حكومة الأغلبية والمصير المؤجل

                                        

                                             د.مؤيدعبدالستار

بعد انسحاب وزراء القائمة العراقية من الحكومة او مقاطعتهم لاجتماع مجلس الوزراء حصلوا على اجازة اجبارية لمدة شهر من رئيس الحكومة وبذلك انزاح من قمة السلطة التنفيذية أحد اضلاع مثلث الحكومة التي تتألف من التحالف الوطني والقائمة العراقية والكوردستاني .

وبنقل السيد رئيس الجمهورية الى المانيا للعلاج ، واعلان الناطق باسم الاتحاد الوطني ان علاج الرئيس سيطول ، تكون الرئاسة قد فقدت قمة الهرم المتمثل بالسيد رئيس الجمهورية ، وقبل ذلك انـسلخ الضلع السني من المثلث اثر هروب السيد طارق الهاشمي الى تركيا  ما ترك المثلث الرئاسي يقف على ضلع  واحد فقط هو الضلع الشيعي ، ليصبح بذلك عاجزا عن اتخاذ اي قرار او المساهمة باي نشاط رئاسي او حكومي او شعبي ، حتى على مستوى استقبال وتوديع الضيوف بدا السيد نائب رئيس الجمهورية  خضير الخزاعي  غائبا عن الساحة ، ولم يشاهد في زيارة لاية محافظة او موقع ، سوى زيارة الاربعين  والتي قيل انه استخدم فيها طائرة الهليكوبتر الرئاسية وكان ذلك مدعاة نقد من قبل البعض .
إن مسيرة العراق كدولة مفترضة لا يمكن أن تستمر على هذه الصورة المهشمة ، فالعراق ان تركنا الدولة ، ونظرنا اليه كحكومة فقط ، لن يكتمل نصابها الا بتـمثـيلها للعراقيين  جميعا ، والذين لا يختلف أحد على انهم المسلمون ، المسيحيون ، الايزديون ، الصابئة ، العرب ، الكورد ، التركمان ، الاشور ، الكلدان والاثور ... الخ .
تحت تلك المسميات تفصيلات فرعية أكبرها المكون الشيعي يليه المكون السني الذي لا حكومة في العراق دون اشتراكهما فيها معا ، وان كان التعلل بان الحكم الملكي او البعثي لم يكن يضم الشيعة فان ذلك فيه تأويل وتفسير يطول شرحه في هذا المقال ، وقد فصل فيه الكثير من الكتاب والمحليين والباحثين حين درسوا حكومات العراق بدء من النظام الملكي وانتهاء بالنظام البعثي الذي امتد نحو اربعة عقود ، ومن أهم الدراسات ما تناوله الباحث حنا بطاطو، والراحل علي الوردي  والرائد عبد الرزاق الحسني وان لم يكن شارحا ولكن في كتابه وتوثيقه للوزارات العراقية خير معين للراغب باستقراء الوثائق واستنتاج منها ما يشفي الغليل في طبيعة تلك الحكومات.
ولا ننسى ما كان للادارة البريطانية في العهد الملكي من طرق حديثة في ادارة العراق وتنظيمه وتوجيه بوصلة علاقاته الداخلية والخارجية ما جعل بقية المكونات العراقية مثل الشيعة والسنة والمسيحيين وغيرهم أقـل تأُثيرا في ادارة ملفات الحكم ، لذلك لم تكن هناك صراعات كبيرة  بين المكونات على أساس استحواذ فريق دون آخر على الكعكة كاملة ، فقد كانت الانظار تتجه نحو البريطانيين المستعمرين  : المسـز بل وطاقمها ، وفيما بعد السفير البريطاني واعوانه ، مما خفف غلواء الصراع بين المكونات العراقية ، بينما نرى ما يحدث اليوم هو محاولة الاستيلاء على الكعكة من قبل مجاميع تتسلق كرسي الحكم باسم مكونات عراقية دينية او قومية ، طائفية او مذهبية ، كي  تستأثر بالثروة النفطية ، ثروة البترودولار الهائلة التي لم يشهد العراق مثيلا لها  في تاريخه ابدا .
إن خروج وزراء العراقية من الحكومة سيفرض واقعا جديدا ، هو بقاء الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال كونها حكومة أغـلبـية شـيعـية  لاوجود للمكون الرئيس العربي السني فيها ، اضافة الى ان مشاركة الكورد متوترة لدرجة كبيرة وانـتـقـل الصراع بين الحكومة والاقليم  الى العلن بعد التصريحات المتشنجة  المتبادلة بين السيد رئيس الوزراء والسيد رئيس الاقليم  التي حاول السيد رئيس الجمهورية مام جلال تجميدها قبل مرضه  ، ولكن غيابه سمح للخلافات ان تبرز للعلن ،  وهذا بالضبط ما يحتاجه الصراع الحالي ليأخذ مديات أبعد  ويصبح الجميع مشتركا في معركة سحب النار الى قرصه ، كل طرف يحاول استخدام اقصى ما يملك من طاقة قبل أن تفوته فرصة الاستحواذ على اكبر قدر ممكن من السلطة .
هذا الصراع على السلطة دون أخذ مصلحة الوطن والشعب بالحسبان سمح في تدخل اطراف كثيرة لها أهداف في السيطرة على مستقبل العراق ، من أجل :
اولا : التحكم بجـغرافـية العراق وحدوده  للسيطرة على طرق تصدير النفط والتجارة ، ومثال ذلك  خطوط انابيب نقل النفط المقترحة مع سوريا والاردن وايران ، اضافة الى تلك الموجودة مع تركيا ، وكذلك ميناء الفاور الكبير والميناء المنافس له ميناء مبارك ، ولا ننسى موانئ بندر عباس والامارات والخليج عموما والتي ستصبح بعد اعوام قليلة موانئ استراتيجية لنقل النفط والتجارة مع العالم والرابط الاساس بين اسيا واوربا وافريقيا ، لذلك بدأت تنشط العصابات الدولية على سواحل العديد من البلدان المطلة والقريبة من القرن الافريقي والخليج ، وصار للقرصنة الحديثة - الموجهة عن بعد - نظامها  ونشاطها الذي سـيـتسـع ويمتد الى سواحل اخرى جديدة  قد تصبح أقرب الينا مما نتصور .
ثانيا : السيطرة على الثروة النفطية العراقية الهائلة ، وسيتم ذلك بمساعدة شركات النفط الكبرى ، ومساهمة دول المنطقة المتحالفة معها ، من أجل تقاسم حصص النفط المنتج ، والتحكم بالثروة النفطية وتوجيهها نحو المشاريع الاستهلاكية الربحية على شاكلة المشاريع الخليجية ، من عمارات وفنادق وسباق خيول وشركات طيران سياحية الى هاواي والكناري وهونلولو .
ثالثا : اخضاع الكتلة البشرية الهائلة  في العراق والتي ستزيد على الخمسين مليون نسمة خلال السنوات العشرة القادمة ، والاستفادة منها في صراعات المنطقة الاقليمية على طريقة حرب الثمانية اعوام مع الجارة ايران ، وربما اعادة سيناريوهات سابقة تحت مبررات جديدة ، وارهاب الدول الضعيفة ايضا التي تحاول مجتمعاتها التنعم بثرواتها الهائلة .
رابعا : ازاحة النفوذ الروسي والقضاء عليه نهائيا من خلال اشعال صراع كبير في المنطقة يجري بالتدريج وبقوى شعبية هلامية لا يمكن التعرف او وضع اليد عليها مثل القوى التي حاربت الاتحاد السوفيتي في افغانستان  تحت راية الاسلام  التي لاينضب معين اسمائها المستمدة من القرأن والسنة .
خامسا : اهمال وعرقلة أي تقدم تكنلوجي او علمي او ثقافي في العراق ، وجعله مزرعة عاجزة عن توفير الطعام لسكانه ، وتركهم يلهثون خلف البطاقة التموينية  حتى تنهك قواهم ويفقدون أي أمل في الانتقال الى مصاف البلدان المتقدمة كي لا يتمكنوا من القيام باي نشاط او عمل يهدد الانظمة المتـنعمة بالثروات النفطية والتي ستكون على غرار حكم  الاباطرة  تستند  الى سلطة شـيخ القبيلة  والمفتي .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

598 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع