قرن على إعلان الملكية في العراق.. حقبة حافلة بالإنجازات والإخفاقات استمر الحكم الملكي في العراق 37 عاما، وتعاقب على الحكم خلالها 3 ملوك ووصي.
الجزيرة/طه العاني:يستذكر العراقيون، هذه الأيام، مرور 100 عام على تتويج الملك فيصل الأول على عرش العراق، في 23 أغسطس/آب 1921 إيذانا ببدء العهد الملكي وتأسيس الدولة العراقية الحديثة.
واستمرت فترة الحكم الملكي قرابة 37 عاما، وتعاقب على حكم العراق خلالها 3 ملوك، وشهدت تلك المرحلة المهمة إنجازات كبيرة لكنها أخفقت في مجالات أخرى.
التأسيس
أهمية موقع العراق وثرواته جعلته محط أنظار جميع الدول الأوروبية، وخاصة بريطانيا التي قامت باحتلاله عام 1917، وبدأت تأمين حاجتها ومتطلبات الاحتلال من أموال العراقيين، وكانت تهدف لاحتلال دائم من خلال ربط العراق بالإدارة الهندية، بحسب أستاذة تاريخ العراق الحديث والمعاصر الدكتورة علياء الزبيدي.
وتضيف للجزيرة نت بأن الشعب العراقي، المعارض للاحتلال البريطاني والإدارة الاستعمارية، عمد إلى المقاومة بشتى الوسائل والطرق، وبعد ثورة العشرين عام 1920 بدأت بريطانيا تفكر في قيام الحكم الملكي وتأسيس الدولة العراقية الحديثة.
وتشير الزبيدي إلى أن الملكية كانت الخيار الوحيد آنذاك، لأن بريطانيا كانت ترتئي تأسيس نظام حكم ملكي، فوقع الاختيار على فيصل بن الحسين ليكون ملكا على العراق في مرحلة صعبة وحساسة، وكان عليه أن يوازن بين رغبات الاحتلال وبين رغبات العراقيين.
وتنوه إلى أن الشعب العراقي تعامل مع الملك فيصل بالود والترحاب، لأنه سليل العائلة الهاشمية، وكان العراقيون يعلقون عليه آمالا كبيرة للتخلص من الانتداب البريطاني، لذلك رحبوا به وجرت احتفالات واسعة في تتويجه ملكا وحظي بمساندة شعبية كبيرة.
وفي المقابل، تقول الزبيدي إن فيصل الأول كان ذا خبرة ودراية وحنكة، وكان محبا للشعب وتعامل معهم بحسن نية، حيث أدرك منذ البداية أن عليه مهمات صعبة جدا وعقبات كثيرة سوف تواجهه في حكم العراق، حيث وجد الخزينة خاوية فضلا عن الصراعات الحدودية.
الملك غازي توفي إثر حادث سير اعتقد البعض أنه مدبر من قبل الانجليز
٣ ملوك
واستمر الحكم الملكي في البلاد 37 عاما، وهو الذي أنشأ شكل الدولة الوطنية العراقية، حيث حكمه 3 ملوك ووصي، كان أولهم الملك فيصل الأول والذي استمر حكمه نحو 12 عاما للفترة 1921-1933، بحسب المحلل والأكاديمي عقيل عباس.
ويضيف للجزيرة نت بأن الملك فيصل الأول نجح في استيعاب الاختلافات العراقية، وجاء بطبقة سياسية كان يقودها أثناء الثورة العربية الكبرى عام 1916، وكان هؤلاء الضباط ينظرون إليه بإكبار، وتسنموا مناصب حكومية عليا.
ويتابع: الملك فيصل الأول استفاد من تجربته في حكم سوريا واستطاع أن يدير تعقيدات في العراق بذكاء، وله وجهة نظر واقعية في سياسة التعاطي مع البريطانيين، حيث رفض المواجهة المباشرة معهم، وكان يقول "نأخذ منهم شيئا ثم نطالب بشيء آخر بالتدريج" وسياسته هذه فيها الكثير من الحكمة.
وأما عن تجربة الملك غازي التي بدأت عام 1933، يرى الأكاديمي عباس بأنها كانت مختلفة لكون الملك الشاب لا يمتلك حكمة أبيه وقدرته على إيجاد الحلول الوسط، حيث كان عروبيا قوميا، ولديه وجهة نظر سلبية تجاه البريطانيين، كما أثار سخط الكثيرين عندما كان يطالب باستعادة الكويت عسكريا، واندمج مع الخطاب القومي ولم يفهم تعقيدات السياسة في العراق.
ويلفت إلى أن عهد الملك غازي شهد اضطرابات الضباط الشريفيين الذين كان يقودهم ويسيطر عليهم والده الملك فيصل، وهؤلاء الضباط أصبحوا يدخلون في صراعات علنية ولا يستطيع الملك غازي أن يضبط تلك الصراعات، ولذلك كان انقلاب بكر صدقي عام 1936 في سياق هذه الصراعات، واستمر الحال حتى وفاة الملك غازي في حادث سير عام 1939.
ويبين عباس بأن فترة حكم الوصي عبد الإله كانت الأطول وبصمته هي الأعمق في النظام الملكي، لأن سياساته الإشكالية ساهمت كثيرا في إضعاف النظام الملكي، واستمرت سلطته حتى عندما تولى الملك فيصل الثاني الحكم.
فيصل الثاني قتل مع العائلة المالكة على يد ضباط عراقيين عام 1958
ويتابع: كان آخر الملوك هو الملك فيصل الثاني الذي تولى الحكم عام 1953 عندما بلغ 18 عاما، وكان محبوبا أكثر بين العراقيين لكونه شابا صغيرا وأكثر تعلما من الملوك السابقين.
ويرى أن هيمنة عبد الإله أو نوري السعيد على الملك فيصل الثاني هي التي أدت إلى نهايته المأساوية حيث قتل في 14 يوليو/تموز 1958 مع عدد من أفراد عائلته، لتنتهي معه حقبة العهد الملكي في العراق.
إنجازات واخفاقات
وكان اهتمام الدولة العراقية الأول في حقبة العشرينيات هو كيفية الخلاص من الانتداب وقضية ضم الموصل، بينما الطابع الاقتصادي كان شبه غائب في هذا الميدان، على الرغم من وجود المشاريع والبرامج الاقتصادية في الحكومات المتعاقبة، كما يقول الباحث والأكاديمي الدكتور حميد حسون نهاي.
ويبين للجزيرة نت بأنه مع ارتفاع مردودات العراق من عائدات النفط أصبحت الحاجة ملحة إلى إنشاء مجلس الإعمار والذي حقق إنجازات مهمة آنذاك، لافتا بالقول: إذا كانت هناك إشراقة في العهد الملكي فإن مجلس الإعمار هو الإشراقة الكبيرة في هذا العهد.
ويوضح بأن مجلس الإعمار نجح في إنشاء مشاريع كبيرة من البنى التحتية ومجالات التعليم والإسكان والمستشفيات والطرق والسدود والمصانع وسكك الحديد وغيرها، حيث تم إنجاز بعض المشاريع في العهد الملكي وبعضها استمر حتى بعد انتهاء الملكية.
من جانب آخر، يؤشر نهاي إلى إخفاقات عديدة خلال الحكم الملكي، منها أن النخب السياسية تصاهرت فيما بينها، فتولد نظام الأقارب والأصهار والتي انتقدها الشاعر الجواهري بقوله (لم يبق معنى للمناصب عندنا.. سوى أنها ملك القريب المصاهر).
ويضيف بأن تدهور الأوضاع الداخلية بسبب الأحكام العرفية -التي استمرت طيلة العهد الملكي، وارتفاع نسبة الفقر إلى 56% عام 1950 بسبب وجود النظام الاقطاعي- زادت من الغضب الشعبي.
وتتمثل الإخفاقات الأخرى -بحسب نهاي- إلى اتكاء النظام الملكي على الخارج في بعض المَواطن وعدم الاعتماد على رجالات العراق المخلصين في الداخل، وهذا أسهم في زعزعة الأمن بشكل كبير، وقد نجد العراق أحيانا يتكئ على دولة أكثر من أخرى، وكان الأجدر به إقامة علاقات متوازنة ومتساوية مع الجميع لا سيما الدول العظمى.
غروب الملكية
ولد النظام الملكي في العراق وهو يحمل عوامل نهايته، فولادته القيصرية من رحم أزمة مجتمعية ومخلفات تراكمية بعد قرون من السيطرة والاستعمارات، جعلته مجتمعا ممزقا تابعا لحضارات أمم قوية تحيطه، بحسب الأكاديمي والإعلامي الدكتور صباح ناهي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير ناهي إلى أن الملكيين الذين حلموا وعملوا على تأسيس دولة بكل الوسائل، لم يتوقعوا أن تنشأ حركة ضدهم من الجيش العراقي الذي صنعوه وكونوه بأيديهم وأسسوا ألويته منذ تأسيس الفريق جعفر العسكري عام 1921 للواء موسى الكاظم، وبناء أسلحته الثلاثة فيما بعد.
ويعزو ناهي أسباب سقوط النظام الملكي إلى عوامل كثيرة اجتمعت لتكتب نهايته، من بينها تعالي رجالات الحكم الملكي على مشاكل الشعب التي كانت تتنامى متجسدة في الفقر العام والعوز والفاقة في العيش، ورغم احترام الشعب للعائلة المالكة والملك فيصل لكن الشعب بعامته يمقت خاله الوصي على العرش الأمير عبد الإله.
ويردف أن مقتل الملك غازي أثار نقمة الشعب الذي كان يجله ويظن أن الإنجليز وراء اغتياله بالتآمر مع بعض رجالات القصر، مما أثار سخط الشعب على الزعامات آنذاك، وفي مقدمهم عراب السياسة العراقية إبان الحكم الملكي رئيس الوزراء نوري السعيد، كما أن العوامل الإقليمية ودخول العراق لحلف بغداد أجج مشاعر المعارضة للنظام وكراهيته.
ويختم بالتأكيد على أن عقارب الزمن لن تعود إلى الوراء، وسيظل النظام الملكي حقبة جميلة هادئة يتذكرها العراقيون بإعجاب، ولكنه كأي شعب يتطلع للمستقبل مع دولة تؤمن بحقوق الإنسان والديمقراطية الحقيقية.
889 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع