في ذكرى تقسيم فلسطين

                                               

                         د.أكرم عبدالرزاق المشهداني

في ذكرى تقسيم فلسطين 29/11/1947 لن يضيع حق وراءه مطالب


                 

يصادف يوم 29 تشرين الثاني / نوفمبر الذكرى 68 لصدور قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة (عام 1947) الجائر والقاضي بتقسيم فلسطين التاريخية الى دولتين، دولة عربية فلسطينية ودولة اسرائيل بأكثرية يهودية تبلغ نسبتها حوالي 58% والباقي عرب فلسطينيون. بعد أن كانت فلسطين دولة عربية موضوعة تحت الانتداب البريطاني من عام 1923 إلى أن سلمها قرار التقسيم بيد اليهود.
وعد بلفور:

وإذا كان "وعد بلفور المشؤوم" 1917 هو الأساس لإقامة وطن قومي ليهود العالم على أرض فلسطين، وسبقه المؤتمر الصهيوني في بازل 1897، الذي مَهَّد لإقامة دولة اليهود، فإن قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وإقامة دولة يهودية على جزء منها، يعتبر المركز "القانوني الدولي" لشرعنة الاغتصاب والاحتلال، واعتبار الاستيلاء على أراض الغير بالقوة مصدراً من مصادر الشرعية الدولية، لاكتساب الحقوق وتشكيل الدول، هذا المصدر الذي يستند إليه في تكريس احتلال أجزاء أخرى من أرض فلسطين كانت خارج المناطق الممنوحة لليهود في قرار التقسيم، ولا يزال يشكل الأساس في التعامل الدولي مع أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يجري تصوير تلك الأراضي باعتبارها "أراض متنازع عليها" وليست "وطناً مسلوباً"، ويخضع مصيرها للتفاوض بين الكيان الصهيوني وممثلين عن الفلسطينيين تحت ضغط الاختلال الكبير في موازين القوة بين الطرفين!.

موقف منافق للاتحاد السوفيتي والاحزاب الشيوعية!
كان قرار الأمم المتحدة رقم (181) 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين الذي صدر بموافقة الاتحاد السوفيتي الذي كان يدّعي صداقة العرب!، وبدفع امريكي، وبنفاق بريطاني تمثل في (امتناع) ممثل بريطانيا عن التصويت، بعد أن ضمن تمرير القرار، وليلبس لبوس الحياد أمام العرب التابعين له والمخدوعين به! برغم أن فكرة التقسيم كانت بريطانية ابتدأت بتوصية لجنة بيل عام 1937 ومن بعدها لجنة وودهود عام 1938 وتكللت من خلال تشكيل الأمم المتحدة لجنة UNSCOP التي قدمت مشروع إقامة دولتين (يهودية وعربية) على أرض فلسطين، وان تبقى القدس تحت إدارة دولية، ولكن الجمعية العامة أجرت تعديلات على المشروع بحيث أعطت 55% من أرض فلسطين لدولة اليهود، وبذل زعماء الحركة الصهيونية جهودا كبيرة لإقناع الدول المترددة، واستعانوا بالدبلوماسيين الداعمين لخطة الأمم المتحدة للتقسيم، حيث تم إقناع ليبريا والفيليبين وهاييتي بالرشوة العلنية، وتم تأمين ثلثي الأصوات، وكان عدد أعضاء الأمم المتحدة آنذاك (57) دولة صوَّتَت على القرار (56) دولة نظرا لغياب دولة تايلند (سيام آنذاك)، وصوتت (33) دولة بالتأييد لقرار التقسيم، أبرزها الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد السوفييتي!!. وصوتت (13) دولة ضد القرار وهي (أفغانستان، كوبا، مصر، اليونان، الهند، إيران، العراق، لبنان، باكستان، السعودية، سوريا، تركيا، اليمن)، وامتنعت (10) دول عن التصويت وهي (الأرجنتين، تشيلي، الصين، كولومبيا، سلفادور، أثيوبيا، هندوراس، المكسيك، المملكة المتحدة، ويوغوسلافيا).
وعندما أعلنت النتيجة انسحب مندوبو الدول العربية من الاجتماع وأعلنوا في بيان جماعي رفضهم لخطة التقسيم واستنكارهم لها، ورفضت كل الأحزاب والقوى العربية هذا القرار (عدا الشيوعيين الذين كانوا مؤيدين له!!) حيث كان موقف الاتحاد السوفيتي محيّرا بل ونفاقياً، وتبين بأن شيوعيو فلسطين (من عرب ويهود) كانوا يدعمون قرار التقسيم وأثّروا على الاتحاد السوفيتي للتصويت لصالح القرار لمصلحة اسرائيل.
وقد اعترف وزير دفاع الولايات المتحدة الأمريكية جيمس فورستر في مذكراته تعليقا على قرار التقسيم والرشاوى التي مارستها الصهيونية العالمية لشراء أصوات الداعمين للقرار بالقول: "إن الطرق التي استخدمت للضغط ولإكراه الأمم الأخرى في نطاق الأمم المتحدة كانت فضيحة!!".
ومن الجدير بالإشارة هنا إلى أن معظم اليهود استحسنوا مشروع قرار التقسيم وبخاصة "الوكالة اليهودية"، غير أن القوى الصهيونية المتشددة من أمثال "مناحيم بيغن" رئيس منظمة الأرغون الصهيونية، واسحاق شامير عضو عصابة شتيرن، رفضوا هذا المشروع واعتبروه غير كاف، وسعوا بعد ذلك إلى تجاوزه بشن الحروب على العرب بحيث تسيطر اسرائيل اليوم على حوالي 80% من أرض فلسطين.
اجتمعت الجامعة العربية الناشئة للتو، بعد صدور هذا القرار واتخذت بعض القرارات كان أهمها:
1. أصدار مذكرات شديدة اللهجة ضد أمريكا وبريطانيا.
2. إقامة معسكر لتدريب المتطوعين في قطنة بالقرب من دمشق بسوريا لتدريب الفلسطينيين على القتال.
3. تكوين جيش عربي أطلق عليه جيش الإنقاذ.
4. رصد مليون جنيه لأغراض الدفاع عن فلسطين.

وبدأ بالفعل تنفيذ القرارات بتدريب الفلسطينيين بـ"قطنة" وتشكيل جيش الإنقاذ، ولكن بريطانيا اعترضت وأرسلت رسالة تقول فيها: "إن بريطانيا تعتبر تسليح الفلسطينيين وتدريبهم في قطنة عملا غير ودي". فاجتمعت الجامعة العربية وتشاورت واتخذت قرارا بغلق "معسكر قطنة" وتسريح المتطوعين وسحب أسلحة المعسكر والاكتفاء بتجهيز جيش الانقاذ مع تحديد عدده بـ 7700 جندي وإمداده ببعض الأسلحة. أما الأموال فلم يصل إلى فلسطين إلا شيء قليل منها. عاد بعدها المفتي أمين الحسيني إلى فلسطين وبدأ يقود الجهاد المسلح ضد اليهود ومعه البطل عبد القادر الحسيني، واجتمع الفلسطينيون على قيادة المفتي الذي أراد الحصول على التأييد العربي فاتجه إلى الجامعة العربية يعلن رغبته في تكوين حكومة فلسطينية وطنية، لكن الجامعة العربية رفضت الطلب دون تبرير واضح. بل إن الملك عبد الله الأول بن الحسين ملك الأردن قال لـ غولدا مائير (وكانت وقتها ممثلة الوكالة اليهودية) أنه يعزم أن يضم إلى الأردن الجزء المخصص للعرب في مشروع التقسيم (الضفة الغربية) كما يعتزم إقامة علاقات سلام وصداقة مع الدولة اليهودية الجديدة، وختم كلامه بقوله: "كلانا يواجه خصما مشتركا يقف عقبة في طريق خططنا، ذلك هو المفتي أمين الحسيني!!".
وقام اليهود بطلب المعونات من أمريكا وبريطانيا ودول أخرى، فانهمرت عليهم الأسلحة وقدم ضباط من أمريكا وجيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفيتي لتدريب اليهود على استخدام الاسلحة الجديدة، واستعدت المنظمات اليهودية للقتال بقوام 70 ألف عنصر مسلح ومدرب. وأعلنت الدول العربية الرئيسية إرسال قطعات منها لمساندة الفلسطينيين ضد اليهود، وتحركت جموع المتطوعين من مختلف التيارات وبالأخص منها الاسلامية من مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها، ولكن النتيجة حسمت لصالح اليهود لأسباب عديدة. وارتكبت عصابات "الهاغاناه" اليهودية مجازر فضيعة ضد العرب وبالأخص منها مذبحة دير ياسين وغيرها، وانسحبت الجيوش العربية دون أن تحقق أهدافها في تحرير فلسطين من اليهود.
وأما الفلسطينيون، فقد استجمعوا قواهم في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن في الوقت الذي أعلنت المنظمة من خلال الميثاق الوطني الفلسطيني عام 1968 "أن تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام اسرائيل باطل من أساسه مهما طال الزمن.."، تراجعت من خلال وثيقة إعلان الاستقلال التي أعلنتها منظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر نوفمبر 1988 وأعلنت نوعا من الاعتراف المتحفظ على قرار الأمم المتحدة 181 بتقسيم فلسطين حيث جاء في إعلانها: "ومع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني بتشريده وحرمانه من حق تقرير المصير، إثر قرار التقسيم فإن هذا القرار ما زال يوفر شروطاً للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني".!!!!
وقد حرص قادة فلسطينيون رسميون (من السلطة والمنظمة) على تأكيد وتوضيح أنَّ فكرة إعلان قيام دولة فلسطينية (في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة) من طرف واحد (أي من جانب منظمة التحرير الفلسطينية) ليست بفكرة فلسطينية مبتدعة؛ بل هي تنفيذ لقرار التقسيم الصادر في 29/11/1947 عن هيئة الأمم المتحدة، والذي رفضته الدول العربية حينها، ويتضمن التوجه الفلسطيني للمنظمة والسلطة في السعي لقرار جديد يُصْدِره مجلس الأمن الدولي، ويُعْلِن فيه اعترافه بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، عاصمتها القدس الشرقية، وإقليمها يشمل كل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران 1967.

بالرغم من القناعة المطلقة بأن قرار التقسيم قرار مجحف وظالم، ظلم العرب (من مسلمين ومسيحيين)، إلا أننا نتفهم مطالبات السلطة الفلسطينية بإقامة دولة فلسطينية، على أي شبر يتحرر من أراضي فلسطين.  خاصة وإن الشعب الفلسطيني يقاوم ويجاهد منذ أكثر من ستين عامًا لنيل حقوقه واسترداد أرضه، وإقامة دولته، الشعب الفلسطيني يطمح بدولة كاملة الكرامة والسيادة، وأن لا تغمط الحقوق الفلسطينية الأصيلة، والدولة الفلسطينية يجب أن تكون كاملة السيادة، وإلا فإن أبسط شرط من شروط الدولة لن يكون متحققًا، ونعتقد جازمين إن على الفلسطينيين أن يوحدوا صفوفهم ويحزموا أمرهم ويستفيدوا من الضغط الدولي المساند للقضية الفلسطينية، وعليهم أن يتذكروا أن التنازلات المهينة لا تخدم قضيتهم، وبذات الوقت عليهم أن يدركوا حدود المقبول والممكن، وألا يفرطوا بقضيتهم المشروعة، في دولة بلا سيادة، ولا إرادة، ولا قرار أمني، ولا اقتصاد مقتدر.
نتمنى من الأخوة الفلسطينيين في الجانبين، الجانب الحالم الساعي للدولة الإسمية بلا واقع، دولة على كرسي الزيتون الذي صنّعوه في أريحا ونقلوه إلى نيويورك، دون امتداد وحقيقة على الأرض والواقع، أن يدركوا أن التسويات السلمية وحدها لن توصل إلى تحقيق الحلم وإن اعتراف العالم بمنظمة التحرير لم يكن إلا نتاج الجهاد والمقاومة والكفاح، وفي الجانب الآخر ينبغي على الأخوة المطالبين بـ(زوال إسرائيل) أن يدركوا الواقع الدولي، وحجم الممكن في عالم اليوم، وأن يدركوا أن الانتحار لن يؤدي إلى غاية إلا تضيع للحقوق وزيادة في الصلف الصهيوني..
علينا جميعًا ألا نغرق في الوهم وسراب الوهم، فلا العالم سيسمح (على المدى المنظور بالأقل)  بتحقيق أحلام الحالمين بإزالة إسرائيل، ولا أمريكا ولا إسرائيل ستسمح بدولة حقيقية كاملة السيادة في الضفة وغزة... وعلى الفلسطينيين أن يمارسوا سياسة واضحة وصارمة وبصوت واحد دون تفرقة ولا خلافات:
غصن الزيتون في يد، والكلاشنكوف في اليد الأخرى..
وما ضاع حق وراءه مُطالِب.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1169 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك