عبدالرضا غالي الخياط / خاص- الگاردينيا
تحتل المكتبات في المجتمع موقعاً فريداً وهاماً في دنيا المعرفة والثقافة، فهي همزة الوصل بين الكتاب والقارئ. وعلى مر العصور لعبت المكتبات دوراً بارزاً في تقديم النشاط الإنساني. وعالم الكتب والمكتبات عالم مثير وجذاب مليء بالإثارة والحيوية، ويسمو بالمرء إلى أرقى درجات المعرفة والحضارة. فبالكتب والمطالعة تمكن الإنسان من بلوغ أرفع غاياته وأعلى طموحاته. واستطاعت المكتبات عبر القرون الغابرة من نشر الأفكار وتوصيل المعارف والعلوم الجديدة من خلال ما تقتنيه من مواد المعرفة، سواء كانت ألواح أو رقوق، أو غير ذلك من أوعية الفكر والعلوم والمعارف. ويقع جزء من مسؤولية النهوض بالمجتمع على عاتق المكتبات سواء العامة منها أو الخاصة، مع أهمية وجودها في كل مؤسسة تعليمية أو تربوية، وضرورة توافرها في المدن والقرى والأرياف، بما تقدمه من خدمات تعليمية ومعرفية تخدم طبقات الشعب كافة. وفي هذا العصر المتأجج بالأحداث الجسام المليء بالصراعات، لم تعد القراءة ترفاً فكرياً أو امتيازا مقصوراً على القلة المختارة، إنما أصبحت ظاهرة لها خصائصها الاجتماعية. كما إن الدور الذي يودية الكتاب في المجتمع قد تغير هو الآخر. فيما مضى كان الناس ينظرون إلى الكتب والمكتبات باعتبارهما مقابر تدفن فيها الأموال والعقول. وبمضي الزمن تحولت القراءة إلى ضرورة اجتماعية كبرى. كما أصبح الكتاب من أكثر وسائل الثقافة والمعرفة والاتصال، بل أصبح التعطش إلى القراءة والتوسع في نشر وانتشار الكتب من سمات التحضر والتقدم في عالم اليوم، وذلك يعود إلى حصيلة المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي مرت ولما تزال بها المجتمعات العربية. لذلك لن تتمكن الدول والشعوب وبصفة خاصة، الدول النامية من القضاء على الأمية قضاءً مبرماً دون إشاعة وإرساء المعرفة على نطاق واسع. ومن مقتضيات النجاح وجود المكتبات بوفرة في المجتمع. ولا يقاس نجاح المكتبة بعدد ما فيها من كتب ومجلات وصحف ودوريات محكمة، وغيرها من المواد المكملة والتي تعين على كسب المعرفة والعلوم. وإنما يقاس نجاحها الحقيقي بعدد روادها من طلبة العلم والباحثين عن جوهر الحقائق. ومن مهام ألكتبي توفير وانتقاء الكتب كذلك المواد الأخرى لتحقيق المنفعة المرجوة وتوفيرها لكافة إفراد المجتمع، ومن مهام ألكتبي والناشر أيضاً توفير الكتب العلمية وان تكون شاملة كاملة تمثل كافة شرائح المجتمع بأسره، والآراء المتعلقة بمشاكل وقضايا العصر الدولية والوطنية والمحلية. وكذلك تهيئة المواد المقروءة الأخرى التي تساعد على رفع من مستوى الثقافة والفكر وترسيخها بعيداً عن كل القيود، في جو من الحرية والتسامح للوصول إلى هذه المواد مع عدم إزالة أو رفع بعضها من أرفف المكتبة لمجرد رفض سياسي أو مذهبي أو أثني. فقد دخل الإنسانية اليوم عصراً جديداً، هو عصر التألق الثقافي والمعلوماتية مخلفة وراءها فترات الركود والتغيب والإقصاء لشعوب دول العالم الثالث. فقد ولى زمن الساسة والعسكر الذين كانوا يحكمون بقبضتهم بالوسائل العسكرية المتطورة وأساليب الحكم المبتكرة ليحل زمن سيادة الانفتاح ألمعلوماتي وعالم الفضائيات والمواقع الالكترونية المفتوحة. وتعد اليوم الورقة الرابحة بيد من تسلح بالتقنية العلمية وامتلك معلومات أكبر وخبر أساليب تطويع الرأي العام، وقدم ثقافة فاعلة ومعرفة مؤثرة. ومن حسنات النظام الجديد انه يتيح للمرء فرص الوصول إلى ما شاء من الكتب وأدوات المعرفة سواء توافرت في مكتبة أو في غيرها من المكتبات دون قيود وبعيداً عن عيون الرقيب..
ومنذ فجر التاريخ والعراق منتج وبإبداع فتلك حقيقة لاشك فيها. وهناك قول مأثور لايتبدل بتبدل الأزمان ولا يتغير بتعاقب العصور. فكل جديد يأتي من العراق حيث نشأت أولى الحضارات الإنسانية مابين بلاد الرافدين " ميزوبوتاميا " ولقد كانت حضارات في غاية السمو والرفعة والقوة من حيث العدة والعدد والنظم السياسية والاجتماعية، و مع ما موجود من الشواخص الحضارية ما يؤكد ذلك، وخير دليل على ذلك ماجائنا عن ملحمة كلكامش الخالدة الذكر ومسلة حمورابي وما جاء بها من تشريع أنساني متكامل يعبر عن وحدة بلاد الرافدين، وتقنين وتشريع لجلّ المشكلات الإنسانية التي تواجه إنسان بلاد الرافدين آنذاك. وكم يعرف العالم جيداً بان وادي الرافدين كان منبت الحضارات ومركز إشعاع ونور للفكر والآداب والفنون سواءً في العالم القديم أم في العالم الوسيط. فأن أقدم الحضارات ولدت على هذه الأرض من هذا الوادي المزدهي في كل العصور وقبل إن يعرف العالم معنى الحضارة، تجلت في ما كشفته الحفريات والتنقيبات من أثار وألواح وكتابات وعلوم وفنون وآداب لا تزال محط أنظار العالم تبهر العقول وتحير الأذهان. ولسنا هنا بصدد الخوض في تفاصيلها في هذه العجالة، وإذا ما صحت النظرية القائلة بأن التاريخ يعيد نفسه فإن العراق مقبل على تطورات علمية وثقافية وفكرية كبيرة، يستعيد بها أمجاده السالفة الذكر ويجدد كفأته للعالم من جديد ليثبت بأنه لم يفقد إمكاناته الفكرية ولم يخسر طاقاته بعد، وبأنه لازال قادراً على الخلق والإنتاج والإبداع والتصور الخلاق. وهذا هو ديدن أبن أرض السواد على السواء.
886 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع