيران. وتابع المسؤول “يجب أن تتحمّل الولايات المتحدة، بصفتها الدولة القائدة للتحالف الدولي، مسؤولياتها ومنع أي انتهاكات تمس أمن العراق أو تعرض استقراره للخطر.”
وكانت إيران هدّدت الأربعاء، قبل بدء التصعيد الجاري مع إسرائيل، باستهداف القواعد الأميركية في الشرق الأوسط في حال اندلاع نزاع يكون سببه فشل المباحثات النووية مع واشنطن.
وتنشر الولايات المتحدة زهاء 2500 جندي في العراق ونحو 900 في سوريا المجاورة، في إطار تحالف دولي أنشأته عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
وعقب اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة في أكتوبر 2023، تبنّت فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران إطلاق عشرات الصواريخ والطائرات المسيّرة على مواقع في العراق وسوريا ينتشر فيها جنود أميركيون في إطار التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.
وأعلنت الولايات المتحدة الأربعاء تقليص عدد موظفي سفارتها في بغداد لأسباب أمنية من خلال سحب موظفين “غير أساسيين”.
وبحث وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، السبت، تداعيات الهجوم الإسرائيلي على إيران.
جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه فؤاد حسين مع فيصل بن فرحان، وفق بيان للخارجية العراقية.
وأشار البيان إلى أنه تم بحث وتقييم “مستجدات الوضع الأمني في المنطقة بشكل عام، لاسيما في ظل الهجمات التي شنّها الكيان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وما قد يترتب عليها من تداعيات على الأمن والاستقرار الإقليمي.”
كما ناقش الجانبان “تطورات الأوضاع الداخلية في إيران، ومواقف عدد من الدول إزاء هذا التصعيد الخطير، وأهمية دعم المسار التفاوضي المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وضمان استمرارية الاجتماعات والمفاوضات ذات الصلة.”
وشدد الوزيران على “ضرورة تعزيز التنسيق الإقليمي، وأهمية استمرار التواصل والتعاون بين العراق والمملكة العربية السعودية، لمواجهة التحديات الراهنة وحماية أمن واستقرار المنطقة.”
965 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع