زينب حفني
بين حين وآخر، يُدار نقاش بين المثقفين عن الأدوار المائعة التي أضحى إعلامنا العربي يُمارسها على الملأ دون أن يشعر بالخجل أو ينتابه شيء من تأنيب الضمير لما يقوم به من تجاوزات بحق المشاهد العربي والاستخفاف به والضحك عليه! وقد ساهم الإعلام المكتوب والمرئي تحديداً في إثارة فوضى حتّى أضحى من الصعب بين يوم وليلة الحد من تسيّبه!
فالإعلام المكتوب كالصحف والمجلات العامة أغلبها غير مستقلة في آرائها وتوجهاتها تخضع لما تريده أنظمة بلادها! وليس غريباً أن يُلاحظ المتابع لها أنها أضحت نسخاً مكررة في طريقة عرضها للأخبار المحليّة وتناولها للقضايا العامة الدوليّة! وانتقلت العدوى لكتّاب الأعمدة حيث تجدهم ينقضون على كتابة موضوع معين شغل الشارع العربي بعناوين برّاقة وبمعالجة مكررة!
الطامة الكبرى من وجهة نظري تكمن في الإعلام المرئي والمتمثل في القنوات الفضائيّة التي تخصص ساعات طويلة للبرامج الحواريّة والمسابقات الفنيّة، هادفة من ورائها لاستقطاب أكبر عدد من المشاهدين وحصولها على
حجم أكبر من الإعلانات التجاريّة! وإغفال الدور الحقيقي للإعلام الذي من أهم أدواره توعية الناس وتسليط الضوء على قضاياهم الحيويّة.
من يُتابع أغلبية برامجنا الحواريّة، سيشعر بالاستياء من ضعف مستوى المحاورين وخوائهم الفكري، فإذا سعوا لمناقشة قضية ما يتعمدون وضع توابل إثارة عليها لرفع نسبة المشاهدة! أو دفعها في اتجاه معيّن يخدم سياسة القناة! إضافة إلى أن أغلبية الفضائيات صارت تستعين بوجوه نسائيّة جميلة لإدارة البرامج الحواريّة وعدم الالتفات لمستواهنَّ المهني الهش وانعدام ثقافتهن العامة، حتّى غدت ظاهرة مرضيّة تُثير استياء المشاهد الواعي، وتُصيبه بالإحباط جرّاء ما يحدث على الساحة الإعلاميّة العربية!
ولا أبالغ إذا قلت بأن هناك مذيعين برزوا وأضحوا من نجوم الصف الأول بسبب تهليلهم طوال الوقت لمسؤول بارز أو الترويج لقضية مشكوك في نزاهتها لضمان استمراريتهم! وإعلاميات عربيات غير مؤهلات مهنيّاً مكانهنَّ بدور الأزياء وليس بالإعلام الجاد، وأصبح يُشار لهنَّ بالبنان بسبب نجاحهن في معرفة من أين تؤكل الكتف لتحقيق الشهرة وحصد الأموال!
هذه الصور المهزوزة لا نراها بالإعلام الغربي الذي تعوّد على احترام عقليّة شعوبه وطرح مشاكله بعمق ليصل إلى حلول جذريّة لها. وتُعتبر برامج "التوك شو" من أهم البرامج التي تستقطب آلاف المشاهدين هناك، بفضل المهنيّة العالية التي يتمتّع بها مذيعوها ومحاوروها، إضافة إلى مساحة الحريّة الواسعة المتاحة لهم، وحرصهم على التعامل بشفافية مع متابعيهم عند طرح القضايا التي تشغل بال الناس، لإيمانهم بأن الإعلام وُجد من أجل توعية المجتمع وليس من أجل رفع أرصدة أصحاب القنوات والعاملين بها!
قالت لي صديقة ردّاً على اعتراضي لما يجري من مهازل داخل الوسط الإعلامي وتردّي الخطاب الإعلامي العربي: "يا عزيزتي لمَ العجب! لقد انتشر الفساد في بلداننا العربيّة دون أن يجد من يقول له استحِ! فلماذا هذا الحزن والولولة على ظاهرة أصبحت ضمن نسيج ثقافتنا!". أجبتها بأن الإعلام يظل عنصراً مهماً من العناصر الحضاريّة المهمة لأي مجتمع، فإذا تعثر سقط المجتمع، وإذا صلح حاله صلح حال المجتمع. والإعلام بقنواته المختلفة هو السوط الذي يُلهب ظهر من يُلحق الضرر بمجتمعه، وهو البلسم الذي يُضمّد جراح المظلومين.
تلاعب إعلاميين بمقدرات أوطانهم مستغلين مواقعهم الحساسة لتمرير رسائل مغلوطة أو التستّر على قضايا شائكة، يُعتبر جريمة فادحة وستؤدي مع مرور الوقت إلى سقوط مجتمعاتنا وسط الرمال المتحركة، كلما حاولت أن تُخلّص نفسها دفعتها لقاعها أكثر حتّى تستسلم مرغمة لقدرها!
1048 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع