د. ضرغام الدباغ *
* مقدمة :
تحتل اليوم قضايا وملفات : النازحين، والمهاجرين طوعاً أو إرغاما، والمهجرين قسراً، من بلدانهم، والغالبية العظمى منهم أرغموا على النزوح أو الهجرة أو التهجير، إن بصفة مباشرة أو غير مباشرة، مكانة بارزة في العلاقات بين الدول. وتنشر وسائل الإعلام الأوربية من صحف وتلفزة خفايا تهريب المهاجرين وغاياته، ونتائجه القريبة والبعيدة سواء على البلدان المستقبلة، أو البلدان التي نزح منها اللاجئون. ولدينا من المعطيات المادية والأرقام والإحصاءات، ما يشير بكل وضوح، أن المهاجرين(في غالبيتهم العظمى كما أسلفنا) يغادرون بلادهم بعد أن أيقنوا تماماً أن البلاد قد ضاقت بهم، وأنها أوطان لم تعد صالحة للسكن البشري، ولا الحيواني (وآسف حقاً لاستخدام الكلمة) ويجازفون من أجل الوصول إلى الأمان بحياتهم وحياة عائلاتهم.
ولابد أن نقرر بكل وضوح وجلاء، أن التهجير سياسة تمارس مع سبق الإصرار والترصد بل والتخطيط المسبق القائم على التهجير والتجريف العرقي والطائفي، بحق مواطنين أصليين في أوطانهم، بمعنى أنهم لم يحصلوا على الجنسية اكتساباً، بل هي جنسية أصيلة أنحدرت إليهم من آباءهم وأجداهم، والجنسية التي يمنحها القانون ربما ينزعها القانون نفسه في حالات معينة، أما الجنسية الأصلية فتحرم دساتير الدول المحترمة على نزعها بأي حال من الأحوال، وتعاقب بأشد العقوبات الجهة أو الفرد الذي يقدم عليها.
إن في إحالة المتهمين في قضايا التهجير وفق ما تعرف اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 أغسطس/ آب 1949 والبروتوكولان الملحقان بها لعام 1977 جرائم الحرب بأن التهجير القسري من الانتهاكات الجسيمة للقواعد الموضوعة، فالمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراضٍ أخرى، إلا في حال أن يكون هذا في صالحهم بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة. كما أن المادة (7/1 د) من نظام روما الإنساني للمحكمة الجنائية الدولية، تجرم عمليات الترحيل أو النقل القسري، حيث تنص على أن "إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، يشكل جريمة ضد الإنسانية". وبموجب المواد 2 و7 و8 من نظام روما الأساسي، فإن "الإبعاد أو النقل غير المشروعين" يشكلان جريمة حرب، وتعتبر المادة المتعلقة بحظر نقل السكان من مناطقهم جزءً من القانون الدولي الإنساني العرفي.
وبالإضافة لذلك، تنص المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة "اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية" التي أقرتها الأمم المتحد في 9 كانون الأول/ديسمبر عام 1948 والتي أصبحت سارية المفعول في 12 كانون الثاني/يناير عام 1951، والتي تعتبر الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية وبمثابة جرائم إبادة جماعية، وكذلك تعد من الوثائق الهامة في شأن التهجير الداخلي والتي لم تترجم بعد لاتفاقية دولية ملزمة للدول، ولكنها مستمدة من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي العرفي، هي المبادئ التوجيهية للتشريد أو التهجير الداخلي والتي تم إصدارها من قبل لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في عام 1998.
أ - قتل أعضاء من الجماعة.
ب - إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
ج - إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.
د - فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
هـ - نقل أطفال من الجماعة عنوة، إلى جماعة أخرى.
وجدير بالعلم أن هذه الجرائم وهي تعد من جرائم الحرب والإبادة، لا تسقط بالتقادم حسب اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لعام 1968.
وقد حظرت المبادئ التوجيهية التهجير الداخلى القسرى من قبل الدول، إلا أنها كما في اتفاقية جينيف الرابعة أيضا قد وضعت استثناءا من هذا الحظر في الفقرة "ب" من البند الثاني من المبدأ السادس من المبادئ التوجيهية عندما ذكرت التالي:
* ما هو التهجير ألقسري:
1. التهجير ألقسري (Forceddisplacment)هو "ممارسة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراضٍ معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلا عنها.
2. بأنه "الإخلاء القسري وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها" وهو ممارسة مرتبطة بالتطهير وإجراء تقوم به الحكومات أو المجموعات المتعصبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معينة وأحيانا ضد مجموعات عديدة بهدف إخلاء أراضٍ معينة لنخبة بديلة أو فئة معينة، وتعتبر المواد (2)، (7)، (8) من نظام روما الأساسي، التهجير القسري جريمة حرب.
3. الإبعاد أو النفي يعنيان النقل إلى خارج حدود الإقليم، بينما يتعلق النقل القسري بالتهجير داخل حدود الإقليم، وعادة ما يحصل التهجير نتيجة نزاعات داخلية مسلحة أو صراعات ذات طابع ديني أو عرقي أو مذهبي أو عشائري.
4. يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وفق قاموس القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
وهكذا تنجم عن حروب التدخل، والصراعات المسلحة نتائج على مستوى السكان ذات أتجاهات شتى، يقع ضحاياها السكان المدنيون، فتنشأ حركة نزوح (Internal Displacement) إذ يرغم السكان على مغادرة أماكن سكناهم إلى أماكن أكثر أمناُ داخل البلاد، أو مهاجرين (Migration) تصبح الهجرة كتحصيل حاصل لمن يريد الأمان، أو أولئك الذين يرغمون قسراً على الهجرة من بلادهم إلى بلدان الجوار، أو بلاد بعيدة (Forced displacement) .
إن ما يحدث تحت أنظار العالم ومنظماته الإنسانية، ينبغي أن تضع كل تحت مسؤولياته القانونية والاخلاقية، فمعظم هذه الهجرات التي تدور بترتيبات لابد أن يكون برعاية جهة ما، والسكوت عليها يعني المشاركة المباشرة أو غير المباشرة، والجريمة تعرف في الفقه القانوني " كل فعل، أو أمتناع عن فعل صادرة عن إرادة مخالفة للقانون "، فما يحدث جريمة واسعة الأطراف والتأثيرات.
فعلى سبيل المثال لا الحصر: وان "مستوى الفقر في العراق الذي وصل إلى درجات غير مسبوقة، 35% بمعنى 11 مليون و500 ألف مواطن عراقي تحت خط الفقر وأيضا هناك فوق خط الفقر وحول محيطه إي ما يعني على اقل تقدير أن هناك 16 مليون و 500 ألف مواطن عراقي في محيط خط الفقر وقريب منه ". تشكل عوامل إضافية للهجرة، وإذا علمنا أن دخل العراق من عام 1927 وحتى 2003 (عام احتلال العراق) بلغ 281 مليار دولار وبواسطته تم تشييد العراق الحديث بعد الحرب العالمية الأولى وحتى الاحتلال الأمريكي، وخلال عشرة سنوات 2004 وحتى 2014 بلغ دخل العراق 540 مليار دولار أي ضعف دخل العراق لمدة 76 عاماً، لعلمنا أن العراق قد تعرض لعملية نهب حقيقية، ومع عمليات الإبادة السكانية والتهجير، كسياسة متكاملة، ولدى منظمة (يونامي) التابعة للأمم المتحدة معطيات تكفي لتكوين فكرة واضحة، عن السبب والمسببات في خطة المطلوب منها تدمير العراق ككيان سياسي واجتماعي موحد منذ ألاف السنين، فالجريمة هنا مضاعفة ومتواصلة وأن المجتمع الدولي يقف أمام مسؤولياته بصورة مباشرة لا مفر منها، والإحصاءات لا تدع المذنبين يفرون من مسؤولياتهم.
وتفاقم الأحداث في أقطار معينة كسورية والعراق، وأفغانستان، والصومال، وضعف المساعي الدولية قادت لأن تتحول اليوم قضية اللاجئين إلى أوربا واحدة من أعقد ما مرت به أوربا من مشكلات بعد الحرب العالمية الثانية، وبما يخلق تفاوتاً (أو خلافاً) كبيراً في الواقف الرسمية والشعبية حيال ما يصفه رجال السياسة والإعلام على حد السواء ب (الأزمة)، الرافضين منهم فتح أبواب أوربا، أو تلك الجهات التي تدعو إلى التدخل في بؤر التوتر، أو منابع الهجرة والمهاجرين.
* تداعيات الهجرات محلياً :
ابتداء لابد من ذكر حقيقة تاريخية، أن عمليات التصفية العرقية والطائفية عبر التاريخ لم تكن ناجحة ولم تلب إرادة القائمين عليها، ومن أدارها، وهناك شواهد تاريخية كبيرة على فشل تلك المساعي بل وارتدادها بنتائج غير تلك التي خطط لها من أرادها. وفي مقدمة تلك التجارب التي تنطوي على عبر ما جرى في الاتحاد السوفيت أبان الحقبة الستالينية من تهجير واقتلاع للسكان وإحلال مجاميع غيرهم، وتلك عمليات ما تزال تداعياتها السلبية حتى عصرنا الراهن.
فالنزوح الداخلي (Internal displacement) والهجرة (Migration) والتهجير القسري(Forced displacement) تلقي بتأثيراتها على تماسك النسيج العائلي ابتداء، ومن ثم الاجتماعي، فالأسر تتمزق داخل الوطن وخارجه، وإلى عدة دول وقارات في أحيان كثيرة، وتحل تأثيرات تمزق النسيج الوطني لتمتد تأثيراتها إلى جوانب عديدة، الاقتصادية والثقافية في مقدمتها، ومن بين المهاجرين بل ربما في مقدمتهم، أصحاب الكفاءات الذين يسهل عليهم تحمل نفقات سفرة الهجرة، وهم الفئة التي يمكنها أن تتأقلم مع المجتمعات الجديدة، بفضل قدراتها العلمية، والمادية، ولوحظ أن الكثير من الأساتذة والعلماء يفضلون البلدان التي درسوا وتعلموا فيها ونالوا الشهادات العليا فيها، فهؤلاء تتضاءل أمامهم فرص الأندغام في المجتمعات التي عاشوا فيها وتعلموا، وحصلوا على شهادات معترف بها.
ومن جهة أخرى، ليس بصعوبة التصور ما قد يواجهه مجتمع يخلو من الأستاذة والعلماء والأكفاء، فالجامعات غدت تفتقر بنسبة عالية من تلك الكفاءات، وهبط مستوى التعليم بدرجة مريعة كنتيجة طبيعية لتراجع مستوى التعليم العام بكافة مراحله إلى مستويات دنيا، وبالتالي أنخفضت أعداد المدارس، وهبط مستواها، وتدفع الأوضاع الاقتصادية الصعبة الطلبة في كافة المستويات إلى الانخراط في المهن بصورة مبكرة، وغالباً في مهن لا تحتاج لتأهيل وتدريب يستحق التعليم، لذلك تشيع في المدارس نسب التسرب (التغيب) وتصبح الشوارع مأوى جيل كان ينبغي أن يكون مكانه على مقاعد الدراسة، ويتولى مسؤولية الجيل الذي يليه.
وأجواء كهذه تعبر مؤشراتها عن انحطاط في المستوى الاقتصادي العام، والاجتماعي، والهجرة، والتهجير ألقسري، هي على الأرجح ناجمة عن وجود فساد سياسي / اجتماعي (police corruption) يقود في مضاعفاته الحتمية إلى فساد شامل وهيكلي (strukturell korrupten)، وعلى المدى القريب والبعيد تخلق مضاعفات ارتدادية على الصعيد الديمغرافي، ومشكلات قد لا تنتهي بالصورة التي رأي فيها أو يعتقد من يخطط لذلك ومن سعى في تنفيذه.
* تداعيات الهجرة أوربياً وعالمياً:
وربما في متابعة سريعة لعناوين الصحف والنشرات، سينضح لنا عمق الأزمة في أوربا، وهي ما تطفح به الصحف ومحطات التلفزة على مدار الأيام :
ــ المستشارة الألمانية ميركل وزعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم : "إننا لسنا في وضع سهل تماما". قالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ومستشار النمسا فيرنر فايمان اليوم الثلاثاء (15 أيلول/ سبتمبر 2015) وتطالب كل من ألمانيا والنمسا عقد قمة خاصة للاتحاد
ــ أكد وزير الاقتصاد ونائب المستشارة زيغمار غابريل (7 /أيلول/ 2015) أن التعامل مع الأعداد الكبيرة للاجئين الذين يصلون ألمانيا حاليا يعد أكبر تحدي يواجه ألمانيا منذ إعادة توحيدها.
ــ حذر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير من انقسام أوروبا بسبب أزمة اللاجئين. وقال شتاينماير اليوم الجمعة (4 /أيلول/ 2015) في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورج: " إلقاء اللوم المتبادل لن يقودنا إلى حل المشكلة. على أوروبا أيضا ألا تدع نفسها تتفسخ في مواجهة هذا التحدي."
ــ رئيس الاستخبارات الداخلية الألمانية (4 /أيلول/ 2015) "في النصف الأول من 2015، ازدادت أعمال العنف المتصلة باليمين المتطرف مع ارتفاع عدد طالبي اللجوء. وليس من المتوقع حصول تغيير في هذا الاتجاه في النصف الثاني" من 2015 ".
ــ وزير المالية الألماني شويبلة أمام البرلمان الألماني الاتحادي (8/ أيلول/2015) في مستهل مناقشة الميزانية إن مهمة التصدي لأزمة اللجوء تبرز حاليا ولابد من تمويلها، إذا كان ممكنا بدون ديون جديدة، وقال: "نرغب في إنجازها بدون ديون جديدة". يشار إلى أن الحكومة تعتزم تخصيص نحو ستة مليارات يورو العام القادم للتصدي لزيادة أعداد اللاجئين. وبالنسبة للنفقات الإضافية للاجئين يعتزم شويبله الاستفادة من فائض الميزانية الذي يقدر بمليارات والذي نشأ هذا العام بفضل الاستقرار الاقتصادي وارتفاع الإيرادات من الضرائب.
ــ في المجر سجل رقم قياسي جديد السبت تمثل بوصول 4330 لاجئ إلى هذا البلد الذي تحول إلى رمز للتشدد في مواجهة تدفق المهاجرين، خلافاً لألمانيا. وتنوي بودابست إغلاق حدودها مع صربيا اعتباراً من 15 أيلول/ سبتمبر بخطين من الأسلاك الشائكة.
ــ نائب المستشارة الألمانية سيغمار غابرييل وزعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي14/ أيلول 2015) "هناك مؤشرات عديدة تدل على أنه هذه السنة لن نستقبل 800 ألف لاجئ كما كانت تتوقع وزارة الداخلية وإنما حوالي مليون". وألمانيا التي واجهت الأحد تدفقاً جديداً للمهاجرين، أعادت فرض إجراءات المراقبة على حدودها
ــ اللاجئون إلى ألمانيا :
نسبة اللاجئين عموما قبل التسجيل :
العراق ٥٪
سوريا ٢٠٪
افغانستان ٥٪
دول البلقان ٣٧٪ ، قبول طلبات لدول البلقان ٥٪ !
الباقي من ارتيريا وغرب أفريقيا...الخ/ نسبة
ــ أرتفع أعداد اللاجئين بعد التسجيل ليتضح أن اللاجئين ينتمون إلى :
سوريا ٨٧٪
العراق ٩٨٪
(الجدول من وكالة الأنباء الألمانية : Detsche Welle)
علماً أن الأرقام تتغير يومياً في تصاعد متواصل، يصيب بالعجز حتى دولة كبيرة مثل ألمانيا، فالمدارس القديمة تحولت إلى ملاجئ، وكذلك الملاعب، ونصبت الخيم في الحدائق، وأحيل قسم من اللاجئين إلى قرى مهجورة، وهناك تقصير في الإغاثة لسعة أعداد المهاجرين، وبعض الناس (غير المعارضين لسياسة الباب المفتوح للاجئين) يبادرون للمساعدة، وآخرون معارضون يتظاهرون ضدهم، والبعض من اليمين المتطرف لا يتورع عن الاعتداء على مقار سكن اللاجئين.
(الجدول من وكالة الأنباء الألمانية, قبل موجة الهجرة في أشهر تموز وآب وأيلول التي فاقت التقديرات : Deutsche Welle)
وهنا يتبادل المواطنون الألمان وغير الألمان، التساؤل : ما هو غاية الحكومة عدا إبداء المساعدة الإنسانية التي لا تمثل إلا جزءاً يسيراً من دوافع هذا القرار السياسي المهم والمثير للجدل ألمانياً وأوربياً وعالمياً.
من المعطيات المعروفة أن سكان ألمانيا يتعرض للتراجع بشكل متواصل، وهناك دوائر مختصة تحذر أن سكان ألمانيا سيتراجع من 28 مليون نسمة، إلى 52 مليون نسمة بحلول عام 2025، لأسباب عديدة أبرزها :
1. عزوف المواطنين عن الزواج لأسباب اجتماعية واقتصادية.
2. شيوع العلاقات الجنسية المثلية بين الذكور والإناث، وبنسب غير بسيطة.
3. لا يرى المواطنون مبرراُ لتأسيس أسرة وإنجاب الأطفال.
4. الهجرة وبنسب غير بسيطة إلى دول أخرى بسبب سهولة إيجاد العمل، وربما لظروف أخرى.
والتراجع في المواليد يعني تراجع في قوة العمل (الشباب)، وهو ما يعني بالتالي أن الصناعة وهي عصب الحياة وشريانه الرئيسي وسائر قطاعات الدخل القومي (زراعة وخدمات) ستعاني من نقص في الأيدي العاملة، وهو ما سيؤثر على حجم الاقتصاد وتراجع التصدير، وبالتالي تراجع مكانة ألمانيا عالمياً في المراتب العليا للتصدير العالمي، بعد أن تربعت على عرش التصدير سنوات طويلة متفوقة حتى على الولايات المتحدة والصين.
وتراجع قوة العمل سيعني تراجع قوتها الاقتصادية وهي التي تتمتع باقتصاد قوي يوصف بأنه قاطرة أوربا، والقوة الحقيقية لعملة اليورو، وبدونه (الاقتصاد الألماني) فإن كل هذه المستويات ستتعرض لاهتزاز يبدو مضراً ليس لألمانيا فحسب، بل لأوربا أيضاً وللاقتصاد الرأسمالي العالمي.
الهجرة تبدو الحل لهذه المعضلة(من وجهة نظر بعض الخبراء)، ولطالما كتب مختصون بأن الحل يكمن في استجلاب المهاجرين في عملية منظمة تستهدف المتعلمين والكفاءات في خطة نشرت علناً، إضافة إلى حقيقة اجتماعية معروفة، أن اللاجئين وخاصة العرب والمسلمين عموماً، يفضلون الحياة في أسر وينجبون العديد من الأطفال، وهذا حسن، ولكنهم بالمقابل يتمسكون بهوياتهم وثقافتهم، ويصعب اندماجهم كالمهاجر الأوربي، لذلك يتنبأ بعض علماء الاجتماع أن أعداد المسلمين في ألمانيا سيتصاعد بقوة، وآخرين يشيرون إلى سلبيات هذه الهجرة على المدى ليس البعيد، ومن تلك شيوع تقاليد وعادات وأنماط سلوك جديدة في أوربا عامة وألمانيا خاصة، ومظاهر ثقافية تتعلق باللباس والطعام، وطرق الاحتفال والزواج والسلوك الاجتماعي العام، وقد تتسع التأثيرات حتى تبلغ اللغة. وقد كتب كتاب وعلماء اجتماع وصحفيون فعلاً في هذا المجال منذرين ومحذرين، وبعضهم يتشائم من تفاقم الظاهرة.
وتفاقم مشكلات اللاجئين تستدعي حتماً إعادة تكيف القانون الدولي بفرعيه (العام والخاص) لمواجهة هذه المشكلة المتفاقمة. وتشير المصادر أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين كانت في أعقاب الحرب العالمية الأولي تتعامل مع نحو 400 ألف لاجيء وبنهاية العام 2007 ارتفع الرقم إلى 30 مليون تقريبا، وكانت المفوضية تعمل في ذلك الوقت في أوربا فقط، وبحلول عام 2007 أصبح لها مكاتب في 125 بلدا تنتشر عبر العالم، وكانت ميزانيتها عام 1955 بحدود 300 ألف دولار وبحلول هذا العام تجاوزت ميزانيتها المليار دولار.
المنظمات الدولية، وفي المقدمة منها الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية، وحكومات وبرلمانات الدول والقيادات السياسية الحاكمة أو تلك التي تقود ائتلافا حكومياً، وقوى المعارضة السياسية بكافة أشكالها، أن تنتبه إلى نقطة جوهرية، أن التهجير بكافة أنواعه وأساليبه قد أضحت سياسة واضحة ومعروفة، والجميع مطالب بفتح ملفات وتجميع المعلومات والمعطيات كل في ساحته، ولغرض تقديم المتهمين إلى القضاء الدولي لينالوا جزاءهم العادل، علماً أن الكثير من تلك الأدلة واضحة وموثقة (صورة وصوت) سواء في العراق أو في سوريا.
إن تفاقم هذه المشكلات بدرجتها التي توصف بأنها أزمة، لابد أن تنال اهتماما من المجتمع الدولي، وإن استقبال اللاجئين هو تضميد للجراح وتسكين للآلام، ولكن المشكلة الأساسية هي في سكوت المجتمع الدولي عن جرائم ترتقي لدرجة الإبادة، وتدفع أو تنظم النزوح، والهجرة والتهجير، تقوم بها أنظمة تنال المساعدة من المنظمات الدولية، وفي مقدمة ذلك السكوت عنها، وإن الاكتفاء بكلمات وعبارات المواساة لا تجدي نفعاً، ومن هنا نرى أن النظام الدولي نفسه بحاجة إلى إصلاح لأنه لم يعد يواكب هذا المستوى من الجرائم، وفي أساليب التصدي لها.
إن الأمم المتحدة وسائر المنظمات الدولية مطالبة اليوم وعلى نحو عاجل، بالبحث عن جذر المشكلة فالأمر غدا يتعلق بمصائر ملايين البشر يتعرضون للتصفيات العرقية والدينية، وأنظمة طغيانية تمارس السياسات العنصرية بصراحة ووضوح، فالأمر بحاجة ماسة وعاجلة إلى تدخل دولي حيال ظاهرة آخذة بالتوسع، وجرائم تمارس علناً، بما يشكل جرائم إبادة، السكوت عنها تعد مشاركة، لا تعفي المتفرج عن المسؤولية، وهنا تقوم ضرورة مراجعة النظام الدولي الذي يعبر عن عجزه في معالجة ظواهر كالمشكلات والأزمات المزمنة التي لا تجد حلولاً ناجحة لها، كالقضية الفلسطينية، وأحداث تدمير العراق بإرادة دولة واحدة ودون تفويض قانوني من الأمم المتحدة، والنظام السوري الذي يدمر البلاد منذ أربعة سنوات، والتدخل الدموي في أفغانستان، وفي دول أخرى.
وبما أن العالم أفتتح الألفية الثالثة، بما نشهده من تأثيرات ومتغيرات عديدة، تزايد حالات النزاع المسلح، نعتقد بضرورة تغيرات سياسية / قانونية ينبغي أن ترافقها، ونجد أن قضية اللجوء تحديداً وبشكل عام بعيدة عن تلك المتغيرات، حيث نجد أن الالتزام السياسي الذي أظهره المجتمع الدولي في التصدي للجوء والنزوح القسري في بعض البلدان كان غائبا في بلدان أخري. ويتجلي الافتقار إلى الالتزام السياسي للدول بحل مشاكل اللاجئين، بشكل واضح في مرحلة ما بعد الصراع، وذلك عندما تنحسر الأضواء التى تسلطها وسائل الإعلام الدولية على تلك المشاكل، وكثيرا ما يعود اللاجئين والأشخاص النازحون إلى أوطانهم التي يتطلب الأمر فيها تدعيم السلام الهش والمصالحة وإعادة التأهيل والتعمير، الأمر الذي يترتب عليه بقاء الفجوة ما بين المساعدة الإنسانية ومعونة التنمية الطويلة الأجل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الأمين العام للمجلس السياسي العام لثوار العراق
مصادر
1. د. السامرائي، د. نزار : التهجير القسري والقانون الدولي الإنساني/ شبكة البصرة ، / 30 آب 2014
2. منال الطيبي : التهجير القسرى والدستور والقانون الدولي ، موقع في الانترنيت، 31/ 10/2014
3. د. عادل عامر : اللاجئين في ظل سلطة القانون الدولي العام، بحث.
: angaben zur frage Flüchtlinge Deutsche Welle 4.
5. D.W. : Infoblatt vom 14.09.2007
6. Das Statistische Bundesamt Wiesbaden
3188 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع