سليمة مراد (1905 - 1974) شغلت الناس فنا وعطاءا
حسين الاعظمي/باحث موسيقي
سليمة باشا … سليمة مراد … أي التسميتين تدلنا عليها … إنهاالمغنية العراقية الشهيرة … المثيرة في شخصيتها الفنية … شغلت الناس فناً ، و اعطت لهم من حياتها الكثير… عبرت عن حياتها وعن نفسها… شهادة دراسية بسيطة … أو لا شهادة..!! عشقت الفن والموسيقى والغناء … حفلات في أرقى البيوت البغدادية ، فكان ناظم الغزالى ، القدر المحتوم ، القدر المنتظر في حياتها … عشقته ، ثم تزوجته رغم أنه يصغرها بأكثر من عقد من السنين
ثم بدات حياة جديدة لكليهما ، حياة فنية ، حياة طافحة بالحب والفن والامل ، تجربة جديدة ، خبرة جديدة كيان جديد .. اغان جديدة ، علاقات جديدة …… لكنها … لم تدم طويلاً … أعمال فنية كثيرة … صفقات رابحة … خيبة في النهاية …
لقد مات ناظم الغزالي وهو في ريعان شبابه ، و بقيت سليمة مراد وحيدة مع نفسها حتى وفاتها … أيام لا تنسى مع حبيب ملك القلب حباً و عشقاً… سنوات عشر عاشا فيها كزوجين حبيبين فنانين …
رأيت سليمة مراد بعد ذلك وقد تقدم بها العمر … كنت أراها يومياً على وجه التقريب جالسة في طارمة بيتها … المعلقة قطعة على بابه الخارجية كتب فيها ( منزل ناظم الغزالي ) … هذا البيت الكائن في الشارع الخلفي الموازي لشارع 52 أي خلف دائرتي الجوازات ومجلس الخدمة في بغداد… كان ذلك مطلع العقد السبعيني … وفجأةً اختفت ولم أرها بعد ذلك ، حيث ذهبت الى بارئها في 1/ 1 /1974 … هكذا النهاية إذن … تزهدت عن الفن والغناء بعد فاجعة وفاة زوجها الفنان المعجزة ناظم الغزالي في 10/21/ 1963 ، تزهدت أو شبه ذلك … فابتعدت منذ ذلك الحين حتى أصبحت الحياة لا تثيرها و لا تعلق عليها أهداف ، لقد سخرت من هذه الحياة و سخرت من أي علاج لها …
لقد كانت سليمة مراد ، تحاول أن تصف لنا من خلال مقاماتها القليلة وأغانيها الكثيرة ، طبيعة الحياة التي عاشتها … التي وصلت فيها الى أعلى درجات الحضور، وقد تعاظم نفوذها الفني والشخصي في المجتمع لفترة طويلة من حياتها.. إن الحديث عن المطربة سليمة مراد ، خاصة تجربتها ذات الأبعاد المختلفة مع زوجها الفنان الراحل ناظم الغزالي كزوجين فنانين ، حديث ذو شجون ، ان هذه التجربة الكبيرة والمؤثرة في مسيرة حياتهما من جانب ومسيرة الفن الغناسيقي العراقي والعربي من جهة أُخرى ، لم يقدر لها أن تدوم أكثر من عقد من السنين ..!! ومن ناحية أُخرى فإن غناء سليمة مراد سواء على صعيد الاغنية أو المقامات على قلتها ، كانت فيها تحاول أن تكشف النقاب عن عالم تعبيري حالم يعكس حياتها وزهوها وهي في ذروة نجاحاتها الادائية وتأثيرها الكبير في المجتمع البغدادي على وجه التخصيص … وهو ما نجحت فيه أيما نجاح … حيث عاشت سليمة في خضم ترف التعابير الادائية البغدادية التي كانت عالمها المؤثر التي نستطيع من خلالها أن نتحدث عن نتاجاتها الغنائية الاولى التي ستبقى أغانٍ خالدة في التاريخ الغنائي يبقي العراقي مثل:
أُغنية … الهجر مو عادة غريبة … هذا مو إنصاف منك … يعاهدني … مقام البنجكاه … يا نبعة الريحان … راح حبنا … الخ.. فقد وصلت سليمة في هذه الاغاني الى الخيال العام للمجتمع البغدادي والعراقي… وقد استحوذت على اهتمام فئات المجتمع المتذوق للموسيقى … كما إن التحمس لأغانيها كان من الرجال والنساء على حد سواء وبمختلف الطبقات الاجتماعية … لقد كان هذا الحماس الجماهيري لمتابعة أغانيها ، حماساً صادقاً … لماذا .. ؟! أعتقد إن من أهم اسباب نجاحها الادائي في أغانيها ومقاماتها ، هو وصولها في عنصر التعبير الادائي عن هموم ومعانات المجتمع العاطفية ، ليس على مستوى المسارات اللحنية فقط ، بل حتى على مستوى التعبير عن الكلمة الغنائية الملائمة لالحانها على وجه العموم .. بحيث جعلت إمكانية الاستماع اليها من عدة مستويات ثقافية في المجتمع ، إضافة الى المستوى الفني العام للأداء الذي يمكن الاستماع اليها بمزيد من المتعة … إن هذا الوصف الصريح لإمكانيات سليمة مراد التعبيرية في الاداء غير الاعتيادي من مميزاتها الفنية المهمة … إذ يمكن للسامع أن يدرك بإحساسه ان هناك الكثير من القناعة التي يمكن الحصول عليها بواسطة الجاذبية التي تتمتع بها سليمة مراد في الاداء التعبيري عن خصوصية البيئة واستقاء أغانيها من التراث المقامي ومن ثـــم أحاسيس التحرر التي تلهم بها المتلقي ، وبهذه الدلالات والاشارات يتوضح لنا ، ان سليمة مراد على ادراك واحساس واعي بامكانيات المؤدين الغنائيين من الرجال والنساء المعاصرين لها في العراق … وكذلك نرى ان اغانيها الرائعة ما هي إلا انعكاس تلقائي للاعمال الاصيلة الاخرى … ان هذه الاشارات الفنية في امكانيات سليمة مراد التي رغبت دوماً في تطويرها … هذا التطور الذي تبغيه ، يشير من جانب آخر الى شخصيتها وحضورها النافذ في المجتمع البغدادي التي رغبت سليمة كما يبدو في أن تسميه ( معرفة الحياة) أي انها آمنت بأن الحياة يجب أن تسير في التطور والتجديد الفني ، مهما كان ظرف الفنان ، فلابد من مواكبة سيرها واللحاق بها دوماً …
هكذا إذن أمر سليمة مراد ، خاصة علاقتها بالزمن والحياة والفن برمتهم، فنراها عندما تؤدي أي أُغنية جديدة مهما كان جمال هذه الاغنية ، تنتشر وتذاع دوماً من الاذاعة أو التلفزيون بعدئذٍ ، وتتلقفها الجماهير وتبحث عنها لتسجلها وتقتنيها …
لقد كان لأمر نجاح سليمة مراد في اداء اغانيها الاولى، سواء في الثلاثينيات أو الاربعينيات ، ان برهنت على امتلاكها موهبة خصبة في جوانب عديدة من شخصيتها ، مكنتها بالاستمرار في توالي النجاح تلو النجاح في الاغاني الاخرى التي اعقبت بدايتها … ونرى ان نشاطها الاوسع الذي نلمسه بشكل واضح ضمن مسيرة حياتها الفنية ، هو بعد زواجها من الفنان العملاق ناظم الغزالي عام 1953 ، بعد تعرفها عليه قبل سنتين من هذا التاريخ وفي احدى الحفلات في البيوت البغدادية… فتفاعل نشاطها الفني ذو الخبرة والتجربة العميقة ، مع الامكانية الفنية الخارقة لدى زوجها ناظم الغزالي ، فكانت فترة زواجهما التي دامت عقداً واحداً من السنين، انتجا فيها الكثير من الاغاني وبعض المقامات ، واقاما الكثير من الحفلات الثنائية داخل العراق وخارجه …
وبعد كل هذه الفترة الغزيرة بدأ يساورها شعوراً بالاحباط وعدم الرغبة في النتاج الفني المستمر بعد وفاة زوجها الغزالي المفاجئة … فقد قضت السنين العشرة في ظل زواجها من ناظم الغزالي ، في دوامة من النشاط الدؤوب والنتاج المستمر من أغانٍ أو مقامات مع إزدياد شهرتها خارج حدود الوطن ، وعندما حصلت الفاجعة ، حصل الفتور، اذ لم يكن هذا الفتور في نتاجها الفني مبعثه فقدانها لبعض من امكانياتها الفنية ، بل تأثير التجربة الحياتية التي رحل فيها زوجها ناظم الغزالي …
لعديد من الاسباب ، يمكن القول ان اغاني سليمة مراد مثل الهجر مو عادة غريبة او هذا مو انصاف منك او غيرهما … لم تكن نتاجاً فردياً لسليمة مراد بإعتبارها مؤدية ، لا لملحنها ولا لكاتبها في حقيقة الامر .. إذ انها توحي للسامع بأنها انعكاس حقيقي لثقافة المجتمع الجمالية ككل … حيث نراها غزيرة في مضامينها التعبيرية لروح الحياة الذوقية في مجتمع أهل بغداد أو أهل العراق عموماً … بالرغم من حقيقة المعلومات المنظورة والتي تؤكد بانها نتاج لمؤدٍ وملحن وكاتب كلهم معلومون …
لقد كان هذا النجاح الذي يوحي لنا بتعابير هذه الاغاني ، وكأنها نتاجات ساهم بها كل أفراد المجتمع في الاداء واللحن والكلام … ويمكن القول أن هذه الرؤية التحليلية تدلنا على ان سليمة قد ركزت جل إهتمامها على الخزين الفولكلوري من الموسيقى والغناء ، وانطلقت من هذا الخزين الهائل لتعبر عن روح عصرها ومحاكاة أذواق الناس المعاصرين لها ، و تشربت من بيئتها بكل ثقافتها الجماعية … وهكذا طبيعة خلود هذه الاغاني وما يماثلها في نفوس المجتمع، لانها لم تكن مجرد نتاج اغنية لمؤدية معينة أو ملحن أو كاتب معينين، بل أنها من مصدر تعبيري نابع من الالهام الحياتي الذي يفترض وجود خبرات الانسان العراقي بكل تاريخه الطويل ، وهكذا ايضاً يكون الوحي التعبيري عن حقيقة الحياة المعاشة ، خالداً بسبب الانطلاق من التراث وتجاربه الخاصه … كما ان هذه الاغاني ومن خلال هذه الاسباب تتمتع بصفة السحرية ، لانها نتاج الخيال البيئي رغم اختلاط التعابير الواعية بغير الواعية ، ولذلك نرى انفسنا، بانه ليس وحدنا نتخيل التعابير البيئية بطريقه سحرية … ان المبدأ الخيالي عام لكل من يعبر عن حقيقته المعاشة ، وان الخيال نفسه يقوم بعمله بهذه الطريقة السحرية التي لايمكن تفسيرها بدقة لانها ذات تأثير خارق ذي نتائج مدهشة لعواطف الانسان ، وذلك بسبب المنطلقات الخصوصية لتراث ذلك الانسان وبيئته …
انه ليس مصادفة ان يترجم الانسان ثقافته وجمالياته وتاريخه الى حقائق تعبيرية عن طريق وسائل عديدة يكون الغناء والموسيقى احدها ، واعتقد ان هذه الوسائل ان كانت عن طريق الادب او ظواهر السلوك الاخرى ، في الدرجة الاولى تمثل لغه او اسلوب ما للتعبير عن حقيقة كامنه موجودة ، ان الانسان لم يخلقها ، بل انه امتلكها بلا وعي منه ، لذلك يتحتم علينا القول وبشكل مطمئن ، بان التراث يمتلك ولايعطى ، وعندما تكون هذه الوسائل رموزاً او اسلوباً او لغةً تعبيرية ، ينصب الحديث بعد ذلك عن التوصيل ، فعندما يتأكد لنا ان كيان هذا النتاج من الاغاني مستقى من التراث البيئي ، يكون عندئذ هو الرسالة التي يراد توصيلها الى الانسان ….
نتحدث الآن عن احدى اغاني سليمة مراد الجميلة ، ولتكن اغنية قلبك صخر جلمود الملحنة من سلم مقام البستنكار المتكوّن من جنسي الصبا والسيكاه وهذا هو سلمهُ …
حيث نلاحظ تماسك البناء اللحني المستقى روحياً من الخزين التراثي المقامي ، وكذلك تماسك مفردات كلمات هذه الاغنية وبنائها الادبي والشعري بلهجة بغدادية واضحة المعنى دون أي غموض ، ومن ثم ملاحظة اقتراب اللحن من التصوير المتقن لكلمات هذه الاغنية ومعانيها ، وهذه الصور من التعابير المختلفة نراها ونحسها موجودة في اغلب اغاني سليمة مراد الاخرى ..
ان التسلسل الزمني من ماضِ الاغاني، يفترض ان يكون على الاقل سلسلة من التعابير عن كل حقبة من الحقب ، فاننا بالضرورة ندرك انه سلسلة من الخيال الثقافي الواعي وغير الواعي، لأن جميع الاغاني هي في الاساس خيالية لأنها تعابير حسية تعبر عن شعور الفرد والمجتمع .
ربما تطرح تساؤلات من قبل الجماهير حول صحة وجود اغانٍ بهذا القدر من التصوير ..!! اشعر بالغرابه .. لأن دلائل التذكير المبنية داخل كل اغنية من هذه الاغاني سواء في التعبير الغنائي او التعبير عن الكلمه او التعبير عن المسار اللحني في آن واحد ، توضح لنا ان مانسمعه هو خيال تعبيري عاطفي متماسك العلاقات ، لاننا كمستمعين نشعر بفهم تصويري خيالي لهذه الاغنية او تلك بكل مقوماتها ومكوناتها وعناصرها، لدرجة انه يمكننا ان نشعر بمزيد من المتعة والانسجام كونها تعبر عن همومنا المعاصرة وواقعنا المعاش وبيئتنا المحيطة .
من ناحية اخرى يمكننا القول ان اغاني سليمة مراد ذات الوزن الايقاع العراقي (الجورجينه الثقيل) مثل، هذا مو انصاف منك او الهجر موعادة غريبة او قلبك صخر جلمود وغيرها ومثيلاتها في المستوى لدى بعض المؤدين والمؤديات الاخريات المعاصرات لهذه الحقبة الزمنية ، هي بمثابة وثيقه لحياة الطرب وحياة الليل وجماليات التعبير الادائي لتلك الحقبة التي كانت بها سليمة ومعاصراتها قبل وبعد انتصاف القرن العشرين يعكسنَ تصويراً لحياة بغداد والعراق بشكل عام … ورغم ان الصورة قد تغيرت الآن بطبيعة الحال ، إلا أن الاغنية بتعابيرها الاصيلة ، توفر لنا تصويراً تفصيلياً عن التسلسل التاريخي للحياة البغدادية بشكل خاص … وبالتأكيد ستكون ذا فائدة بعد مرور السنين ، خاصة للمؤرخين الموسيقيين وكذلك النقاد لمعرفة كيف سار التطور الادائي للاغنية البغدادية او العراقية على وجه التعميم ، كما ان هذه الحقبة التي تعتبر حقبة تحول في تطور موسيقانا واغنيتنا الحديثه ، ستكون فيها الاغنية ذات فائدة كبرى للباحثين الذين يدرسون حياة المدن بما فيها من كابريهات ونوادي ليلية وبارات وحانات رديئة المستوى …!! اذ يمكن للباحث معرفه ماتعنيه دلالات كل نوع من هذه الاماكن ، حيث يمكنه معرفة الفرق الكبير بين النادي الليلي الذي يرتاده النخبه الذوقية من المجتمع، وناد آخر يرتاده نخبة متواضعة الذوق من المجتمع …
وكما تحدثنا في بداية المقال عن الفنانـة الرائدة صدِّيقه الملايـه ومعاصراتها.. وهي تترك لنـا نتاجات غنائية من المقامات والأغاني العراقيـة , ولاحظنا هـذه الفنانـه التي كانت لها قنـاعة أساسية بأداء المقام العراقـي وتصميماً على الثبات بكـل شجاعة .. للمساهمة فـي أيجاد عالـم جمالي أفضل للأداء المقامي نـراه بوضوح فـي نتاجات خليفاتها مـن النساء اللاتي كانت اقربهن سليمه مراد كجيـل آخر جـاء بعـد جيـل صدِّيقه الملايـه بالرغم من تقاربه نسبيـاً .. ولحقبة تطورية مستمرة كانت نتاجات سليمه مراد من الاغاني اوضح تسجيلاً واكثر نظامـاً وأفضل نوعية من حيث البناء اللحني والموسيقي للأغنية العراقية .. ولكن هذه الأغاني بقى معظمها يـدور فـي فلـك ايقـاع الجورجينـه الثقيل العراقي
شلون شلون يالله – مومني كل الصوج . ولكن سليمه مراد بهذه النتاجات كانت تبحث عن لحظات متعددة من المتعة .. لحظات تلغي اشياء كثيرة وتنشيء بدلاً عنها عالماً جديداً مليئاً بالخيالات والتأملات ، وفوق كل ذلك تبرز سليمه مراد من خلال نتاجاتها ، أكثر سعة وامكانية وروعة ..
ان نسبة كبيرة من الشعر الغنائي وألحان هذا الشعر وغنائه في هذه الحقبة من التحولات .. تصور انعكاسات الحياة المعاشة بصدق عفوي ، وكنتيجة طبيعية ، كانت سليمه مراد انعكاس طبيعي لهذه الاتجاهات الفكرية والجمالية وهي تعيش حقبة التحول ، شأنها في ذلك شأن معاصريها رجال ونساء . فقد غنت الكثير من أغاني العتب واللوم مثل أغاني – الهجر مو عاده غريبه – مليان كل قلبي حجي – خيه لوصي المار – ليش ليش– هو البلاني – وين المروه – ذوب وتفطر – هذا موانصاف منك ، التي تتواصل معها بمقام البنجكاه – قلبك صخر جلمود – يعاهدني – تنكر غرامي – حكم العشك …
وقد كانت سليمه مراد في هذه الأغاني وغيرها تبحث عن التحول الذي تهدف إليه المرأة العراقية .. وبذلك فقد شاركتها في هذه التطلعات اقرانها من النساء المغنيات .. وهناك مواضيع اخرى في أغانيها مثل أغاني مناجاة الحبيب كأغاني – يانبعة الريحان – ياحمام الدوح – ونراهـا تغني فـي الندم أغنية – جان القلب ساليك – و – مومني كل الصوج .. أما في موضوع خيانة الحبيب فنراها تغني - يادموعي سيلي – ياهل خلك – ثم تبكي الحبيب وتتوسل إليه فتغني له – يادمعتي بين الجفون – ويل قلبي – ساعدوني يارفاكه – من همي نحل جسمي – لبجي وهيم الروح – نوحي عالعافوج – خدري الجاي خدريه – نعيمة –
أما في أغاني الغزل فنراها تكثر فيه فتغني أغاني مثل – نوبه مخمره- علشوملي – ايها الساقي – ان شكوت الهوى – طولي ياليله – منك يالاسمر – يالماشي الله وياك – والاخيرة فيها غزل ونصيحه … ثم تعرج سليمه مراد على موضوع أغاني الفرح فتغني – هاليوم الدنيا زهت – ياهله – شلون شلون بالله – وفي جمال الطبيعة غنت أغنية على شواطي دجلة .. ان عملية تنوع المواضيع وان كانت دوافعها طبيعية باعتبارها انعكاساً طبيعياً للحياة ، هـذا التنوع يفرضه الذوق في أي زمن ويتطلبه الحس المرهف ويحتاجه الفنان لأمــور عديدة ، لعل في مقدمتها تأكيد مقدرته واتساع موهبته لتشمل مواضيع عدة ومن ثم نكسب اكبر قدر من المستمعين ، فان هذا التنوع ضروري لتجربة جديدة في هذه الحقبة ، كتجربة الأداء النسوي الممتعة في الغناء المقامي للتحول ، وغالباً ما كان غناؤنا وموسيقانا في حقبة التحول يتسم بالشجن والنجوى ، كما أن الكلام المغنى كان على العموم وفي معظم الاحيان تتلائم معانيه مع المسارات اللحنية الموضوعة له لتصوير هذه المعاني المرتجاة التي يجسدها المؤدي أو المؤدية بصوتها وتعبر عنها ..
ان لغة جميع أغاني سليمه مراد ، تذكرنا بالمضامين التعبيرية المقامية ، التعابير البغدادية – التعابير العراقية .. وفي هذه الأغاني نفهم أن سليمه مراد تصور تأكيداً تعبيرياً.. على أننا يجب أن ندرك الحاضر وأن نعيش فيه لأقصى طاقة ممكنة .. وعليه يمكننا القول أن هذه الأغاني وكل نتاجات سليمه بصورة عامة.. مرجعها عراقي .. في الشكل والمضمون .. في الكلام واللحن والأداء .. ان التغيير الذي طرحته حقبة التحول معروف بطبيعته .. فالمسيرة بدأت من جديد وهي تتجه نحو الاجود .. وهكذا يستمر التطور الفني لغنائنا وموسيقانا.. ففي بعض أغاني الغزل أو الفرح التي غنتها سليمه مراد .. تتحول فيها الأغنية مع نصها الشعري واللحني والادائي من ركود نسبي للحياة إلى مشاريع تعبيرية متفائلة .. ان مهمة الفنان الاصيل .. هي إعادة الحياة الطبيعية لموسيقى وغناء بلده وطرحها إلى العالم .. كما أنه لايقبل أي تشويه في حقائق التعبير الوطنية .. فهو يحاول جاهداً بأن تكون كلمات غنائه وألحان أغنياته واداؤه لها .. أساساً جديداً أو إعادة الاكتشاف الأصلي لغناسيقى بلده .. ولذلك نرى أن معظم أغاني هذه الحقبة تكون فيها العلاقة بين العملية الأدائية سواء للأغنية أم للمقام ككل مع الشعر المغنى واللحن الموضوع في غاية الأهمية ، ونلاحظ ذلك بوضوح في معظم أغاني ونتاجات سليمه مراد .. وفي هكذا مستوى من الأعمال ، نستطيع أن نصل بها إلى قمة الانجاز .. وبه يستطيع الفنان الواعي ، ان يتحرر من جميع القيود والحواجز التي ساهمت في تركيبه ضد ارادته العقلية الواعية .. ان الاعمال الفنية الأصيلة ضرورة تاريخية .. لانجد مكاناً افضل للتعبير عنها اكثر من الاصالة .. فعندما تكون نتاجاتنا من الموسيقى والغناء اصيله ، فأننا نستطيع أن نصل بهـا إلى العالم بسهولة .. فالمحلية أساس العالمية .. كلما كان الفنان محلياً ، كلما كان عالمياً .. لأن مثل هذا الفنان يتمتع بأصل وطني يعبر عنه بصدق وله مرجع وله هويه .. فهو غير ضائع ، لأن له رسالة واضحة يجاهد من اجلها .. فعندما يكون النتاج الفني بهذا المستوى .. عندها نكتشف حقيقة الفنان .. فالمحلية مثل الأم والأب .. فحيث تكون العائلة هي الوطن وهي المرجع وهي القانون الذي يشرع بأصالة ابنائه ويشع نوراً للأنسانية بواسطتهم ، يكون الفنان عندئذ موجوداً في كل مكان من هذا العالم .. وعلى هذا الأساس فان أي نتاج فني يشوه الحقائق الأصيلة لغنائنا وموسيقانا .. يعني خيانة الانتماء وتحريف للأصالة ..
لا يكون الفن الواعي في عملية اداء المضامين المقامية في الأغنية أو في المقامات كتجربة نسوية في هذا الاداء ، مثل الموجة التي تمكنت من تجاوز احدى العقبات قبل أن تسقط .. ان الأسس إذا كانت أصيلة وحقيقية فان الانطلاق يصبح اقرب إلى الثورة على الحواجز والقيود البالية .. كما أن غناء وموسيقى هذه الحقبة اشبه بتسجيل وتوثيق للتغيرات السريعة .. وعلى هذا الأساس ظلت حركة التحولات والتغيرات السريعة في تزايد وبلانهاية حتى هذا اليوم .. وقد أثبتت المرأة العراقية اصالتها واحقية طموحاتها , فجسدت عبر نضالها الدؤوب الذي يتسم بالصبر والاناة ، فكان ان توَّجت تلك الطموحات وهاتيك الحقوق ، اذ نالت قدرا كبيرا منها زائدا الاحترام ..
في جميع هذه الأمثلة ومن ذات الحقبة ، لعبت المرأة العراقية دوراً كبيرا وفعالاً في المجتمع الذي أمسى يشعر بضغوط المدينة وحياتها الديناميكية وزيادة مشكلاتها وتعقيداتها التي غلفتها حياة المدن والتكنولوجيا الصناعية. فالمرأة عندما تتجسد أمامها الفرص للتعبير عن قيمتها .. فانه يمكنها أن تمثل نفسها .. أن تجعل الأمور أكثر من معنىً وأكثر روعة .. وسننظر الآن بدقة أكبر إلى خيالات أي مغنية فنانة في هذه الحقبة وما بعدها .. لأن فن الغناء المقامي النسوي لمغنيات الحقبة أو بعدها .. هو خيالات وأحلام المرأة أكثر مما هي افكارها التي يمكن استيحائها منه .. ولكن أفكارهن جزء لا يتجزأ في الحقيقة عن خيالهن اللائي يجسدنه .. فاذا استمعنا إلى التسجيلات الغنائية النسوية وعشنا هذه الخيالات وهذه الأفكار .. فهذا يعني أن نحني قامتنا إلى الخيال والفكر الخصبين .. إلا أنه للأسف مهما كتبنا عنهن فاننا لن نوفيهن حقهن .. إن لغة الغناء المقامي النسوي – لغة متعددة المحاور – إذ لا تسمح باستقرار الخيال أو التفكير .. بسبب سعة هذا الخيال وهذا التفكير .. وعلى هذا الاساس فان آفاق المرأة العراقية واسعةً دون نهاية .. ان اشهر أغاني سليمه مراد تلك الاغنية الاثيرة – هذا مو انصاف منك – التي كتب كلماتها ابراهيم وفي … والتي تعلو فيها بجمل قليلة من مقام البنجكاه وميانته العالية من سُلّم الحجاز التي تبلغ فيها سليمه كل مراميها الخياليه والفكريه والجماليه . وتشكل هذه الأغنية وغيرها مثل أغاني – الهجر موعاده غريبه – قلبك صخر جلمود – يا نبعة الريحان – وين المروة – ياهل خلك – لبكي وهيم الروح – خدري الجاي خدريه - أيها الساقي – يالماشي الله وياك – على شواطي دجله … تشكل إنجازا يمكن تلخيص وصفهُ بـ ـ منحى في التحول – وهو انعكاس فعلي لحقبة التحول التي نشأت في ذروتها سليمه مراد .. من ركود إلى حركة .. من رتابة إلى تطلعات .. حقبة فكرية جمالية خيالية .. إلا أن هذه الحقبة لا تقدر تقديراً جيداً بغياب المرأة أو بدون مساهمتها .. وعلى هذا الأساس فانه عندما يزدهر فن الغناء المقامي بأصوات النساء .. يستيقظ المجتمع .. وتستيقظ الحياة..
إن دخول المرأة في عالم الانفتاح في الحياة الجديدة في هذه الحقبة ، تعني لها أيضاً القيام برحلة تتحسس خلالها بحثاً عن شيء أكثر أهمية مما تعطيه في هذه الحقبة .. أي أنها تنظر إلى المستقبل لتتحسس العالم وتتطلع إلى الآفاق .. وهكذا فان الأغنية بالنسبة إلى المرأة العراقية ، لا يجب أن تكون مجرد أغنية وصفية لما هو موجود كواقع حال فقط .. بل يجب ان تكون بحثاً عن مستقبل أكثر زهواً وأكبر إنجازا .. وبذلك فان أغاني سليمه مراد أو معاصراتها من النساء الأخريات هي تعبير عن الواقع .. مطلوب منها الايحاء بالمستقبل .. وربما نلمس ذلك في هذه الأغنية وفي اغانِ اخرى ربما كثيرة .
لطالما هدف الفن المقامي النسوي ان يكون تعبيراً عن حالة شعورية من حالات الشجن .. ولطالما هدف إلى إطلاق خيالاته وتفكيره .. ولطالما هدف هذا الفن الذي عبرت عنه سليمه وقريناتها من النساء الفنانات إلى تحقيق هذا الترابط .. وفي أغنية مثل خدري الجاي خدريه نعيش تطلعات في التعبير عن الشجن والحب والوفاء للحبيب وقوة الترابط الاجتماعي . ولو امعنا السمع والانتباه في بعض أغانيها لظهر على الفور الطابع الاجتماعي ، وكأنها قد تقصدته إذ طلبت من المؤلف ماتريد وإذ عبرت اصدق تعبير وكأنها تحكي حكاية كل بيت ، وكل بيت يلذ له أن يشرب الشاي وقد خدر بأيدي خبيرة من جهة أما إذا طلب الحبيب من حبيبته الشاي فحدث ولاحرج إذ أن المضمون قد اتسع واحتوى آفاقاً أخرى فمن حدث عرفي اجتماعي تراثي إلى علاقة انسانية وجدانية عاطفية بين حبيب وحبيبته عبر أغنية خدري الجاي خدريه ..
وقد تؤدي المشاعر عادة بالفنانة العراقية إلى الأعالي التي تثير الشجون .. ويكون الحب والغزل في ذروته واشد هولاً من لحظات أخرى لاتصل فيها المشاعر إلى ذروة كهذه في أغنية أيها الساقي مثلاً التي تغنيها سليمه مراد بقصيدة لابن زهر الاندلسي وهي منسوبة أيضاً إلى ابن المعتز ..
إن غناء سليمه مراد أو زميلاتها الأخريات ، أو التجربة النسوية في الأداء المقامي بصورة عامة .. ماهي إلا محاولة بطولية للحصول على الحقوق .. تلك الحقوق المنسية .. الحقوق التي قيدت الكلمات وقيدت التعابير وقيدت المبادرات التي امتنع الرجل إعطائها للمرأة .. المرأة التي كان أداؤها الغنائي في حقبة التحول للمقامات والاغاني محاولة للتعبير عن ما لايمكن التعبير عنه .. وكما نرى في أغاني سليمه مراد تصميماً في هذا المنحى .. ولنستمع معاً إلى أغنية كلبك صخر جلمود ..
عندما يلتقي الجبلان.. الشاعر العربي العراقي الكبير معروف الرصافي والمطربة العربية المصرية الكبيرة ام كلثوم – بغداد 1933
-- --
ويذكر ان الملحن ياسين الراوي قد ادرك المطربة سليمة مراد وهو في بداياته ولحن لها لحنه الوحيد في اغنية ( ليلة من العمر )..
ليلة من العمر
كلمات محمد هاشم
لحن ياسين الرواي
غناء سليمة مراد
ليلة من العمر ها اليلة حلوة
ليلة الجمعت شمل الاخوة
ليلة عيد وافراح لما نور الفجر لاح
ليلة من العمر ها اليلة حلوة
****
ليلة عرس ليلة فرح واعياد
ليلة ويه السعادة خذت ميعاد
جمعت شمل الاحباب بعد ماطال الغياب
ليلة من العمر ها اليلة حلوة
****
ليلة وكل معاني الفرح بيها
نور من الاحبة اضوت عليها
زادت نور للنور جنة وجامعة الحور
ليلة من العمر ها اليلة حلوة
المصدر: المدى
733 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع