مطعم البرج
يقيم حليم في الزنزانة المجاورة، وقد هرب منه النوم. حاول منع هذا الهروب أو التغلب عليه بالتحرك في الفسحة الخانقة ضيقاً، ولكي يحافظ على وعيه، في قهر الابتعاد الذي يمضي بطيئا، لجأ الى الذكريات، الى باريس واللقاء الأخير بالملحق العسكري عامر، ومحاولته الاستفسار عما كان يجري في بغداد بطريقة دبلوماسية ، وكيف تحول سريعاً، باتجاه الاستغراب من سلوك الفرنسيين، عندما وجد في عينيّه وحامد، علامات استفهام، وكأنهم يسألون نفس السؤال.
قال في نفسه، بات يحاورها، بطريقة يريد منها إطالة الحوار، عامر عسكري بارع شرح باقتدار، تلبيته طلب وزير الدفاع الفرنسي للمقابلة المستعجلة، حيث لم يكن قد تسرب أي خبر عن المؤامرة، ورده على السؤال الآتي من الوزير، عما يجري في بغداد، واجابته الذكية بعدم المعرفة، حيث لم تقدم الوزارة الى ملحقياتها أي شيء عن الموضوع، وتعجبه من ضحك الوزير الماكر، وخجله من الضحك، عندما نوه الى التغيير الجذري الذي سيحصل في العراق، وتقدم الشباب الى تحمل المسؤولية، وما سيعقبه من تغييرات ستمتد آثارها الى خارج العراق، والختام بتمنيات فرنسا، والرئيس فاليري جيسكار ديستان للعراق، أن يكون بلداً مستقراً يتمتع شعبه، بثرواتهم التي لا تنضب.
لقد تذكر السؤال الذي وجهه الى عامر، في مطعم البرج عن علاقة ما يحصل في بغداد، بالثروات وتمني التمتع بها، وكذلك إجابة عامر من أن كلام الوزير، فيه تلميح الى النفط، الثروة التي أممها الحزب، والى نذر الشؤم التي تنتظر البلاد.
استمر في التكلم مع نفسه بطريقة، وكأنه يهذي في السر فسألها، هل يعقل أن يكون للثروة النفطية، علاقة بما جرى وسيجري؟. وأجاب بنفس السياق، كل شيء وارد... هل نسينا الطريقة التي تم فيها التأميم، وذاك الانذار الذي وجهته، الشركات النفطية مبطناً ؟.
وهل غاب عن بالنا قدراتها الفائقة على التدخل، في الدول النامية منها على وجه الخصوص؟.
وهل سينسى الغربيون حادثة التأميم، التي صورناها صفعة موجعة لهم، وهم من اكتشف النفط، واستخرجه من بطون أرضنا الصحراوية؟.
ختم هذياناته المنبعثة في السر، بالعبارة ذاتها التي بدأ بها الاسترسال، في الكلام "كل شيء وارد". وأكمل استرساله في سيل الأفكار، التي تعودَّ التحكم بها في الوقت والمكان الذي يريد:
لم يعِ سياسيونا أن للشركات النفطية قدرات فائقة، في التأثير وخلق الأزمات. كيف يعون وقد اعمتهم الانفعالات الثورية؟.
حاول إنهاء هذا التداعي للأفكار، لكنه عاودها بعد أن وجد فيها، متعة التغلب على الوقت، الذي يمر ثقيلا في الوحشة، ووجد الصورة العقلية لكلام حامد، في ذلك المطعم تنتقل من خلايا ذاكرته البعيدة، الى سطح الذاكرة القريبة. بات وكأنه يسمعها، بصوت حامد الذي يغط في نومه بنفس الزنزانة، عندما قال في حينه، حليم أنت تضخم الأمور كعادتك وتفلسفها، وأستمر في القول مؤكداً، أنه لا يتفق مع هذا الرأي، ويرى أنه من المرجح أن تكون أسئلة وزير الدفاع، وتمنياته مجرد تكهنات تتأسس على أفكار أرسلها، ملحق السفارة الفرنسية العسكري في بغداد، وأراد الوزير الاستفهام عنها.
صورة المطعم القابع أعلى ذاك البرج الذي أنشأه غوستاف إيفل عام 1889، وسمي باسمه، تظهر أمامه بهيأة خيال يقترب من الحقيقة، شجعته لأن يغمض عينيه، بغية التمتع بتفاصيل الطاولات، وأناقة السيدات الباريسيات الجالسات في القرب، وذاك الضياء الليزري باتجاهه، بعيداً من أعلى البرج مثل الوهج الساطع، نهاية كل ساعة.
فكر في إيقاظ حامد ليسأله، كيف لك ألا تتفق مع استنتاجاتي، عن خطورة الموقف في العراق؟.
آه لو كان قد سمعني حامد، عندما قلت له في ذاك المطعم، أن الوضع خطير، وإن نسيبي عبد الرحمن حذرني من المجيء الى بغداد، عندما اتصلت به، قبل الذهاب الى البرج بساعة واحدة.
كم تمنيت لو كنت قد سمعت كلام عبد الرحمن.
يا ليتهم أعانوني بوضع النقاط على الحروف، عندما قصصت عليهم وقائع ذهابي الى بغداد، في الشهر الماضي مع الرئيس السنغالي، الذي زارها بدعوة من الرئيس البكر.
سأل عزام الذي أدرك وجوده صاحياً، ما به في هذه الساعة من الليل؟. فقص عليه ما حدث مع الرئيس البكر، لمجرد الرغبة في الكلام قائلاً، لقد دخلت على البكر قبل دقائق من دخول الرئيس الضيف، فوجدته مجرد انسان، كأنه جسم قد تصلب من وقع الشد، واهن لا يقوى على الحراك، لسانه هو الباقي بوضع سليم، أوقفاه اثنان من المرافقين قبل دخول الرئيس الضيف، وبعد المصافحة، لم يقوى على البقاء واقفاً، بانتظار الجلوس البروتوكولي للضيف.
أراد انهاء الزيارة بسرعة، اذ لم يتطرق الى أية تفاصيل، ولم يلتزم بجدولها الذي وضعته الوزارة، بالتنسيق مع دائرة المراسم، شكر الرئيس على زيارته وابدى، استعداد العراق للوقوف مع السنغال. كان كلام دبلوماسية عابر. لقد هرب من الوقت المخصص لتبادل الحديث بدهاء، عندما أشار الى الوزير الذي يرافق الضيف الدكتور رياض، بإعطاء فرصة له، من أجل الاطلاع على معالم بغداد.
كيف لي لم أدرك ما كان يعانيه البكر؟.
لماذا لم اسأله عما كان يعاني عندما اقتربت منه، في غرفة نومه الملاصقة لقاعة الاستقبال؟.
كم كنت بليداً ساعتها!.
كيف لم أشك في حال رئيس دولة، تعمد إنهاء اللقاء قبل الوقت المحدد؟.
لقد اتكأ في وقفته على حافة الكنبة، حتى غادر الضيف محاولاً تفادي السقوط.
لماذا لم استوضح منه، وقد مشيتُ معه الى غرفة النوم، وحملته بيدي والمرافق الاقدم، لوضعه على السرير كأنه شخص مخدر؟.
لماذا لم أبق معه عندما نظر الى عينيَّ قبل توديعه، وأصرُّ من جانبه على البقاء عندما كلمني يائسا وقال، هذه نهاية لم أكن أتوقعها.
آه لو كنت قد انتظرت الى جانبه دقائق، لعرفت منه فيما إذا كان سيتنازل فعلاً، عن الرئاسة، وهل هناك ضغوط من نائبه، والشلة التي تحيط به، لإتمام هذا التنازل كما حصل؟.
توقف قليلاً عن الاسترسال في الكلام واستدعاء الصور العقلية، وبدل تداعياتها الى صيغة تساؤل، من قال أن البكر سيسرني بمعاناته والضغوط؟.
ومن يضمن أن المخابرات التي يشرف عليها النائب، قبل أن يكون رئيساً، لم تُدس له لاقطات لتسجيل أحاديثه في غرفة نومه؟.
أسئلة كثيرة وردت في الحال، يجيب عنها مخاطباً عزام بطريقته الخاصة، لا تأبه أخي العزيز، إنها مجرد افتراضات لا فائدة منها، لا تنفع في هذا الليل الموحش سوى، لقتل الوقت.
تصبح على خير، وان كنت متيقناً بعدم قدوم الخير.
تنتهي فترة السجن الانفرادي ثلاثة شهور متتالية، تَجمعَ النزلاء في قاعة واحدة، بتوجيه مباشر من الضابط لامع عند حضوره خصيصاً لهذا الأمر.
أنقضى يومهم الأول بلا نوم، اثنان يتعانقان ومثلهما مشغولان بحديث، لا يسمعه الآخرون، لقد تعلموا الكلام بصوت خافت، وتعلموا التفاهم وتعبير الرسائل، بتحريك الشفاه عندما تقتضي ضرورات الحذر.
أنتهى ألم الوحدة وَعدّ الارقام بالمعكوس، والصلاة عشر أوقات، جميعهم تعلموا الصلاة أكدوا حقيقة أن الانسان، وعندما يفقد الأمل في حياته على الأرض، يتوجه الى السماء، بصلاة ينشد منها الخلاص، وكأن كل ليلة يصلي فيها، ليلة قدر، يمكنها تحقيق أمنيات الخلاص، ما دام في داخله شعور بعدم فقدان الايمان بالله، وهو واقف بين يديه، لهذا تحولت الزنازين الضيقة في هذا القاطع الخاص، الى مساجد صغيرة، ترتفع منها الأدعية والتسبيحات، ممزوجة بآهات صامتة وخشوع مهيب، وتحولت المشاعر هذا اليوم، الى إحساس الالفة بالوجود معاً على سفينة، وان كان ابحارها صوب المجهول.
لا بأس من الابحار الى المجهول، مع آخرين يبحرون هم كذلك بنفس الاتجاه.
هكذا نوع من الابحار أرحم، من الرقود في زنزانة على انفراد، وتلقي الضرب بأنابيب مطاط، لا يسمع أنينها شريك يتحمل جزءً من ألم الروح.
تنبه طارق الى حاله، وقد ارتفعت حرارته بشدة، حاول مرتضى دعوة الحارس لإحضار الطبيب، أو حتى مضمد صحي، ولما لم يجد استجابة، توجه الى سرمد للمساعدة في نقله الى الزاوية الشمالية للقاعة، وإبقائه على بطانية عفنة كانت متروكة من أولئك النزلاء الذين أخلوها مساء أمس، قيل إنهم رحلوا، لا أحد يعرف وجهتهم، بعضهم قال إنَّ رحيلهم كان الى قاطع الاعدام، ينتظرون هناك مواعيد التنفيذ، وآخرين نفوا هذا، وحددوا جهة الرحيل صحاري الجزيرة، ليدفنون هناك أحياء.
مرتضى لم يكن مهتما ساعتها بجهة الرحيل، مشغول بارتفاع حرارة صاحبه المفاجئة، وعدم الاستجابة لاستدعاء الطبيب، فاقتطع جزءاً من جلابيته "دشداشته"، خرقة متهرئة، أنقعها في الماء الباقي في علبته المعدنية، وضعها على هامته، طريقة تقليدية لتخفيف الحرارة، لكنها لم تخف بهذه البساطة. لقد استمرت مرتفعة، وأستمر هذيان صاحبها، ببعض العبارات غير المفهومة. ومع هذا لم ييأس مرتضى، فطلب من سرمد، إحضار قدر من الماء، يجمعه من الآخرين، ما تبقى لديهم من ماء، فحال طارق لا تتحمل التأخير، ولابد من تخفيض حرارته.
عاود وضع خرقة القماش البالية في الماء، وكرر وضعها أعلى حاجبيه، هكذا استمر ساعات، غاب خلالها طارق في تيه من الهذيان، عادت به الى الماضي، الى أيام الدراسة الثانوية، والى قريته الجمجمة، وكيفية انتقاله الى صفوف السياسة، عندما كان شاباً في بداية مشوار المراهقة، بعد الاعجاب الشديد بفكرة الوحدة العربية، التي تصور عالمها آنذاك، سلسلة مدن متلاصقة مع بعضها بعضاً، تبدأ عند حدود العراق الشرقية، لتنتهي في آخر نقطة على الساحل المغربي، المطل على المحيط الأطلسي. اعتقدها قوة ستعيد للعرب مجدهم، كما كانوا في أيام الدولة العباسية، وزمن هارون الرشيد، وعادت به أيضاً الى أيام سوريا، عندما وصلها هارباً وهو طالب في الصف الخامس الثانوي، يوم هاجم الأمن، وكراً للحزب في الحلة، وطارد جميع أعضاء الوكر هو واحد منهم.
لقد انفتحت ذاكرته واسعة بتأثير الحرارة المرتفعة، أعادت اليه بانفتاحها تفاصيل الهروب، وكأنها حدثت قبل أيام. استوقفته مساعدة من محمد جواد الشاوردي أحد أقاربه العاملين في بغداد، ذلك الرجل المعروف بعلاقاته الواسعة، مع أصحاب السيارات الخاصة بالحمل، العاملة على نقل البضائع بين العراق وسوريا، وكيف اختار له أكثر السواق جرأة ودراية بفنون التهريب.
لم يكن ذلك السائق جشعاً، فالمبلغ الذي طلبه عشرة دنانير، يستلمها بعد الوصول الى دمشق. كان ذلك اليوم يوماً حاراً، من صيف عام 1956 عندما أيقظه محمد، من منامه على سطح البيت، الذي يسكنه في علاوي الحلة، طالباً التهيؤ لبدء الرحلة الى المجهول، فالسيارة بحمولتها من القطن، المُصدر الى سوريا تقف عند الباب، وسائقها الاسطة كاظم، يطلق إشارة التنبيه من مزمارها المميز، منادياً بصوته الخشن، لقد حان وقت الرحيل.
مر صوت المنبه في ذاكرته، كأنه يسمع نبرته في هذا الجو المعتم، ومرت صور نزوله من السطح، بسرواله الأسود وقميصه الأبيض، كأنه يراها أيضاً. أندفع في ذاكرته عميقاً، فتش عن شيء يشعره، بعافية الشباب يوم كان لا يعير اهتماماً للحرارة التي ترتفع، فجاء أولاً، صوت الأسطة كاظم، عند الاقتراب من سيارته يوم قال، دعك من هذا اللبس الصبياني، لن نذهب في سفرة مدرسية، الى جنائن بابل المعلقة... عد الى البيت غيّر لباسك كما هو لبس الصناع "دشداشة" وحزام على الوسط، لكي يبدو منظرك مساعداً لي، في طريق السفر الطويل.
لم ينس ذلك الترحيب القوي، من قبل الاسطة كاظم، بعد ارتداء "الدشداشة" عندما قال، نعم هذا تمام، من يشاهدك الآن يقول مساعد جيد، وان كنت نظيفاً أكثر من اللازم، لا بأس سيأخذ التعَرق، والغبار على الطريق من هندامك مأخذاً.
وتذكر أيضاً سؤال السائق، عن معرفة السياقة، وتلقينه بعض الإجابات الدارجة، مع قليل من المصطلحات الفنية، وكلمات عادةً ما يكررها المساعدون، في ردهم على اسطواتهم من السائقين، وجاء في آخر سيل الذكريات شجاعة ذلك السائق، إذ لم يخشَ في طريقه حتى دوريات الشرطة العائدة للجمارك، المخولة بالتأكد من تصاريح التصدير ونوع البضاعة المصدرة، وثقته من أن لا أحد يدقق في الأوراق الثبوتية، في أثناء الطريق ما قبل نقطة الحدود.
لقد وجد في الاستذكار فرصة هروب، من هذيان الحرارة، فاستمر بها مروراً على سيارة الحمل، التي كانت تسير يومها بسرعة قصوى، لا تتجاوز الستين كيلومتراً في الساعة، وعلى توقفها عند انتصاف الليل، بمسافة خمسة كيلومترات عن نقطة الحدود العراقية السورية، ليعلن الاسطة كاظم اقترابهم منها، ولزوم النزول من قمرة السيارة، الى مكان الاختباء، الذي أعده ملائماً وسط بالات القطن، وان كان حاراً ومظلماً.
قارن بين ظلام المكان بين بالات القطن، وبين نور هذه الزنزانة الموحش، فوجد الأول نعمة نهار، يتمنى البقاء فيها ساعات بل أيام. لقد كان ذاك الظلام مسراً، فيه أمل الوصول الى المكان المطلوب، عكس هذا النور، الذي لا نهاية لوحشته القاتلة. كان ذاك الظلام عالماً تنفتح فيه الاسارير، عالم يمكن أن يمتلك المرء مفاتيحه، خاصة وإن مئات سبقوه بامتلاك المفاتيح، أما هذا العالم فهو عالم مغلق، لا يفضي سوى الى المجهول. حقاً لقد أبدع الأسطة كاظم، بترتيب هذا المكان وسط البالات، جيباً فارغاً بحدود المتر، يسمح بالتمدد المكور على بدن السيارة، ويسمح أيضا بالحركة، لتفادي سيخ الحديد، الذي عادة ما يغرسه شرطي الجمارك الحدودية، سبيلاً للتأكد من كامل الحمولة، قطناً كما هو مثبت في اذونات التصدير، كان مناسباً للتهرب من ذاك السيخ، الذي غرسه الشرطي، كأنه سهم أطلق من قريب.
تذكر كيف استطاع تفادي ذاك السهم بحركة الى اليمين، وأخرى الى الخلف، مثل مقاتل قديم أخذَ له مكاناً مميزاً، عند أحد مزاغل القلعة التي يدافع عنها، مع غيره من الجند باقتدار. عاش الرجفة ذاتها خشية أن يأتي السيخ على أحد عينيه التي مر من أمامها بمسافة لا تتعدى السنتمترين، لكن الجالسين من حوله يراقبون حالته، اعتقدوا حدوث هذه الرجفة، كنتيجة حتمية لانخفاض الحرارة، بعد ارتفاعها الشديد.
استمرت الذكريات متلاحقة، توقف الجسم عن الارتجاف، أكمل وقائع الاستذكار متتالية، كأنه يقرأ رواية مثيرة، لا يقوى على تركها قبل اكتشاف النهاية، والنهاية في قصته هذه التي حدثت من عقدين، ونصف من الزمان تتعلق بتوقف سيارة الحمل، بعد قليل من السير داخل الحدود السورية، ونزول الاسطة كاظم، لإزالة بالات القطن المرتبة جيداً، وخروجه غارقاً بهموم الظلمة والتعرق، يلهث حاجته الى الاوكسجين. قارنها بحالته الان، فوجدها نزهة تستحق الاحتفاظ بتفاصيلها، لانعاش الذاكرة، ووجد في كلام الأسطة كاظم "حمداً لله على سلامة العبور، وعدم فقدان الوعي داخل الجيب الفارغ"، والاشادة بالشجاعة، قوة دفع أعانته على الصبر، وتحمل ما آلت اليه الحال. لكنه وفي الوقت نفسه، ضحك على حاله، ضحكة لم تظهر، ولم يلاحظها القريبين المشغولين بارتفاع حرارته. تمنى لو أن الأمن في ذلك الوقت وتلك الرحلة، قد ألقى عليه القبض آنذاك، وأحتجزه لفترة زمنية لكان قد تبدل المستقبل، ولما وصل الى هذا السجن أبداً.
الساعات التي قضاها راقداً على بطانية، رائحتها تشبه رائحة الموت، تماثلت في مشاعره المبعثرة كالسنيين، وقف فوق رأسه الجميع، بينهم الحديثي مرتضى، مَثلَ دور الطبيب المنقذ، ومثلَ استفساره عن الحال، وماهية الشعور عاملاً لقطع سيل الأفكار الملذ.
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/38694-2019-01-18-21-54-05.html
4686 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع