من أعلام العراق والأمة: المفكر والمؤرخ العسكري محمود شيت خطاب ١٩١٩ – ١٩٩٨
محمود شيت خطاب، أحد عمالقة العراق والأمة العربية، في عالم الفكر والعسكرية والتاريخ الاسلامي والأدب واللغة، طغت شهرته الآفاق لما تركه وراءه من مؤلفات فاقت العشرات.
محمود شيت خطاب هو ذلك القائد العسكري العراقي الذي توقع وقوع حرب حزيران عام 1967، وحدد موعدها في اليوم الذي تعتزم فيه إسرائيل شن حربها يوم 5/6/1967، ونشر توقُّعه في جريدة "العرب"، الصادرة في بغداد يوم 1/6/1967، تحت عنوان: (حربٌ أو لا حرب) قال فيه:
"إن نفير إسرائيل سيكتمل يوم الخامس من يونيو/ حزيران سنة 1967م؛ فتكون إسرائيل جاهزة للحرب في هذا اليوم، وستهاجم إسرائيل العرب في هذا اليوم حتماً"، ولكن لا مجيب!! وسناتي للقصة لاحقا
ولادته ونشأته ودراسته:
ولد بمدينة الموصل عام 1919 ونشأ في كنف اسرة كريمة وفَّرت له نشأة إسلامية ملتزمة، وهو شريف النسب إذ ينتهى نسبه إلى الحسن بن علي بن ابي طالب، ووالدته ابنة الشيخ مصطفى خليل قره مصطفى من علماء الموصل المشهورين بعلمهم وورعهم. وقد تولت جدته لأبيه حضانته؛ لأن والدته سرعان ما رزقت بأخ له بعد سنة من ولادته، وكان لجدته الدور الأكبر في تربيته على الإسلام، والأخلاق الإسلامية، فقد كانت تصحبه إلى المسجد لصلاة المغرب، وتبقى معه حتى صلاة العشاء ثم تعود به إلى البيت، واستمرت رعايتها له إلى أن توفاها الله وكان عمره ستة عشر عامًا. وقد كتب في رثاء جدته:
أجْهَدْتِ نَفسَكِ فاسترَحتِ قليلاً قد كان عِبْئُكِ في الحياة ثقيلا
نزَلَتْ عليكِ مَصَائبَ الدنيا ولوْ نَزَلَتْ على جَبلٍ لَخرَّ مَهيلا
وَجَدَ القنوُط إلى الرجالِ سَبيلهُ وإليكِ لمْ يَجِدُ القنوُطُ سبيلا
ولرُبَّ فـــــــرْدٍ فيْ سُمُوِّ فِعِالِه وَعلوِّه خُلقًا يُعــادل جيـــلا
وهذه الاسرة قدمت للعراق والامة اعلاماً خلّدهم التاريخ بالاضافة الى اللواء محمود شيت خطاب فقد انجبت شيخ قضاة العراق العلامة القانوني الراحل ضياء شيت خطاب الذي توفي عام 2012 والاخ الآخر لهما هو الفريق على احسان شيت خطاب.
نشأ محمود شيت خطاب في بيت علم ودين يقرأ فيه القرآن الكريم صباح ومساء، ويضم مكتبة عامرة بالمصادر المطبوعة والمخطوطة. قرأ القرآن الكريم على احد الشيوخ وحفظ شطراً منه. وخلال سني دراسته في مدينة الموصل درس علوم اللغة والتفسير والحديث على شيوخ مدينته وحج الى بيت الله الحرام عام 1935 حين كان في الصف الثالث المتوسط. لقد كانت البيئة التي نشأ فيها، والمحيط الذي عاش فيه يلتزمان العبادة، من صلاة، وصيام، وزكاة، وتلاوة للقرآن الكريم، ويلتزمان الخلق الإسلامي من تعاون وإخاء وتواصل وتزاور. درس لدى الكُتّاب مبـادئ الإسـلام، وتجـويد الـقـرآن وتلاوتـه وحفظـه وتعلم فـيه الخط، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية في السنة الثامنة من عمره، وواصل تعليمه فيها حتى أكمل المراحل الثلاث: الابتدائية والمتوسطة والثانوية. وكان يصحب والده إلى مجالس الحيّ، حيث يجتمع الأعيان في مجلس يسهرون فيه على سماع الأخبار، وقراءة الكتب النافعة، وتدارس مشكلات الناس، ومساعدة من يحتاج إلى المساعدة، وحلّ المعضلات التي تعترض الأفراد والأسر. وكان والده يكلفه بقراءة أحد كتب التاريخ على الحضور، ومعظمهم من أهل العلم واللغة، فكان ذلك سببًا من أسباب حرصه على إتقان القراءة، وعشقه للتاريخ، وانصرافه للكتابة فيه، وكانت باكورة إنتاجه كتابه «الرسول القائد» الذي صدر سنة 1958م، ثم تتابعت كتبه الأخرى بعد ذلك.
حياته العلمية والعملية
كان محمود شيت خطاب يرغب في دراسة الحقوق بعد حصوله على الثانوية، ولكن شاء الله غير ذلك، حيث التحق بالكلية العسكرية سنة 1937م وتخرّج فيها برتبة ملازم في سلاح الفرسان، ومن طريف ما يروى عنه أن آمر السرية سأله عند مباشرته: أتشرب الخمر؟ أتلعب القمار؟ أتحب النساء؟ ولما نفى خطاب ذلك، قال آمر السرية: "إن انضمامك إلى سريتي نكبة عليّ!!"..
واستكمل مراحله العسكرية، ودخل كلية الاركان، وتخرج برتبة ضابط ركن، وابتعث إلى دورة في بريطانيا لمدة سنتين، وهكذا حتى وصل إلى رتبة لواء ركن.
شارك في ثورة "رشيد عالي الكيلاني" سنة 1941م، وأصيب بشظايا من قنابل الإنكليز، ولكن شاء الله له الشفاء، رغم شكوك الأطباء، كما تعرض لمؤامرات الشيوعيين أيام عبدالكريم قاسم بعد ثورة الشواف بالموصل، وناله التعذيب الشديد وأصابته كسور كثيرة، وبقي في المعتقل لمدة ثمانية عشر شهرًا.
اعتقال الاستاذ محمود شيت خطاب من قبل عبدالكريم قاسم:
أثناء المد الشيوعي خلال حكم "عبد الكريم قاسم" تصدَّى (محمود شيت خطاب) للشيوعيين، وحال بينهم وبين التنكيل بالناس، والتعدي على الحقوق والأعراض، فأغضبهم ذلك، ووشَوا به إلى "عبد الكريم قاسم"، فأمر باعتقاله سنة (1959م)، وتعذيبه في السجن، وبقي في السجن عامًا ونصف ذاق خلالهما صنوفًا من العذاب الوحشي، وتكسرت عظامه، فأخرجوه من السجن وهم يعتقدون أنه هالك لا محالةَ، لكنَّ اللهَ عافاه وعاد إلى ما كان عليه من قوة وفتوة.
كيف حدد موعد الضربة الصهيونية في حزيران 1967؟
مارس التدريس في الكليات العسكرية في العراق ومصر، وكان من فراسته ودقة دراسته للعدو الصهيوني، أنه حدد اليوم الذي عزمت فيه إسرائيل أن تضرب ضربتها وهو يوم 5/6/1967م، ونشرت هذا الكلام جريدة (العرب) البغدادية يوم 1/6/1967م، حتى إن المؤلف الإسرائيلي صاحب كتاب (الحرب بين العرب وإسرائيل) أثنى على عبقرية اللواء محمود شيت خطاب، ووصفه بأنه أكبر عقلية استراتيجية في العرب، ولكنه لا يجد من يستفيد منه.
التحق بالكلية العسكرية ببغداد عام 1937 وتخرج فيها برتبة ملازم ثانٍ. وتخرج في كلية الأركان وهو برتبة نقيب عام 1947. وحصل على شهادة عليا في كلية الضباط الأقدمين عام 1954. وبشهادة مماثلة من كلية الضباط الاقدمين في انكلتراعام 1955 وشهد اربعاً وعشرين دورة تدريبية عسكرية في العراق وشمال افريقيا وانكلترا. ومنها دورات الفروسية والأسلحة والتعبئة والضباط الاقدمين جرح في الحرب مع الانكليز عام 1941.
شارك في حرب فلسطين عام 1948. وبقي مع الجيش العراقي في (جنين) اكثر من سنة. وتولى مسؤولية النظام والأمن في مدينة الموصل ابان الانتفاضة عام 1956 ورفض الاوامر التي صدرت له بضرب المتظاهرين المناصرين لمصر ابان العدوان الثلاثي.
دخل السجن بعد ثورة الموصل عام 1959 وبقي فيه حتى عام 1961. وتولى منصب الوزراء عدة مرات وعين وزيراً للمواصلات بعد ثورة تموز 1968. وكان وقتها في مصر رئيساً للجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية. وتفرغ كلياً لبحوثه ودراساته وللتدريس في الجامعات العسكرية العربية على الرغم من انه عرضت عليه عدة مناصب رفيعة. وقد شغل في دراساته العسكرية محاور اربعة:-
1-محور التاريخ العربي الاسلامي العسكري
2-محور اللغة العسكرية
3-محور العدو الصهيوني
4-محور الدعوة الاسلامية والدفاع عن الاسلام ديناً واللغة العربية.
وعمل في لجان المجمع العراقي التالية:- 1-لجنة الحضارة 2-لجنة الهندسة 3-لجنة الزراعة 4-اللجنة العامة لاقرار مصطلحات لجان المجمع.
اختير رئيسًا للجنة توحيد المصطلحات العسكرية في الجيوش العربية، ودعا لوضع معجم عسكري موحد، وصدر المعجم في أربعة أجزاء: بثلاث لغات هي: العربية، والإنجليزية، والفرنسية، كما ألف كتاب «المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم»،
شهد اربعة وعشرين مؤتمراً وندوة علمية في العراق والاقطار العربية والقى محاضرات في الكلية العسكرية وكليات القيادة والاركان وجامعات الدراسات العسكرية العليا والجامعات والجمعيات غير العسكرية في ارجاء الوطن العربي.
مؤلفات اللواء الركن محمود شيت خطاب
اصدر محمود شيت خطاب اثنين واربعين كتاباً هي:
1) "الرسول القائد" 1958 وترجم الى الانكليزية والفرنسية والتركية والاردية والاندونيسية.
2) قادة فتح العراق والجزيرة 1964.
3) قادة فتح بلاد فارس 1964.
4) قادة فتح بلاد الشام ومصر 1964.
5) قادة فتح بلاد المغرب (جزءان)1965.
6) خالد بن الوليد المخزومي 1970.
7) عقبة بن نافع الفهري 1971.
8) الفاروق القائد 1965.
9) دروس في الكتمان من الرسول القائد 1969.
10) ارادة القتال في الجهاد الاسلامي 1964.
11) الرسالة العسكرية للمسجد 1968.
12) غزوة بدر الكبرى 1972.
13) العسكرية العربية الاسلامية 1983.
14) المصطلحات العسكرية في القرآن الكريم 1966.
15) اهمية توحيد المصطلحات العسكرية 1965.
16) المعجم العسكري الموحد(عربي –انكليزي)1972.
17) المعجم العسكري الموحد (عربي- انكليزي) 1970.
18) المعجم العسكري الموحد (عربي- فرنسي) 1970.
19) تعريب المصطلحات العسكرية وتوحيدها 1985.
20) أهداف اسرائيل التوسعية في البلاد العربية 1966.
21) الأيام الحاسمة قبل معركة المصير وبعدها 1967.
22) حقيقة اسرائيل 1967
23) طريق النصر في معركة الثأر 1967
24) الوجيز في العسكرية الاسرائيلية 1967
25) دراسات في الوحدة العسكرية 1968
26) الوحدة العسكرية العربية 1970
27) العسكرية الاسرائيلية 1968.
28) العدو الصهيوني والاسلحة المتطورة 1987.
29) بين العقيدة والقيادة 1972.
30) ومضات من نور المصطفى(مختصر السيرة)1972
31) اقباس روحانية 1976
32) نفحات روحية 1988
33) جيش الرسول 1980
34) الرسول والنصر 1972
35) عدالة السماء مجموعة قصصية 1972
36) تدابير القدر(قصص)1980
37) الادلة الرسمية في تعابير الحرب (تحقيق) 1988
38) المشير فون رونشتد 1962.
39) التدريب الفردي 1954
40) القضايا الادارية في الميدان 1952
41) السفارات النبوية 1990
وقد نشر عشرات الدراسات والمقالات في ثلاثين مجلة عراقية وعربية وهو عضو في ثماني هيئات وجمعيات علمية هي:-
1-المجمع العلمي العراقي 1963
2-مجمع البحوث الاسلامية في الأزهر 1968
3-مجمع اللغة العربية في القاهرة 1966
4- مجمع اللغة العربية في دمشق 1966
5-مجمع اللغة العربية الأردني 1979
6-الجلس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي 1964
7-المجلس الأعلى العالمي للمساجد 1975
8- مجمع الفقه الاسلامي 1977
وقدم المرحوم محمود شيت خطاب عدداً من الاحاديث المختلفة في الاذاعات العربية في موضوعات تاريخية وعسكرية بين عامي 1966-1980 في عدد من الاقطار العربية والعراق.
وقد عني محمود شيت خطاب عناية خاصة بدراسة التاريخ العربي الاسلامي ولا سيما تاريخ البطولة والحروب والفتوحات. واوضح في كتابه (الرسول القائد) الدور الذي مارسه الرسول الكريم قائداً عسكرياً، ويقرر محمود شيت خطاب واقعية الرسول الاعظم وأنه اذا أراد شيئاً هيأ له أسبابه وبيَّن دوره في الحروب التي قادها ضد المشركين مبيناً قدراته الفائقة على اعدائه من الناحية القيادية والادارية والحربية. ويثبت عبر فصول الكتاب بأن انتصارات الرسول الاعظم تعود الى شجاعته الشخصية وسيطرته في احلك المواقف وقدراته السريعة الجازمة في أخطر الظروف وعزمه الأكيد على التشبث باسباب النصر وتطبيقه مبادىء الحرب المعروفة في كل معاركه تلك العوامل الشخصية التي جعلته يتفوق على اعدائه في الميدان. ويعزو المؤلف تميز الرسول الكريم في القيادة الى ميزتين:- 1-انه قائد عصامي 2-ان معاركه كانت لفرض حماية الاسلام ونشرها وتوطيد أركان السلام لا العدوان والاغتصاب . ويقسم حياة الرسول من الناحية العسكرية الى اربعة أدوار: دور التحشد، ودور الدفاع عن العقيدة. ودور الهجوم، ودور التكامل
لقد كان هذا الكتاب العلمي المنصف السبب في شهرة محمود شيت خطاب بين قرائه في جميع أقطار الوطن العربي. وتوالت كتبه في هذا الصدد فظهر في عام 1964 عدة كتب حول قادة الفتوح وبعد مقدمة عن النواحي الاجتماعية والسياسية والدينية في هذه الامصار والعقائد والديانات السائدة فيها قبل الفتح الاسلامي بدأ بفتح بلاد فارس في عهد الخليفة عمر بن الخطاب وبدأ بقادة فتح الجبل: ضرار بن الخطاب الفهري فاتح (ماسيذان) والنعمان بن مقرن المزني فاتح (رام هرمز) وحذيفة بن اليماني العبسي فاتح (همدان والري)والبراء بن عازب الانصاري فاتح (ابهر وقزوين وجيلان وزنجان) ثم انتقل المؤلف الى دراسة قادة فتح الاحواز وهم: حرملة بن مريطة التميمي وسلمة بن القين التميمي وحرقوص بن زهير التميمي السعدي وجزء بن معاوية التميمي وأبو سبرة بن ابي رهم القرشي العامري، وزير بن عبد الله الفقي والربيع بن زياد الحارثي وسلمة بن قيس الاشجعي وابو موسى الاشعري ثم انتقل الى قادة فتح طبرستان وقادة فتح الشام ومصر وليبيا وبّيّن الدور الذي لعبه عمر بن الخطاب في قيادته الحكيمة واعتماده على الشورى والمعلومات والحرص والفطنة وبعد النظر والشجاعة والقابلية البدنية وتحمل المسؤولية ومعرفة مبادىء الحرب العادلة. واعداد الخطط التسويقية والاستراتيجية وتنظيم الناحية الاقتصادية وتأمين السكن للمجاهدين. والحرب العادلة. وكان يقرض الشعر إلى جانب ذلك، وله فيه إسهام طيب، وإن كان مقلاً فيه.
من أقواله
لما ذهبت للدراسة في الكلية العسكرية في لندن، سألني عميد الكلية : لماذا قدمت؟
قلت: لتجديد معلوماتي العسكرية، ولتلقي أي جديد في العلم..
فعقب العميد علي كلامي: بل أنت قدمت لتتعلم مغازلة الفتيات.
فكظمت غيظي وقلت في نفسي: إن هذا لا يلقي كلامه جزافا وإنما يحكم علي بما شاهده في سواي. ولما ذهبت إلى السكن المخصص لي، وجدت فراشا وفتاة تعمل على ترتيب غرفة نومي، فأنتظرت في البهو دون أن أعيرها أهتماما، حتى إذا خرجت تسألني: هل لديك توجيهات؟ قلت شيء واحد
أن تحضري لأداء مهمتك حين لا أكون موجودا
ويروي أيضا فيقول: "بعد تخرجي ضابطا سنة 1937م، كان من تقاليد الجيش أن تولم وليمة للضباط الجدد، وشهدت الحفلة مع زملائي، فجاء قائد الكتيبة وقد ملأ كأسا من الخمر، وأمرني أن أبدأ حياتي بشرب الخمر، وكان الليل قد أرخى سدوله، وكانت السماء صافية تتلألأ فيها النجوم وكان قائد الكتيبة برتبة عقيد يحمل على كتفيه رتبته العسكرية وهي بحساب النجوم اثنتا عشرة نجمة.. فقلت له
: إني أطيعك في أوامرك العسكرية، وأطيع الله في أوامره، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنك تحمل على كتفيك اثنتي عشرة نجمة، فانظر إلى سماء الله لترى كم تحمل من النجوم؟؟
فبهت القائد وردد السماء، السماء.. نجوم السماء!
ومضى غضبان أسفا، وشعرت بأن موقفي هذا ليس مطاولة بيني وبين القائد، ولكنها مباراة بين إرادته بشرا، وبين إرادة الله خالق البشر
ويقول: "إن الدعوة التي تبناها المبشرون وعملاء الاستعمار وأذنابهم في إبعاد الدين الإسلامي عن الحياة، دعوة مريبة، هدفها إبعاد العرب عن الناحية المعنوية في حياتهم فالعرب جسم الإسلام وروحه، ولا بقاء للجسم بدون روح. إن قوى هائلة تعمل على تحطيم هذا الجيل، وتفتيت قدراته وكانت قبل مقصورة على العدو الخارجي، أما اليوم فقد وجدت لها مرتكزات، لا تحصى في الداخل وإن ارتباط مستقبل هذا الجيل صعودا أو هبوطا بمدى التزامه هداية الإسلام، أو إعراضه عنه. إن المسلمين اليوم في حاجة ماسة إلى قادة كخالد والمثنى وغيرهم إلا أن حاجتهم إلى العلماء العاملين أمس وأشد.
هناك أزمة ثقة بين الشيوخ والشباب.. ومرد ذلك إلى فقدان عنصر القدوة الصالحة في معظم الذين يعدون في الشيوخ ويظنون أن كل ما عليهم هو أن يحسنوا عرض الموعظة السطحية ولو كان سلوكهم الشخصي أبعد ما يكون عما يدعون إليه
مقبرة شهداء الجيش العراقي في جنين
معركة جنين
وقال بعد استرداد قواته لمدينة جنين من اليهود، وقبل انصراف قواته إلى العراق بعد الهدنة
هذي قبور الخالدين وقد قضوا شهداء حتى ينقذوا الأوطانا
المخلصون تسربلوا بقبورهم والخائنون تسنموا البنيانا
لا تعذلوا جيش العراق وأهله بلواكمُ ليست سوى بلوانا
أ(جنينُ) يا بلد الكرام تجلدي ما ضاع حق ضرَّجته دمانا
إني لأشهد أن أهلك قاوموا غزو اليهود وصاولوا العدوانا
فإذا نُكبتِ فلست أول صارم بهظته أعباء الجهاد فَلانا
مرجُ ابن عامر خضبته دماؤنا أيصير مُلكًا لليهود مهانا
إنَّ الخلود لمن يموت مجاهدًا ليس الخلود لمن يعيش جبانا
ومما يروى عن مواقفه
يروي عبد الله الطنطاوي عن اللواء الركن محمود شيت خطاب أنه حدثه عن رحلته إلى مصر بصحبة رئيس الجمهورية المشير عبد السلام محمد عارف، وهناك في القاهرة طلب من عبد السلام عارف أن يتوسط لدى صديقه عبدالناصر للإفراج عن السجين سيد قطب، وتحدث عارف مع ناصر بحضور محمود شيت خطاب، ووافق عبدالناصر على الإفراج عن سيد قطب، وعندها طلب خطاب من عبدالناصر أن يسمح له بزيارة سيد قطب في سجنه، فسمح له بذلك، وحين قابله وأخبره بالوساطة، قال سيد قطب في حزن سامحكم الله.. لو شاورتموني لرفضتُ الوساطة، ولما خرجتُ بهذه الصورة.
وحين خرج سيد قطب أهدى مؤلفاته لعبدالسلام عارف، ومحمود شيت خطاب، وكتب لهما عليها إهداءً لطيفًا بخط يده
استطاع اللواء خطاب أن يبرهن للجميع أن الضابط المتدين حريّ بالتفوق وجدير بالاحترام، وبعد انقضاء حكم عبد الكريم قاسم تولى "خطاب" منصب الوزارة في عهد الرئيس عبدالسلام عارف عدة مرات، لكنه استغل أول فرصة فاستقال للتفرغ للعلم وحده، وقد عرضت عليه الوزارة في كل حكومة شكلت بعد سنة 1964م، ولكنه كان يعتذر باستمرار.
وفي 17 تموز سنة 1968 عُيّن وزيراً للبلديات، وكان يومها في مصر رئيساً للجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية التي أعدت المعجمات العسكرية الأربعة الموحدة، فاعتذر عن عدم قبول هذا المنصب فقد آثر العمل في المجالات العلمية على العمل في المناصب الحكومية، وبقي في القاهرة حتى أخرج المعجمات العسكرية الموحدة الأربعة المعروفة، والتي أعيد طبعها مرات عديدة، وكان هو الذي اقترح توحيد هذه المصطلحات، وهو الذي وضعها حيز التنفيذ. عاد "شيت خطاب" من مصر إلى العراق سنة 1973م، فعُرضت عليه عدة مناصب حكومية رفيعة، لكنه اعتذر عن قبولها، وتفرغ كلياً لبحوثه ودراساته، وللتأليف، والتدريس في المدارس والمعاهد والجامعات العسكرية في أرجاء البلاد العربية.
مواقفه
كان للواء الركن محمود خطاب موقف مجيد في الدفاع عن اللغة العربية، ومحاربة الدعوة إلى اللهجة العامية الدارجة، والشعر الحر وأن الشعر الموزون المقفى هو من دعائم اللغة العربية، كما حارب الدعوة لكتابة العربية بالأحرف اللاتينية ورحب بالجانب العلمي من الحضارة الغربية، ورفض ما عداه من المبادئ والأخلاق والعادات والسلوك الغربي الذي أنحدر إلى الحضيض في العلاقات الجنسية والإباحية وغيرها من المبادئ المادية وما تتركه من آثار على إنسانية الانسان، وروحه وسلوكه. كانت الصهيونية أعدى أعدائه، ومحور تفكيره وهمومه..
وكان يقول: أن العلاج لها هو الجهاد، فإسرائيل لا تفهم غير لغة القوة وهي الطريق لتحرير فلسطين وسحق اسرائيل العنصرية. وأن الاسلام هو الحل لسائر القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية للأمة الإسلامية، ونحن أمة أعزنا الله بالإسلام، فإذا طلبنا العزة بغيره أذلنا الله، وأن الوحدة قدر والقدر أقوى من البشر، ويجب العمل للوحدة من أجل العزة والمجد، ومن أجل القضاء على إسرائيل
قالوا عنه:
من ذلك شهادة العلامة الشيخ محمد أبو زهرة الذي قال عنه: قائد يعرف خصمه، ويدرك مراميه، حتى إنه ليتوقع الحرب أو الهجوم من عدوه في ميقاتها وقبل أن يعلنها. علم بهجوم اليهود سنة 1967م قبل أن يعلنوه، وقبل أن يقدره الذين كانوا - في زعمهم - يديرون الأمور.
ويقول الإمام العلامة الشيخ محمد أبو زهرة:
(إن صديقي الكريم اللواء الركن محمود شيت خطاب القائد العظيم المدرك، والوزير المخلص ـ وقليل ما هم ـ سعدت بمعرفته، وأحسست بأني أعرفه منذ سنين، يسير بفكره، وقوله وعمله في خط مستقيم كاستقامته، وقد جمع الله له من الصفات ما تسمو به واحدة منها عن سفاسف الأمور، وتتجه إلى معاليها:
أولها: الإخلاص في القول والعمل.
وثانيها: الإدراك الواسع، والعلم بما حوله، وتعرف الأمور من وجوهها، وإدراكها من مصادرها، فقلمه نقي وفكره ألمعي.
وثالثها: إيمان صادق بالله ورسوله النبي الأمين.
ويكمل هذه الصفات همة عالية، وتجربة ماضية، وخبرة بالعلم والحرب، وخصوصًا ما كان بين العرب واليهود، وهو عالم بالعربية، وملم إلمامًا عظيمًا في شؤون الدين، وقارئ يتقصّى الحقائق فيما يقرأ، ينفر من التقليد للفرنجة، ويؤثر ما في القرآن والسنَّة، وهو قائد يعرف خصمه، ويدرك مراميه، حتى إنه ليتوقع الحرب أو الهجوم من عدوه في ميقاتها وقبل أن يعلنها، وقبل أن يفكر فيها من سيكونون حطبها؛ لأنه يعلم الخصم ومآربه وحاله، ويتعرف من ذلك مآله، لقد علم بهجوم اليهود سنة 1967م، قبل أن يعلنوه، وقبل أن يقدره الذين كانوا في زعمهم يديرون الأمور، ويلبسون لكل حال لبوسها
وبعد مقابلة تمت بينه وبين الأديبة الكبيرة الدكتورة عائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ" في حضرة الأديب الأستاذ عبد الله الطنطاوي، والشاعر الأستاذ محمد الحسناوي، وذلك أواخر الثمانينيات، بعد هذه المقابلة قالت عنه بنت الشاطئ: "لقيته شيخاً جليلاً، وعالماً وقوراً، يغلبه هم المسلمين، ويبكي مآسيهم، ويتحرق لعمل يستنقذ فيه أمة العرب والإسلام، ويستحث همم جلسائه وزوّاره، ويحرّك عزائمهم، ويثير فيهم الغيرة الدينية للنهوض بواجب الإسلام والدعوة إليه، والعمل لإعزازه، وإعادة مجده.
يقول الدكتور يوسف ابراهيم السلوم: "زرته بالمستشفى العسكري بالرياض عام 1410هـ قبل وبعد العملية التي أجريت له في القلب، ولمست منه الشجاعة الأدبية والإيمان القوي، والرضاء بالقدر، وصبره على الآلام، مع كبر سنه، ورغم ذلك كانت حقيبته لا تخلو من بعض المؤلفات الجديدة له، وتفضل مشكورا بإهدائي بعض النسخ منها، كان يتحدث مع زواره بروح عالية، فازددت تعلقا به، ومحاولة معرفة المزيد من سيرته وحياته، وكنت أتابع ما يصدر له من كتب ومؤلفات وبحوث ومقالات، فأجد فيها المعين لي في حياتي العسكرية لتأصيل العلوم والثقافة العسكرية حتى أصبحت مدرسة متميزة".
ويقول الأديب عبد الله الطنطاوي:
(عاش اللواء خطاب عصرًا متفجرًا من أعنف العصور، وكان نصيب العراق كبيرًا من الحرائق والمعاول بعد فلسطين الذبيحة، وكان اللواء خطاب شاهد القرن على تلك الكوارث والمآسي التي اجتاحت العراق والشعوب العربية والإسلامية، فكان ميلاد الكيان الصهيوني، ثم شهد هزيمة الأنظمة العربية في حرب حزيران (يونيو) سنة 1967م.
عاش محمود شيت خطاب عصره بكل ما فيه، وناله الكثير مما فيه، وعاه بعقله وذكاء قلبه،
ويقول اللواءالمهندس المتقاعدعبدالستارهاشم سعيدالكيلاني-ان العلامة محمود شيت خطاب من اعلام المؤرخين العراقيين ومن أوائل العسكريين الذين كتبوا في التاريخ الإسلامي ولقد كان قوي الفكر قوي الارادة رحمة الله عليه
قالوا في حفل تكـريمه
وفي حفل تكريمه ألقى الشاعر وليد الأعظمي هذه القصيدة:
اليوم أنشد في تكريم «محمود»
شعرًا يعبر عن حب وتمجيد
أشدو به بين أهل الفضل مبتهجًا
ولا ابتهاجيَ في عُرس وفي عيد
هذا سروريَ لم أنعم به زمنًا
مما أكابد من همٍّ وتسهيد
موكّل بهموم الناس أحملها وقرًا
على كاهلي المكسور أو جيدي
أسعى وأركض في إطعام ذي سغب
ودفن موتى المساكين المناكيد
واليوم ألقي همومي جانبًا لأرى
هذا التجمع من أعلامنا الصيد
جاؤوا يُحيُّون «محمود» الصفات
صفت أخلاقه وزهت بين الأماجيد
ويصدحون بألحان الثناء كما
تشدو الطيور بتطريب وتغريد
هذي سجاياه كالريحان عاطرة
كالمسك ديف بأطياب من العود
يفوح منها أريج العلم ينعشنا
كالبارد العذب للظمآن في البيد
***
له أياد علينا جِدّ سابغة بالفضل
والعلم والإحسان والجود
يراقب الله في سرٍّ وفي علن
يقضي الليالي بتسبيح وتحميد
لسانه الرطب بالأذكار منشغل
عن ذم «سعد» وعن إطراء «مسعود»
وبالتلاوة في الأسحار متعته
وبالمناجاة للمولى وتوحيد
ذاق الأذى في سبيل الله محتسبًا
ما كان عاناه في أيامنا السود
من اضطهاد وتعذيب وسخرية
يشيب من هولها شَعر المواليد
وهو الصبور على ما ذاق من محن
وكان أصلب من صمِّ الجلاميد
فما استكان لطاغوت ولا صنم
ولا تهيَّب من أحفاد «نمرود»
أخباره من ظلام السجن نافذة
تسري على ألسن النجوى بترديد
وسنة الله في الأبرار ماضية
بالابتلاءات من ضيق وتشريد
يُمحص الله أحوال الرجال بها
بين الصناديد منهم والرعاديد
أقلامه لسطور المجد راقمة
سفر الفتوحات من خير الأسانيد
و«قادة الفتح» نبراس يضيء لنا
نهج البطولات في عزٍّ وتخليد
وفي «السفارات» عند المصطفى
خطط تدعو لحسن اتباع في التقاليد
لطف ورأي وإخلاص وتضحية
وحكمة ووفاء بالمواعيد
مضى يدافع عن تاريخ أمتنا
يردُّ شبهة تنصير وتهويد
يردُّ كيد العدى في نحرهم قلم
يأتي على حجج الأعدا بتفنيد
وفي «فلسطين» أيام له سلفت
مجاهدًا مع أبطال صناديد
يصول كالليث في غاراته جلدًا
يطارد البغي في الوديان والبيد
وذكريات له في «القدس» باقية
لا ينمحي ذكرها من قلب «محمود»
يا رب بارك له في سعيه وأدم
عليه فضلك بالإنعام والجود
كيف تنبأ اللواء الركن خطاب بيوم 5 حزيران قبل وقوعه
روى الصحفي زيد الحلي في مقالته الموسومة ((السنين إن حكت)):
((وسط فوضى التصريحات والتنظيرات التي سيقت عدوان الخامس من حزيران عام 1967، كانت هناك جريدة عراقية تصدر ببغداد، بثمان صفحات وعدد العاملين فيها ستة " إدارة وتحريراً " هي جريدة (العرب) تنشر على صفحتها الثالثة يوميا، سلسلة دراسات عسكرية، إعتبارا من العشرين من شهر مايس 1967 تحت عنوان (حرب ام لا حرب) بقلم اللواء الركن محمود شيت خطاب، وكان العبد لله، مكلفاً من رئيس تحرير الجريدة الحاج نعمان العاني، بجلب تلك المقالات.. وقد تعوّد الكاتب محمود شيت خطاب، الذي ودّع الدنيا في العام 1999، وفي رأسه خزين هائل لا يقدر بثمن من المعلومات والقراءات للفكر العسكري الاسرائيلي، أن يهيء ثلاث مقالات في كل مرة بحيث يكون، تحت يد رئاسة التحرير، مقالان، عدا المقال المنشور... وهكذا إستمر الحال.. كانت سعادتي، وأنا أتوجه الى دار ذلك الرجل الكبير، النابغة، لاتوصف.. كنت أقضي عنده وقتاً يزيد على الساعة، قبل أن يسلمني مقالاته التي أصبحت الآن تاريخاً مضيئاً في مسيرة العقل العسكري العراقي والصحافة العراقية، أستمع فيها الى ينابيع الكلام من فم مليئ بالحكم والعبر... ذهنه مرتب ويمتلك عقلية علمية منظمة."
ويضيف الاستاذ الحلي: " المقال الذي أراد كاتبه أن ينشر سريعاً.. يا ألهي.. المقال، يحذر بصورة أكيدة ومؤكدة، بأن العدوان الإسرائيلي، واقع لا محال (يوم الاثنين 5 حزيران)...
كان تحذير اللواء شيت خطاب، هواء في شبك الفوضى العربية، فاللحظات الحاسمة تحتاج الى حكمة وجرأة ومبادرة وتشخيص صحيح... كانت تلك الايام، تمثل لحظات خطيرة جدا في تأريخنا العربي، غير ان الفشل في إقتناصها أدى الى خسارة فادحة جداً...ولم يلتفت القادة العرب ووزراء الدفاع ورؤساء أركانهم الى صرخة الصحافة العراقية، التي أعلنت إحدى صحفها عن موعد العدوان بدقة.. كان العسكر والقادة نيام فيما الصحافة العراقية كانت يقظة..
ويتسائل الاستاذ الحلي:" وإنني أتساءل بعد كل هذه السنين : ترى كيف سيصبح حال العرب لو أخذوا بتحذير اللواء خطاب وقاموا بضربة إستباقية للحشود الاسرائيلية وهم يمتلكون آلاف الطائرات الهجومية وآلاف الصواريخ وملايين العسكريين؟ الم ستتحول (نكبة حزيران) الى (نصر حزيران)؟؟؟
الصحفي زيد الحلي مع الراحل اللواء محمود شيت خطاب
وفاته
في صباح اليوم الثالث عشر من شهر كانون اول سنة 1998م، كان اللواء خطاب يجلس على كرسي عتيق تحت درج منزله، وجاءت ابنته تودعه، وقبل أن تغادر المنزل إلى الجامعة، طلب منها أن تجلس معه لتقرأ سورة «يس»، فجلست وجاءت زوجته وجلست وقرأت البنت سورة «يس» وكان يقرأ معها، فأحس بجفاف في حلقه بعد الانتهاء من قراءة السورة، فطلب من زوجته أن تأتيه بكأس من الشراب، وأسرعت الزوجة إلى المطبخ وهي تسمع زوجها يردد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.. وكررها مرارًا ثم سكت، وابنته تنظر إليه وتردد معه شهادة الحق، فأسرعت زوجته إليه لتراه كالنائم، قد أسلم الروح لبارئها. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النَّبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين كل خير. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
1169 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع