مصطفى العمري
قبل الخوض في هذا الموضوع , دعني أسألك أيها القارئ العزيز : أيهما أفضل و أقدس المسلم أم الاسلام ؟ و قبل أن تسترسل بالقراءة يجب ان تحدد جوابك و بوصلتك .
صعّرَ بعض المتشددين الاسلاميين من لهجتهم ( الاسلام هو الحل ) حتى غدا هذا الشعار سيمفونية تتردد على شفاه البسطاء دون التمعن بحيثياته و مضمونه , هكذا تُمرر قضايا و مشاريع كبيرة من خلال عناوين واسماء كبيرة ايضاً . هتفت معظم الشعوب العربية و الاسلامية بهتافات ببغاوية دون اي اكتراث او مراجعة لماهية هذا او ذلك الشعار , فبالوقت الذي يصرخ فيه أنصار سيد قطب (الاسلام يقود الحياة) يرتد عليهم صدى الاسلام العراقي المتأثر بثقافة الاخوان المسلمين ( الاسلام من طنجا الى جاكرتا ) بالوقت ذاته ينفعل الاسلام السعودي و يتفاعل و يُفعّل حركته التوسعية في البلدان العربية و الاجنبية , حاملاً سيفاً و قنبلةً و رايةً كتب عليها بثقة عالية ( لا إله إلا الله ) تحت تلك الراية سقطت رؤوس بني البشر غير المؤمنين بهذه الدعوة . في ايران تتمدد سلطة الولي الفقيه لتغزو بلداناً و تحتلها بذريعة الإله او التبشير الاسلامي , ولا مانع من سيلان الدماء تحت يافطة كتب عليها (الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ..العنكبوت اية 69) .
أطنب المجتمع العربي بإيمانه بالشعارات و الصور و الايماءات الاتية له من بعض رجال الدين, حتى فقد ميزة التفكير من كثرة الاحباطات و التوصيات الاجتماعية و الدينة , و لهذا السبب بات لم يعبأ بالاخر الذي لا يشاركه فكرته او بالخصم الذي يتبنى الفكرة المغايرة له. فقدت أغلبية المجتمعات العربية,المجس الانساني او الشعور بالمختلف , و تمسكت بالفارغ من الاسم فقط .
معظم مجتمعاتنا الاسلامية ترى ان الاسلام أهم من الانسان ! و هذا التفكير قاد حشد من المتطرفين الى قتل الانسان الذي لا يؤمن بما يؤمنون به هؤلاء المتطرفين , قُتِل الانسان لأنه يسأل و يكتب و يشكك و يبحث, قُتل الانسان لأنه أساء لرمز او لأنه تهكم على فكرة او لأنه يعتبر الحقائق غير مكتملة المعالم و الدلائل . مشروع قتل الانسان لا يحرك بالمبرمجين شيئاً لكن الاعتراض او التشكيك على فكرة إبتدعها الانسان و اختلقها و حولها الى دين باسم الدين ,بالتأكيد سيثور لها كل الدهماء و المعطوبين فكرياً .
أنظروا معي الى المساحة الجغرافية للوطن العربي , ستجدون الدمار و القتل و التفجيرات و الرايات السوداء و الرؤوس المتدحرجة و الجحافل المتحركة و الجثث الملقية على الطرقات , كل هذا المنظر لم يحرك بالواقع العام للشعوب العربية , ولم نسمع ان ثورة قامت ضد الثورة ,لأن اغلبية المسلمين يعتقدون ان الدين الذي هو نصوص منقولة عبر وسائل غير أمينة, أهم من المسلم و أقدس من الانسان في هذه الحالة يتحول العقل من الحركية النشطة الى عضو خانع خلف النص الديني الجامد , عندها ينتكس هذا الخانع لكي يرى ان الاخبار المنقولة بصفحات الكتب القديمة , أهم و أقدس من جميع بني البشر . لم ينتبه المسلمون ان الاديان تأتي من أجل الانسان و في خدمته و لرقيه و صفاء نفسه و ليس العكس كأن تأتي للقتل و التحريض و الألغاء و سيلان الدماء بذريعة الحفظ على الدين !
رقدت معظم مجتمعاتنا على وهمية الشعارات و قدسية النص و نامت دون إكتراث بما هو عليه العالم . الناس نيام ينتبهون عندما يقوم شاذ هولندي برسم كاريكاتير للنبي محمد , فيهبون و يحرقون و يقتلون . ينتبهون عندما يقوم طالب شهرة متسكع فارغ من فلوريدا, بحرق القرآن الكريم , فتخرج المظاهرات في جميع البلدان العربية .
نيام عندما تقوم داعش بقتل آلاف من الشباب , ينتبهون عندما يسحق احدهم راية داعش التي كتب عليها اسم الله . نيام عندما تغتصب النساء باسم الاسلام , ينتبهون عندما لا يعرف أحدهم الغُسل الاسلامي بعد الاغتصاب . نيام عندما تُنحر الشباب و الاطفال , ينتبهون عندما يسمعون همس إمرأة .
ليس المهم الاسلام , دعني أُكررها , ليس المهم الاسلام , بل المهم المسلمون نوعيتهم , صدقهم , انسانيتهم ,تعاملهم مع الناس , اريحية عقولهم .
الذي اريد قوله هنا ان الانسان أهم من الاديان و أهم من المعابد و المساجد , الانسان هو ثروة الله في الارض وكل المفاهيم الكونية جاءت في خدمة الانسان .
وفي جدلية الدين و الانسان التي ستستفز عقل البعض , يمكن ان نطرح اسئلة مهمة في أيهما أولى بالحفظ و الاهتمام .
و إذا ما اعترض معترض بان الاسلام أهم من الانسان , فسنقول له عن أي اسلام تتحدث , السني , الشيعي , الاباظي , السلفي , الصوفي؟ ثم حتى داخل تلك المسميات هناك طرق و تعبدات مختلفة , اذا كنت تدافع عن الاسلام السني فهل تعتبر الاسلام الشيعي اسلاماً ؟ و نستطيع ان نسأل كل هذه الفرق نفس السؤال .
أيها القارئ الكريم , هذه الفرق المتشظية, فيها نسبة من الاسلام الاصلي و ليست هي كل الاسلام , أما أنت فإنسان مسلم و لا يمكن المساس بهويتك الانسانية , التي هي أكبر و أعظم من الهوية الرمزية التي إختلقها لك بعض المستفيدين و المحاولين تعطيل القدر الاكبر من خلاياك العقلية , لكي يوهموك ان الله سيعذبك و يحرقك و يشوي لحمك في حال فكرت او تساءلت في أيٍّ من قضايا العقيدة.
في كتابه الدين و الظمأ الانطلوجي يقول الدكتور عبدالجبار الرفاعي ( ليست المهمة الاصلية للاديان رسم صورة مرعبة لرب العالمين و تحويل الدنيا و الاخرة الى سجون أبدية و وضع الكائن البشري في قلق متواصل و زرع الخوف في قلب الانسان ص150)
عندما يشخص الطبيب مرضاً يجده في المريض لا يعتبر ذلك الطبيب متجاوزاً او محبطاً ، يمكن ان نصفه عارفاً مدركاً مشخصاً ، حتى ولو لم يصف الدواء لكنه تمكن من اكتشاف الخلل , هنا استطيع ان أقول انني أهتم بالمسلم أكثر من الاسلام و بالانسان أكثر من الاديان ,لا ادعو للتقارب بين الاديان و الطوائف لكني ادعو ارباب الدين لكي يشذبوا أديانهم و يرفعوا منها و عنها المصدوء و الرديء و السام القاتل.
انا ادعو الانسان ان يحرك عقله الخاص و لا يستعيض بعقل غيره ، يفكر هو بدل ان يُفكر عنه ، يدرس حركته التعبدية بدل الاتكاء على الآخرين.
عندما نفكر باستقلالية فتأكدوا اننا سنلتقي بدون مؤتمرات و نحب بدون تكلف .
عندما يشتغل العقل سيتمرد على السراب و سيسحق الوهم
و ستكون الواقعية هي الأصل بدون حواجز التاريخ و سيكون الانسان هو المهم و سينتعش التدين بتفعيل العقل مع الدين . و كما يقول الامام مالك إستحسان الناس للاشياء هي الدين .
اذن كفانا صراخاً الاسلام يقود الحياة ! الاسلام هو الحل ! و اتركوا المسلم يتحرك بعقل منطلق غير مقيد او مؤدلج .
يجب ان تكون المرحلة المقبلة هي : المسلم و مشروع النهضة , لأن الاسلام أضحى نصوص تتعارك عليها الملل و الطوائف أيهما الاصدق و الاكثر جرحاً و تعديلاً و توثيقاً و الحمدُ لله الجميع يدعي ذلك. الاسلام اصبح إسلامات و قراءات متعددة و رؤى مختلف عليها و قضايا نُحر بسببها طوابير من البشر , الاسلام متعدد لكن الانسان واحد , الاسلام نص جامد لكن المسلم كائن متحرك , نصوص الاسلام قديمة لكن عقل المسلم حداثوي يتطلع نحو المستقبل.
تمكين النص من العقل توهين و إهانة للانسان وها نحن نشهد على تاريخ يمضي به اصحاب النص بقوة للايغال في طمس اي انبثاق فكري او علمي . اذن المسلم أهم من الاسلام .
632 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع