أ.د. محمد الدعمي
” اليمن الآن يبدو فضاءً مفتوحاً لمختلف الرؤى والبرامج المتناقضة نظراً لتعدد وتنوع أسس الولاء والتصنيف السياسي، بقدر تعلق الأمر بشعبه الشقيق: فمن ناحية، لدينا أسس التصنيف الطائفي والعرقي (برغم قلة الأقليات الإثنية)؛ ومن ناحية ثانية لدينا التصنيف أو الولاء السياسي، زيادة على أسس التصنيف الإقتصادي”
ــــــــــــــــــــــــــــ
ينبع الحرص على اليمن، شعباً ودولة، من أنه أحد المكونات الأصل والأساس لمنظومتي الدول العربية والدول الإسلامية. ومن ناحية ثانية، لا ينبغي قط إغفال حقائق موقع اليمن الإستراتيجي وجواره الإقليمي اللذين سبق الإشارة اليهما في الحلقة الأولى من هذه المقالة. لذا تنبغي معاينة الأحداث الأخيرة من المنظورين المهمين أعلاه في سبيل مباشرة ما يمر اليمن به من متغيرات بواقعية تصب، في نهاية المطاف، بهدف الحفاظ على وحدته ووحدة شعبه وأواصر الأخوة وحسن الجوار.
إن اليمن الآن يبدو فضاءً مفتوحاً لمختلف الرؤى والبرامج المتناقضة نظراً لتعدد وتنوع أسس الولاء والتصنيف السياسي، بقدر تعلق الأمر بشعبه الشقيق: فمن ناحية، لدينا أسس التصنيف الطائفي والعرقي (برغم قلة الأقليات الإثنية)؛ ومن ناحية ثانية لدينا التصنيف أو الولاء السياسي، زيادة على أسس التصنيف الإقتصادي (وتتصل هذه بالمرتبة الإجتماعية في سياق المجتمع القبلي) والحرفي (عسكري معاكساً للمدني) ثم يأتي التصنيف على الإختلاف الجنوسي (الرجل معاكساً للمرأة)، خاصة بعد أن حصلت إمرأة يمنية على جائزة نوبل للسلام. المهم في إلقاء الضوء على هذه الأسس التي قد تتناقض وتتنافر فيما بينها بقدر تعلق الأمر برؤى المستقبل، هو كيف يمكن لنا، أشقاءً ومسؤولين، العمل بحكمة وبعد نظر كافيين للحفاظ على وحدة الشعب اليمني، وبالتالي لتكريس وحدة دولته، خاصة وان ذكريات دولتين يمنيتين لم تزل تنبض في دواخل البعض من الأشقاء اليمنيين، تاركة طعماً مريراً في أفواههم.
ولكن إضافة للتصنيفات أعلاه، لا ينبغي تجاوز الفئات الإجتماعية الفاعلة، ومن أهمها: فئة مالكي الأراضي الزراعية من زعماء القبائل الذين كانوا أمراء قبل العهد الجمهوري، وفئة الضباط (القوات المسلحة) المتنفذة الذين باشروا ذلك العهد منذ المرحوم السلال، ثم فئة نخبة موظفي الدولة الكبار (التكنوقراط) الذين طوروا دورهم عبر سنين متعددة من الخدمة والخبرة الإدارية المتراكمة اللتين لا غنى عنهما في أية رؤيا مستقبلية تخص إدارة هذا البلد الشقيق والعزيز. لقد تطورت عبر العقود السابقة مايمكن أن نطلق عليها وصف “شبكات ولاء” تعتمد المصالح المتبادلة، مكونة من رعاة وأتباع تجمعهم تلك المصالح، زد على ذلك ملاحظة تضييق هذه الشبكات الإجتماعية، أما على أسس المصالح أو الإنتماءات القبلية أو الحرفية أو الحزبية، حتى راحت أغلبها تنتهي الى قبضة رجل متنفذ واحد، هو الذي يضبطها ويفرض عليها أنماط سلوكها وطبيعة دورها الإجتماعي.
ونظراً لأن أشكال الضبط أعلاه هي، في جوهرها، أشكال قوة ونفوذ سياسي، فان إحتمالات التنافر والخلاف بين الفئات الإجتماعية تبقى قائمة، خاصة بضمن سياق الإخفاق في الإتفاق والتراضي على أطر الديمقراطية الحقة التي لابد أن ترتكن إلى مبدئين أساس، هما: (1) التوافق و (2) حقوق المواطنة المتساوية. وهما المبدأن الأساس اللذان ينبغي الإلتزام بهما من قبل القوى الفاعلة اليوم في الساحة اليمنية على سبيل بلوغ المطلوب والمنتظر من توافق وتناغم كافيين للحفاظ على وحدة اليمن، كي يبقى يمناً سعيداً بحق، بعونه تعالى.
806 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع