في التاسع من هذا الشهر, أبرم رئيس حكومة المنطقة الخضراء نوري المالكي, أكبر صفقة أسلحة تبرم مع روسيا منذ عام 2003, وبمبلغ 4,3 مليار دولار مقابل عقود تجهيز, شملت 30 طائرة مروحية هجومية, من طراز مي- ,28, و42 منصة إطلاق صواريخ أرض جو.
صفقة عوضت بها روسيا خسارتها عن سوقها الذي خسرته بعد فقدانها لموقعها المتميز في ليبيا لصالح دول الناتو, وعبر رئيس الحكومة الروسية” ديمتري مدفيدف عن أرتياحه البالغ, معتبرا أنها” خطوة باتجاه تعزيز الصداقة والشراكة والتعاون بين البلدين”.
وأثارت ضخامة هذه الصفقة الكثير من التساؤلات والتكهنات بما تحمله من معان ومدلولات تتحمل الكثير من التأويل:- فهل هي صفقة تم إبرامها علانية بين بلدين.. ليتم تهريبها سراً, لبلد ثالث باستخدام الطرق الخلفية للعراق؟
وقد شخصها البعض, كتصرف استباقي لضمان موقف روسي داعم, يلجأ له المالكي احترازا, لما قد تتمخض عنه الصراعات بالمنطقة, خصوصا ما قد يتطور عنه الوضع في سوريا.
فهل شراء الاسلحة هو لتأمين وجوده بالساحة العراقية الداخلية، حيث يتخبط الوضع الأمني من هشاشة, إلى هشاشة أسوأ, عجز فيها جيشه, الذي وصفه النائب عن القائمة العراقية “كامل الدليمي” بأنه جيش لا يتمتع بعقيدة عسكرية تخوله التمكن من السيطرة على الملف الأمني!”
ثم...لماذا يسلحه بأسلحة روسية في وقت هو نفسه يعلم أن تسليح جيشه الحالي مقتصر على السلاح الغربي, فما الجدوى من ترقيع, خزائن جيشه بهذه الطريقة, بما يشبه ترقيع أهواء وولاءات فرق جيشه التي لا رابط وطني يجمعها.. وإن كان تسليح الجيش ضرورة فلماذا دُمرت, وبثأرية تامة, كامل منظومة العراق العسكرية في عام 2003 بعد الاحتلال مباشرة.
أم تراها منفذا احتياطيا؛ لتسليح إيران كتصرف احتياطي آخر, للالتفاف على ضغط قوانين المقاطعة ضدها, في حال تصاعد الحراك الشعبي بالداخل الإيراني, ضد حكومة نجاد, خصوصا بعد تدهور عملتها الكارثي.
وهل لنتائجها علاقة بزيارة الرئيس أحمدي نجاد المرتقبة لبغداد، وقد أعلن عنها سفير إيران في بغداد “حسن دنائي”, بأنها زيارة ستمتد لأسبوع, فور عودة المالكي من روسيا.
زيارة نجاد المتوقعة, سبقتها بوقت وجيز تصريحات قائد البحرية لحرس الثورة الاسلامية المتواجد في بغداد “للبحث في وجوه مجالات التعاون المشترك والتدريب والتنسيق في شؤون سلاحي البحرية للبلدين!! فمن من هذه السناريوهات هو المرجح أكثر؟ وبعيدا عن توقيتات الصفقة المثيرة للكثير من علامات الاستفهام, وغاياتها, وملابسات التوازنات السياسية والتحالفات العسكرية المعلنة والسرية بالمنطقة, بعيدا عن كل هذا، فإن أغلبية العراقيين يتساءلون عن جدوى إنفاق مليارات طائلة لشراء أسلحة بهذه الضخامة والاسراف في بلد يعاني شتى أنواع الإهمال في بناه التحتية, وانعدام مؤلم في تأمين الحاجات الضرورية والأساسية للحياة اليومية الطبيعية!
ألم يكن حريا به مثلا الالتفات لوضع المستشفيات وقد وصل حال ترديها, حد أن الحيوانات السائبة تتنقل بين ردهاتها تهاجم مرضاها في وقت غفوتهم.. أو الانتباه لما آلت اليه أوضاع المدارس المتهالكة, حتى أن الطلاب بالعراق وخصوصا بالمدن والأقضية في جنوب العراق يجلسون فيها على الأرض!
ألم يكن مجديا أكثر لو انتبه لأوضاع الأرامل والمقعدين والمعاقين والأيتام والمتقاعدين الذين يزداد فقرهم فقرا كل يوم, أو ربما.. ويتساءلون, لو أنك أنفقت قليلا من مبالغ هذه الأسلحة على تنقية مياه الشرب، فهي تصل لدور المواطنين ممزوجة بمياه الصرف الثقيلة!
وماذا لو أنه تذكر أن العراق خال من الكهرباء الوطنية, وأن أجواء بغداد وحدها, يلوثها وجود 10 آلاف مولدة كهربائية تعمل بديلا عن كهرباء الدولة المفقودة! ويطرح الناس تساؤلا آخر: ماذا لو أنك أضفت” على سبيل الكرم!” مفردة لمواد الحصة التموينية تعويضا عما سرقه وزير التجارة فلاح السوداني عن “ قائمتك طبعا”.. ونجا محتميا بك, فيما زاد على الجياع جوع!
ألم يكن ممكنا استخدام المليارات في بناء مجمعات سكنية لإيواء آلاف العوائل التي تسكن في عشوائيات البر, وكم سيكون نافعا لو انك انفقت قليلا منها لانعاش القطاع الزراعي الذي وصل حد الصفر بعدما كان يشكل 30 % من مجموع الدخل الوطني.. هناك لائحة طويلة يستطيع الناس تصنفها كأولويات لضرورياتهم, قبل تصنيفك لاولويات صفقتك التي لن تنفع بالحفاظ على حياة أيا منهم .. سواك!
فالمؤكد أن العراق يحتاج لمليارات الضروريات, وليس من بينها ضرورة وجود سلاح إضافي.. أو عقد صفقات بالإنابة!
838 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع