في ربيع 1982 أسقطت صواريخ الدفاع الجوي العراقية أول طائرة استطلاع من دون طيار، ظهرت في أجواء منطقة عمليات دزفول – الشوش، وتبين أنها طائرة بدائية مزودة بآلة تصوير فوتوغرافي، مصنوعة من قبل مؤسسة الصناعات العسكرية الإيرانية بإشراف الحرس الثوري، وكأنها من مخلفات الحرب العالمية الأولى.
وما يمكن أن يحققه هذا الطراز من الطائرات لا يشكل تهديدا لأمن العمليات. ومنذ ذلك الوقت والصناعات العسكرية الإيرانية تحاول تطوير طائرة استطلاع مسيرة، ويفترض أنها استفادت من دراسة الطائرة المسيرة الأميركية التي فقدت غرب أفغانستان العام الماضي، وقالت إيران إنها أسقطتها أو سيطرت عليها إلكترونيا، بينما رجح الأميركيون نظرية عطل أصابها.
ومن الطبيعي أن تتوصل إيران بعد ثلاثين عاما من التجارب إلى تصنيع طائرة على شاكلة الطائرة التي أسقطتها وسائل الدفاع الإسرائيلية وأعلن حزب الله عائديتها إليه. ومن حيث المبدأ، فإن دخول الطائرة الأجواء الإسرائيلية لا يعتبر خرقا أمنيا مهما طالما أسقطت، حتى وإن قامت بنقل صور إلى قاعدتها، بقدر ما يعتبر نوعا من أنواع المباغتة، إن لم تكن لدى الأجهزة الإسرائيلية معلومات مسبقة عنها. غير أن هذه المباغتة لا تعني بالضرورة الاستنتاج بنقل مواد خطيرة إلى المنطقة، فهم حذرون من إعطاء حجة قوية للتدخل المقابل.
ويبقى الجانب الاعتباري أهم من الجانب الأمني في حالة كهذه، فالمعلومات التي يمكن الحصول عليها تبقى سطحية، لأنها غير قابلة للتكرار وفق برنامج متعاقب لمتابعة صنف محدد من الأهداف يتأثر أمنها بنشاطات الكشف السطحي. وبما أن القدرة المتاحة لا تضمن تكرار العملية فوق منطقة بعينها تضم أهدافا حيوية، فإن العملية لا تتعدى فعليا الجانب الدعائي. أما أن تعقب الإعلان حملة تصف حزب الله كقوة إقليمية، فكلام يتطلب مراجعة دراسة المتغيرات والتقلب في التوجيهات التي يتلقاها الحزب، لمسايرة أو لمجابهة التداعيات الخطيرة في الملف السوري. فـ«حتى الآن» - وهي العبارة التي استخدمها نصر الله بعد تأكيد عدم مشاركة حزبه في الحرب السورية - «يفترض» أن يوقف الحزب تدخله القتالي، بدل تحد ميئوس منه.
قبل بضعة أيام عبر الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل عن خشيته من احتمال محاولة حزب الله السيطرة على لبنان، من خلال سياسة قضم جغرافي تدريجي. وتحدث آخرون عن احتمالات إقدام الحزب على خطوات متفق عليها مع حلفائه لجر الإسرائيليين إلى مجابهة مفتوحة. كما أن ما قاله نصر الله عن نشر ذخيرة حزبه في مواقع مختلفة من لبنان بحجة المتطلبات الأمنية لتفادي الضربات الإسرائيلية، يمثل تحديا علنيا واضحا للقوى السياسية اللبنانية ولسلطة الدولة. ويعكس جانبا من جوانب التلويح بفرض سلطة القوة.
وطبقا لما يرد، فإن أسعار السلاح والعتاد الخفيف في لبنان وصلت أرقاما خيالية، مما يشير إلى تحسب الناس إلى القادم من الأيام، أو وجود عمليات تهريب من لبنان لصالح الجيش الحر، وضعف عمليات التهريب من الخارج، خلافا لما يقال عن حدوث عمليات تهريب كبيرة للسلاح لصالح الثورة. وفي كل الأحوال، فإن ارتفاع الأسعار يرجح كفة حزب الله العسكرية، وسيطرته على تدابير حماية سلاحه.
السياسة الوحيدة التي تخدم حزب الله مستقبلا هي أن «ينأى فعلا» بنفسه عن الملف السوري، لتجنيب اللبنانيين شر الفتن. ويفترض أن تكون قيادته من أعرف الناس بتاريخ الأمة السورية، فهي أمة محبة للسلام ومعاداتها ليست هينة. كما أن المواقف الإقليمية والدولية ستتحرك بسرعة لو جرب الحزب السيطرة العسكرية على لبنان، لتأمين امتداد أو حاضنة لتشكيل دولة على الساحل السوري. وسيرتكب خطأ استراتيجيا إذا ما قرر افتعال أزمة مع إسرائيل، لأن خطوة كهذه ستجعله عرضة لضربات شديدة، وعزلة داخلية، وضغط من أصدقاء الأمس من العرب، لأن اللبنانيين والعرب ملوا الرقص على أنغام مقاومة مفتعلة لم تعد معطياتها إلا مدعاة لوعي ينذر بمستقبل غير الذي يريدونه للبنان.
لذا، فإن الصراع مع إسرائيل هو ما لا يفكر فيه حزب الله، لأن مشكلته ليست معها، واهتمامه موجه لكسب الوقت لمصلحة حليفه في دمشق، بعد أن تحول إلى جزء من «آلة القتل» في سوريا حسب الوصف الأميركي الجديد لدوره، ومنشغل في دراسة خياري السيطرة على لبنان: هل القضم البطيء أم الاجتياح؟ وكلاهما خطير.
533 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع