عادل حبه
أهو أفيون الشعوب أم سرطان الشعوب؟؟3-2
داعش والبعث.. زواج متعة أم زواج عرفي أم إنسجام في القيم والمصالح؟؟
لقد أثارت هذه الموجة من التطرف السياسي الديني والتلويح براية الدين في النشاط السياسي شهية بعض الحركات السياسية التي كانت في السابق تلوح براية العلمانية في العمل السياسي، وتحرّم على أعضائها ممارسة الطقوس الدينية وتعلن الحرب على التيارات الدينية. ولكنها ولدوافع انتهازية تحوّلت بلمح البصر إلى حاضنة للتيار الديني المتطرف، بل وإلى أحزاب مذهبية طائفية. وكان السبّاق في انتهاج هذا المسلك هو حزب البعث في كلا البلدين العراق وسوريا. ففي العراق، شرعت قيادة البعث باحتضان الأخوان المسلمين المعارضين لحكم البعث السوري وشجعتهم على القيام بالأعمال الإرهابية وممارسة التفجيرات في مدنها. كما حصل تحول في قيادة البعث العراقي في أوّج سعار الحرب العراقية الإيرانية في الموقف تجاه الدين والطائفية الدينية السياسية، حيث بادرت قيادة البعث، وهي التي كانت تحرّم وتلاحق كل من يتردد من البعثيين على المساجد ودور العبادة، إلى ركوب الموجة الدينية وإعلان "الحملة الإيمانية". وتوجه عزة الدوري وأضرابه نحو تكايا "النقشبندية" للترويج لهذا النهج. وبلغ الحال بالنظام البعثي في العراق إلى فتح أبوابه أمام التيارات الدينية المتطرفة للنشاط في العراق بعد حرب الخليج الأولى. وبالنتيجة، أدى هذا الزواج "العرفي" بين البعث والتيار الديني المتطرف في كلا البلدين العراق وسورية، خاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق وسقوط نظام صدام في عام 2003، إلى انتقال الكثير من القيادات البعثية إلى احتلال مواقع قيادية في التنظيمات المتطرفة الدينية على اختلاف اسمائها.
يتساءل الباحث العراقي د. عصام الخفاجي عن سر هذا التقارب بين هذين التيارين في مقالة له في صحيفة الحياة البيروتية قائلاً:" خطر سؤال ببالي، وأنا أقرأ ما توافر من سير ذاتية لقادة «داعش». فمعظمهم احتل مراكز في أجهزة استخبارات صدّام حسين أو قواته الخاصة. هل يعقل أن كل هذه الجمهرة اهتدت إلى الدين ودخلت في التديّن خلال سنوات قليلة؟. وهل يعقل أن لا يجد تنظيم جهادي يعلن تمسكه الصارم بتعاليم الإسلام قادة تربّوا على تلك التعاليم منذ الصغر وكانت لهم تجارب مع تنظيمات مماثلة أو حركات إسلامية أخرى؟. ليس ثمة وجه شبه بين الأيديولوجيا البعثية وأيديولوجيا الجهاديين، بل إن نظامي البعث في العراق وسورية حاربا الأخيرة باسم العلمانية. ويمكن التفهم وليس القبول بتحالف قوى بعثية مع "الجهاديين" لأسباب قالوا إنها تكتيكية. أما أن يندمج بعثيون قضوا سنوات طويلة في التثقّف بالتعاليم القومية في تلك الحركات، بل وكان بعضهم من كوادرها، فهو أمر يستدعي التأمل لأننا لسنا أمام حالات فردية".
باعتقادي أن سر هذا الانتقال يعود إلى كون كلا التيارين تبنيا موضوعة الغلو في العنف والقسر والاقصاء كمنهج ثابت فكراً وممارسة. ومن اللافت للنظر أن التيارات المتطرفة الدينية منها أو غير الدينية لم تمارس هذا الغلو في القسوة والعنف في بداية نشاطاتها في منتصف القرن الماضي. فالأخوان المسلمون اكتفوا بممارسة الاغتيال السياسي في باكورة نشاطهم العنفي السياسي بزعامة حسن البنا في القرن الماضي. وسارت منظمة "فدائيان اسلام" في ايران على نفس نهج العنف في الاغتيال السياسي بزعامة نواب صفوي. ولكن لم يصل الأمر إلى هذا الغلو في العنف والإبادة الجماعية الذي مارسه البعث ضد من يختلف معه منذ أن تولى أو شارك في السلطة في سورية والعراق. فإذابة "جسد فرج الله الحلو" في حمام الأسيد في سورية على يد أقطاب التطرف القومي العربي في عام 1958، والإبادة الجماعية للشيوعيين والديمقراطيين دون العثور على شواهد لأجسادهم في انقلاب عام 1963، والاستمرار بهذه الممارسة التعسفية في العراق وسورية في ظل حكم البعث خلال عقود تسلطهم سواء في عام 1963 أو بعد عام 1968، أتخذ منحى أشد همجية وقسوة. فقد أصبح التعذيب الشرس والتصفيات الجسدية وحجز المعقلين بدون محاكمة لسنوات مديدة وتقديم الضحايا إلى محاكم صورية سمة من سمات "العنف البعثي والقومي المتطرف". ولم يكتف هذا التيار المتطرف الإرهابي بذلك، بل استخدام الكيمياويات ( الثاليوم) في تصفية المعارضين واستخدام الأسلحة الكيمياوية في إبادة جماعية للأكراد. "وحمل فدائيو صدام في العراق خلال التسعينات بقيادة ابنه عدي السيوف لقطع رقاب الزانيات. ولا يعرف أحد عدد الضحايا، ولا عدد من لاقين هذا المصير لأنهن رفضن الزواج بالواشي أو لم يتنازلن عند رغبته بابتزازهنَّ. وفي خلال الثمانينات كان العقاب الرسمي للهاربين من جحيم الحرب قطع الآذان"، على حد رواية د.عصام الخفاجي في مقالته التي أشرنا إليها آنفاً. كل هذا النهج والغلو في العسف والعنف والاقصاء أرسى ثقافة العنف المنفلت في مجتمعاتنا وأرضية يسترشد بها ويبررها التيار الديني المتطرف وهذا ما نشهده في العراق وسورية حالياً، وهو سر هذا "الزواج العرفي" بين التيارين رغم التنافس بينهما على الغنائم.
يذكر احد قيادات المتطرفين الدينيين في العراق، انه التقى بالمدعو يونس الأحمد، العضو القيادي في حزب البعث في العراق في دمشق بمكتبه في المزة في عام 2007، مشيراً إلى حديث دار بينهما عن القاعدة. إذ ينقل هذا القيادي في جيش المجاهدين عن يونس الأحمد قوله نحن لا نتفاوض مع هذه الحكومة العراقية ولا غيرها، وسوف نبقى نقاتل إلى آخر سلفي جهادي في العراق. ويردف القيادي أنه أدرك أن البعث يدعمنا لوجستياً او اعلامياً، كي نقاتل بالنيابة عنهم!. فمن المعلوم أن الكثير من قيادات هذا التنظيم يحملون انتماءات بعثية عميقة، حسبما أشار الباحث في شؤون التطرف الديني هشام الهاشمي. وهناك شخصيات تم تجنيدها من قبل المخابرات العامة السورية فرع (79) وبواسطة فوزي مطلك الراوي وسفيان عمر النعيمي من قيادة حزب البعث العراقي. وكانت هذه الشخصيات مسؤولة على استقبال المتطرفين الدينيين وترتيب دخولهم للعراق كمقاتلين او انتحاريين بعد الإطاحة بصدام حسين، هذه الأعمل الإرهابية التي أودت بحياة عشرات الآلاف من العراقيين الأبرياء منذ عام 2003. وكان من أبرزهم ابو الغادية بدران تركي هيشان المزيدي الشعباني، الذي اعتقلته القوات الامريكية من داخل الاراضي السورية في دير الزور عام 2008، وهرب من سجن كروبر عام 2011 وحالياً من ابرز قيادات داعش، هو ومساعده المدعو معاذ الصفوك ابو صهيب الحمداني. ولدى كليهما صلات عميقة بحزب البعث. لقد تحوّلت هذه الفئات المتطرفة بفعل الدعم الدولي المادي والمالي والمعنوي للدول الغربية والخليجية النفطية ودول اقليمية أخرى، إضافة إلى الخدمات الشاملة والمعلومات اللوجستية والجغرافية المهمة التي قدمتها فلول البعث من أجهزة مخابرات والاستخبارات العسكرية، إلى قوة فاعلة من المرتزقة تعرض خدماتها على الجميع مقابل ما توفره هذه الجهات من أموال وسلاح ودعم معنوي لم تتمتع به أية من الحركات السياسية في عالمنا المعاصر.
لقد كشفت (واي نيوز) عن أبرز هذه القيادات البعثية التي دخلت إلى تنظيم داعش بحسب ما توصل إليه الباحث هاشم الهاشمي:
1--حجي بكر( سمير عبد محمد نايل الخليفاوي) مساعد البغدادي، والمشرف على داعش فرع سوريا، عقيد طيار في النظام السابق الى أن تغيّر النّظام، وعضو شعبة في تنظيمات الانبار، قتل في بداية عام 2014.
2--أبو علي الخليلي كان ضابطا في التنظيمات الفلسطينية في العراق أيام صدام، ومن فدائيي صدام، وبعد عودته إلى سوريا نسّق مع مخابرات أمن الدولة السورية ( علي مخلوف) ليقود عملاً في العراق.
3- (أبوفيصل الزيدي)ابن عم معاذ الصفوك وكان من أعز أصحاب البغدادي في السيدة زينب، وهو عميل البعث السوري والمخابرات النظام.
4-العميد الركن محمد الندى الجبوري من قرية صديرة الملقب (بالراعي) ( ابوالبشائر)، مسؤول اركان المجلس العسكري في تنظيم داعش، وهوعضو قيادة فرقة حزب البعث، قتل في عام 2008 في الموصل.
5-أبو مهند السويداوي،عدنان لطيف حمد مهاوش السويداوي، عقيد بعثي من جيش صدام اعتقل لصلته بعزت الدوري. التحق آخر أيامه قبل الاعتقال بالدولة الاسلامية لأسبوع وبعدها اعتقل وعند خروجه عاود الاتصال، ليصبح عضواً في المجلس العسكري لتنظيم داعش.
6-أبو أحمد العلواني: اسمه وليد جاسم العلواني. من منتسبي الجيش برتبة نقيب في عهد صدام. رئيس المجلس العسكري لداعش.
7- أبو عبد الرحمن البيلاوي: اسمه عدنان إسماعيل نجم عقيد في الجيش السابق معروف بصلاته التنظيمية في حزب البعث قبل عام 2003. كانت كنيته أبو أسامة البيلاوي. من سكان الخالدية في الأنبار. عضو المجلس العسكري لداعش.
8-العقيد أبو مسلم فاضل عبدالله العفري، تركماني القومية وأصله من تلعفر وكان من أصحاب الولاء الكبير لصدام، وبعده لعزت الدوري واعتقل لفترة طويلة بسبب التزامه بالبعث، وهو عضو المجلس العسكري لداعش، وعسكري ولاية الموصل، ومنسق عام الولايات.
9-المقدم نبيل عريبي المعيني، ابو عفيف، عسكري ولاية الجنوب، وهو بعثي معروف في هور رجب، انتمى لتنظيم داعش من خلال علاقته بحجي بكر( سمير).
10- العقيد فاضل العيثاوي ابو ألياس، ضابط استخبارات في الدفاع الجوي ومن عائلة صوفية مقربة من عزت الدوري، مسؤول امني في الساحل الأيسر من مدينة الموصل في تنظيم داعش.
11- عبد الرحيم التركماني، ابوعمر التركماني ويعرف ب( عبدالناصر)، من تنظيمات حزب البعث، ومصدر للأجهزة الامنية ضد التنظيمات الاسلامية ايام نظام البعث في الموصل، حالياً والي دير الزور في تنظيم داعش.
12- نديم بالوش، المعروف بـ( الغريب) ومدير اعلام داعش في سوريا والمشرف على عشرات الحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي تويتر والفيس بوك، مشهور بتاريخه وتاريخ عائلته في انتمائهم الطائفي.
13-عبد الرزاق احمد فراس العبيدي ( ابو اسماعيل) ضابط مخابرات في النظام السابق، والي الانبار قتل في نهاية عام 2012، حيث قام بتفجير نفسه عند محاولة القبض عليه.
14- منذر عبد فياض العبيدي( ابو احمد) ( معمر) ضابط امن في النظام السابق،عضو المجلس العسكري، وعسكري ولاية الشمال، ألقي القبض عليه عام 2012.
15- العقيد الركن عاصي العبيدي، في الحرس الجمهوري - الضفادع البشرية، عضو المجلس العسكري، وعسكري ولاية الانبار، هرب من سجن ابي غريب عام 2013.
16- محمد محمود عبدالله الحيالي ( ابو بلال) والي ديالى، مقدم بالحرس الجمهوري، هرب الى الموصل وقتل عام 2011.
17- احمد حسن علي النعيمي (ابو احمد) والي الأنبار،ألقي القبض عليه وانتحر في عام 2013.
18- عمر كامل ساجت الجنابي ( ابو حفص) ملازم اول بالجيش السابق، والي الرصافة، تم إعدامه.
إذن فإن البنية الفكرية والممارسة العنفية هي التي تجمع داعش والتيار الديني المتطرف على الرغم من تناقضاتهما. فمن الملاحظ وجود علاقة بنيوية بين الفكر البعثي وممارساته وبين أفكار وممارسات التيار الاسلامي المتطرف ونموذجه الحالي داعش. وهو يفسر لنا سر انتشار داعش في مواقع انتشار البعث في العراق على وجه الخصوص. فإحلام العودة الفارغة إلى أمجاد الأمبراطورية الإسلامية ومجد العرب والنزعات الأمبراطورية والتوسع والحلم برفع علم الدولة الاسلامية على سقف البيت الأبيض في واشنطن، والشوفينية والطائفية المفرطة والإكراه والعداء لكل القوميات والأديان الأخرى وحملات التهجير والبطش ضدها هي سمات مشتركة لهما. ولا يختلف أقطاب هذين التيارين حتى في ممارسة التضليل في الأنساب والأعراق والدين والمذهب. فمعلم البعث ميشيل عفلق غيّر دينه ليعتنق الاسلام من باب الرياء ليقدم المثل على التضليل الذي مارسه وتعبيراً عن أحلامه التسلطية. ولم يتردد صدام حسين، رغم حملته الشعواء على "أنصار آل البيت"، في رسم شجرة لعائلته تنسبه إلى آل البيت. تماماً كما يحلو لأبو عمر البغدادي "أمير المؤمنين" في الدولة الإسلامية المزعومة أن يتخلى عن لقب السامرائي، ليصبح لقبه بغدادياً ولينتسب إلى سلالة الأمام الحسن ويضيف اللقب الحسني على اسمه، وبالطبع لابد أن يضيف أيضاً إلى اسمه لقب القرشي كي يرضي النزعة الشوفينية العروبية لأتباعه.
داعش وحماتها والصراع على تسويق النفط والغاز
إن ما يثير التساؤل والحيرة في خضم هذه الفوضى الدينية والعنفية في الشرق الأوسط هو موقف كل من قطر والعربية السعودية وحكام تركية الداعم عسكرياً ومالياً ولوجستيكياً لداعش وللمنظمات المتطرفة، واحتضان وتسهيل انتقال الإرهابيين للعبث في العراق وسورية ودول إقليمية أخرى. ففي الحقيقة هناك الكثير من التساؤل والحيرة حول ذلك، فما هي مصلحتهم في دعم مجاميع قد تهدد أمنهم لاحقاً؟. هل هي مجرد نزعة طائفية لدى هؤلاء الحكام تحت ذريعة حماية "السنّة" كما يدعون، وهم يبادون على يد الدواعش في غزوتهم الأخيرة على وجه الخصوص، أم مسعى لتجنيب عروشهم أي تهديد من قبل الحراك المدني السياسي الداخلي، أم هي محاولة من قبل حكام تركية لإحياء التراث المقيت للخلافة العثمانية وقوازيقها؟، أم هناك مشروع يُراد فرضه على حكام هذه الدول ضمن صراع الجبابرة في عالمنا المعاصر الذي لم يتحرر بعد من ارث الحرب الباردة، رغم الحديث عن انحسارها، أم هو صراع تقليدي بين الدول صغيرها وكبيرها حول السيطرة على انتاج النفط والغاز وامداداته؟.
هناك رأي يستحق الاطلاع عليه تناولته أطراف عديدة، وأشارت إليه صحيفة الديلي ميل أخيراً في عددها الصادر في 29/10/2014 وفي مقال تحت عنوان:" انابيب الغاز والنفط والحرب على إيران وسوريا وروسيا" بقلم أف. ويليام أنجداهل، وهو مؤلف كتاب صدر حديثاً تحت عنوان الكاتب " A Century of War: Anglo-American Oil Politics in the New World Order ". يشير الكاتب في مقالته حول تسرب تفاصيل عن صفقة بين الملك عبدالله وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي، ابرمت في أيلول المنصرم حول الموقف من سوريا وداعش. وينطوي الاتفاق على السيطرة على مصادر النفط في المنطقة وإغراق السوق العالمية بالنفط الخام من أجل إبعاد روسيا عن السوق العالمية وحصرها بأسواق الصين واوراسيا. ويبدو أن غزو داعش لمناطق نفطية في الموصل وكركوك في حزيران الماضي كان مخططاً له وأدى إلى انخفاض سعر مزيج برنت بنحو لا سابق له وبنسبة 20%؛ أي من سعر 112 دولار للبرميل إلى 88 دولار. وكان الهدف من ذلك هو السيطرة على بعض الحقول النفطية من جهة، ومن جهة أخرى الحد من الواردات المالية لكل من روسيا وإيران والعراق من بيع النفط الخام كجزء من الضغط المالي والسياسي. علماً إن الطلب العالمي على النفط الخام لم ينخفض جراء ذلك، بل زاد الطلب الصيني عن نسبة 20% في حين ارتفع مخزون الولايات المتحدة من النفط الصخري بنسبة21%. فقد أغرقت السعودية من جانبها وبالاقتران مع غزوة داعش السوق العالمي بالنفط بأسعار مخفضة مما أشعل حرب أسعار داخل منظمة الأوبك مما أدى إلى تدني ملحوظ في أسعار النفط الخام. فقد باعت السعودية النفط الخام بأسعار تتراوح بين 50 إلى 60 دولاراً للبرميل الواحد بدلاً من سعر 100 دولار للبرميل في السابق. وهكذا أصبح واضحاً إن الدافع الأساس للغزوة الداعشية وتخفيض أسعار النفط من قبل السعودية، حسب رشيد البانمي رئيس مركز التنبؤات في السياسة النفطية في الرياض، هو الضغط على إيران حول برنامجها النووي والضغط على روسيا من أجل سحب دعمها لبشار الأسد، علاوة على ممارسة الضغط على العراق في الحد من زيادة عوائده من النفط.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل هناك قضية أخرى ذات أهمية تتعلق بصراع الجبابرة وحلفائهم في المنطقة تتمحور حول الاستفادة من الطاقة النظيفة (الغاز)، وما ينتج عنه من تنافس وصراع حول تأمين أمدادات المخزون الضخم للغاز الطبيعي القطري والسعودي إلى الأسواق الأوربية، في مسعى للتنافس مع روسيا والحد من احتكارها لإمدادات الغاز الطبيعي إلى نفس الأسواق، إضافة إلى كونها وسيلة للضغط عليها في ظل تفاقم الأزمة الروسية - الاوكرانية. وتتوقع المصادر المالية العالمية أن يؤدي ذلك إلى انخفاض واردات روسيا من بيع الغاز إلى 50%. كما يعتبر ذلك محاولة الضغط على حلفاء روسيا في المنطقة (إيران وسورية) عبر افشال مشروع أيصال المخزون الضخم للغاز الإيراني إلى نفس الأسواق وعرقلة تطوير منابع الغاز العراقي، بعد أن وقّعت الأخيرة أتفاقية لمد أنابيب الغاز من منابع الغاز في موقع "جنوب فارس" على الأراضي الإيرانية وعبر العراق إلى البحر المتوسط مع الحكومتين السورية والعراقية في عام 2011، والذي يبلغ كلفته 10 بلايين دولار. لقد أبدت الحكومة السورية حماساً خاصاً للمشروع بعد أن تم اكتشاف مكمن ضخم للغاز في موقع "القرة" قرب حمص من قبل شركة كازبروم الروسية، وعندها ستتحول الأراضي السورية إلى موقع لتجميع الغاز وانتاجه وتصديره إلى القارة الأوربية عبر الأراضي اللبنانية. وهذا ما استفز كل من حكام السعودية وقطر وتركيا وحماتهم ودفعهم إلى تقديم العون المالي والمادي الضخم لداعش من أجل اسقاط الأسد لإحباط هذا الاتفاق، ثم احتلال مواقع وحقول نفطية في سورية والعراق. إن جغرافية المناطق التي احتلتها "داعش" في العراق وسورية تشير بدون أدنى شك على أنها جغرافية أنابيب خطوط الغاز الموجودة في مخيلة هؤلاء بعد أن يتم السيطرة عليها من قبل داعش ومن يقف ورائها. ومن الواضح أن لتركيا أكثر من واعز في هذا الدعم السخي لداعش ويتمثل في الحصول على مغانم من مد هذه الأنابيب من جهة، ومن جهة أخرى تحقيق حلم الخلافة العثمانية التي انهارت بعد الحرب العالمية الأولى، والعودة إلى الامتداد الإقليمي الذي يخطط له المتطرفون الطائفيون في حزب العدالة والتنمية وقطبها رجب طيب أردوكان. وفي هذه الأجواء يصبح من الطبيعي رفع راية الدين والمذهب والتطرف الديني والطائفة والعشيرة والمتاجرة بالدين والمذهب والتباكي على اضطهاد هذا المكون أو ذاك والضحك على أتباع المكونات الطائفية ودفعهم إلى ارتكاب المجازر ضد بعضهم البعض، بما يؤدي إلى سقوط آلاف الضحايا في البلدين وتدمير بلدانهم من أجل تحقيق هذا المشروع، وللأسف نشارك أيادي عراقية وسورية في الشرور. فعلى سبيل المثال جرت محاصرة مدينة آمرلي التي يقطنها أبناء المكون التركماني من قبل أخزتهم في القومية تحت ذرائع مذهبية ورفع راية التطاحن المذهبي.
688 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع