خالد شحام: قراءة في كتاب “العراق بعد الغزو ” للدكتور سعد ناجي جواد – لأني غريب.. لأن العراق الحبيب بعيد وإني هنا في اشتياق! رسالة من ضفاف دجلة والفرات إلى شعب العراق العظيم!
الجزء الثاني
هذا هو الجزء الثاني من المقالة المخصصة في قراءة كتاب ( العراق بعد الغزو ) للدكتور سعد ناجي ، أعتذر سلفا إن شعرتم بأنني أطلت الكلام ولكنني وقعت في حيرة من أمري : هل أفتت المقالة لجزء ثالث أم أنهيه في جزئين ؟ لو قدر لي لفصلت كامل الكتاب ومتعلقاته في عشر مقالات لأهمية الموضوع وحساسية الثقل العراقي في القارة العربية .
جرت العادة أن عملية القراءة هي عملية تراكمية تتمتع بالخاصية البنائية الفكرية ، ليس للمعرفة والحقائق فحسب بل من القيم المضافة التي تولدها المشاهد والصور والشخصيات والأحداث المتتالية التي يأخذك فيها الكتاب ويرسم لك فيها النتائج والعواقب ، يمكنني القول ومع تقدم القراءة في فصول الكتاب بأن التوابع التي تلت الغزو الهمجي للعراق كانت أشد وبالا وخطرا من الغزو نفسه بألف مرة ، لقد تعمد الهمج الغزاة أن يتركوا وراءهم جرحا نازفا و تركة ثقيلة من الخراب والتخريب الذي يستمر مفعوله لعقود طويلة وأخطر تركاتهم تلك التي تتعلق بالعنصر البشري وترتيب وضعية لا يمكن الفكاك منها ، لقد نجحوا في ذلك وتحول العراق الى دولة فاشلة عاجزة عن تأمين أبسط متطلبات الحياة لأبنائها وشعبها وتحول البلد الذي تقول معادلات التنبؤ الاقتصادي بأنه من اكثر البلاد العربية ثراءا وغنى وعلما وحضارة إلى مسرح للشقاء والافتقار لشربة ماء نظيف وطاقة كهربائية متاحة وخبز خال من الحصى والقش وحتى ان المواطن فيه لا يجد وقودا لسيارته أو بيته أما عن الامان فلا داعي للسؤال ! إن حالة الجاهلية التي كانت تُعبَد فيها الأصنام ويقدس فيها الحجر لهي أكثروعيا و رحمة من بؤس المشهد العراقي الداخلي الذي يمنح الطمأنينة للمغول الجدد بألا يقلقوا من جانب العراق لألف سنة قادمة !
في نهاية الكتاب ستكتشف بأن الدكتور سعد أسقط في وعيك ألم العراق بأكمله وجسّد المأساة العراقية بكل التشعبات والأشواك المعقدة فيها إلى الدرجة التي تقول فيها بأنك بحاجة إلى معجزة ربانية لإنقاذ العراق من كم وانواع الأفخاخ أو المستنقعات التي تحيط به ، وعندما قدم رؤيته للحل ومقترحات الوحدة العراقية ستعاود فكرة المعجزة الحضور ثانية إلى مخيلتك حتى تجمع هذا الانقسام المصنع في معامل الموساد و (السي آي ايه ) و (إم آي 6 ) وجيش كبير من العملاء والفاسدين والخونة والأبواغ والفطريات السامة التي زرعها الغزو الجائر.
إن استعادة الذاكرة التي يمنحك إياها الكتاب تؤهلك لتفهم بأن ما حيك ضد العراق ليس تاريخا طواه الزمن بل هو مؤامرة حية تجري نفس فصولها في سوريا وربما اليمن وربما الجزيرة العربية في المرحلة القادمة لأن درس العراق منحهم أفاقا جريئة و خصبة وواسعة للعبث بالأمة وهندسة الشعوب بأدوات داخلية ، في النقاط القادمة الآتية أكمل لكم جملة من الملاحظات غير المصنفة التي تمزج بين الرأي الشخصي وبعض الحقائق التي يرويها الكتاب وبعض الومضات التي اخترتها لأعرضها على وعي القارىء العربي إما لأنها من باب ( شر البلية ما يضحك ) أو لوجود عبرة وجوهر ما يقيم فيها :
التحديات الحقيقية الحالية التي تواجه العراق في جوهر مصيبته تتمثل في ثلاث نقاط : أولا الغزو الامريكي والتركة الفيروسية له من التخريب والفساد والخونة والعملاء وصانعي التعويق والشد العكسي ، ثانيا الفيروسات الداخلية المبيتة في المجتمع العراقي والتي كانت في طور الرقود والسكون واهملت في العلاج في فترة حكم حزب البعث حتى تقيحت وتورمت ثم تحولت الى نزوة سياسية انتقامية مبيتة يمكن لأي كان ان يلعب عليها لتحقيق مآربه من الطائفية والاثنية والمحاصصات المتنوعة الاصول والمبررات ، ثالثا فيروس التكتلات والبلوكات السياسية التي نجمت عن العاملين السابقين وتمثلت في القوى السياسية المسلحة التي تحولت الى بعبع يرعب اي رئيس وزراء او تجمع وطني يرغب في اعلاء صوته والمطالبة بأي تغيير وهذه التكتلات والعصابات لا تعكس الا جوهر التشرذم والتفتت والانقسامات الكبيرة داخل المجتمع ثم تترجمت الى تهديد حقيقي للحياة لكل مفكر ومؤثر صالح يريد الخير للعراق ، أضيفت لهذه التحديات هدية مجانية مفبركة مُنحت الأولوية في العلاج اسمها داعش والمنظمات الباطنية ونسي الكل هموم الوطن و صارت داعش والارهاب والنفوذ الايراني هي المشاكل المضافة المطلوب حلها اولا ، لقد تم إنشاء صف طويل جدا من المشاكل التي يتوجب حلها قبل الوصول لمعالجة مشكلة جذرية واحدة.
إن إعلان الولايات المتحدة عن رغبتها في في خلق ديموقراطية عراقية قبل وبعد الغزو لا تختلف عن رغبتها في اقامة دولة فلسطينية ( خارطة الطريق – صفقة القرن ) ولا تختلف عن نواياها بعمل سوريا ديموقراطية ولا يختلف عن اعلانها لعدة مرات عن أمنياتها بوجود يمن ديموقراطي ومسالم ، فإذا عرفنا كيف تم اعداد ( دستور) عراقي مفصل على يد الصهيوني المجرم برايمر لحماية جنوده ووكلائه واعوانه وتكريس الطائفية والمذهبية وخلق مشاكل اكثر من الحلول ووضع قانون دولة يعزز الاقاليم الانفصالية عندئذ يمكننا ان نفهم تماما نوعية الوعود الأمريكية ونوعية الديموقراطية التي يتكلمون عنها ، من الواضح أن التجربة الامريكية التي مورست في حق العراق أكسبت هؤلاء الفائدة القصوى لممارسة التقسيم والفوضى داخل بلدان اخرى حتى دون احتلالها وبرأيي الشخصي الذي يمكنني قوله الان بثقة بأن الربيع العربي لم يكن سوى وليد غير مباشر للدروس المستقاة من التجربة العراقية واستكمال فعلي للتمزيق المصطنع داخل العراق والذي لم يتوقف حتى الان ، وما تعلموه من دروس في تمزيق العراق طبقوه في الدول الأخرى بالتمام والكمال تحت نفس اللائحة من الدعاوى والمطالبات الحقوقية المؤلفة على يد إبليس بنفسه.
في العالم العربي أو ( العالم الثالث ) بالمجمل ظن اليساريون أو البعثيون أو الاشتراكيون بأنهم ورثة القومية العربية وحملة الأداة المناسبة لمواجهة المرحلة الأمريكية من عمر العالم وظنوا بأن الديكتاتورية العسكرية هي ضمانة الايديولوجيا التي ستمنح الحصانة الكافية لهم ولها ، وضمن هذا الفهم الجائر تم سحق كل الاختلافات والتنوعات والتي هي في الأصل عناصر القوة الحقيقية ، نسي هؤلاء أيضا بأنهم يواجهون نمطا مغايرا ومتحورا من الرأسمالية الغربية بحلتها الرقمية التراكمية الجديدة التي عززت شهوتها الاستعمارية نتيجة لتطورها في نمذجة العالم الذي تديره وتمكنها من الأدوات الرقمية المحوسبة التي ألغت ومسحت من ذاكرتها كل مفاهيم القوميات والأعراق والأديان والشعوبيات ، لقد كان العراق فريسة تجريبية ثانية بعد أفغانستان للحرب الإلكترونية الرقمية باتصالاتها وأسلحتها وتنبؤاتها ورصدها الفضائي وعمليات التجسس التي لم تكن تخطر على بال أحد من القيادات العراقية ، ظن أيضا تجار الدين السياسي وأصحاب بقالات الطوائف والذين يمثلون الانتهازية السياسية الدينية المطلقة المعنى أن هذه البقالات المزيفة قادرة على احتواء أو الاستفادة من الوحش الرأسمالي الجديد الذي غزا العراق وركوب موجته لنيل بعض المكتسبات الدنيئة التي زادت في تمزيق وتحطيم العراق ، الحقيقة الوحيدة التي تجسدت على أرض الواقع هي أن هذا الوحش هو الذي ابتلعهم جميعا ونكّل بهم واستغلهم أبشع الاستغلال وحولهم إلى ألغام داخلية ، لسبب واحد بسيط هو أن كل منهم ثمل ومخدر بالتفكير بنفسه ولم يكن يفكر بالعراق الوطن ، الجهة الوحيدة التي تمكنت من فهم أبعاد هذه اللعبة وحققت بعض الوخز هي أولا المقاومة العراقية التي أشار الدكتور سعد لنجاحها النوعي وقدرتها على إبكار هروب الغزاة واستعجالهم في فرض دستور هزلي يصلح كبيئة مناسبة للفيروسات التي زرعوها من الفساد واللصوصية والانتهازية بكل صورها ، وثانيا الهبة الشعبية ضد الفساد واللصوص بكل أشكالهم ودياناتهم وطوائفهم .
يمكن القول ان الدكتور سعد لخص مصائب العراق الكبرى في ثلاثة فصول : الاحتلال – الدستور العراقي – المعضلة الكردية ، لا أريد الخوض في المسألة الكردية ولكن يكفي ان نعرف نقطة واحدة كمثال في الشأن الكردي الشائك جدا : ذات يوم قفز مسعود برزاني فجأة مطالبا بإعلان الاستفتاء على الاستقلال في العام 2017 كورقة خانقة للحكومة العراقية وسط الفوضى الهائلة في البلاد وفي الوقت الذي كان فيه العراق يغرق حتى أذنيه بورطة مصنعة خصيصا اسمها داعش من القتل والمفخخات والتهجير والدم ، تبين لاحقا ان المستشارين الذين احاطوا ودفعوا بمسعود الهوشياري لنصحه بالاستفتاء إياه هم كالاتي : الصهيوني برنارد ليفي – زلماي خليل زاده السفير الامريكي المتصهين الاسبق في العراق – برنارد كوشنر اليهودي الصهيوني – وزير خارجية فرنسا الاسبق – بيتر غالبريث مؤلف كتاب (نهاية العراق) ، يشار ايضا ان دولة الامارات ساهمت بمبلغ 25 مليون دولار لتنظم الاستفتاء وتحسين أدائه والباقي عندكم .
من طرائف الاحتلال والاستعمار الثلاثي الذي مزق العراق تلك المعادلات الغريبة التي يتم تفصيلها على مقاس كل بلد لتسويغ الادخال العسكري والفئوي فيه حيث يتحول البلد المستهدف الى ذلك النوع من لوحات التهديف التي تعلق على الحائط ثم ترمي عليها سهما معدنيا وتتسلى بها أنت وثلة من أصدقائك بلا قيد و لاشرط وهذا ما حدث مع العراق حيث تم التدخل فيه من كل الدول المجاورة للنهش من لحم الجمل عندما وقع ، فسبحان الله ايران مثلا عززت فورا من نفوذ الاحزاب الشيعية بدعوى حمايتهم ، تركيا دخلت بدعوى دعم التركمان وبعض الاحزاب السنية ومواجهة الكرد ، دولة الكيان مدت يدها من خلال الاكراد بدعوى دعمهم ومنحهم الاستقلال وتقديم المشورة والدعم ، بعض دول الخليج دعمت احزابا وشخصيات سنية بدعوى الحماية لهم والتخوف من النفوذ الايراني ، واذا اضفنا الى ذلك اطلاق وبناء عشرات محطات الفضائيات الناطقة باللغة الهيروغليفية الشوارعية المخصصة لإلهاب الاحقاد والفرقة وخدمة القديس برايمر بكل إخلاص فهكذا تحولت ساحة العراق الى أتون مشتعل بدرجة حرارة 1000 سلسيوس ، أتون مكرس للطائفية والمذهبية المقنعة والتي تخفي تحتها حقيقة الاستعمار القبيحة التي اشعلت النار بين مكونات البلد وتحول العراق الى مسرح للمليشيات والمفخخات والعذاب والتطفيش والتهجيروصناعة الكباب البشري بالدهن المحلي وتحويل حياة الشعب العراقي الى مأساة متواصلة بتذكرة واحدة ، تلاحظون بأن نفس هذا السيناريو تم تعلمه ونقله بالتمام والكمال الى سوريا ولبنان وليبيا ومؤهل لجلبه الى دول أخرى تتحضر له ، انها بصمة الديموقراطية اللطيفة الموعودة المنتجة من الثلاثي المميت التي لم ينتبه اليها احد الا بعد فوات الاوان ( كما ذكر الدكتور سعد بعد تصدع المجتمع العراقي افقيا وعموديا )، إن لعبة توزيع دم الضحية بين عدة جهات هي أضمن وأفضل وسيلة لتمزيقها وعدم تحمل أية مسؤولية عن كل هذه الجرائم التاريخية .
من الواضح الان أن العراق يمتلك مستقبلا مضمونا في الغرق والتخبط إلى ما شاء الله بسبب التدخلات والعبث والتأثير في النهج السياسي العراقي من كل الكائنات الانتهازية المفترسة التي اشتركت في النهش ، ومن هنا يمكننا أن نوجه رسالة للجمهورية الاسلامية في ايران والتي نحتسبها في الصف الصحيح باتخاذ قرار أخلاقي وتاريخي وغفراني يقفز فوق الماضي ويعلو في نظرته نحو العراق كشريك وجار وحليف وليس كتابع أو عبد وأن العدو المشترك الصهيو- أمريكي هو الذي صنع الحرب بين البلدين وانشب روح العداء ، ندعو ايران أن تمارس روح العظمة الأممية التاريخية بأن تقف مع العراق وقوفا صادقا لمنحه الفرصة للاستناد على قدميه مرة ثانية ضد الفوضى والضياع الهائل الذي أورثه الاحتلال الأمريكي وتفويت الفرصة لنجاح نظرية الفوضى الأمريكية على ارض العراق ، يمكنها أن تفعل ذلك بالتوقف عن التدخل في القرار الداخلي العراقي والتوقف عن دعم الكتل السياسية الدينية المتربصة هنا وهناك والتي تعرقل انجاز أي مشروع اصلاح وطني ، لو فعلت ايران ذلك فإنها ستكون بصدد انجذاب طبيعي من الشعب العراقي وستحظى بتأييد واسع ونظرة احترام كبرى في بلاد العرب وعبر العالم وتمسح كل رصيد الماضي المليء بالألم .
الواقع الحالي لعراق اليوم يمثل دولة توصف بالأكثر فسادا والاكثر فشلا ، دولة تتمتع بمقومات ثراء فاحش ولكن اكثر من ثلث ابنائها يعيشون تحت خط الفقر ومعدلات البطالة ، وخُمس سكانها يعيشون في مخيمات اللجوء هربا من القتل والفوضى والبؤس وما يسمى الارهاب المصنع خصيصا ، يعيش في هذه الدولة اكبر عدد من الايتام والارامل الذين لا يشعر بهم احد ، نسبة الامية تفوق الاربعين في المائة والقوة العلمية التعليمية في الحضيض، وِزر هذه المعالم المرعبة تتحملها الحكومات العراقية المتعاقبة والاحزاب اللاعبة وعلى رأسها قيادات الاحزاب الكردية التي حظيت بأكبر النفوذ عقب دعم الاحتلال الامريكي لها .
من ضمن الوخزات الصهيونية المتآمرة يشير الدكتور سعد إلى أن الكثير من الباحثين في الشأن العراقي من الجانب الاستعماري يبدأون حديثهم عن العراق بوصفه دولة ( فسيفساء ) ودولة مصطنعة أنشاها البريطانيون عام 1921 ولا جذور تاريخية لها وان مكونات هذه الدولة فشلت في التوحد فيما بينها ، بمعنى واضح أنه بلد تتنوع فيه الاعراق والديانات والمذاهب والتنوع يتغلغل حتى داخل الصنف الواحد ، هذه الإشارة ليست مجانية وتهدف الى الغمز الضميري بأن هذا البلد ليس له تاريخ أو شأن وأنه مجرد لمم عارض لا قيمة له ولا أسف عليه اذا تم غزوه او التضحية به وكذلك استخدمت هذه الأرضية التوضيحية لتوطأة التدخل تحت ذريعة حماية الاقليات والاعراق والاديان ، الأمر الذي اريد اشارة اليه من جانبي كقارىء بسيط هو حالة التماسك والتعايش السلمي لكل من عاش وتعامل مع الشعب العراقي قبل الغزو وقبل زرع الفتنة بداخله ويؤكد الدكتور سعد بأن هذا النسيج لم يكن يوما سببا في ضعف او حرب أهلية أو غير ذلك وأن كل هذه المضافات هي صنيعة للغزو القبيح الذي حل بالعراق ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بشأن العراق الذي له عمر وحضارة تكافىء كل تاريخ الولايات المتحدة القائمة على البطش والقتل : ماذا بشأن الولايات المتحدة نفسها وماذا بشأن كل بلد غربي من بلادهم ألم يكونوا هم فتات وفسيفساء متناحرة أشد مما يدعون على العراق ؟
من الضرورة بمكان الانتباه الى دور وحضور الشعوذة الدينية واللعب على المشاعر الدينية للشعب العراقي وتحويل الفكر الديني الى مظاهر تخلف واساءة وتجييش اعمى وسكاكين تقسيم فوق التقسيم ، ان فشل الاحزاب والقوى العلمانية والقومية في مواجهة الكيان الصهيوني ساقت من حيث لا احد يحتسب الى ترويج السلعة الدينية وبناء امبراطوريات الاوهام عليها وبيعه جيدا الى الشعب العراقي في المناسبات والتحشدات والصلوات مما زاد من نمو الجدران وعمق الانقسام الطائفي والعرقي وتحول الشعب العراقي الى بقالات ودكاكين تعرض كل منها بضاعة سامة تنافس جارتها في التسميم وافشاء الكراهية ، الدين الجديد الذي ظهر في العراق عقب الغزو هو دين ( الدفاع عن المكون وعن المذهب مهما كان الثمن ، ومن المؤسف ان ايران ساهمت في إذكاء نشاط هذه البقالات من حيث لا نريد ان نرى مثل ذلك واشتغلت اسرائيل على نغمة ( الشعب الكردي المظلوم والمضطهد ) لإثارة الحنين الكردي للانفصال وزيادة الضغط على النظام الرسمي ، زاد الطن بلة عندما اقدم نظام البعث على ترحيل الاف العائلات الشيعية الى ايران بدعوى أن بعضهم قام بعمليات ارهابية ضد العراق وانهم من اصول ايرانية مع انهم يحملون الجنسية العراقية مما ولد استقطابا عالي الحدة ، ان القشة التي قصمت ظهر البعير هي الحرب العراقية الايرانية التي يؤكد الدكتور سعد في كتاب بأنها كانت خطأ مميتا من القيادتين وأنها حرب إلهاء وتحطيم داخلي وان انتصار العراق في هذه الحرب لم يقد الى انهاء الانقسام الطائفي او يخفت وهجه .
قدم الدكتور سعد رؤيته الشمولية لمقترحات متنوعة لوضع أسس لوحدة وطنية مأمولة او منشودة ، جمع القوى الوطنية وتعديل الدستور الكارثي واعادة هيبة اجهزة الدولة الرسمية واغلاق المحطات والفضائيات الذبابية التي تكرس الجاهلية والفتنة والانقسام وإعادة تفعيل أجهزة وخدمات الدولة بشكل حقيقي وفاعل ، يبدو الكلام عقلانيا ولا غبار عليه تماما مثل مقترحات عقد المصالحة الفلسطينة المستحيلة او مثل مقترحات تشكيل حكومة لبنانية ورئاسة متفق عليها وخطوط عريضة للمصالحة الداخلية ، ارجو الا يفهم الكلام انني انقص من كلام ومقترحات الدكتور سعد ولكنني اعلم مثلكم بان العقد في المنشار اكثر من طموحاتنا ورغباتنا ، من يقرأ مجموعة هذه الافكار يتأكد للتو بأن حل مشاكل العراق ولبنان وفلسطين والسودان وسوريا قائمة في توحيد الرؤية نحو التخلص من العدو الاساسي للامة العربية وهو الحلف الصهيوني الامريكي.
يذكر الدكتور سعد في احدى العبارات بأن بعض السياسيين العراقيين وصلوا إلى مرحلة من النضج الانحطاطي بحيث لم يعد الجمهور يميز فيما اذا كانوا عراقيين ينتمون لبلدهم او ممثلين عن ايران أو الولايات المتحدة او حتى عن الكيان الصهيوني أو خليط من هذا وذاك لأن كل واحد من هؤلاء يلوذ فورا الى مرجعيته كلما احتاج دعما او تعيينا او منصبا مما حول العراق الى جمهورية موز حقيقية .
إن عملية احتلال العراق واطلاق الوعود للمعارضة العراقية باستلام دفة الحكم ورسم طريق الزهور للشعب العراقي بالحرية والازدهار كان أكذوبة لم تقع عواقبها فقط على حزب البعث بل أيضا على كل الخونة وكل المرتزقة وكل الشعب العراقي بكامل اطيافه ، لقد كانت اكبر عملية تزوير وخداع عرفها التاريخ ، أجمل ما في الأمر وحسب تعبير الدكتور سعد فإن بعض الخونة من المعارضة الكاذبة اتهمت هؤلاء الوارثين الذين حولوا العراق الى مهزلة ومأساة بأنهم هم من افسد الاهداف ( السامية ) للغزو وانحرفوا عن بوصلة الاهداف الوردية التي كانت مرسومة من قبل الأمريكان !
هنالك بعض الفقرات او الاضاءات التي كنت اتمنى أو اتوقع حضورها في فصول الكتاب حول ملف النفط العراقي وما الذي حققته الولايات المتحدة للعراق من وراء هذا الملف – ما دور الخليج العربي – كيف يمكن للتحالف مع الصين وروسيا ان يغير من مستقبل العراق .
في بارقة امل حاضرة دائما يؤكد الدكتور سعد بأن شعب العراق يتمتع بالاهلية والكفاءات والقدرات والوعي اللازم بما يجري في العراق والادراك التام لانتهازية الاحزاب والعصابات والسياسيين وخير دليل على ذلك هي التظاهرات التي انطلقت من جنوب العراق في العام 2019 احتجاجا على الفساد والخراب وضجر الشعب من مصاصي الدماء وتظاهرات 2018 الكردية ضد الاحزاب الكردية التي كذبت على شعبها ويشير الدكتور سعد بان أعمار المتظاهرين كانت من الفئة 19-25 سنة مما يزيل عنها التهمة المعلبة سلفا بانهم أعوان وبقايا النظام السابق .
لا شك أن التاريخ المظلم يقيم الان في العراق في ذروة مهزلة حضارية انحطاطية تتزعمها دولة مارقة تمارس الزعرنة الوجودية على العالم الذي نعرفه بتفاصيله ودوله وسياساته وتسوق القوة كوسيلة وحيدة لحكم العالم ، دم العراقيين كما تقول صحف الأولين لن ولم يذهب هدرا ، إنه رصيد ناري محفوظ الحقوق يضاف إلى رصيد واسع في بنك الدماء البريئة التي هدرتها هذه الدولة المارقة ، دماء الهنود واليابانيين والكوريين والفيتناميين والصينيين والفنزويليين والكوبيين والفلسطيييني واليمينن وغيرهم الكثير ، هذه الدماء والأرواح ستعود لتتقمص الجند الصحيح وتعيد ميزان الكون لمكانته الطبيعية ، من يؤمن بعدالة الخالق وعدالة هذا الكون يؤمن ايمانا مطلقا بان ذلك هو الحق الذي ستكون عليه الأمور ، الولايات المتحدة تعاني الان من استنزاف هائل ، لا تعتقدوا بأن الدعم المستميت الذي تتلقاه أوكرانيا والصهيوني زيلينسكي ياتي من فراغ أو من العدم ، إنه يأتي من قوة هذا البلد ومن رصيده الذي لا يريد بأي شكل من الأشكال أن يظهر ضعيفا أو هزيلا ، معركة كسر روسيا هي جزء من المعركة النهائية لهيمنة الدولة المارقة وروسيا سوف تفوز .
أريد أن أبشر الدكتور سعد المناضل وكل الشرفاء من أمثاله و أبناء الشعب العراقي بأن حقكم التاريخي محفوظ جيدا في مكان ما من هذا الكون دون تفريط ولا إنقاص ولا ضياع ، ما فعله هؤلاء المجرمون في العراق سوف يلقونه غيا ، بشائر الانهدام لهذه الدولة ترسمها اليوم روسيا دون تراجع ولا مهادنة ولا تذلل كما فعل أصحاب الناقة وأصحاب حفر الباطن ، الشوط التالي من المعركة النهائية سيكون بتوقيع الصين ومن ورائها الحلف العالمي الجديد الذي يتشكل ببطء وقوة وثبات نحو كوكب جديد بقوى جديدة ستغير كل معادلات الشرق الأوسط والأدنى والأقصى ، إن نجاح الحكومت العراقية مرهون بوضع يدها طوعا أو كرها مع هذا الحلف الجديد وليس العراق فحسب بل كل الدول التي سامتها الولايات المتحدة سوء العذاب ، مطلوب منكم أبناء العراق الان أن تشكلوا وحدة قيادة سياسية واحدة تلهم الشعب في الداخل والخارج ليسير بخطى واثقة نحو إعمار البلد وتخليصها من السلاح المنحرف والانتماءات السرطانية وحفنة اللصوص بالقوة السلمية المتاحة وزخم الجماهير العراقية التي يمكنها أن تغير كل المسار بعد فشل هذه الزبالة الحزبية والطائفية والمذهبية .
1199 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع