وأد البطل نهاية جيش وملحمة وطن / الباب الأول: الفصل الخامس

       

        الباب الأول: الفصل الخامس

  

محاولات لم تنجح لتنفيذ انقلاب

ان القوات المسلحة الذي استهل الفريق بكر صدقي طريق انقلاباتها العسكرية، للسيطرة على السلطة في مسيرتها الطويلة، شهدت بالاضافة الى الانقلابات الستة الناجحة في تغيير نظام الحكم المذكورة آنفا، انقلابات أخرى لم يكتب لها النجاح، أسهمت هي أيضاً في عملية التهديم من خلال التأثير غير المباشر لها، الحاصل من مجرد التخطيط والشروع بالتنفيذ، ومن حشد التأييد لها المخالف للقانون، أو من طريقة التعامل غير المتوافقة مع القانون وخرق القيم العسكرية والتجاوز على الرؤية الخاصة بحماية القوات المسلحة لنظام الدولة.
اذ وعند العودة الى المرحلة الزمنية التي اعقبت 14 تموز ١٩٥٨، نجد ان محاولات انقلاب فاشلة تكررت بالضد من قائدها،

               

كان اكثرها جرأة وخطورة على حكمه، تلك التي قادها العقيد الركن عبد الوهاب الشواف من حامية الموصل، يعاونه الرائد محمود عزيز(18). حيث أذاع في 8 آذار 1959، بيانات متقطعة من اذاعة محلية، صاحبها تحرك بهدف السيطرة على شوارع الموصل، الا ان بعض الوحدات الموجودة في بغداد ومحافظات أخرى، والمتفق معها على تنفيذ خطة الانقلاب لم تتحرك، مما أعطى فرصة الى القائد العام، لوضع وحداته بالانذار، وحشدها بالضد من الانقلاب، وتحريك طائرات من القوة الجوية لقصف مقر الشواف، وبصددها أورد البعض أنه أي القائد العام عبد الكريم قاسم، اتصل بالشواف لمعرفة مطالبه، واطال في الكلام لغاية قوامها ابقاءه في مقره، حتى وصول طائرة مقاتلة بقيادة م.أول خالد سارة "شيوعي" الذي قصف المقر، وتسبب بجرج الشواف، جرحاً نقل بسببه الى المستشفى التي قتل فيها، فانهارت الحركة وقدم العديد من المشاركين فيها والمؤيدين لها الى المحاكمة،

     

واعدموا في ساحة ام الطبول ببغداد بوجبات ثلاث، كانت آخرها صباح يوم 20 أيلول 1959، ضمت كل من العميد الركن ناظم الطبقجلي، والعقيد رفعت الحاج سري، والعقيد خليل سلمان، والمقدم الركن علي توفيق، والمقدم الركن عزيز احمد شهاب، والمقدم اسماعيل هرمز، والرائد توفيق يحيى أغا، والرائد مجيد الجلبي، والنقيب الركن داود سيد خليل، والنقيب يحيى حسين الحماوي، والنقيب هاشم الدبوني، والنقيب زكريا طه، والملازم الاول حازم خطاب. علما ان وجبتين من الاعدام قد سبقت هذه الوجبة حوت الاولى كل من:

العقيد الطيار عبد الله ناجي والنقيب الطيار قاسم محمد أمين العزاوي والملازم الاول الطيار احمد مهدي عاشور والملازم الطيار فاضل ناصر، والثانية كل من النقيب الركن نافع داود والنقيب محمد أمين عبد القادر، والملازم الاول سالم حسين السراج والملازم مظفر صالح الامين والملازم محسن اسماعيل عموري(19).

      
كما حدثت محاولة لاغتيال قاسم في 7 تشرين الاول 1959 خلال مروره في شارع الرشيد بمنطقة (رأس القرية) قادماً من وزارة الدفاع، متجهاً الى الباب الشرقي لحضور حفل استقبال في سفارة المانيا الشرقية، حيث أُطلقت عليه النار من جماعة مدنية تنتمي الى حزب البعث العربي الاشتراكي، كان أحد أفرادها صدام حسين.

      
لقد جرح الزعيم على اثرها، وكذلك مرافقه، وقتل سائقه في الحال، ومات من مجموعة الاغتيال عبد الوهاب الغريري، وفر الباقين الى وكر، ربما لانتظار تحرك آخر لقلب نظام الحكم، الا ان نجاته غيرت من الموقف، وتفرق الجناة بعدة اتجاهات داخل وخارج العراق، والقي القبض على غالبيتهم واحيلوا الى محكمة المهداوي، وبعد ان حكموا بالاعدام، عفى عنهم عبد الكريم كعادته في تكرار العفو.
بعد انتهاء حكمه، في جمهوريته الاولى، بدأ حكم البعثيين الاول، وعلى الرغم من قصر الفترة الزمنية الا أن محاولات انقلابية فاشلة قد جرت بالضد منهم، كانت الاولى بدفع من حركة القوميين العرب، اعلن المجلس الوطني لقيادة الثورة عن اكتشافها في 25 أيار 1963، واصفاً القائمين عليها بزمر معزولة من الحركيين والرجعيين والذيليين والانتهازيين، وكان العسكريون المشاركون فيها اللواء الركن عبد الحافظ العباسي واللواء الركن سجاد المفتي والعميد عبد الهادي الراوي والعقيد جميل السعودي والعقيد حمدي الحديثي والمقدم جابر حسن حداد والرائد الركن مزهر الزبيدي والرائد رحيم سلمان العاني وضباط آخرين، وخطة الانقلاب تقوم على دخول وحدات من المشاة الى بغداد بقيادة ضباط ينتمون الى التنظيم الناصري، لاحتلال المراكز المهمة، بينها الاذاعة والتلفزيون، وتشكيل مفارز لمقاومة الدبابات، تتوزع على الاماكن التي تتواجد فيها دبابات للجيش قرب الاذاعة في الصالحية، مع التركيز على احتلال مقرات الحرس القومي في الكرخ والاعظمية من قبل مؤيدي الحركة وانصارها، بقيادة كوادرها السياسية، على ان يجري التنفيذ في الساعة الثالثة من بعد ظهر أحد ايام الخميس، للاستفادة من حرارة الجو، ونهاية الدوام المبكرة.
لقد فشلت الحركة بعد القاء القبض على أحد المشاركين المهمين فيها، الرائد رحيم سلمان العاني الذي تبين انه قد فاتح زميله الرائد خير الله عسكر بامر الانقلاب، من باب الثقة اثناء جلسة لهم سوية في النادي العسكري، وهو الضابط الذي يتهمه القوميون أنه من افشى سر الحركة الى رئيس الاركان طاهر يحيى الذي قام بدوره في اخبار القيادة البعثية، فاتخذت اجراءات الاعتقال لاحباط الحركة.  

دخول ضباط الصف دائرة الانقلاب
ان محاولات الانقلاب على سلطة الدولة التنفيذية "الحكومة" التي بدأت اسلوباً للضباط في محاولة منهم لتغيير وجه السلطة في ثلاثينات القرن الماضي، وشاعت سبيلاً للوصول الى والتحكم في السلطة بعد نجاح قاسم 1958، لم تقتصر على الضباط، اذ وبعد انتشار خلايا الاحزاب "الشيوعيون والبعثيون" داخل بنية القوات المسلحة، انتظم فيها العديد من الجنود وضباط الصف، وتكونت منظمات للضباط واحياناً للمراتب، سرت الى نفوسهم حمى الانقلاب توافقاً مع رؤى أحزابهم أو بدونها، مدفوعين بدوافع الثورية الانفعالية،

             

فكانت اولاها المحاولة التي سميت باسم صاحبها الشيوعي، نائب العريف حسن سريع المنسوب الى مدرسة الهندسة الآلية الكهربائية "قطع المعادن" يوم 3 تموز 1963، بعد ان حشد مجموعة جنود وضباط صف من تنظيمه، قاموا أولا بتحرير السجناء العسكريين من بعض الوحدات في معسكر الرشيد، واغلقوا منافذ المعسكر، واعتقلوا بعض المسؤولين الحكوميين بينهم وزراء، وتوجهوا لاقتحام وكسر باب السجن العسكري الرئيسي "الرقم واحد" في المعسكر، حيث يقطن فيه بحدود (1200) ضابط، ينتمي غالبيتهم الى الحزب الشيوعي كان من المؤمل اشتراكهم في الانقلاب، لكنهم فشلوا في تحقيق هذه الفقرة، وفشلت بسببها حركتهم، وحكم باعدام جميع المشاركين فيها(20).

  

محاولات متكررة
بعد ان نجح المشير عبد السلام في انقلابه على البعثيين، واستلامه السلطة كاملة في ١٨ تشرين ١٩٦٣، شرعوا هم اولاً بالتخطيط للانقلاب عليه. وكانت أكثر المحاولات جدية، تلك التي اتهمت فيها السلطة، حزب البعث بنية القيام بحركة انقلابية ليلة 4/5 أيلول 1964، وذلك باستغلال سفر الرئيس الى مصر، لحضور مؤتمر القمة العربية في الاسكندرية، وعلى اساس الاعلان هذا استبقت السلطة الحزب المذكور باجراءات احترازية قبل التنفيذ، وانتهت بزج المزيد من البعثيين العسكرين في الاعتقال.

                       

ان الانقلابات التي قادها القوميون كانت متعددة اغلبها بقيادة اللواء الطيار الركن عارف عبد الرزاق قائد القوة الجوية، ثم رئيس الوزراء كانت اولها في 16 أيلول عام 1965، انقلاب حسبته الصحافة الغربية بينها جريدة التايمس اللندنية الاغرب في التاريخ(The oddest coup in history) ، حيث الفشل السريع على الرغم من أن قائده يقوم بمهام رئيس الجمهورية نيابة عن الرئيس الذي يحضر مؤتمر قمة عربية في المغرب، وهو في الاصل رئيس الوزراء ووزير الدفاع وقائد القوة الجوية عملياً، ومعه العميد الركن صبحي عبد الحميد وزير الخارجية، والعميد الركن عبد الكريم فرحان وزير الارشاد، والعقيد الركن عدنان ايوب صبري سكرتير رئيس اركان الجيش، والعميد الركن محمد مجيد آمر كلية الاركان، والعميد نهاد الفخري مدير المخابرة، والعقيد الركن هادي خماس مدير الاستخبارات العسكرية، والمقدم الركن عرفان عبد القادر وجدي آمر الكلية العسكرية، والمقدم الركن فاروق صبري والرائد عبد الامير الربيعي.
لقد فشل الانقلاب، ويعزو غالبية المتابعين والمؤرخين الفشل الى عارف عبد الرزاق، الذي لم يقبل حصول قتال بين الوحدات العسكرية او بين المدنيين في الشارع، قد يؤدي الى خسائر كبيرة، لذا كانت الخطة مرتبكة وغير واضحة، ومسألة الجزم في تنفيذها مفقود. كذلك خطأه بمفاتحة ضباط محسوبين على عبدالسلام، مثل العميد سعيد صليبي الذي سارع بتهيئة قوات موالية له ولعارف، اسهمت في احراج عارف شخصياً، وارغامه على مغادرة العراق بطائرة عسكرية الى القاهرة، ليحل لاجئا سياسياً هناك.
لكن عارف عبد الرزاق لم يتوقف، إذ عاد سراً الى العراق بعد تسنم عبد الرحمن عارف رئاسة الجمهورية، ليقوم بمحاولته الثانية في 30 حزيران 1966 بالضد منه أي عبد الرحمن هذه المرة (21).
ان مسلسل الانقلابات لم يتوقف بعد عودة حزب البعث الى السلطة ثانية في 17- 30 تموز. اذ اعلن في 20 كانون الثاني 1970 عن اكتشاف محاولة انقلابية، يتزعمها اللواء الركن عبد الغني الراوي والعقيد صالح مهدي السامرائي، وبدعم من شاه ايران، التي لجأ اليها الراوي بعد انقلاب 1968، بعملية اسميت "الغزال" تبين ان ضباط بعثيين، بينهم النقيب حامد الورد، كانوا ضمن تشكيلات المحاولة قد افشوا سرها الى مكتب العلاقات العامة "المخابرات" التي ادارت شأنها حتى الكشف عنها قبل التنفيذ، بقيادة الراوي ومعه العقيد سلمان الدركزلي والعقيد صالح السامرائي، والعقيد الركن محمد عباس مظلوم وجابر حسن حداد ومفتن جار الله وصفوك ريكان والمقدم الركن كمال الراوي ومدير الشرطة المتقاعد شكري محمود والمقدم الطيار الركن علي عواد محيسن، وآخرين كانوا قد أفشوا السر للحكومة التي تابعتها قبل التنفيذ. وقد شكلت محاكم، حكمت باعدامهم بعد اعتقالهم بقليل. علما ان النقيب الورد قد كُرم برتبة أعلى بعد افشال المؤامرة واسندت له مهام مدير امن بغداد ثم مدير مقاومة الطائرات، لكنه اعدم وهو برتبة لواء في حادثة تطاول على صدام، قيل انه كان حاضراً فيها ولم يبلغ عنها.

انقلابات الجهة الواحدة
كانت الانقلابات الشائعة في العراق تأتي من الجهة المقابلة للحكومة، حتى مجيء البعث ثانية ليقللها بدرجة كبيرة، لكن نَفَسْ الانقلاب الموروث لم ينته في العقول الحزبية والعسكرية، وسرعان ما تحول صوب الرفاق من الجهة الواحدة،

                

فكانت محاولة اللواء ناظم گزار في 30 حزيران 1973 نموذجاً، بعد ان استغل موقعه الحزبي المتقدم والوظيفي العالي كمدير للامن العام، حاول اغتيال البكر وصدام وبعض اعضاء القيادة والحكومة فور عودة البكر من زيارة الى بلغاريا، وخلالها قام بتوزيع خلية قناصة تابعة له على اماكن مشرفة في المطار، واستدرج في نفس الوقت وزير الدفاع اللواء حماد شهاب، والفريق سعدون غيدان وزير الداخلية والعقيد الركن عدنان شريف عضو المكتب العسكري الى أحد مقراته في الفضيلية لمشاهدة بعض التطورات الفنية للعمل الأمني، وقام باعتقالهم في الموقع، واستقر هو في المقر، يتابع التلفزيون الذي من المؤمل ان ينقل حادثة الاغتيال، ليقوم هو بعرض المعتقلين كمتآمرين على الحزب والثورة، ويشكل محكمة ويعدمهم، ثم يدفع الباقين من أعضاء القيادة وتحت تأثير دوره في كشف المؤامرة والسيطرة على الموقف بتعيين قيادة قطرية جديدة ومن ثم حكومة جديدة. الا ان تغييراً غير محسوباً طرأ على عودة البكر الى بغداد يوم 29 حزيران، يرجع الى قيام الرئيس البلغاري جيفكوف "حسب رواية الحزب" بتأخير عودة البكر، لرداءة الاحوال الجوية، فقضى ليلته في ڤارنا على ان يعود في اليوم التالي، فتحول البث التلفزيوني الرسمي من المباشر بمنطقة المطار الى برامج اعتيادية، اعتقد گزار ان السبب يعود الى كشف المحاولة، وبنفس الوقت وعندما تأخر البكر وعاد المستقبلون الى دوائرهم وبيوتهم، سحب آمر مفرزة القنص مفرزته عائداً الى الفضيلية، مما دفع ناظم كزار باصطحاب أسراه والتوجه صوب الحدود الايرانية من جهة زرباطية في الكوت، دون تخطيط مسبق لهذه الخطوة التي جاءت ارتجالية، بوضع نفسي كان فيه مضطرباً، دفعه الى قتل وزير الدفاع وجرح وزير الداخلية، ومن ثم التحصن في مركز الشرطة الحدودي، مطالباً تصحيح حركة الحزب ومسار الثورة، فهاجمته قوات من الحزب والحرس الجمهوري وطيران الجيش، واعتقلته بأمر من صدام حسين على أن لا يتكلم، وفعلاً أغلِقَ فمه بشريط لاصق حتى وصوله الى بناية المجلس الوطني، التي يتخذها صدام مقراً له. وقيل أنه قام بالتحقيق معه شخصياً، وقيل أيضاً أن اصوات الطرفين كانت عالية، بعدها خرج صدام منفعلاً ليأمر حمايته بأخذه، فوجدوه مقتولًا عدة رصاصات في رأسه وصدره، وروايات أخرى تضيف بقطع لسانه(22).
ان طريقة الاعتقال والتحقيق، والقتل الفوري لناظم گزار، جعلت البعض يضع لصدام دوراً في المحاولة قائلاً، أنه متفق مع گزار على تنفيذها وهو القول الأضعف، وقائلاً أنه من طالب البكر بالتأخر عن العودة لوجود خطر على حياته، لمعرفته المسبقة بتطوراتها، فصاغ سيناريو دفع ناظم گزار الى الهروب، وما نقل عن تدخل الرئيس البلغاري لتأخير العودة، كان ضمن السيناريو الذي وضعه صدام بعناية، ليتخلص من گزار والوزراء المذكورين، ويسيطر على البكر باعتباره منقذ له.
لكن القولين لم تثبت صحتهما علمياً، لان گزار وما رشح عن مواقفه وآراءه، التي سبقت المحاولة تعطي مؤشرات عن انزعاج له من تكرتة الدولة، وبصدده يذكر السيد شوكت خازندار انه وعندما كان احد اعضاء مكتب منطقة الوسط للحزب الشيوعي، استلموا تقريراً من صديق مقرب للحزب وردَ فيه، ان احد اشقاء الكادر الحزبي فلاح الكردي من أهالي السليمانية، المتزوج من شقيقة ناظم گزار كان قد أفشى كلاماً عن گزار قبل المحاولة، نصه "هذا ليس بحكم حزب البعث، انه حكم عشيرة وبالاخص حكم عائلة... يسموني أنا شيعي وشروگي، والله لن اجعل تكريتي يعيش حتى لو كان في آخر الدنيا، وارض تكريت لن تعيش فيها حتى الحشرات مدى الدهر" (23).

انتاج الانقلابات الوهمية
في حقبة حكم البعث، خاصة زمن صدام حسن، تعسكرت الدولة، وتحولت الى مؤسسة أمنية، وبدأت هي من ينتج المحاولات الانقلابية او الادعاء بحصولها، انقلابات يمكن عدها وهمية لتحقيق اغراض سياسية متعددة مثل:
1. التخلص من معارضين يشكل وجودهم خطراً، كما هي المؤامرة التي اعلن عنها محاولة انقلابية في كانون الثاني 1969 لشبكة تجسس تعمل لصالح اسرائيل، بامتدادات تنظيمية سرية :

               

مؤلفة من عبد الرحمن البزاز واللواء الركن عبد العزيز العقيلي وآخرين. فتشكلت على اثرها محكمة خاصة، أصدرت احكاماً سريعة على المتهمين.
وهنا تجدر الاشارة الى ان هذا الاتهام مشكوك بصحته، لنزاهة وسمعة وتاريخ الرجلين، وكانت غايتها التخلص منهما باي ثمن.
ومن بعدها أعلن من على تلفزيون بغداد، عن مؤامرة اخرى، اشترك بها السيد مهدي الحكيم، غايتها قلب نظام الحكم، رُبطت أيضا بخلية تجسس لصالح امريكا واسرائيل، شكلت على إثرها مجموعة عمليات خاصة من جهاز المخابرات لملاحقة الحكيم، الرجل الذي كان فاعلاً في المعارضة بالضد من النظام، حتى اغتالته في كانون الثاني 1988 بالسودان، كانت غايتها التخلص من السيد الحكيم الذي عرف بنشاطه القوي بالضد من النظام.
2. التخلص من الرفاق الذين يمكن أن يكونوا خصوم أو معرقلين،

             

كما حصل لعضو القيادة القومية عبد الخالق السامرائي الذي الصقت به تهمة التآمر لقلب نظام الحكم مع ناظم گزار، ولبعض اعضاء القيادة القطرية والكادر المتقدم للحزب "مجموعة محمد عايش" بينهم قادة عسكريين، مثل اللواء الركن وليد محمود سيرت قائد فيلق وآخرين اتهموا بالاعداد لانقلاب مدعوم من سوريا حافظ الاسد مع بداية استلام صدام للسلطة، باسلوب يفسر انقلاب منظم قام به هو على البكر... توجهٌ من صياغة وقائعه يبدو وكأنه عُدَ للتخلص من جيل بعثيين قد يقف احدهم بالضد من اعتلاءه السلطة، وقد يقف آخرين عثرة في طريق استلام أخوته غير الاشقاء والقريبين من عائلته المراكز المهمة في السلطة.
3. تبرير التصفية الخاصة بمن ينتقد حكم الحزب ومن يتطاول على صدام وعائلته، كما حصل للفريق عمر الهزاع الذي اطلق في جلسة خاصة ببيته عام 1990 بضعة نكات عن صدام، تعبث في الاوراق القديمة لنسبه المجهول، واعدم بعد قص لسانه وتهديم بيته. وكذلك اللواء الطبيب راجي عباس التكريتي الذي أعدم بطريقة قيل إنها بشعة.
4. الخشية من التجمعات العسكرية التي يجري فيها نقاش سياسي، وانتقاد الى لسلطة او التفكير بالعمل ضدها، كما حصل مع مجموعة ضباط "عشرين ضابطاً" بينهم العميد الركن عبد الرحيم السوز، والعميد الركن حسن جاسم، والعميد الركن حسن خادم، والعميد الركن حسن الساعدي والعميد مهدي صالح الدفاعي، والعميد الركن سعدون رسن، والمقدم الركن حسين زاهي حمزة وآخرين. بعد ان سجل كلامهم احد الضباط كان حاضراً معهم الى دعوة عشاء، جمعتهم ضباط غالبيتهم معلمين في الاركان وبعض المدارس العسكرية. حوكموا بتهمة التآمر واعدموا في الحال.
الجشع الانقلابي      
ان مجموعة الانقلابات الفاشلة، هي امتداد لصيغ الانقلابات الناجحة من حيث النوايا والاهداف، مع بعض الاختلافات التي يتعلق بعضها باقتصارها على مجموعة قليلة من الضباط، ومحدودية مرجعياتها السياسية، وضعف ارتباطها بالخارج "مع بعض الاستثناءات"، وحدوثها المتكرر كون اتجاهات لتكرارها خاصة في الفترة التي امتدت بين الاعوام 1958 – 1968 بمستوى يمكن وصفه بالجشع الانقلابي غير المحكوم بالاعتبارات والدوافع الوطنية، والمخل بالقيم والضوابط العسكرية، لان في الانقلاب حتمية التعامل غير الموزون من قبل الضابط الادنى المكلف بالتنفيذ مع الضابط الأعلى الموجود في المنصب، المطلوب تنحيته سبيلاً لانجاح خطة الانقلاب، وهنا يجري في الغالب تصادم لما يتعلق بالقدم العسكري بطريقة قوامها، الاخلال بالضبط وخرق الاحترام القيمي، اذ قد يرفض الضابط الاعلى اوامر الازاحة التي تكون في العادة شفوية في ظروف توتر، يمكن ان تُصَعِد الرفض تحدياً أو الخنوع تخاذلاً، وكلا الاتجاهين يدخلان الضابط الادنى في المزيد من التشدد، يصل الى الاهانة والتجريح او المزيد من الانتعاش بفرض سلطته التي تفضي الى الشعور بالمهانة لدى خصمه الضابط الاقدم منه عسكرياً.
انها مواقف تكررت في غالبية الانقلابات الناجحة والفاشلة، لا تقتصر بطولتها على الضباط، اذ يدخل ضباط الصف والجنود المنفذين على الخط باعتبارهم الاداة الميسورة للضابط في الطريق لتحقيق أمر التنفيذ، وكما يحصل للضابط الادنى في موقف المواجهة والتصادم يمكن ان يحصل مع المراتب المنفذين، ويشهروا السلاح بوجه المقصود أو يستخدموا اسلوب التهديد الذي يشعر المقابل بضآلة نفسية، تنتقل آثارها الى الغير عند التكلم عن تفاصيل حدوثها للمعارف والاصدقاء، وعن ذم القائمين بها وانتقاد اساليبهم المخالفة، فتصبح بالمحصلة جرح نفسي يستمر بالنزف في عقول الضباط يخل بالتزاماتهم الوطنية والعسكرية، دون ان يقصدوا ذلك على مستوى الشعور.

الانقلاب العسكري وعملية الهدم البنيوي

الانقلاب عملية تغيير في البيئة التي يحدث فيها الفعل خارج السياقات التقليدية، ياتي على سلطة الدولة الأعلى بدون ارادتها، عادة ما تكون دوافعه مختلطة، بين الجوانب السياسية والعوامل الشخصية، والاعتبارت الوطنية، اذ لا يمكن وبضوء حدوثها في العراق وباقي الدول النامية، اقتصارها على دافع واحد، ولا يمكن ارجاعها الى الاعتبارت الوطنية البحتة، لان الارجاع المجرد، والنظرة من منظار الوطنية فقط مثير للجدل وغير معقول منطقياً، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان الاقدام على فعل الانقلاب، يحتاج الى شجاعة موسومة بخاصية المجازفة، بطبيعتها لا تأتي لمجرد الاحساس الوطني بظلم الحاكم، والرغبة في طرد المستعمرين، والسعي لانصاف العمال المستضعفين، كما يرد عادة في البيانات الاولى للانقلابين.
واذا ماسلمنا بافتراض الوطنية كدافع، يعني ان كل من يتحسس هذه المشاعر ويرغب بتغيير الواقع المعاش تجاوباً لحاجاتها، يمكن ان يتكتل مع غيره لحمل البندقية والانقضاض على السلطة، وهذا غير معقول، ولا يمكن ان يحدث في عالم الحقيقة.
من هذا يكون الدافع خليط من عدة دوافع، بينها واهمها الدافع الذاتي، اي مجموعة الخصائص النفسية الموجودة عند المنقلب وغير موجودة عند غيره. جعلته يفكر ويجازف بطريق القوة سبيلاً الى التغير، في حين دفعت زميلاً آخراً الى الاحتجاج المكتوب أو المسموع، وآخراً الى السكوت وان كانوا جميعاً وطنيين، وهذه بديهية تؤكدها شخصيات العسكريين الانقلابيين من بكر صدقي الطموح المجازف الى عبد الكريم قاسم الزعيم الاوحد، وعبد السلام المجازف، وحردان الشجاع، والبكر الماكر، وصدام الموهوم بالعظمة من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه.

الأثر السلبي البنيوي
 ان النظر الى الانقلابات من زاوية النتائج، يبين ان جميعها تركت آثاراً سلبية على العراق، حيث الاضطرابات والنزاعات الداخلية وعدم الاستقرار، والتجاوز على القانون، والحروب، وعدم الاستفادة من الثروة، والتخلف والامية، والفرقة والاختلاف، وقلة الرضا، وهذه مشاكل وظواهر عانى منها العراق منذ عام 1958 "أكبر انقلاب" حتى وقتنا الراهن، ومعظمها غير موجودة في المجتمعات المستقرة القريبة من العراق.
هذا وبالتركيز على الجانب العسكري في الانقلاب، الذي يهمنا في هذا المؤلف، نجد ان الانقلابيين يستهدفون بالاضافة الى السلطة السياسية، تلك السلطة العسكرية التي يريدوها ان تهيمن بقوة اسلحتها على السياسة، فيضطرون في أول عمل لهم بعد تعطيل، أو الغاء عمل الحكومة بقوانين يفرضونها بالقوة، وبدوافع الشرعية الثورية الى تغيير بنية القيادة العسكرية العليا، واحلال انفسهم في أعلى مراتبها، لفرض وادامة السيطرة، تجاوزاً على السياقات والضوابط العسكرية، سعياً منهم الحصول على سلطة الرتبة الضبطية في التعامل مع العسكر والسياسة.
وهذا واقع حال لم يقتصر على الضباط والسياسيين المدنيين، بعد ان انتقل الى ضباط الصف السياسيين، وكذلك الانقلابيين والمشاركين فيها اذ أن جماعة حسن سريع المذكورة محاولتها الانقلابية أعلاه حمل بعضهم اثناء تنفيذ تحركهم للانقلاب رتب ضباط قالت الدعاية الحكومية في حينها، أن قسما منهم لم يحسن حملها، بعد ان ابقى رتبة ضابط الصف "الشريط الاسود" موجودة على ذراعه مع النجمة الموضوعة على كتفه. وضباط الصف البعثيين بعد نجاح انقلاب 1968 مُنح مئات منهم رتب ضباط، بعضهم وصل الى رتبة فريق.
لقد اعتاد الانقلابيون منح أنفسهم فور النجاح وأحيانا في الطريق اليه رتباً مضاعفة، فالمقدم الركن صالح مهدي عماش منح رتبة فريق بانقلاب 1963 والعقيد حردان التكريتي عميد ثم لواء، والعميد طاهر يحيى لواء ثم فريق، وآخرين منحوا رتباً وهم من المدنيين، وهذا سلوك يلجأ اليه الانقلابيون ويحسبونه ضرورة ثورية، لكنه من الناحية القانونية والاعتبارية مخالف للقوانين والضوابط العسكرية، ومخل بها، تسبب بمقدار تكراره لما يزيد على نصف قرن من زمن الجيش والقوات المسلحة الى اصابتها باضطرابات مخلة بالجدار البنيوي، من باب الاخلال بالضبط العسكري، وتكوين أجيال من القادة يتجاوزون بعدوانيتهم على القيم العسكرية، حيث المغالاة في الاسفاف والقسرية، تعالياً. ومن باب التعطش الى السلطة، واستمرار المطالبة بالمزيد، كثمن لهم في المشاركة والاستهتار بالضوابط العسكرية.
ان الانقلابات وبالاضافة الى تأثيرها في عملية الهدم البنائي لمهنية الجيش، فان تأثيراتها السياسية في ارتهان البلد لقوى اجنبية، تصب في محصلتها بعملية هدم بنائي لعموم اركان الوطن، خاصة وان شكوك عديدة قد اثيرت حول الانقلابات ونتائجها الكارثية التي حصلت، اذ نوه العديد من العراقيين المعاصرين لاحداثها الى وجود اصابع خارجية في جميعها، بينهم أحد الضباط الذين عاصروا انقلاب 1958، مبيناً أن ضابطاً من الانضباط العسكري، كان في دورية روتينية تتجول في شوارع بغداد ليلة 13/14 تموز، قد استوقفه السفير البريطاني، مستفسراً عن وصول اللواء 19 إلى بغداد، وهو اللواء الذي يفترض أن يتوجه إلى الاردن مروراً في بغداد تلك الليلة، ويستنتج هذا الراوي أن للبريطانيين علم بالحركة.
كما أن البعض أكد على أن نوري السعيد آخر رئيس وزراء عراقي إبان الملكية، وبعد تيقنه نجاح الانقلاب، بات يكرر أثناء تخفيه في بيت السربادي، عبارة باللهجة العراقية الدارجة "سَوّوهة الإنجليز". هذا وبالنسبة لانقلاب 1963 تؤكد ادبيات المعارضة لحزب البعث أن علي صالح السعدي امين سره في هذا العام، طالما كرر في جلساته الخاصة أن الحزب قد جاء في قطار أمريكي. وهذه اشارات اكدها رامسي كلارك، في ان للاستخبارات المركزية الامريكية ( CIA) دور في انقلاب 8 شباط، كذلك ايدت صحيفة نيويورك تايمز بتعليق لها في حينه، من ان الانقلاب العراقي مقبول من وجهة النظر الامريكية، ومتفق مع ما تطلبه الادارة الامريكية. وهي اشارات جاءت مسايرة لحديث الملك حسين بعد اشهر من الانقلاب مع رئيس تحرير جريدة الاهرام محمد حسنين هيكل في 27 أيلول 1963، اذ نوه الى أن ما جرى في 8 شباط بالعراق، قد حظى بدعم الاستخبارات الامريكية، وان اجتماعات عديدة عقدت بين الحزب والاستخبارت اهما في الكويت، وان هناك محطة سرية كانت تبث الى العراق، زودت الانقلابيين في يوم الانقلاب باسماء وعناوين الشيوعيين، للتمكن من اعتقالهم واعدامهم. كما ورد الشيء نفسه حول انقلاب 1968 حيث الدعم الامريكي لحصوله تفادياً لقيام الشيوعيين بالسيطرة على البلاد.
من هذا يتبين ان هناك انقلابات نجحت، واخرى فشلت، تركت جميعها آثاراً، بالاضافة الى المذكورة أعلاه، أخرى يمكن وضعها في خانة غير المباشر، فالناجح منها مثلاً يؤسس لدى الضباط المنفذين مساعي لقطف الثمن، ترقيات ومناصب اعلى، يخل حدوثها في سلم التراتب العسكري والضوابط العسكرية، اذ يعطى الانقلاب في كثير من الاحيان فرصة لضابط مغمور برتبة نقيب أن يترقى بيوم واحد بعد نجاح الانقلاب الى رتبة لواء، وهو وان حمل هذه الرتبة العالية سيحمل معها بالنسبة لمعارفه نفس صفات الغمر والتقصير، وقد تَكبُر احياناً أو تتضخم بنفس مستوى التضخم بالرتبة الجديدة التي يحملها.
كما ان الفشل في اتمام الانقلاب يدفع السلطة الى التنكيل بالضباط المنفذين سجناً وتعذيباً بطريقة تحط من كرامتهم، وأقل اجراء يطال المشكوك باشتراكهم هو احالة على التقاعد، تبقي الضابط غائصاً في الشعور بالحيف، يدفعه الى التحامل على السلطة والمؤسسة العسكرية في آن معا. وتبقيها اي السلطة عاجزة عن الايفاء بالتزاماتها تجاه منتسبيها.

للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:

http://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/28865-2017-03-06-22-25-37.html

                 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1170 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع