علاء الدين الأعرجي
محام/مفكر عراقي متخصص بتخلف العرب الحضاري
طرحنا في المؤلفات الأربعة التي صدرت في العام الماضي فرضية/نظرية قد تكون جديدة على الفكر العربي، وطلبنا من القراء الكرام بيان رأيهم فيها. وموجز النظرية أن العقل المجتمعي هو سلطة قاهرة تتحكم بتصرفات وآراء أفراد ذلك المجتمع، دون أن يشعروا بوجودها، بل يعتقدون أن تصرفاتهم وآرائهم نابعة من محض إرادتهم. وتنطبق هذه النظرية على جميع المجتمعات في كل زمان ومكان.
الإسلام والعقل المجتمعي البدوي
مع ظهورِ الإسلام وانتصارِه، حدثَتْ ثورةٌ حقيقيَّةٌ حاولَتْ تغييرَ معظمِ الأعرافِ والتقاليدِ والقِيَمِ والمبادئ، وبالتالي تغييرَ "العقل المجتمعيِّ" البدوي الذي كان سائدًا في العصر الجاهليّ. بَيدَ أنَّ كثيرًا من تلك القِيَمِ البدويَّة أو الجاهليَّة ظلَّ متجذراً في ذلك العقل، إمَّا ظاهرًا بوضوح، أو كامنًا يظهرُ بين الفَينةِ والفَينة.
فقد تجلَّتِ القِيَمُ العشائريَّة، مثلاً، من خلالِ ظاهرةِ الصراعِ على السلطة، بين الأمويين والهاشميين(كما يقول أحمد أمين) أو في حالاتِ تفعيلِ الانتماءِ العشائريِّ أو التعصُّب القَبَليّ التي حَرَّمَها الإسلام: إذ جعلَ الذين كفروا في قلوبِهم الحميَّة حميَّةَ الجاهليَّة فأنزلَ الله سكينتَه على رسولِه وعلى المؤمنين وألزمَهم كلمة التقوى (سورة الفتح، 26)؛ وفي الحديث"ليس منَّا مَن دَعا إلى عصبيَّةٍ أو قاتلَ عصبيَّةً"، و قال الرسول (ص) في خُطبة الوداع: "إن الله أذهبَ عنكم نخوةَ الجاهليَّة وفخرَها بالآباء، كلُّكم لآدمَ وآدمَ من تراب، ليس لعربيٍّ على عَجميٍّ فضلٌ إلا بالتقوى."
ولكنَّ العقلَ المجتمعيَّ كان أقوى من التشريع ومن التعاليمِ الدينيَّة، كشأنِه في معظمِ المجتمعاتِ الأخرى، إن لم يكنْ جميعها. يقولُ أحمد أمين: "إلى أيِّ حدٍّ تأثَّر العربُ بالإسلام؟ وهل امَّحَت تعاليمُ الجاهليَّة ونزعاتُ الجاهليَّة بمُجَرَّدِ دُخولِهم في الإسلام؟ الحقّ أن ليس كذلك، وتاريخُ الأديانِ والآراءِ يأبى ذلك كلَّ الإباء ..."
ويواصل صاحبُ "فجر الإسلام" حديثه قائلا: "ولمَّا وَليَ الأُمويُّون الخلافة، عادتِ العصبيَّةُ إلى حالِها كما كانت في الجاهليَّة، وكان بينهم وبين بني هاشم في الإسلام كالذي كان بينهم في الجاهليَّة... وعاد النـزاعُ في الإسلام بين القَحطانيَّة والعدنانيَّة، فكان في كلِّ قُطرٍ عداءٌ وحروبٌ بين النَّوعين." ويُسهبُ أحمد أمين في ذِكرِ الحروب التي قامَت بين الأزْد وتَميم، و بين كَلب وقَيس (يمنيّين وعدنانيّين) وغيرهم بعد الإسلام.
وهنا يَظهر الصراعُ بين عقلٍ مجتمعيٍّ تقليديٍّ قديم وعقلٍ مجتمعيٍّ تقدُّميٍّ أكثرَ حداثة. فقد جاء الإسلامُ بنظامٍ متكاملٍ وبمبادئَ جديدة، ورسمَ للحياة مُـثلاً عُليا ووسائلَ خاصَّةً لتحقيقها تختلفُ عن تلك التي كانت معروفةً في العصر الجاهليّ؛ في حين كان العقلُ المجتمعيُّ العربيُّ مشحونًا بالتراثِ القديم، ومعظمُه يحفلُ بقِيَمِ البداوة المتجذِّرة فيه.( بل قالوا إنَّــــا وجدنا آباءنا على أُمّة وإنـّــا على آثارهم مهتدون ).
علماً أن العقل المجتمعي البدوي المتخلف ظل ينخر في صرح الحضارة العربية الإسلامية، حتى العصر الحديث، حيث وصلت بقايا شعوب تلك الحضارة إلى أدنى مستوياتها، بل إلى حدٍّ أصبحت آيلة إلى الانقراض.ولئن نمعن النظر في الحروب القائمة في بعض البلدان العربية ولاسيما في سوريا والعراق واليمن، لأدركنا أنها حروب طائفية.
انظر كتاب "الأمة العربية بين الثورة والانقراض
انظر كذلك: الأمُّة ُ العربيَّةُ الـمُمَزَقةُ بين البداوة المتأصلة والحضارة الزائفة وجميع كتاباتي متوفرة على الإنترنيت مجاناً.
3574 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع