د.عبدالقادر القيسي
حمل التقرير الأخير لمنظمة هيومن راينس ووج الحكومة العراقية المسؤولية وبشكل صادم وخطير على خلفية الانتهاكات التي حدثت اثناء وبعد تحرير تكريت عندما اتهم القوات الامنية والحشد الشعبي بممارسات انتهاكات واسعة في تكريت بالذات والتقرير وسابقاته يعد مؤشر خطير يجب عدم التغاضي عنه والعمل على وقف مثل هذه الانتهاكات بالطريقة التي لا تجعلنا على الأقل كدولة ضيف دائم ومادة دسمة في تقارير هذه المنظمات التي كانت تقاريرها أيام النظام السابق أيضا دسمة عن انتهاكات تحصل في العراق،
والان أصبحت اكثر دسومة وبشاعة، والمثير للاستغراب ان الحكومة وأحزاب السلطة تعترض على تقاريرها وتصفها بالكاذبة وانها غير ميدانية وهي نفسها، كانت تتغنى بهذه التقارير وتعتبرها موثوقة وذات مصداقية عالية وتعمل ليل نهار مع هذه المنظمات وغيرها؛ لأجل الاقلال من سمعة العراق واسقاط هيبته كدولة بعيدا عن رجال الحكم، ان العمل الدؤوب الذي كانت تقوم به هذه العناصر مع منظمات عديدة أدت الى دخول هذه الجيوش الجرارة الى العراق واحتلاله وتدمير البنية التحتية التي عمل العراق على ارسائها سنين طوال واضاعوا ذاكرة معلوماتية لقاعدة امنية غنية بالبيانات والمعلومات عن البنية الأمنية للبلد وعن ماهية الارهابين والمجرمين وكافة الامور التي كانت تسبب ضياع الامن، لكن مع الأسف نسفنا وخربنا هذه القاعدة المعلوماتية بسبب وجود غالبية من في الحكم الان ضمن هذه القواعد كعناصر خارجة عن القانون ؟ اليس هذا قمة التعسف عندما نمحي ذاكرة وقاعدة معلوماتية امنية لبلد مثل العراق لأجل مصلحة ضيقة والقاعدة المعلوماتية الأمنية ليست حكرا لرئيس او شخصية بل هي تابعة للدولة العراقية وكما فعلوا مع الجيش بحله، المهم نعود لموضوع مقالنا:
إن المسؤولية الجنائية للأفراد في القانون الدولي غالباً ما تقرر في مواجهة القادة أو الرؤساء، وهم الذين يتخذون القرارات والأوامر بصفتهم زعماء الدولة أو العاملين في أداء خدماتها الأساسية، فيترتب على أوامرهم تلك جرائم دولية أو انتهاكات لحقوق الإنسان وحرياته.
تعمل منظمات الأمم المتحدة لجعل الرأي العام مؤثراً وناقداً عند حدوث انتهاكات، كما تسعى لحماية القانون من أي خروقات، ومن هذه المنظمات: منظمة العفو الدولية، ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش)، وتؤدي هذه المنظمات دوراً مهماً للفت الانتباه إلى أن هناك انتهاك لحقوق الإنسان.
ان الإعلان العالمي لحقوق الانسان يحمل قوة هائلة تفوق كثيرا التوصيات ويتمتع بأهمية كبيرة واحترام من قبل الحكومات والشعوب على حد سواء، والإعلانات والمبادي والقواعد التي تصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تتمتع بصفة الإلزام القانوني للدول، غير أن هذا الأمر لا يعني تجريدها من أية قيمة أدبية أو معنوية في هذا الإطار خاصة عندما تنال موافقة وإجماع عدد كبير من الدول.
القيمة القانونية لتقارير الأمم المتحدة
الوثيقة خبرٌ وشهادة، اذ انها تبوح بالكثير من الاسرار وتكشف المستور عن الكثير من القضايا لكنها تحتاج الى اثباتات، والوقائع التي ترد في تقارير الأمم المتحدة ينطبق عليها وصف القرائن، وهناك وقائع قابلة لأثبات العكس.
ان الكثير من الجرائم لا تثبت فيها التهمة على المتهم بأدلة مباشرة ومادية ولكن القضاة يدينون المتهم بالجرم وفق الأدلة الظرفية، والادلة الظرفية تعنى ان هناك الكثير من القرائن والشهادات والملاحظات والمؤشرات التي تشير بشكل قوى الى ان المتهم مذنب أي أنها ترجح كفة ثبوت التهمة أكثر من نفيها، فليس من الممكن توفر اعترافات شخصية او أدلة مادية ويقينية في كل جريمة، فالكثير من الجرائم لا يترك فيها المجرم وراءه أدلة مادية ملموسة ضده ولكن تكفي لإنزال الحكم على المتهم الأدلة الظرفية إذا تكاثرت وتعاضدت بحيث تجعل القضاة يعتقدون في قرارة أنفسهم أن المتهم مذنب بالفعل، لذا فالأدلة الظرفية، عبارة عن عدد من الحقائق البسيطة التي إن نظرت إلى إحداها بحد ذاتها فقط؛ لا تعني لك شيئاً، ولكن قد يكون في جمعها مع عدة حقائق أخرى تُكون قرينة قوية.
ان ما يحدد مستوى الصدقية في الأدلة الظرفية هو مصدر المعلومات الذي خضع لتحليل أتاح استنتاج الدليل الظرفي، ومنهجية التحليل المعتمدة، وما تسطره هذه المنظمات من حقائق قد تكون بسيطة وقد تكون جسيمة تحتاج الى تحقيق معمق، لا ان نرفضها بطريقة فجة لا تشير الى عمق انساني أولا وعمق سياسي ثانيا، والوقائع التي تسطرها تقارير هذه اللجان غالبيتها متجانسة مع اخريات يمكن جمعها وتكوين منها دليل ظرفي اقوى من الدليل المباشر مما يجعل غالبية هذه الوقائع ذات قيمة ثبوتية، والدليل إذا تسرب اليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
وغالبية تقارير الأمم المتحدة تذكر فيها اقرارات من ذكرت أسماءهم، والاقرار من الأدلة المعتبرة لدى المحاكم الذي يعدّ سيدها.
اننا لا نريد من الدولة العراقية ان تتعامل مع هذه التقارير كما كان يفعل البعض من المعارضين بما تحققه من قيمة سياسية (توقيتاً ومضموناً) ولا تنظر للموضع بانه يسيء لسمعة العراق، ويجب التعامل مع الوقائع التي ترد في هذه التقارير، بقيمتها القانونية، أي عليها البحث والتقصي الجاد عما يرد في هذه التقارير من جرائم.
ان الوقائع والأدلة(أحيانا) التي تسطرها تقارير الأمم المتحدة من الناحية القانونية، يجب التعامل معها كونها قد تشكل حجة اتهام معتد بها يمكن الاستناد اليها او دليل ادانة او اساس لإصدار حكم ما، لاسيما ان كثير من التقارير وردت فيها وقائع تعد في قسم منها حقائق، ولو اجتمعت جميعها لأصبحت ادلة ظرفية بمرتبة الأدلة المادية المباشرة وتدل على تورط بعض الاشخاص بارتكاب جرائم جنائية خطيرة.
صحة الدليل تعتمد على مشروعية الحصول عليه:
ان المادة (5) من قانون الاثبات العراقي تؤكد التقيد بمبدأ حسن النية في تقديم الأدلة، والدليل الذي يستخلص بأسلوب غير قانوني لا يجوز استخدامه لأدانه المتهم ولكن يجوز الاستعانة به لأثبات البراءة، وتقارير الأمم المتحدة هي ليست وثائق وكليكس يطغى عليها التجسس وهذه المنظمات لها سمعتها الدولية وغطائها القانوني الدولي كونها مشكلة بموافقات اممية وتربطها اتفاقيات ومعاهدات لا يمكن القفز عليها واهمالها وتقاريرها لم يسجل انها وظفت للنيل من الاخرين، لذلك فالتعامل مع الوقائع والأدلة التي تسردها في تقاريرها ينبغي أن يكون قائما على التدقيق والتمحيص الدقيق كما فعلت البحرين والامارات والمغرب، ومن خلال فتح التحقيقات، للتأكد من الوقائع المبسوطة في هذه التقارير هل لها مصداقية، ما مرتبتها القانونية في الاثبات الجزائي، وهل تعد حجة دامغة ترتقي لإدانة اي متهم بها، ان الحكومة العراقية كعادتها وكما فعل النظام السابق قامت بإفراغ هذه التقارير من قيمته واعتباريته الحقوقية واسقطت اي قيمة قانونية لهذه التقارير، ولم تعطيها أي مرتبة بالإثبات الجزائي او حتى أهمية بالوسط الاجتماعي والدولي الذي يتأثر بهذه التقارير ويجدها محترمة وانها تقف عند حدود النزاهة والعدالة والمصداقية، ويريد ان يرى ما هي الإجراءات القانونية المفترض اتخاذها من الدولة العراقية لخطورة الامر، ليس من الصحيح ان نسلم بان ما يرد في تقارير الأمم المتحدة غير صحيح وانها مجرد ادعاءات، وهناك فرقا كبيرا بين الأكاذيب والادعاءات والحقائق، لان في ذلك اهدار لوقائع ومعلومات قد تكون بوابة لجرائم عديدة؛ لذا كان على الحكومة العراقية ان تشكل لجنة تحقيقية كما فعلت في وثائق ويكليكس وتؤكد انها على استعداد للتعاون مع الأمم المتحدة لأجل الاقتصاص ممن يثبت انهم متورطين في الوقائع التي توردها تقارير هذه المنظمات، وانها ستتخذ الإجراءات القانونية بحقهم، خصوصا هناك وقائع في تكريت ترقى الى جرائم اكدها وزير الدفاع ورئيس الوزراء وذلك يشكل وفقاً للقانون قرائن أو بداية أدلة قد تكون ثبوتية وقد تشكل في بعضها جرماً جنائياً، وتصبح حجة اتهام معتبرة وعندها تقوم المحاكم العراقية بالنظر فيها.
حينما تختلط معايير حقوق الإنسان بالسياسة والأهواء فإن أي حكم أو تقرير يصدر عن الجهات التي تدعي اهتمامها بهذه القضية يثير الكثير من الشك والريبة وهذا هو حال منظمة هيومن رايتس وتقاريرها وقد يتفهم البعض تقارير المنظمة المذكورة أو يتقبلها ويعتبرها محايدة وموضوعية وبعيدة عن تأثير السياسة وحساباتها، ومنهم من يرفضها بحجة عدم موضوعيتها.
وعلى الدولة العراقية ان لا تنسى ان هذه المنظمات التابعة للأمم المتحدة شريك أساسي في تطوير منظومتنا الحقوقية وتتشارك معنا الجهد والعمل في سبيل تحقيق مستويات أفضل لواقع حقوق الإنسان وتطوير التشريعات والممارسات المحلية بما يجعلها أكثر موائمة وتطابقا مع التشريعات الدولية، فلا يصح ان نتهمها بانها مسيسة ومشبوهة وأداة طائعة في يد بعض الدول والأنظمة السياسية.
ان علينا ان نقدم دروسا عملية واقعية مشهودا لها في حقوق الإنسان لا مجموعة كلمات متراصة خاوية المعنى والقيمة، وأن نعرف أن الخطأ الفردي يحدث في كل الأعمال وفي كل الدول ما دام السلوك الإنساني موجودا وأن تعميم هذه النماذج والحديث عنها وكأنها حالة عامة يضر بجوهر فكرة منظمات حقوق الإنسان.
ولا بد من التذكير، أن لتقارير هذه المنظمات قوة أخلاقية وليست قانونية فقط، كونها تقوم بكشف العديد من الفظاعات القانونية، التي تشكل جرائم جنائية وضد الإنسانية في بعضها وتؤشر على صور عديدة من الاستعمال المفرط للقوة، وتضع الكرة في ملعب مجلس حقوق الإنسان، والعدالة الدولية التي يجب عليها ألا تدع أحدا يفلت مهما كانت حصانته.
اتهامات منظمة هيومن رايتس ووج من الحكومات والدول:
إن الاتهامات التي ترد على منظمات حقوق الانسان الدولية كثيرة، فعندما طالعت بيانات عديدة صدرت من الدولة العراقية في زمن النظام السابق والحالي وجدتها تنحصر في مضامين وعبارات تكاد تكون واحدة، ألخصها بالآتي:
الف- انها تسعى للتدخل في الشئون العراقية بأية طريقة عبر إصدار بيانات تهاجم فيها الحكومة العراقية.
باء – انها تعمل وفق اهداف حقيقية تسعى لها المنظمة، والكيانات التي تخدمها.
جيم- هذه منظمة تعبر عن الصالح العالمي فى العالم وبالتالي همها الأكبر أن نفشل في محاربة الإرهاب،
دال- أن تقاريرها لا قيمة لها لأنها تتجاهل الكثير من الوقائع والأحداث وتركز على أشياء بعينها تتماشى مع مصالحها الشخصية-
هـاء - هذه المنظمات تعمل على خلط الأمور الحقوقية بالسياسة والقانونية وهذا غير موضوعي.
واو – تقارير هذه المنظمات لها تأثير سلبي كبير في تراجع منظومات حقوق الإنسان في العديد من الدول من خلال ممارسات مبتذلة واستغلالها قضايا وقيم ومفاهيم حقوق الإنسان بهذا الشكل الرخيص.
زاء- إن هذه المنظمات دأبت على التعاطي مع القضايا الحقوقية بمنظورها الفردي الخاص دون أي احترام للمهنية الذي هو أساس العمل الحقوقي، وهو ما يؤكد مرجعية تلك المنظمة لجهات سياسية معينة.
حاء- ان تقارير هذه المنظمات تضمنت إساءات غير مقبولة وتخرج بشكل أساسي عن الإطار المهني للتقارير الحقوقية وهي إساءات تعبر عن مدى الاستهداف المبطن الذي تقوم به المنظمة وتضفي عليه العباءة الحقوقية وهي إساءات ومغالطات غير مقبولة بشكل نهائي وتمثل خروجا فاضحا عن الأدبيات المعرفية والعلمية التي درجت المنظمات الحقوقية على إعداد تقاريرها بناء على أساسها.
طاء- أسلوب إعداد تقارير هذه المنظمات يجعل منها تقارير سياسية وتأزيمية بامتياز ويبعدها بشكل أساسي عن كونها تقارير حقوقية يهدف إلى تحقيق الخير والسلام للإنسانية، فقد صنف التقرير وبشكل مؤسف الشعب العراقي إلى طوائف ومذاهب و تعاطي التقرير مع الواقع العراقي الخاص بحقوق الإنسان من هذا المنطلق.
ياء- ان تقارير هذه المنظمات ستدفع بالاحتقان الديني والمذهبي إلى مستويات مرتفعة وسيسهم في إزكاء النزاعات والصراعات الطائفية والمذهبية في العراق تحديدا وغيرها من المناطق.
ميم - أن المنظمة تنصب نفسها من جديد حارسة وحامية لحقوق الإنسان في العالم دون ما سند قانوني أو أسس موضوعية تجعل من حكمها على القضايا والموضوعات أمرا مقبولا.
نون- ان هذه المنظمات وشبيهاتها تحول من منظمات حقوق الإنسان إلى منظمات الابتزاز السياسي واستخدام شرعيتها الحقوقية لمصلحة خدمة أغراض سياسية لابتزاز الدول.
شين- تحول هذه المنظمات الحقوقية التي من شأنها توفير دعائم ونصائح لقيم ومعايير منصفة إلى مجرد أدوات محروقة يستخدمها السياسيون واللوبيات في الخصومات السياسية، ما ينسف ميراثاً من العمل الإنساني.
وهناك تبريرات تلجأ اليها بعض الدول التي تنهتك حقوق الانسان منها مثلا:
إن كل دولة لها الحق في اتخاذ الإجراءات الأمنية الكفيلة بالحفاظ على أمنها القومي وبالتالي لها الحق في التعامل مع من تشتبه في صلتهم بالإرهاب والمنظمات المتطرفة، وكما هو معروف للجميع فإن الإجراءات الأمنية زادت في دول المنطقة جميعها في ظل تنامي خطر المجموعات الإرهابية التي تهدد الجميع، فهل ننتظر حتى تقع الكارثة أم نمنعها قبل وقوعها؟
إن القاعدة القانونية سواء أكانت دولية أو تشريعاً وطنياً أو عرفاً دولياً يعكس ممارسات الدول، هي التي تضبط وتؤطر السلوك أي الفعل أو الافعال الفردية أو الدولية وتسمح أو تحظر هذا الفعل أو الأفعال من جانب الأفراد أو الدول، فضلا عن تحديدها أيضا للجزاء الذي ينتج عن الخروقات أي الانتهاكات لهذه القواعد والأعراف المشار إليها، ومن ثم فهي ليست بمثابة مبادئ عامة ارشادية، أو قواعد آداب، أو مجاملة لا يترتب الجزاء عن مخالفتها، بيد أنها قواعد قانونية ملزمة، ونتيجة لما سبق فلا الدول ذات السيادة ومنها مصر بطبيعة الحال ولا المنظمات الدولية الحكومية ولا المنظمات غير الحكومية ومنها أيضا «منظمة هيومان رايتس ووتش» لديها أية أهلية في التحرر من هذه القواعد بحسبان انها أسس بل قيود مقيدة لأهوائها وشطحاتها، فلا تستطيع أن تخلط الباطل بالحق، أو أن تحاول لي الحقائق أو تزييف الوقائع.
يقول سيد البلغاء علي بن أبي طالب:
(أحمق الناس من يمنع البر ويطلب الشكر، ويفعل الشر ويتوقع ثواب الخير).
2165 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع