مشروع "المركز الثقافي العربي – الأمريكي"

                                               

                           علاء الدين الأعرجي
                               مفكر عراقي

                                 

في ضوء واقع العلاقات المتشابكة والمتبادلة، السلبية والإيجابية، التاريخية والمعاصرة، بين العالمين العربي و الإسلامي ، من جهة ، وأمريكا والغرب عموما، من جهة أخرى، في القرية العالمية، التي بقدر ما تتقارب مسافاتها الجغرافية  تتباعد شعوبها وتتصارع حضاراتها ؛ وبغية إرساء هذه العلاقات على أسس راسخة من التفاهم والتعاون  القائمة على الندية؛ نطرح ، بين أمور أخرى، مشروع إنشاء مركز ثقافي عربي –أمريكي،  على غرار "معهد العالم العربي" في باريس L'Institut de Monde Arab ،  يعمل على مد الجسور الثابتة بين الثقافات العربية والإسلامية، من جهة، والثقافات الغربية من جهة أخرى، ويسعى إلى  تعبيد الطرق المؤدية إلى "حوار الحضارات والثقافات"، المفضي إلى التعايش، بل التعاون والتكاتف لبناء عالم متقدم آمن.        
ثانيا: خلفيات المقترح وتوقيت طرحه  
إن طرح هذا المشروع الرائد في هذا الوقت بالذات، ولاسيما بمناسبة انتقال السلطة من الجمهوريين المحافظين إلى الديمقراطيين الذين رفعوا شعار التغيير، يعتبر فرصة ذهبية جديرة بالاعتبار والاستثمار المُنتـِج لكل من الطرفين: أمريكا والبلدان العربية. فحاجة أمريكا اليوم إلى أن يفهمها العرب ويتفاهموا معها،  تعادل  حاجة العرب لفهم أمريكا والتفاهم معها. وحاجة العرب المادية والمعنوية إلى التعاون  مع أمريكا  للتعايش معها والاستفادة من علمها وتقانتها، وتنظيماتها الديمقراطية والإدارية، توازي حاجة أمريكا الاقتصادية والاستراتيجية إلى التعاون مع العرب بندية ، على مختلف المستويات.   
وتحقيقا لهذه  الاعتبارات  العامة اقترحنا  بناء منبر دولي لحوار الحضارات وتفاعل الثقافات،  من خلال مشروع إنشاء  "المركز الثقافي العربي – الأمريكي" في مدينة نيويورك،  نظرا لأنها العاصمة الثقافية والتجارية للولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن مركزها على الصعيد الدولي، حيث تضم المقر الرئيسي للأمم المتحدة وأهم الأجهزة التابعة لها.
ثالثا:  أهم الأهداف المقترحة العامة للمشروع  
فيما يلي  بعض الأهداف المقترحة العامة للمشروع، ويمكن أن تـُبحث وتـُعدل حسب تقدير اللجان المخصصة التي ستشكل لدراسة المشروع :  
1- تنمية وتطوير الدراسات المتعلقة بالمجتمع العربي، لغة وعقيدة وثقافة وحضارة، بغية تعميق فهمه من لدن المجتمع الأمريكي، ليس لدى الأوساط  السياسية والثقافية  أو الأكاديمية وحسب، بل لدى مختلف شرائح الشعب الأمريكي أيضا.           
2- تشجيع وتعزيز العلاقات الثقافية بين الوطن العربي والولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما من حيث تبادل المعلومات الفكرية والعلمية والتكنولوجية.   
3- ويتفرع من هاتين النقطتين، قيام المركز بتقديم فكرة واقعية وحقيقية عن آراء وأفكار الاغلبية الساحقة من أفراد المجتمع العربي  والإسلامي، التي تمثل الاعتدال والوسطية بعيدا عن التطرف والتعصب. وذلك لمواجهة الحملة التي تقوم بها بعض المنظمات  الموتورة التي تصور العرب خصوصا  والمسلمين عموما وكأنهم  قتلة أو إرهابيون.
4-وتكملة للنقاط السابقة، يقوم المركز بتقديم صورة واضحة عن الفكر العربي التقدمي المعاصر الذي يتجلى في كتابات المفكرين العرب الحداثيين الذين ما برحوا يكتبون وينقدون بموضوعية وتفتح.             
5-تعميق الفهم الدقيق للحضارة العربية الإسلامية لدى الجاليات العربية والإسلامية في المهجر، خصوصا بالنسبة للجيل الثاني وما بعده الذي انقطعت صلته بثقافته وحضارته العريقتين . فإذا لم  نسارع إلى تغذيته بحضارته وثقافته، انقطعت صلاته بهما، مما يفقده دوره المتميز والفاعل في إثراء هذه الحضارة الغربية الصاعدة  .  
 6- تشجيع الطلاب والباحثين العرب، سواء في المهجر أو في الوطن العربي، على دراسة الحضارة الغربية، وفلسفة الحداثة وما بعد الحداثة،  بغية تفهم العقل الغربي والثقافة الغربية عامة والأمريكية خاصة، مما يمكنهم من نقدها إيجابا أوسلبا.   
رابعا: أهم  الوسائل لتحقيق هذه الأهداف
على الصعيدين المادي والمعنوي،  يتيح المركز، أفضل الأجواء الملائمة للحوار والمناقشة البناءة  بين الأفراد والجماعات، مع توفير جميع الوسائل السمعية والبصرية والكتابية، والمراجع القديمة والحديثة، وذلك بالتفصيل التالي:     
1- إنشاء مكتبة مرجعية تضم عيون  الكتب العربية والأجنبية التي تبحث في التاريخ العربي والحضارة العربية الإسلامية. فضلا عن أهم الكتب العربية الصادرة منذ بداية حركة النهضة العربية  الحديثة في القرن التاسع عشر. ثم القيام بتوفير هذه المكتبة من خلال موسوعة "المعرفة" في موقعها على الانترنيت.
2- تنظيم قاعة مطالعة مناسبة تتوفر فيها المراجع العربية والأجنبية، فضلا عن المجلات والصحف العربية والأجنبية، وتستقبل روادها، لاسيما الطلبة والباحثين والمثقفين، العرب والأمريكيين.      
3- إنشاء مكتبة لبيع الكتب العربية والأجنبية المتعلقة بالحضارة العربية الإسلامية فضلا عن أعمال المؤلفين العرب الحداثيين.
4- إنشاء مركز متخصص بترجمة الكتب العربية إلى اللغة الإنكليزية، وترجمة عيون الكتب الإنكليزية إلى العربية، بالتنسيق مع مؤسسات الترجمة في العالم العربي، وخصوصا " المنظمة العربية للترجمة" التابعة لمركز دراسات الوحدة العربية في بيروت.
5- تقديم منح دراسية للطلاب المتفوقين الذين يتخصصون بدراسة اللغة العربية  أو الفكر العربي القديم أو الحديث.
 6- عقد ندوات ومحاضرات ولقاءات تتناول مختلف جوانب الثقافة العربية الإسلامية، بما فيها الفلسفة والفكر والأدب والشعر،  فضلا عن العلاقات  الثقافية العربية الأمريكية وسبل تعزيزها.
7- تنظيم معارض  لبعض آثار الحضارة العربية الإسلامية بما فيها المخطوطات والزخارف Arabesque .
8- إعداد قاعدة بيانات database تعنى بالحضارة العربية الإسلامية وبالعالم العربي المعاصر، وبالعاملين فيهما، من العرب وغيرهم.
9- تنظيم معارض دورية للكتاب العربي، والكتب الأجنبية التي تعالج القضايا العربية.
10- تقديم عروض سينمائية للأفلام العربية  المتميزة أو الأجنبية  المتعلقة بالعالم العربي وخاصة الوثائقية.
11- إعداد إحصاءات لعدد أفراد الجاليات العربية والإسلامية في أمريكا.
12- أعداد إحصاءات ومعلومات عن الأكادييمين والسياسيين  العرب أو من أصول عربية.
13- تنظيم مؤتمرات للأكاديمين العرب  والأمريكيين، المعنيين بالشأن العربي، بغية أنشاء منبر لحوار  الحضارات والثقافات.
14- طباعة ونشر  الكتب العربية والأجنبية لمؤلفين عرب أو أجانب  تتعلق بالشان العربي،  وخاصة  بالفكر العربي المعاصر  وفلسفة الحداثة والعلاقات الثقافية بين العرب والغرب.
15- إصدار مجلة فصلية، تعرض نشاطات المركز وتنشر المحاضرات التي ألقيت فيه، فضلا عن بحوث مختارة تتعلق بالشان العربي والعلاقات  الثقافية العربية الأمريكية.
16- تنظيم حفلات تمثيلية وموسيقية وفولكلورية عربية وغربية.
17- السعي لإدخال مادة التاريخ العربي الإسلامي في البرامج الدراسية الأمريكية، ومن جهة أخرى السعي  لإدخال مادة التاريخ الأمريكي في البرامج الدراسية العربية، في البلدان المترددة في ذلك .
18- الاضطلاع بجرد موثق للمخطوطات العربية وأماكن وجودها،  المنشورة ، وغير المنشورة، تمهيدا لتحقيق ونشر ما لم ينـُشر منها، أو إعادة تحقيق ونشر المنشورة، بغية إتاحتها للدارسين، سواء بشكل نسخ مطبوعة، أو من خلال إنشاء قاعدة بيانات  خاصة بها. وذلك بالتعاون مع  موسوعة المعرفة التي تضطلع فعلا بهذا العمل الجبار حيث  قطعت فيه أشواطا بعيدة .   
19- تبادل الأساتذة والطلاب العرب والأمريكيين، فيما بين المؤسسات التعليمية/ الأكاديمية لدى الطرفين.
 20- التعاون مع مختلف الجامعات الأمريكية لإنشاء أقسام خاصة بدراسة الحضارة العربية الإسلامية والثقافة العربية والفكر الحديث، وتدريس اللغة العربية و آدابها.    
إن نشاط المركز وتنوع فعالياته تتجاوز هذه الأنشطة ، رهنا بحسن إدارته  وتمويله.
خامسا: خطوات وآليات تنفيذ المشروع
- دراسة المشروع:
 تشكل لجنة تحضيرية تأسيسية لدراسة هذا المشروع وتوجيهه الوجهة المناسبة، على الصعيدين  الرسمي والفكري .
- تمويل المشروع:
يعتمد تمويل المشروع على جهتين رئيسيتين: الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، لاسيما البلدان النفطية. فالمشروع يخدم مصالح كل منهما، لاسيما على المدى المتوسط والبعيد. أما وسائل التمويل الأخرى فهي ثانوية، مع أهميتها. (قدرت خسائر أمريكا بعد 11سبتمبر  بحوالى 10 ترليون دولار، حتى عام 2011 ، على حروب  مشكوك في ربحها، . فهل ستبخل بنصف بليون دولار على مشروع يمكن أن يساهم في بناء  أساس متين لربح  السلام والأمن، ويشكل وسيلة ممتازة لفهم العرب والمسلمين، والتعاون معهم . وفي حالة موافقة الإدارة الأمريكية المبدئية  على المشروع ستسهل موافقة الدول العربية الغنية بوجه خاص.   
وقد يتقرر اتخاذ عدة خطوات لتمويل المشروع:
1- إجراء دراسة أولية للمتطلبات المالية الخاصة بمشروع من هذا النوع، لتقدير التكلفة التقريبية  لتحقيقه، بما في ذلك توفير  مبنى مناسب، يتسم بمواصفات معينة .
2-  عقد  مفاوضات بشأن توزيع الأعباء المالية بين الحكومة الأمريكية والحكومات العربية والإسلامية المشاركة والممولة،  بنسب معينة، كل حسب  ميزانيته.
3- يفتح باب التبرعات من مختلف المؤسسات الدولية والوطنية، بما فيها المالية والثقافية، ولاسيما الأكاديمية. وتدعى بعض المؤسسات التمويلية من أمثال مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم الثقافية، ومؤسسة الأمير وليد بن طلال ومؤسسة فورد ومؤسسة بل غيت وغيرها، للمساهمة في دعم هذا المشروع الثقافي الذي سيضطلع بمد الجسور بين الحضارات والثقافات . كما يمكن  دعوة الشركات العالمية الكبرى، وخاصة شركات النفط العاملة في البلدان العربية النفطية، ومنها شركة أرامكو،  بهذا الغرض. إن هذه الشركات تحقق أرباحا كبيرة من جراء استثماراتها في البلدان العربية، كما يعتمد  استمرارها في تحقيق مشاريعها على تحسين العلاقات مع الشعوب العربية. لذلك سترحب بمثل هذا المشروع الذي يحقق مصالحها على المدى البعيد. وقد يمكن دعوة  بعض الأفراد  من كبار الأغنياء في العالم للمساهمة بالتبرع، لهذا المشروع الثقافي البناء. مع التأكيد على أن لا ترتبط أي من هذه التبرعات بأية شروط مسبقة.

نيويورك، في تشرين الثاني/نوفمبر  2008.


  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1357 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك