أ.د. ضياء نافع
يسمونها في المصادر العربية بشكل عام – الامبراطورة الروسيٌة كاترين الثانية , او كاثرين في بعض المصادر الاخرى , وذلك ترجمة عن اللغتين الانكليزية والفرنسية طبعا, ولكن اسمها في المصادر الروسية كافة – يكاترينا , او الامبراطورة يكاترينا الثانية ,
لهذا فاننا احتفظنا في مقالتنا هذه باسمها كما هو بالروسية لأنها امبراطورة روسيٌة قبل كل شئ , ولا نظن ان هناك ضرورة بتاتا عند الحديث عن هذه الامبراطورة الروسيٌة بلغتنا العربية ان نغيٌر اسمها و نضع اسما آخر لها , لمجرد ان هذا الاسم قد استخدمه المترجم الانكليزي ( س ) او المترجم الفرنسي ( ص ) في زمن ما , لأن ذلك الاسم يتناغم , اوينسجم , او يتطابق مع هذه اللغة الاوربية او تلك , مثلما استخدم الكثير من المترجمين العرب - مع الاسف الشديد طبعا - اسم ( ليو ) او( ليون ) للكاتب الروسي العظيم تولستوي, بدلا من اسمه الروسي الحقيقي والاصيل باللغة الروسية , وهو - ( ليف ) بفتح الياء.
ض.ن.
+++++++
حكمت الامبراطورة يكاترينا الثانية روسيا اربع وثلاثين سنة باكملها في القرن الثامن عشر ( علما انها ليست روسٌية اصلا!!!). تعد هذه السنوات أطول فترة حكم لامرأة في تاريخ الامبراطورية الروسيٌة عبركل التاريخ الروسي, وقد ابتدأت فترة الحكم هذه عام 1762 وانتهت برحيل يكاترينا الثانية من الحياة عام 1796 .
يرتبط اسم هذه الامبراطورة في التاريخ الروسي بالكثير من الاحداث الكبيرة والمصيرية لروسيا , وفي المجالات كافة , ومنها طبعا الحياة الثقافية الروسيٌة بشكل عام , ويكفي فقط ان نشير الى ان يكاترينا الثانية قد وضعت اسس متحف (الارميتاج) في مدينة بطرسبورغ الروسية , الذي يعد الآن واحدا من أعظم متاحف العالم , وكذلك وضعت اسس المكتبة العامة في نفس تلك المدينة, والتي اصبحت في الوقت الحاضر ايضا واحدة من أشهر وأكبر المكتبات العامة في روسيا , و كانت يكاترينا تقول عن نفسها انها فيلسوفة جلست على عرش روسيا , ومن الطريف هنا ان نشير ايضا , الى ان الحكومة الحالية في دولة روسيا الاتحادية قد أعلنت في اواسط ابريل / نيسان من هذا العام ( 2016) عن قرارها باعادة نصب تمثال يكاترينا الثانية في جزيرة القرم , وهو التمثال الذي ازالته السلطة السوفيتية عندها , والذي تم تدشينه عندما انتصرت يكاترينا في حربها مع الامبراطورية العثمانية , واصبحت جزيرة القرم عندئذ جزءا من الامبراطورية الروسية .
نود ان نتناول بايجاز في مقالتنا هذه مساهمات الامبراطورة يكاترينا في مسيرة الثقافة عموما والادب الروسي بالذات. المقالة هذه ليست سوى ملاحظات أولية حول هذا الموضوع الكبير والمهم جدا , اذ لا يمكن لهذه السطور ان تتحدٌث – وكما يجب – عن تلك المساهمات المتعددة كافة ليكاترينا الثانية في مجال الثقافة الروسيٌة من أدب و مسرح وموسيقى وفن تشكيلي و معماري ...الخ , او حتى ان ترسم – بشكل عام - صورة متناسقة و متكاملة لدور تلك النشاطات الثقافية المتعددة و قيمتها واهميتها في تاريخ روسيا الفكري.
النقطة الاولى التي تستحق التوقف عندها هنا قبل كل شئ من وجهة نظرنا – هي مساهمة يكاترينا الشخصية في المراسلات الواسعة مع كل من الاديبين الفرنسيين الكبيرين - فولتير وديدرو , وهذه ظاهرة جديدة بكل معنى الكلمة في التاريخ الروسي وفي عملية التفاعل الفكري بين روسيا والغرب الاوربي , والتي يتوقف عندها كل الذين كتبوا عن يكاترينا او تناولوا تاريخ تلك المرحلة في مسيرة روسيا , وذلك لانها خطوة بارزة ومتميزة فعلا حققتها هذه الامبراطورة . لقد كانت هناك بالطبع اتصالات متنوعة وواسعة مع اوربا الغربية في مسيرة التاريخ الروسي , ولكن لم تكن هناك مراسلات فكرية وشخصية كما قامت بها الامبراطورة يكاترينا مع فولتير وديدرو. لقد اصبحت يكاترينا ( نتيجة مجمل اصلاحاتها ومسيرتها في تاريخ روسيا طبعا ) واحدة من اعمدة (حركة التنوير المطلقة ) كما يسمونها في تاريخ اوربا القرن الثامن عشر , و هكذا أطلق عليها فولتير عبارته المشهورة عالميا وهي – ( مستبد عاقل خير من مستبد جاهل ) .
النقطة الاخرى التي تستحق التوقف عندها , والتي يمكن ان نسميها ايضا -( النقطة الاولى مكرر ) هي – المساهمات الشخصية للامبراطورة يكاترينا في حركة التأليف الادبي الروسي . لقد أبقت يكاترينا للاجيال الروسية اللاحقة مؤلفات عديدة تتضمن مذكراتها ويومياتها , وترجمات قامت بها , وحكايات و اساطير , ومجموعة من المسرحيات الكوميدية ( منها – آه يازمن / السيدة فيستنيكوفا وعائلتها / العروس غير المرئية ...) , ومقالات عديدة , ونصوصا لخمس عروض للغناء الاوبرالي ( تم تقديمها في مسارح بطرسبورغ في تلك السنوات وبشكل مهيب و ديكورات فخمة جدا تليق بامبراطورة روسيا طبعا ) . ساهمت يكاترينا ايضا في الكتابة للصحافة الروسية , وبالذات في المجلة الاسبوعية الفكاهية ( فسياكيه فسياجنه ) والتي لم أجد تعبيرا افضل من ترجمتها باللهجة العراقية الى ( كل شي وكلاشي / كشكول .. ) , اذ ان ترجمتها بالعربية الفصحية لا يمكن ان تعطي نكهتها وجوهر معناها , وهي - ( اشياء متنوعة / منوعات مختلفة / شئ من كل شئ .. ) . لقد حاولت الامبراطورة ان تساهم عبر هذه المجلة بتوجيه الرأي العام الروسي والتأثير عليه , واطلقت على هذه المجلة تسمية – (هجاء بروح مبتسمة ) , وهو تعريف دقيق وجميل فعلا لهذه المجلة ودورها في المجتمع الروسي آنذاك .
لا يعرف تاريخ روسيا قيصرا ساهم في حركة التأليف الادبي والفني الروسي مثل يكاترينا , رغم ان هناك رأي في مسيرة التاريخ الروسي مضاد لها بشكل خاص , ومضاد لكل القياصرة عموما ( ولهذا أزالوا تمثالها من القرم ! ), و يشير انصار هذا الاتجاه الى قضية حدثت في عهدها , وهي - اضطهاد الكاتب الروسي راديشيف – مؤلف كتاب ( رحلة من بطرسبورغ الى موسكو ) وعزله وسجنه ...الخ تلك الاجراءآت التعسفية , التي اتخذت ضده ( انظر مقالتنا بعنوان – راديشيف وكتابه رحلة من بطرسبورغ الى موسكو ). يتحدث انصار هذا الرأي ايضا حول مسألة اخرى , وهي ان يكاترينا لم تكتب كل هذه النتاجات شخصيا , وانما استخدمت الادباء الروس الآخرين للكتابة باسمها , و يحاول هؤلاء اثبات رأيهم هذا , ويشيرون في هذا الخصوص الى ان هناك اختلافات واضحة في اسلوب تلك الكتابات , ويستنتجون بالتالي , ان هناك عدة اشخاص ( وليس شخصا واحدا ) كتبوا هذه النتاجات , ولكن هذا الامر لا زال غير محسوم في التاريخ الفكري الروسي لحد الان, وهو يحتاج بالطبع الى دراسة موضوعية هادئة ودقيقة ومحايدة تعيد من جديد تقييم كل هذه الاراء وتنقيتها من النظرة الاحادية السياسية الضيقة , ولكن حتى لو كان هذا الامر صحيحا كما يقولون , فانه يعني من جانب آخر ايضا , ان الامبراطورة يكاترينا كانت تولي هذا الموضوع اهتمامها الخاص , وانها كانت تتمنى وتحاول وتهدف الى ان تساهم شخصيا في حركة الادب الروسي وتفعيله .
1249 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع