مذكرات د. صادق عبدالمطلب الموسوي مترجم اللغة الفرنسية لصدام حسين .. شــاهـد ورأى كــل شــيء الحلقة العاشرة
مَن قادة الثورة؟
تصدرَ الزعيم عبد الكريم قاسم واجهة الثورة واتخذ وزارة الدفاع مقرا له إلى جانبه العقيد عبد السلام محمد عارف ولكل منهم رفاق من العسكر وأصدقاء مقربون من فكره واتجاهاته وميوله السياسية. وهنا كان يكمن بيت القصيد ونقطة الخلاف التي أدت إلى إسالة دماء العراقيين!!
الزعيم عبد الكريم قاسم كما أراه
شخصية عسكرية صرفة من منحدر قروي في وسط العراق بدأ حياته معلما في الشامية ثم دخل الكلية العسكرية فتخرج ضابطا ثم تدرج في السلك العسكري حتى بلغ رتبة زعيم عند قيام الثورة.
شارك في حرب فلسطين وأبلى بلاء حسنا وكان محبوبا من قبل رؤسائه ومرؤوسيه. نذر نفسه لخدمة الوطن إذ لم يتزوج, كان محط ثقة قيادة الجيش وبالذات نوري سعيد الذي كان يطلق عليه اسم الدلع "كرومي" عرفناه من خلال أفعاله وقراراته وسلوكه وسياسته وخطاباته. كنا نعيش معه ليلا ونهارا من خلال الإذاعة والصحف والتلفزيون نسمعه ونحس به كما يحس بنا. كان يبدأ خطابه دائما بهذه العبارة "السلام عليكم أبناء الشعب, إنني ابن الشعب والشعب مني وأنا منه" نعم لم يكن عبد الكريم قاسم من أولاد البرجوازيين ولا من أولاد الأغنياء والأثرياء, كان الرجل على الفطرة وحسن النية وسلامة القلب مع شعبه كان يتجول في الأسواق وفي المناطق الشعبية ليلا ونهارا من دون حماية ولا موكب مهيب ولا مرافقين حتى أن مرافقه الأقدم وصفي طاهر كان يفاجأ بغياب الزعيم دون أن يعلم!!
كان خط سيره في الصباح معروفا من البتاوين حيث دار شقيقته وحتى وزارة الدفاع مرورا بشارع الرشيد. كنا نقف على جانبي الطريق بشكل عفوي لنصفق للزعيم وكان هذا التصفيق يبدأ من بيته وحتى مقر عمله وفي بعض الأحيان يتجمهر الناس لحمل سيارته "الشوفرليت 958" حتى قال فيه الشاعر الجواهري رحمه الله "عبد الكريم الشعب لم ينجب سواك زعيما وسواك لم تلد القرون عظيما" وهذا لا يعني أن الزعيم منزه عن الخطأ فقد كان معتدا برأيه لا يسمع نصيحة أقرب الناس إليه الأمر الذي قاده ورفاقه إلى الهلاك ومن ثم تدمير البلاد وأترك للمختصين تفصيل سياسته وعلاقاته التي قادته وقادت بلده وشعبه إلى الهلاك لطيبة قلبه وشعاره "عفا الله عن ما سلف" التي تتناقض مع السياسة في بلد قتل الأنبياء والأولياء والقديسين... وليس لي إلاّ أن أقول رحمه الله وأسكنه فسيح جناته..كان عبد الكريم قاسم وطنيا حتى النخاع لم يكن متحمسا إلى الفكر القومي الذي كان يجتاح بعفوية الشعب العربي آنذاك تحت تأثير الزعيم المصري جمال عبد الناصر وخطاباته الملتهبة حيث الجماهير العربية من المحيط إلى إلخليج تهتف "ناصر, ناصر" وخاصة بعد تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر عام 956 وكنت أنا من بين "عشاق ناصر" شأني شأن كل العراقيين المتعطشين للقادة الوطنيين ضد الظلم والطغيان وهذا يفسر سبب رفع الجنود صبيحة يوم الرابع عشر من تموز 958 صور جمال عبد الناصر!
وفي الوقت الذي لم يكن عبد الكريم متحمسا للفكر القومي والوحدة العربية من المحيط إلى إلخليج كان عبد السلام عارف نائب رئيس الوزراء على العكس منه, لقد كان مغاليا في العواطف القومية والعروبية لدرجة أنه طار بعد أقل من عشرة أيام على قيام الثورة وبمعية وفد من كبار قادة الثورة إلى مصر والتقى بجمال عبد الناصر وحضروا احتفالات ذكرى الثورة المصرية في 23/ تموز/952, خلال هذه الزيارة بايع عبد السلام عبد الناصر وتعهد له بالانضمام إلى مصر وسوريا ضمن الجمهورية العربية المتحدة ولكن من دون إعلان رسمي وهنا بدأ الخلاف الفكري والعقائدي بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف!! بين الوطني المتسامح والقومي المتطرف دون مراعاة مصلحة الشعب الجريح وإرادته وكأن العراق ضيعة يتقاسمها الحكام حسب أهوائهم عندما يصلون إلى السلطة!!
عبد الكريم قاسم بين الحرية والديمقراطية والفوضى!
لم يكن لعبد الكريم قاسم العسكري المسلك خبرة ودراية بدهاليز السياسة ومنأوراتها ومكائدها كما كان يتميز بها نوري سعيد. عبد الكريم قاسم انتقل بين ليلة وضحاها من ضابط إلى رئيس وزراء بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وكانت النتيجة التخبط الكامل تحت شعارات الحرية والديمقراطية.. فوجد نفسه تحت ضغط تيارات وأحزاب متناحرة كل واحدة منها تريد تطبيق فكرها وبرنامجها فتأرجح الزعيم بين هذا التيار وذاك فإذا أرضى هذا الطرف تمرد عليه الطرف الآخر.. لم يستطع تحقيق التوافق والتآلف بين هذه الكتل والأحزاب بسبب نقص الخبرة والتجربة من جهة ولتعنت الأحزاب الأخرى بمواقفها ورفضها التنازل أو الحوار من اجل مصلحة الوطن من الجهة الأخرى,
فالحزب الشيوعي العراقي وتحت شعار البروليتاريا والشغيلة والحرية والاشتراكية وتعميم الملكية.... إلخ من هذه الشعارات التي يسيل لها لعاب المظلومين, المحرومين, وما أكثرهم في العراق. هؤلاء أي الشيوعيين, جمعوا العمال في تنظيمات جماهيرية كالنقابات والنوادي والمنتديات الثقافية ومعظمهم من الطبقة المسحوقة التي تنشد الخلاص من الفقر أكثر من انشدادها لمبادئ الحزب الشيوعي. كان عبد الكريم قاسم يتعاطف مع هذه الطبقة الكادحة لأنه كان منها قبل التحاقه بالكلية العسكرية! بالمقابل كانت الطبقة البرجوازية الأرستقراطية من كبار الضباط والتجار والإقطاعيين... إلخ معظم هؤلاء كانوا من القوميين الذين لا يروق لهم الحزب الشيوعي بسبب تضارب مصالحهم الخاصة مع الطبقة الكادحة من كافة الوجوه اجتماعية وثقافية وطبقية وفكرية وهكذا, كان عبد السلام عارف يتعاطف معهم بسبب انتمائه إلى نفس الوسط, ظهر هنا شيء وسط بين هذا وذاك يجمع بين الحرية والاشتراكية والقومية تحت شعار "وحدة، حرية, اشتراكية" في محاولة لسحب البساط من الشيوعيين والقوميين ألا وهو حزب البعث العربي الاشتراكي!! أضف إلى ذلك الأحزاب والتيارات الأخرى ذات الانتماء العرقي والديني والطائفي, كان لكل حزب أو تكتل جريدة أو مجلة فهذا الحزب الشيوعي عنده جريدة طريق الشعب واتحاد الشعب ومجلة الثقافة الجديدة والقوميون عندهم جريدة الثورة العربية وبعدها تجيرت للبعثيين والأكراد عندهم جريدة التآخي.... إلخ.
الگاردينيا: للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
http://algardenia.com/ayamwathekreat/24949-2016-07-21-20-20-02.html
1099 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع