علاء الدين الأعرجي
مقتطف من كتابي الثالث في سلسلة "أزمة التخلف الحضاري في الوطن العربي"، في فصله الخامس حيث أتحدث عن تغلغل بقايا القيم البدوية في "العقل المجتمعي العربي". فأقول، بين أمور أخرى:
إنَّ اكتشافَ النفطِ في بعضِ البلدان العربيَّـة أَدَّى إلى مُضاعفةِ تفعيلِ العقلِ المجتمعيِّ البدويِّ في وجهِه الاقتصاديِّ الذي يَتَمَظهر بِشكلِ عقليَّةٍ ريعيَّة تنتظرُ مِـنَحَ الطبيعة، سواءٌ غيثًا أو نفطًا. فهؤلاء العرب الذين تخلَّفوا في الجزيرة العربيَّة، في حوالى الألف الخامس عشر قبل الميلاد، بعد رحيلِ بعضِهم أو معظمهم إلى الشمال(منطقة الهلال الخصيب) حيث قاموا بإنشاء أعرق الحضارات الكُبرى في التاريخ؛ تكيَّفوا للبيئةِ الصحراويَّة الجديدة التي تكوَّنَت نتيجةَ عمليَّةِ التصحُّر المستمرَّة في أواخر العصر الجليديِّ الأخير، وبدايةِ الفترة الدفيئة الحاليَّة، فأصبحوا يعيشون بِشَكلِ قبائلَ ترتَحِلُ من مكانٍ لآخر طلبًا للماء والكلأ، لتعتاشَ هي وأنعامها. فهي تنتظرُ سقوطَ المطر كمنحةٍ من السماء لِـينبتَ العشبُ وترعى الأغنام. لذلك أصبح العملُ المنتجُ للثروة سُبـَّة أو إهانة (كما شرحنا في الفصل السابق). فالظروفُ الطبيعيَّة والتاريخيَّة تُحدِّد نظامَ القِيَمِ الذي يُشكِّلُ العمودَ الفِقريَّ للعقلِ المجتمعيِّ في أيِّ مُجتَمَع. وهكذا جاء النفطُ كمِنْحَةٍ سخيَّةٍ من الأرض، بدلَ السماء، هذه المرَّة، دون أن يكونَ لِجُهد أصحاب الأرض، الفكريِّ أو العمليِّ، أيُّ دورٍ فيه؛ بل لم يكونوا يعرفون بوجودِه أو أهميته أصلاً، حتَّى جاء "الآخَر"(الغرب، الاستعمار أمريكا...إلخ) فاكتشفَ هذه الكنوزَ التي كانت مطمورةً منذ مئات الملايين من السنين. هذا الغرب الذي بنى الصروح الأخيرة من حضارته العتيدة المعاصرة والمتفجرة، من هذه الطاقة الرخيصة والمتفجرة، وعلى حساب غفلتنا وجهلنا، مما يؤدي إلى إعادة إنتاج تخلفنا، بما فيه تفرقنا بل تناحرنا وتقاتلنا الحاصل فعلاً اليوم ، الذي يباركه، ويصفق مع إسرائيل له، والتي يسرها أن تضع الزيت لزيادة تاجيج النار المشتعلة. وهنا ينطبق علينا قول الرسول الكريم : إن الأحمق يصيب بجهله أكثر من فجور الفاجر" (عن أنس بن مالك).
1272 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع