الشهاب الحسني البغدادي
الهجرة النبوية الشريفة لم تكن هروبا من الواقع بل رحلة غيرت وجه العالم
الْحَمْد لِلَّهِ الذي شرح صدور أهل الإسلام للسنة فانقادت لاتباعها وارتاحت لسماعها وامات نفوس أهل الطغيان بالبدعة بعد أن تمادت في نزاعها وتغالت تحيى في ابتداعها والصلاة والسلام على رَسُولُ اللَّهِ الذي انخفضت بحقه كلمة الباطل بعد ارتفاعها واتصلت بإرساله أنوار الهدى وظهرت حجتها بعد انقطاعها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما دامت السماء والأرض هذه في سموها وهذه في اتساعها وعلى َآلِهِ وَصْحَبِهِ الذين كسروا جيوش المشركين وفتحوا حصون قلاعها وهجروا في محبة داعيهم إلى الله الاوطار والاوطان ولم يعاودها بعد وداعها وحفظوا على أتباعهم اقواله وافعاله واحواله حتى أمنت بهم السنن الشريفة من ضياعها أما بعد:
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ﴿ إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٌ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، لَعَلَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا، فَلا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَدًا﴾ (*).
اليوم يحتفل المسلمون كافة بحلول عاما هجرىا جديد جعله الله فتحا مبينا.(**) بعد مرور ١٤٣٥عاما ، فما زالت الهجرة باقية ومستمرة ولم تنقطع إلى أن تطلع الشمس من مغربها، فهى هجرة القلوب والأرواح والأماكن، هجرة شاملة يهاجر فيها المسلمون لطلب كل ما هو محمود والبعد عن كل ما نهى الله ، ومع بداية كل عام هجرى تتجدد ذكرى الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بعدما ضاقت مكة بالاسلام ، ذلك الحدث التاريخي المبارك الذي أشعت أنواره وعم خيره وجاءت لترسى حجر الأساس فى الدولة الإسلامية، وتؤسس لمرحلة جديدة فى حياة الإسلام والمسلمين .
أرست الهجرة النبوية عدة دروس حرى بالمسلمين أن يتوقفوا عندها ويطبقوها فى حياتهم الخاصة والعامة، حيث جاءت الهجرة ختاما لفصول محزنة تصارع فيها الحق والباطل وكانت بداية لمعارك أخرى بشكل جديد، وهجرة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لها مدلولات فى حياة الفرد المسلم والجماعة الاسلامية ولابد من أخذ العبر والدروس منها للاستفادة فى الواقع الذى لن يصلح إلا بما صلح به شأن المسلمون الاول.
العام الهجري الجديد يؤكد استمرار الهجرة في العقول والأرواح واستلهام التاريخ والقيم إنها مناسبة للوقوف مع النفس واستخلاص الدروس والإستفاده منها عمليا وتطبيقها على واقع نعيش فيه حاليا، فيه مسلمون ينتمون إلى الإسلام ولكنهم ضلوا بأن جعلوا لله اندادا بتوجيه شكواهم ونجواهم وأمورهم لغيره سبحانه وهنالك للأسف من يتخذ من الاسلام شعار يطبق به أشياء ما أنزل الله بها من سلطان .
عامًا هجريًا جديدًا تحتفل فيه الأمة الإسلامية بهجرة النبي الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ومن المؤكد أن يكون الاحتفال مختلفًا بعد مايسمى بالربيع (الغربي) !! وليس العربي الذي ما زالت نتائجة وهزاته تتلاحق ويتسع نطاقها بالرغم من سقوط عروش الطواغيت، وما أشبه اليوم بالبارحة حين هاجر المسلمون من دار الاضطهاد والاستذلال إلى دار العزة والمنعة.
بعد ان عاد عصر الكهانة من جديد بدخول مغول العصر الجدد بغداد لتحقيق مشروعهم الإمبراطوري بإستعادة أمجاد فارس التي هدمها العرب منذ مئات السنين. ، فراح هؤلاء السدنة يتوهمون بأن كسرى عائد، ولكن هذه المرة معتجرا العمامة .
اليوم .. السبت 25 ت1 2014 م المصادف 1 محرم 1436 هـ تمر ذكرى الهجرة النبوية دون أن يشعر بها أحد في العراق ، لانها استلبت من قبل (هذه الشرذمة ) ككل الأحداث الفاصلة في تاريخ الأمة.
الهجرة النبوية:
لقد بعث الله نبينا محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بدعوة تملأ القلوب نوراً، وتشرف بها العقول رشداً؛ فسابق إلى قبولها رجال لاتلهيهم تجارة، ونساء فاضلات، وصبيان لا زالوا على فطرة الله. وبقيت تلك الدعوة على شيء من الخفاء، وكفار قريش لا يلقون لها بالاً؛ فلما صدع بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أغاظ المشركين، وحفزهم على مناوأة الدعوة والصد عن سبيلها؛ فوجدوا في أيديهم وسيلة هي أن يفتنوا المؤمنين، ويسومونهم سوء العذاب، حتى يعودوا إلى ظلمات الشرك، كما يحدث في العراق اليوم حتى يرهبوا غيرهم ممن تحدثهم نفوسهم بالدخول في دين القيّمة.
الهجرة النبوية الشريفة لم تكن تحركا عشوائيا، أو هروبا من واقع شديد القسوة أحاط بالنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ولكنها جاءت عقب إعداد مسبق ودراسة شاملة، لتصبح نقلة استراتيجية عظيمة، انتقل المسلمون بعدها من الضعف إلى القوة وصارت المدينة المنورة مركزا لنشر الإسلام فى ربوع الدنيا.بعد إقامة دولة تحكم بشرع الله ويسود فيها الإسلام فى جميع جوانب الحياة بداية من وثيقة المدينة إلى المعاملات والأخلاقيات الحميدة التى كانوا يمارسونها فى مدينة رسول الله. ومن المبادئ التي أكد عليها المعلم الأعظم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أن الدين لله: ﴿َ ويَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ ﴾ إما بالاسلام، أو بأداء الجزية في حق أهل الكتاب ، والوطن للجميع ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ﴾ اشارة إلي أن الدولة الاسلامية تتسع لكل مواطنيها بتعدد طوائفهم وعقائدهم وشرائعهم دون اقصاء لهذا أو احتواء باستثناء الأعداء الذين همّتْهم قتال الإسلام وأهله.وقد نص على ذلك أعظم دستور سطر في تاريخ البشر، دستور المدينة الذي أصبح فيما بعد ملهما لأهم وثائق حقوق الإنسان في العالم.(***)
فكانت الهجرة النبوية انطلاقة جديدة لبناء دولة الإسلام وإعزازاً لدين الله تعالى والدروس المستفادة منها لا تنتهي ولا ينقطع مداها فسنة الله ماضية، فمن حفظ الله حفظه الله، وأعظم ما يحفظ به أن يحفظ في دينه، وهذا الحفظ شامل لحفظ البدن، وليس بالضرورة أن يعصم الإنسان؛ فلا يخلص إليه البتة؛ فقد يصاب لترفع درجاته، وتقال عثراته، ولكن الشأن كل الشأن في حفظ الدين والدعوة. فقد كان هيناً على الله عز وجل أن يصرف الأذى عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة، ولكنها سنة الإبتلاء يؤخذ بها النبي الأكرم؛ ليستبين صبره، ويعظم عند الله أجره، وليعلم دعاة الإصلاح كيف يقتحمون الشدائد، ويصبرون على ما يلاقون من الأذى صغيراً كان أم كبيراً. فلما ترك المهاجرون ديارهم، وأهليهم، وأموالهم التي هي أحب شيء إليهم، لما تركوا ذلك كله لله، أعاضهم الله بأن فتح عليهم الدنيا، وملّكهم شرقها وغربها.
اهداف الهجرة:
الهجرة من بلد لآخر كانت قديما للفرار بالدين لعبادة الله تعالى فى أمان أما الآن فعبادة الله متاحة للجميع، ولايوجد أحد رقيب على العبادة، على أن الصفات السيئة والأخلاق الذميمة هى أول هجرة لابد على الإنسان أن يبدأ بها وأن يبدأ بنفسه أولاً لقوله تعالى :
﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم﴾.
وعليه لابد من أن نتخلص من أمراضنا الاجتماعية خصوصاً الأخلاقية التى تدنت فى الفترة الاخيرة والتحلي بالمبادئ العظيمة التي أقرتها الهجرة النبوية من الأخوة والمساواة التى جاءت بها السنة الشريفة.
أن تغيير المساوئ التى نعيشها فى حياتنا الآن تعتبر هجرة إلى الله تعالى، فلابد علينا أن نصلح من أنفسنا ومن طريقنا الذى نسلكه فى هذه الحياة من بعد عن الدين وهجر القرآن والتمسك بالأخلاق الحسنة حتى نكون من المهاجرين الى الله.
الهجرة النبوية إعلانٌ تاريخيٌّ بأنَّ العقيدةَ هي أغْلَى ما تملِك هذه الأمَّةُ المحمديَّة، وهي مصدرُ عزِّها ورُشدِها، ومُنطلقُها في الأمرِ كلِّه، والتفريطُ فيها هو الذي أوقعها في فخِّ المِحن والإحن، والتاريخُ خيرُ شاهد، وفيه عِبرةٌ لمَن يعتبر. فالهجرة تغييرٌ وتعديلٌ لأوضاعٍ خاطئةٍ، وحياةٍ راكدة، إنَّها هجرةُ المسلم بقلبِه من محبَّة غيرِ الله إلى محبَّتِه، ومِن عبودية غيرِه إلى عبوديتِه، ومِن خوفِ غيرِه ورجائِه والتوكُّلِ عليه إلى خوفِ الله ورجائِه والتوكلِ عليه، ومِن الدعاءِ لغيرِه وسؤاله والخضوع والإخبات له، والذلِّ والاستكانة له، إلى دُعائِه وسؤالِه والخضوعِ والإخبات له، والذل له، والاستكانة له -عزَّ وجلَّ- وهذا معنى قولِه تعالى: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ [الذاريات: 50].
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يقول في دُعائِه: ﴿ اللهمَّ رَحمتَك أرجو، فلا تَكِلْني إلى نفْسي طرفةَ عينٍ، وأصْلِح لي شأني كلَّه، لا إله إلاَّ أنتَ﴾.-سنن ابي داوود-
ويقول أيضًا:﴿ اللهم أسلمتُ وجهي إليك، وفوَّضتُ أمْري إليك، وألجأتُ ظهْري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأَ ولا منجَى منك إلاَّ إليكَ﴾- صحيح البخاري-
العقيدة اغلى من الوطن:
العقيدةُ أشرفُ مبتغًى، وأسْمى ما رسَّخه المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فدونها تهون الأوطان، والأحبابُ والخِلاَّن، والأموال وسائر ما تَحرِص عليه نفس الإنسان، فحاجة العباد إليها فوق كل حاجة، وضرورتهم إليها فوق كل ضرورةً؛ لأنَّه لا حياةَ للقلوب ولا نعيمَ ولا طُمأنينةَ إلا بأن تَعرِف ربَّها ومعبودَها وفاطرَها بأسمائِه وصِفاته وأفعالِه، ويكون مع ذلك كلِّه أحبَّ إليها ممَّا سواه، ويكون سعيُها فيما يُقرِّبها إليه دون غيرِه مِن سائرِ خلقه.
العقيدةُ تُحرِّر المؤمنَ مِن العبودية لغيرِ الله تعالى، فيشعر بالعزَّةِ والكرامة، فلا يَستكين إلا لله وحْدَه، ومنه وَحْدَه يلتمِس النصرَ والتأييد، والمعونةَ والتوفيقَ، والرَّشاد والسَّداد، فإلى الله مَفزَعُه، ومنه يستجلب العبدُ المدَدَ، وهذا يلخِّصه ربعيُّ بنُ عامرٍ في كلمتِه الشهيرة لرستم:
"إنَّ الله ابتعثَنا لنُخرِج العبادَ مِن عبادةِ العِباد إلى عبادةِ ربِّ العِباد، ومِن جَورِ الأديان إلى عدلِ الإسلام".
والعقيدةُ هي السياجُ المتين القادِر على توحيدِ القلوب، وتجميعِ الصفوفِ، واتحاد الهَدَف، على مرِّ العصورِ والأزمان؛ قال تعالى:
﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 63].
إنَّ العقيدةَ هي صِبغة الله تعالى الدِّينيَّة، وفِطرته التي أرادها للبشريَّة، وهي التي تستحقُّ رضوانَه ومحبَّته، ونعيمَه وجنَّته، وهي التي تستحقُّ نصرَه وتأييدَه على عدوِّها، وتستحقُّ أن يُعليها الله تعالى على الأُمم؛ لأنَّها أعلتْ كَلَمته ودِينه، قال عزَّ مِن قائل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7].
فلا نصرَ في الدُّنيا، ولا فوزَ في الآخِرة، إلا بهذه العقيدةِ الحنيفيَّة السَّمْحة. ولهذا؛ فمَع خلَل العقيدةِ، يَنفرِط عِقدُ هذه الأمَّة، وتَصلَى نارَ التشتُّت والتشرذم؛ قال تعالى:
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾[يوسف: 106]
لما صحَّتْ عقيدةُ السلف الصالِح، كان منهم ما يُشبِه الأعاجيبَ والأساطير، فلقدْ سطَّروا بصفاءِ عقيدتِهم وجهدِهم وعرقِهم تاريخًا ناصعًا تشرف به الأجيال، وحضارةً طاهرةً كانت مَثارَ إلاعجابِ على مرِّ الأزمان، حضارة خلَتْ من الشذوذ والإدمان، والعُهر والعُري، وسائِر الموبِقات ممَّا تعانيه الحضاراتُ الغربيَّة المعاصِرة، وفي هذا المقام: " لمَّا كان يوسف -عليه السلام- محبًّا لله تعالى، مخلصًا له الدِّين، لم يُبْتَلَ بالعشقِ، بل قال تعالى:
﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾[يوسف: 24].
ومِن صُور الخلَل في العقيدة التي ابتُليت بها فئاتٌ مِن المنتسبين إلى الإسلامِ في هذا الزمان تَزْعُمُ الثقافة والاستنارة والمعاصَرة: أنَّها لا ترضَى بحُكم الله تعالى ولا تُسلِّم له، بل إنَّ في قلوبها لحرجًا، وفي صُدورِها لغيظًا وضيقًا، إذا أُقيم حدٌّ مِن حدود الله ارتعدتْ فرائصُهم، واشمأزَّتْ قلوبهم، قاموا وقَعَدوا، وأرْغَوا وأزْبَدوا، ولهم إخوانٌ يُمدُّونهم في الغَي، يَزعُمون الحفاظَ على حقوق الإنسان!! وما ضاعتْ حقوقُ الإنسان وحقوقُ الأُمم إلاَّ بهم وبأمثالهم..الشريعة الإسلامية في رأيهم السقيمِ ظُلمُ المرأة وهضْمُ حقوقها، والحدودُ قسوةٌ وبشاعةٌ وتخلُّف، وحُكم الرِّدَّة تهديدٌ لحرية الإبداع والفِكر، وأحكام الشَّرْع كلها عودةٌ إلى عصور الظلام والتعصُّب والانغلاق، بل لقدْ أدخلوها في نفَق الإرهابِ المقِيت! متناسين قول العلي القدير:
﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
شاءت حكمته سبحانه أن تكون الهجرة مجهودات وتضحيات ومشاق، كل ذلك لتتعلم الأمة أن بناء الدولة والأمة يحتاج إلى إعداد، فهي مسيرة حقيقية وقودها إرادة الإنسان وتضحياته وبذله وخبرته فالمدينة لم تكن معروفة قبل الإسلام بشيء من الفضل على غيرها من البلاد، وإنما أحرزت فضلها بهجرة المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وأصحابه إليها، وبهجرة الوحي إلى ربوعها حتى أكمل الله الدين، وأتم النعمة، وبهذا ظهرت مزايا المدينة.
الدروس المستنبطة من الهجرة النبوية:
تعد هجرة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أحد محطات السيرة النبوية العظيمة، والتي تحتاج منا إلى تكرار قراءتها لاستخلاص الدروس والعبر منها فالأخذ بمعاني الهجرة ضرورة حياتية، لأن الهجرة لم تكن انتقالاً مادياً من بلد إلى آخر فحسب، ولكنها كانت انتقالاً معنوياً من حال إلى حال، إذ نقلت الدعوة الإسلامية من حالة الضعف إلى القوة ومن حالة القلة إلى الكثرة، ومن حالة التفرقة إلى الوحدة، ومن حالة الجمود إلى الحركة. فقد ورد في صحيح مسلم أن مجاشع بن مسعود السلمي رضي الله عنه قال: جئتُ بأخي أبي معبد إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بعد الفتح، فقلت: يا رسول الله بايعه على الهجرة.
فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ﴿قد مضت الهجرةُ بأهلها﴾
قال مجاشع: فبأي شيء تبايعه؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على الإسلام والجهاد والخير﴾ .
ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ﴿لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها﴾
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ﴿ لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا ﴾.
إن الحق منصور لا محالة، غير أن هذا النصر قد يتأخر، وقد يصيب المؤمنين قبل تحققه أنواع من الأذى والقهر، ولكن العبرة بالخاتمة، والعاقبة للمتقين، قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ﴾
ألم تكن الهجرة إيذانًا من الله بزوال الطغاة حين كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُشهد المسلمين مصارعَ الطغاة وهو ما رآه المسلمون حقيقةً شاخصةً في انتصار بدر.لقد سميت الهجرة نصرا رغم إنه لم ترق قطرة دم، قال الله عز وجل:
﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
وهذا اتساع لأفق النصر، فالثبات على المبدأ نصر، والالتزام بالحق نصر، والوصول للأهداف سواء مرحلية أو كلية نصر، لكننا تحتاج إلى التربية على اليقين بهذه الحقائق، ونزع ما تراكم في نفوسهم من شكوك وظنون سيئة بالله تعالى نتيجة النكبات المتلاحقة.
ختاما لابد من التأكيد على حقيقة مفادها أنه ليست الهجرة انتقال من بلد ناء إلي بلد قريب، أو من أرض مجدبة إلى أرض خصبة، بل هي هجرة القلوب قبل البيوت، إن رجلا هاجر وهو ضعيف مريض عاجز فأدركه الموت في الطريق فقال من قال: لو وصل المدينة وأكمل الهجرة لحاز الأجر كله، فانزل الله قرآنا يهدي النفوس ويطمئن القلوب ويربط الأعمال بالنيات ابتداء
﴿ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾
ياليت شعبنا المغلوب على امره ان يدرك ان هذه الشرذمة الفاسده هي السبب في تدمير العراق الذي اصبح في زمن هولاء الخونه مضرب الامثال في سفك الدماء والتضييق على الشعب وسرقة ثرواته فالذي يعانيه ابناء الانبار والموصل وديالى وصلاح الدين يعانيه ابن ذي قار والقادسيه وميسان وبغداد والبصره فهم يشربون السم الزعاف من مجرمين يريدوا ان يترك العراق اطلالا ينعب فيها البوم ليقفوا على اطلالها.
فياشعبنا الجريح ضعوا ايديكم في ايادي بعضكم لانقاذ العراق من محنته التي عاشها منذ الاحتلال لاتستمعوا الى دعاة الطائفيه فهي تمزق هذا الشعب المبتلى بهولاء الخونه الذين جاءوا وراء دبابات الاحتلال. فألى متى السكوت ودفن الرؤوس بالرمال ومصير البلد على كف عفريت.؟ هل من سامع او مجيب؟.فاني أسْمَعَـتْ كلماتـي مَـنْ بـه صَمَـمُ.
لي فيك يا ليل آهات أرددها..... أواه لو أجدت المحزون أواه
لا تحسبني محباً أشتكي وصباً ... أهون بما في سبيل الحب ألقاه
إني تذكرت والذكرى مؤرقة ..... مجداً تليداً بايدينا أضعناه
ويح العروبة كان الكون مسرحها .... فأصبحت تتوارى في زواياه
كم صرفتنا يد كنا نصرفها ..... وبات يحكمنا شعب ملكناه
هل تطلبون من المختار معجزة ... يكفيه شعب من الأجداث أحياه
ملاحظات:
(*).الحديث يؤكد على اغتنام الأيام الفاضلة والساعات المباركة ، وهو وإن كان ضعيفاً ، إلا أن أدلة الشرع متوافرة على ذلك من الحث على استباق الخيرات وتحين الفرص، كالدعاء يوم عرفة، وليلة القدر، وفي الثلث الأخير من الليل، وساعة يوم الجمعة، والدعاء حال السفر وفي مواضع السجود. كل هذا يدل على معنى ما دل عليه الحديث ، لكن في الصحيح غنية عن الضعيف
(**)التقويم الهجرى :انشأه الخليفة عمر بن الخطاب، حينما جعل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فى 22 ربيع الأول (24 ايلول عام 622 ميلادي) مرجعا لأول يوم فى السنة الهجرية، والذى وافق يوم الجمعة الأول من محرم سنة واحد هجريا الموافق 16 تموز عام ٦٢٢.
(*** ).لقد حث القرآن الكريم على قتال المشركين ومن يريد بالاسلام واهله الشر والعدوان:
1- { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ } االبقرة 193
2 - { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } الأنفال39
463 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع