٦٠ عاما على وفاته (٢١ آب١٩٥٧) الوالي العثماني الأخير خليل باشا .. كيف نسب اليه (شارع الرشيد)؟

 60 عاما على وفاته (21 آب1957) الوالي العثماني الأخير خليل باشا .. كيف نسب اليه (شارع الرشيد)؟

اعداد : ذاكرة عراقية:في مثل هذه الايام من عام 1957 توفي والي بغداد الاخير في العهد العثماني خليل باشا الذي يقترن تاريخه في العراق بحادثين كبيرين : الانتصار في الكوت بعد حصارها الشهير، وافتتاح شارع خليل باشا الذي سمي فيما بعد بشارع الرشيد.

كتب عنه الاستاذ مير بصري قائلا :

والي بغداد التركي الاخير وقائد العراق امير اللواء خليل باشا، وهو ابن احمد وعم القائد الشهير انور باشا وزير الحربية (1881– 1922)..ولد خليل باشا سنة 1881 وتخرج في المدرسة العسكرية في استانبول سنة 1904 برتبة يوزباشي ممتاز. حارب في طرابلس الغرب والبلقان، واصبح سنة 1913 عقيد اركان حرب.

اشترك في حرب القفقاس، ثم ارسل الى العراق، وهو انذاك الزعيم خليل بك، على رأس حملة عسكرية وصلت الموصل في اواخر شباط 1915 وحاربت القوات الروسية في اورمية وديلمان، ثم انسحبت الى ولاية وان في ايار من السنة نفسها.وفي اواخر تلك السنة نقل الى ساحة الكوت قائداً للفيلق الثامن عشر بامرة قوات العراق الزعيم نور الدين بك. ورفع الى رتبة”مير لوا”وعين والياً لبغداد وقائداً لجيش العراق في 12 كانون الثاني 1916.
عقدت عليه الامال وهنأه الشاعر عبد الرحمن ابراهيم المصري قائلاً :
يا قائــداً جيش العراق، لك الثنـا
والحمد والشكران والاطراء
بـك لا بغيرك تستـرد بـلادنــا
وبسيف عزمك تمحق الاعداء
تولى خليل باشا قيادة الجبهة العراقية، وكان الجيش البريطاني قد تقدم من الجنوب واحتل الكوت في 28 ايلول 1915 بعد معركة السن التي دحر فيها الجيش التركي واسر منه 1650 رجلاً. وزحفت القوات البريطانية في تشرين الثاني حتى بلغت سلمان باك، لكن الجيش التركي صد هجماتها وكبدها خسائر جسيمة.

الصورة لاستسلام القوات البريطانية في(٢٩ابريل ١٩١٦) بعد تطبيق الحصار من قبل القوات العثمانية على الكوت لاستعادتها مجددا والصورة تظهر قائد القوات البريطانية الجنرال(تشارلز تاونسند) مع بعض ضباط الجيش العثماني بقيادة(خليل باشا)

واضطر القائد الانكليزي الجنرال شارلس تاونسند ان يرتد بقواته الانكليزية الهندية الى الكوت فبلغها في 3 كانون الاول وتحصن بها. وطوقتها القوات التركية وشددت الحصار عليها، ودارت الحرب سجالاً بين الفريقين حولها. لكن نفاد المؤن ارغم الجنرال تاونسند على الاستسلام بعد ان فقد الامل في الخلاص، وحمل اسيراً مع 9250 رجلاً من الانكليز والهنود في 29 نيسان 1916. وكانت المحاولات التي بذلها الانكليز لاستردادها في الاسابيع السالفة قد كلفتهم فقدان 24 الف رجل. وقد عرضت الحكومة البريطانية سراً خليل باشا مبلغ مليون باون استرليني ذهباً لفك الحصار عن الكوت فابى. قال في ذلك ستيفن لونغريغ في كتابه”العراق1900 – 1950”ماترجمته:”وقد لجأ الى محاولة يائسة ومنافية للياقة في سبيل شراء سلامة الحاميةبالنقد من القائد التركي، لكنها قوبلت بالرفض. فقد اوفد (توماس ادورد) لورنس واوبري هربرت الى العراق للقيام بالمحاولة التي لم تحظ بقبول كوكس (السر برسي كوكس رئيس الضباط السياسين”…

لكن مجرى الحرب تغير في اواخر السنة بعد تعزيز القوات البريطانية وتعيين الجنرال السر ستانلي مود قائداً عاماً. وكان خليل باشا قد جاء الى بغداد في 11 ايار 1916 قادماً من ميدان الحرب في زورق بخاري مسلح وتولى مقاليد الولاية.

وعرف لدى الاهلين بالميل الى العبث واللهو، وقد شق شارعاً رئيسياً في بغداد سمي”جادة خليل باشا”، ثم اطلق عليه بعد ذلك اسم شارع الرشيد.
غادر خليل باشا مدينة بغداد قبيل سقوطها في ايدي الجيش البريطاني في 11 اذار 1917 وظل يقود الجيش التركي المنسحب الى الشمال. وكان اللواء علي احسان باشا نائباً له في ساحة الموصل، ثم خلفه في القيادة، فقام بتسليم المدينة بعد الهدنة في 8 تشرين الثاني 1918.
واعتزل الخدمة برتبة فريق اول. وحين اعلن قانون القاب الاسر التركية سنة 1934 اتخذ لنفسه لقب (كوت) باسم المدينة العراقية التي استسلمت له خلال الحرب العامة، فاصبح يعرف باسم خليل كوت.
وعاش بعد ذلك في استانبول حتى قضى نحبه فيها في 21 آب 1957. وكان آخر ولاة الدولة العثمانية في عاصمة العباسيين اختتمت به صفحة تاريخية حافلة دامت نحواً من اربعمائة سنة.
محمود صبحي الدفتري يتحدث عن خليل باشا
حدثنا المرحوم الاستاذ محمود صبحي الدفتري عن خليل باشا، قال انه تولى ولاية بغداد وقيادة ساحة العراق شاباً. وكان مرحاً متواضعا مرفوع الكلفة لطيف المعاشرة بخلاف سلفه نورالدين باشا القائد الوقور المتزمت.
قال الدفتري : كنت في استانبول حين عقدت الهدنة في أواخر سنة 1918 ودخل الحلفاء الى عاصمة الخلافة فاتحين. وعلى الأثر فر زعماء الحكم المخذول أنور باشا وجمال باشا وطلعت باشا، وقبض على الزعماء الآخرين كالامير محمد سعيد حليم باشا وزجوا في السجن، ثم أبعدوا الى مالطا. وذهبت الى السجن لازور صديقاً لي من الضباط المعتقلين، فلم اجده، وقيل لي انه نفي مع المنفيين، ولكنني وجدت في السجن خليل باشا، والي بغداد السابق، وكانت لي به معرفة فطفقت احادثه واساله عن حاله. وقد أخبرني انه قد اعتقل عند احتلال الآستانة، ولم يكن يشكو شيئاً في سجنه لان الموظفين والحراس من اعوانه فيخدمونه ويحترمونه. ولكنه علم ان في نية الحكومة الجديدة تقديمه الى المحاكمة بتهمة الاختلاس، وذلك ما يغيظه اشد الغيظ. فقد قال خليل باشا انه خسر موقعة خطيرة وضيع بغداد على الدولة،فهو يرحب بتقديمه الى المحكمة بتلك التهمة، اما ان يحقر بمحاسبته على سرقة ارزاق الجيش او أكياس طحين وعلف، فتلك اعظم اهانة يمكن ان تحيق به، فانه رفض الملايين التي لوح بها للاخلال بواجبه، وهو قد كان يتصرف في اكياس الذهب من المصاريف السرية فيمنحها لمن هبّ ودبّ، ولم يرض ان يأخذ لنفسه شيئاً منها. فكيف يقبل ان يكون هزأة للناس في محاكمة عن اختلاس موهوم؟. وقال انه اذا تحقق لديه مثل تلك الاشاعة فسيعلم كيف يفر من سجنه.
ولم تمض أيام قليلة على ذلك الحديث حتى شاع امر فرارخليل باشا من سجنه بتدبير من مدير السجن الذي آثر الفرار معه الى الاناضول.

نزاهته وفشل لورنس باستمالته
حينما حوصر الجنرال تاونسند في الكوت كلف توماس ادورد لورنس (الذي اشتهر فيما بعد باسم لورنس بلاد العرب) بمهمة غريبة في حرب العراق. كان آنذاك برتبة كابتن في الجيش البريطاني في القاهرة، وعمره لايتجاوز الثامنة والعشرين، وقد أمر ان يتصل بالقائد التركي خليل باشا في اوائل سنة 1916 ويعرض عليه مبلغ مليون باون لاطلاق سراح القوات البريطانية المحاصرة. وكان التكليف صادراً من رئيس اركان الجيش الامبراطوري في لندن السر وليام روبرنسن، لكن السر برسي كوكس رئيس الضباط السياسيين في العراق رفض ان يشارك في هذا المشروع المشبوه.
كان عدد القوة البريطانية المحصورة في الكوت عشرة الاف رجل من البريطانين والهنود.
وصل الكابتن لورنس الى البصرة في آخر آذار 1916 وكان معه اوبري هربرت من دائرة استخبارات الجيش. اتصل الرجلان بخليل باشا وعرضا عليه مليون باون، ثم مليونين، فرفض الرشوة بسخرية واباء. ثم لم يلبث تاونسند ان استسلم بلا قيد ولا شرط بعد ان نفدت ذخيرته وطعامه وابتلي افراد جيشه بالملاريا والزحار. لكن لورنس وصاحبه عاودا الاتصال بخليل في 29 نيسان لترتيب تفاصيل الاستسلام، وحاولا البحث في مصير أهالي الكوت الذين رحبوا بالانكليز، غير ان القائد التركي ذكرهما ان الاستسلام كان بلا شرط. وقد اكتفى بعد ذلك باعدام تسعة أشخاص منهم اثنان من المختارين ومثلهما من الشيوخ.
كتب لورنس تقريراً عن مهمته الخائبة. ومدح خليل باشا فقال انه في نحو الخامسة والثلاثين من عمره، قوي البنية نشيط الحركة. ولايظهر انه شديد الذكاء، لكن له ذاكرة قوية وفكر يقظ مع شخصية قوية وادب جم وشجاعة اشتهر بها. وكان مع خليل ضباط اركان عددهم 12 احدهم الماني حسب الظاهر.

* * *
كان خليل باشا جندياً تركياً محضاً لاهم له في الادارة وتدبير معيشة الأهلين وابناء الشعب، وكان ضباطه بعد احتلال بغداد وانتقاله بجيشه الى شمال العراق يصادرون الحبوب والمؤن لتموين القوة العسكرية غير مبالين بجوع الناس وتلفهم. وكانوا يهدمون المباني والكنائس ويستولون على أخشابها للتدفئة في موسم البرد الشديد.

حول شارع الرشيد
وكتب محرر هذا المجموع (رفعة عبد الرزاق محمد) في مبحث له عن شارع الرشيد :
تعود فكرة فتح الشارع الى عهد الوالي مدحت باشا (1869 ــ 1870)، وبدأ العمل بشق الشارع في عهد ناظم باشا كما قلنا في مقالة سابقة.ولم يبد الولاة اللاحقون بعد ناظم باشا اي همة تجاه المشروع وهم يوسف اكاه باشا، جمال بك، محمد زكي باشا، جلال بك، جاويد باشا، سليمان نظيف باشا، نور الدين بك)، ثم اندلعت الحرب العالمية الاولى واصبح العراق احدى جبهات الحرب، ولما تولى خليل باشا ولاية بغداد وقيادة الجيش العثماني، انتهز الفرصة وأمر باستكمال شق الشارع ثم افتتاحه في صيف 1916، فسمي بـ (خليل باشا جاده سي)، وكانت تلك تسميته الثالثة، اذ سماه المتزلفون لناظم باشا باسم (ناظم باشا جاده سي)، غير ان ناظم باشا رفض ذلك وامر ان يسمى الشارع باسم (مدحت باشا جاده سي)، ولكنه اشتهر بين الناس منذ عهد ناظم باشا باسم (الجادة العمومية). ويذكر المؤرخ العراقي يعقوب سركيس ان قطعة وضعت على قاعدة جامع السيد سلطان علي تشير الى ان تاريخ فتح الشارع كان في سنة 1332هـ، ولا اعرف ماذا قصد بهذا التاريخ، وسركيس عرف بتثبته وتحققه، فضلا عن قرب بيته من الجامع المذكور.
وقد صور شاعر بغدادي معاناة الناس جراء هدم بيوتهم لشق الشارع من خلال شكوى امرأة. فقد نظم عبد الرحمن البناء (ت 1955) قصيدة بعنوان (أنة تحت الظلام في دار السلام)، مطلعها :
وباكية في الليل والليل مظلم
تود انتباه الناس والناس نوّم
ومن المهم هنا ان الأب انستاس ماري الكرملي كتب تعليقا مفيدا على هذه القصيدة، نشره الشاعر في مقدمة القصيدة المنشورة في ديوانه (ذكرى استقلال العراق) الصادر سنة 1927، جاء فيه :
كان الاتراك قد فتحوا جادة كبيرة في بغداد وهي الجادة التي كانت في خاطرهم منذ عشرات السنين لكنهم لم يجرأوا على فتحها لما كان يكلفهم من المبالغ الطائلة، ولما كان من الناس من لم يوافقهم البتة على رأيهم هذا،ولما اعلنت الحرب وجدوا ان الفرصة مناسبة لفتحها اذ لا يستطيع احد ان يعارضهم. ولما شرعوا بفتحها ظلمواكثيرين وجاروا على الضعيف ولم يؤدوا حقوق الناسبوجه من الوجوه، والذين قدروا ان ان يرشوا رئيس البلدية رشوة (دهينة سمينة) وجد لهم الف عذر لعدم قطع داره او التعرض لها. واما المسكين الفقير فانه لم يستطع الا التصبر على ماداهمه، وصور شاعرنا حالة احدى النساء التي لم يكن لها الا دار واحدة فاجاد وصفا، وكان نظمه لها في 9 رمضان 1334 يوم احتفل بتدشينها.
كتب نوري ثابت (حبزبوز) ان الذي اشرف على فتح الشارع هو امر اللواء العقيد محمد بك، وكان يشغل وظيفة مركز قومندان في قيادة الجبهة (حبزبوز العدد164 في 26 اذار 1935).

ويذكر الاستاذ كامل الجادرجي في اوراقه المنشورة ان اخاه رؤوف الجادرجي رئيس بلدية بغداد في ايام الحرب العظمى غادر العراق قبيل انتهاء الحرب الى الاستانة ومنها الى برلين بحجة الاظلاع على تنظيمات المدينة وتخلصا من الوضع الذي نشأ من جراء فتح الشارع العام وتهديم الكثير من الدور والمنشأت دون تعويض اصحابها اموالا نقدية بل اكتفت البلدية باعظائهم سندات بقيت الى النهاية دينا بذمتها، وقد سبب هذا العمل استياءا بالغا لدى اصحاب العلاقة وغيرهم واعتبروا رؤوف الجادرجي مسؤولا عنها.(من اوراق كامل الجادرجي ص 50).
لما جاء القائد الاماني (فون در غولدز باشا) وتفقد بغداد وجد شوارعها ضيقة فتفاوض مع رئيس البلدية رؤوف الجادرجي على فتح شارع جديد. ولما اتفقا احضرا مهندسي بغداد مدنيين وعسكريين بينهم فوجيل وشفانيس وبكر بك وغيرهم.
شرع بشق الشارع من منطقة الباب الشرقي اولا فهدموا جدران القنصلية الانكليزية يوم 20 اذار 1916 (16 جمادى الاولى 1334)، وفي اليوم نفسه شرع الفعلة يهدمون سوق باب الاغا غير ان هذا الخرق كان سببا في اعوجاج الشارع. وقد قال بكر بك علانية لاحد وجهاء الموصل : اني احد اللذين عهد اليهم امر تسوية الجادة غير اني ما حرفت الخرق في بعض الدور وشوهت استقامتها لرجاء او هدية قارورة عرق..وبشكاية المتنفذين اوقف الهدم بجانب جامع السيد سلطان علي. استمر الوالي خليل باشا في التنفيذ بعد موت القائد الالماني ليسمي الشارع باسمه (توفي القائد الاماني الفون درغولج في 6 نيسان 1916)، واستانف العمل يوم الخميس 11 ايار 1916 (21 شوال 1334).ونقش اسم خليل باشا على قاعدة منارة جامع السيد سلطان علي يوم الخميس 19 تشرين الاول 1916(22 ذي الحجة 1334).

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

4895 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع