لأربعة عوامل أساسية تفكك «التحالف الكردي - الشيعي». فتوجهات المالكي أولا، وتضارب المصالح ثانيا، وتسرع رئاسة إقليم كردستان ثالثا، والزمن رابعا. وقد أجهزت هذه العوامل مجتمعة على أحد أهم المسارات الخاطئة للعملية السياسية، ولن يكون سهلا على رئيس الأغلبية اتخاذ قرار بالعودة إلى التحالف، لبلوغ الوعي مرحلة متقدمة، ولأن التفكك جاء من الداخل وليس بكفاءة مناورات الطرف الثالث، الذي جرى تحميله مسؤولية كانت أطراف من التحالف مشاركة فيها بامتياز.
«شريحة» صغيرة متنفذة من سياسيي الكرد رفعت سيف التلويح «بحملات القمع» ويستفزها التنسيق مع أي فريق كردي غيرها! وشريحة معينة من الشيعة رفعت سيف التلويح «بقمع الانتفاضة الشعبانية»، وناورتا بقصص الاجتثاث. والشيء الوحيد الذي لم يكن ممكنا التلويح به هو الحرب مع إيران، لأن وضع الملف على المسار الذي وضعت فيه قصص أخرى يرتب على العراق ما يجعل البسطاء حتى من «المشحونين» يخرجون إلى الشوارع ثائرين على ممثليهم، فينقلب السحر على الساحر. وولى زمن الابتزاز السني بصبغة الصفوية والشعوبية. لقد قاتل قسم من الكرد ومن الشيعة إلى جانب القوات الإيرانية. وهذا يشمل بامتياز محاولات بعض «قيادات» عرب سنة العراق الحيدان عنه لمصلحة طرف كردي معني بالتصعيد. وحان الوقت لتذكير بعض البعثيين لكي لا يكونوا عاطفيين بتسويق هذا الطرف، لأن التسويق على هذه الشاكلة يؤذي وحدة البلاد ومستقبلها، وقصة صلاح الدين الأيوبي لا تتكرر حاليا. ويفترض الجنوح إلى التفسير المنطقي لطبيعة المعضلات المركبة، التي تضخمت بعد حرب 2003، والذين ضخموها من الشيعة ومن سنة العرب بدأوا يشعرون بالندم أو بخطأ توجهاتهم السابقة على الأقل.
الموقف على الساحة العراقية مفتوح على كل الاحتمالات، ومنها احتمالات استخدام القوة على قلتها؛ فالحاكم المركزي أبدى اهتماما بفرض سيطرة الدولة، ومعظم السياسيين من العرب مضروبون على رؤوسهم، ولم يعد لهم وزن وتوازن، ومن علامات ذلك الجنوح إلى السكوت كأنهم أصيبوا بالخرس. وغاب صوت تجار الأزمات الذين أثروا على حساب الشعب، فلم نسمع لهم صوتا ولو من باب الوساطة، فحان وقت متابعة هؤلاء.
ويبدو أن المركز منزعج مما أحاط قصة الصفقة الروسية من فساد أثر على توريد سلاح كانت تشكيلات الجيش في حاجة إليه. وهو توجه ساهمت فيه رئاسة إقليم كردستان بنقلها صورا استفزازية لزيارة رئيس الإقليم للقوات الأمامية على خطوط التماس. وعندما يجري تحديد رئاسة الإقليم، ففي حقيقة الحال أن الموقف الكردي ليس موحدا حيال الأزمة مع المركز، حتى لو قالوا خلافه؛ فقوات البيشمركة التي زارها بارزاني تقع ضمن مناطق نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني ومركز ثقله الأساسي في السليمانية، والذي يتبنى نهجا حواريا بناء بعيد الأمد. فيما يلاحظ من جانب آخر حرص رئاسة الإقليم على تهدئة الموقف في سهل نينوى الواقع ضمن مناطق نفوذ حزب بارزاني، تجنبا لاستفزاز أهل الموصل ورئيس البرلمان. وهنا تظهر مناورة حساسة جدا ضمن الساحة الكردية. علما بأن أجواء آخر لقاء جمع بين الرئيس طالباني ورئيس الوزراء المالكي، قبيل ساعات من المفاجأة الصحية المحزنة لطالباني، كانت ودية وصريحة.
وتأسيسا على ما ورد مؤخرا من تعبيرات عسكرية على لسان المالكي، خصوصا ما يتعلق بالمفهوم التنفيذي للأوامر العسكرية، فقد حان الوقت لقرارات جريئة برد الاعتبار للجيش السابق وللرموز الوطنية، حتى من البعثيين السابقين، وإطلاق تعيينات الشرطة والجيش في مناطق الأغلبية العربية السنية، حتى لو كان في القرار نوع من البطالة المقنعة، فالناس هناك يحبون الأمن والعسكر، وطالما هم مفتوحون أمام المركز، وطالما بقي الهدف تعزيز الأمن، فلا ضير من خطوة ضرورية كهذه.
مطلوب رؤية تدفق قوي للمشردين العراقيين من سوريا وغيرها، ولكبار الضباط، فهؤلاء خزين العراق الدفاعي. وزمن الانقلابات ولى، لكن زمن العسكرة لم يول إن كان الهدف فيه يتوخى الإنصاف، الذي يعتبر سيد القوانين. ومن المنطق أن تتحول الأحزاب الدينية - وكلها مذهبية - إلى أحزاب وطنية، فالعيب أن تتحول المذهبية إلى طائفية سياسية. وهكذا أصبح لزاما فهم أبعاد المرحلة الحالية، أما زمن الابتزاز للدولة وللأفراد فولى، لأن عيوبه تكشفت، ومن الحكمة الاستفادة من الخبرات وطي صفحات ماض شارك فيه الجميع بشكل ما، ولو بالعدوى.
1186 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع