محمد ضياء العقابي
ورد في مقال للسيد كفاح محمود كريم(1) المقطع التالي:
"....والتي ربما هي الأخرى أي تلك التناقضات الحادة تعطي مشهدا أكثر واقعية بتبلور ثلاث قوى رئيسية تمثل ثلاثة أقاليم جغرافية تاريخية يتكون منها العراق الاتحادي ألتعددي الديمقراطي."
لدى التأمل في هذا المقطع وهو الأخير من مقال السيد كفاح، ويمثل خلاصة المقال وبيت قصيده، يتبين أن الكاتب، الذي يقال إنه المستشار الإعلامي للسيد مسعود برزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس إقليم كردستان، أراد القول إن إقامة ثلاث أقاليم جغرافية في العراق (شيعي - كردي - سني) هو الكفيل بالقضاء على المشاكل السياسية التي رافقت مسيرة العراق الديمقراطي الجديد منذ نشأته منذ إنتخابات كانون ثاني عام 2005 بل وحتى قبلها.
في الوقت الذي أتفق فيه مع الكاتب على:
1-فاعلية آلية إقامة الأقاليم لتحقيق نمو إقتصادي سريع وناجع (وهذا هو هدف وجوهر النظام الفيدرالي حسبما أفاد به خبراء النظم الإدارية للدولة في فضائية "الحرة -عراق")،
2-أن إقامة الأقاليم في العراق حق يبيحه الدستور العراقي على أن تحسم، أولاً، مسألة المناطق المتنازع عليها وفق المادة (140) من الدستور وذلك لتحديد حدود الأقاليم المنوية إقامتها، علماً أن السيد رئيس الجمهورية قد تقدم بمشروع قانون إلى مجلس النواب قبل أقل من سنة بقليل يتناول تحديد الحدود الإدارية للمحافظات ولم يطرح على النقاش لحد الآن،
[3-علاوةً على ذلك أضيف أمراً آخر لمزايا نظام الأقاليم وهو:
توفير راحة نفسية:
3.1-لمن تتملكه فكرة رفض الآخر لإختلافه طائفياً (الشيعة والمسيحيين والأزيديين والصابئة المندائيين) أو قومياً (الكرد والتركمان والكلدو – أشوريين) وهذا الرفض ناجم من تأجيج طغموي(2) لأهداف سياسية تتمثل بمحاولة إسترجاع السلطة الطغموية المفقودة،
3.2-ولمن يدعي أن الديمقراطية وفيدرالية كردستان غير كافيتين لضمان أمنه ومنع تكرار مآسي الماضي البغيض، بل يجب إستكمالها بإقامة الأقاليم أي شطر القسم العربي من العراق إلى إقليمين سني وآخر شيعي.]
إلا أنني لا أشاطر الكاتب تفاؤلَه من أن إقامة الأقاليم الثلاث ستنهي المشاكل السياسية في العراق بكيفية آلية وتلقائية.
أما الأسباب التي تحول دون ذلك، أي دون إنهاء المشاكل السياسية تلقائياً، فأشخص ما يلي بصددها :
أولاً: على الجانب السني العربي:
فقد وقع الكاتب، بادئ ذي بدء، بالخطأ الشائع جداً في العراق والعالمين العربي والإسلامي بل العالم أجمع، وهو الخلط بين السنة العرب في العراق وبين الطغمويين والتكفيريين الذين يتحملون وزر الإرهاب وليس السنة العرب العراقيون.
لا شك أن الطغمويين إستطاعوا لفترة طويلة، ولحد الآن، السيطرة على الشارع السني العربي عن طريق الإقناع وعن طريق الإرهاب (الذي أودى، كمثال، بحياة الشهداء ولدي السيد مثال الآلوسي والشيوخ أسامة الجدعان وفصال الكعود وعبد الستار أبي ريشة والدكتور عصام الراوي وغيرهم كثيرين وأخرهم الشهيد الشيخ عيفان العيساوي) غير أن تلك الهيمنة قد بدأت تتفكك رويداً رويداً بقدر ما كشفته الحياة من حقائق عن مواقف الجماعات المختلفة من الديمقراطية وطبيعة المصالح.
على أن النبذ التام الواضح للطغمويين والتكفيريين من جانب الجماهير العربية السنية مازال ينتظر الحسم، الذي قد يأتي كأهم نتائج الفشل المتوقع للعصيان المفتعل في الرمادي ومحافظات أخرى.
خلاصةً، فإن المواقف السياسية التي تُنسب إلى السنة العرب هي في واقع الحال مواقف الطغمويين والتكفيريين.
تركز وجود الطغمويين في "القائمة العراقية" قبلاً ومن ثم في "إئتلاف العراقية" حالياً.
لو درسنا المواقف السياسية للطغمويين، تفصيلاً وإجمالاً، لوجدنا أنها كانت تصب في إتجاه واحد لا غير، وبعناد، وهي محاولة إسترجاع السلطة الطغموية ذات المنافع المادية الطبقية والمعنوية والتي سقطت في 9/4/2003، بوسيلة أو أخرى بضمن ذلك مغازلة الإرهاب بل المشاركة فيه والتخريب من داخل العملية السياسية؛ ذلك التخريب الذي بلغ حد الإجرام الإرهابي (كما في حالات النواب عبد الناصر الجنابي ومحمد الدايني والوزير أسعد الهاشمي ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وبعض حماية وزير المالية رافع العيساوي وربما العيساوي نفسه وهناك طلبات صادرة من القضاء تطلب رفع الحصانة النيابية عن 17 نائباً متهماً بالإرهاب منهم الدكتور سليم الجبوري) والذي أنقذهم، أي الطغمويين، من تبعاتها والملاحقة القانونية الصارمة هم الأمريكيون (لإغراء الطغمويين للإنضمام للعملية السياسية من جهة وللتعويل على دورهم المخرب الضاغط على الأغلبية "المزعجة"من جهة أخرى) وتسامح الأطراف الأخرى.
إن إنشاء إقليم جغرافي للمناطق السنية، إذاً، سوف لا يحل المشاكل السياسية إلا إذا إنفكت الجماهير العربية السنية من هيمنة الطغمويين على قرارها السياسي؛ لأن إستمرار هيمنة الطغمويين يعني إستمرار طموحهم بالسيطرة على مصادر الثروة وهي النفط المتواجد في المناطق الشيعية. وهذا يعني إستمرار الصراع والمشاكل على ما هي عليه. النفط مطلوب من جانب الطغمويين لسببين: تلبية مصالحهم الطبقية من جهة ولإستخدامه في شراء تأييد شركات النفط لهم لضمان إستمرارية حكمهم الطغموي في وجه المعارضة الشعبية التي ستنشأ ضدهم.
من هذا فإن تشكيل إقليم سني قد لا يأتي بنهاية للمشاكل بقدر ما يثير المزيد والأخطر منها في ضوء التلاحم القوي الناشيء منذ مدة طويلة بين طموح الطغمويين والتكفيريين من جهة وبين سياسات دول خارجية لها مصالح في تخريب الديمقراطية في العراق.
خارطة المصالح المتنوعة، بإيجاز، هي كما يلي:
-الطغمويون: يتوقون إلى إستعادة نظامهم الذي حكموا به العراق بقوة الحديد والنار والكيميائي،
-التكفيريون: يحلمون بهيمنة "دولة العراق الإسلامية" على كامل التراب العراقي،
-النظام السعودي: يريد إبعاد الإستحقاق الشعبي الديمقراطي وحقوق الإنسان عن نفسه بإثارة صراع طائفي على نطاق المنطقة ولحرف الأنظار عن مشاكله الداخلية و لوأد الديمقراطية العراقية والحيلولة دون بلوغ إنتاج النفط العراقي مستويات تنهي سيطرة النفط السعودي على الأسواق العالمية وقدرته على الإبتزاز السياسي.
-النظام التركي: يحلم بإستعادة الهيمنة العثمانية على المنطقة،
-النظام القطري: يحلم بنفخ نفسه ليصبح بضخامة أميره مؤججاً وراكباً حصان الطائفية،
-إسرائيل: تسعى إلى تنصيب حكومة في العراق تزجه في حرب مفتعلة مع إيران لتتسلل، إسرائيل، تحت جناحها لضرب المنشآت النووية الإيرانية التي يؤكد الخبراء العسكريون الأمريكيون على عدم جدوى ضربها من الجو أو بصواريخ بعيدة أو متوسطة المدى. ليست للعراق أية مصلحة في هذا العمل الذي تُراد منه حماية أمن إسرائيل وهو الأمن الذي يسهل ضمانه لو إستجابت إسرائيل لقرارات الشرعية الدولية بشأن حقوق الشعب الفلسطيني.
كما ترغب إسرائيل، أيضاً، من الحكومة المنصَّبة مساعدة المعارضة السورية، التي أصبحت واقعة تحت هيمنة "جبهة النصرة" القاعدية بقدر كبير، وذلك للتخلص من النظام السوري البعثي، الذي هو أفضل بما لا يقاس إذا قارناه بحكم "جبهة النصرة" والبعث العراقي، وللتخلص من الجيش العربي السوري الذي بقي الجيش العربي الوحيد الواقف ضد التوسع الإسرائيلي والداعم لقوى الممانعة.
- شركات النفط: وهي العارفة بإحتمال أن يقفز الإحتياطي الثابت للنفط العراقي من المرتبة الثانية إلى المرتبة الأولى فتريد الهيمنة عليه عبر فرض نمط "المشاركة في الإنتاج" بديلاً عن صيغة الحكومة الفيدرالية العراقية المعتمدة "عقود خدمة"، خاصة وأن شركة أكسون موبيل وغيرها وجدت لها موطئ قدم في كردستان العراق وتريد أن تتمدد على كامل الأرض العراقية، وقد عبر السيد مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان عن هذا المسعى بإطلاق التهديد المبطن الذي يذكرنا بتهديد شركات النفط للشهيد عبد الكريم قاسم. لقد صرح السيد البرزاني بأن شركة أكسون موبيل تعادل عشرة فرق عسكرية وإذا دخلت بلداً فلا تغادره أي على حكومة ذلك البلد أن تغادر بلدها لتخليه صاغرة إلى تلك الشركات وإلا..... .
للعلم فإن أطراف هذه الجهات لا تعمل منفردة بل بتنسيق وتناغم وتعاون وثيق.
وإذا إنفكت وتحررت الجماهير العربية السنية من هيمنة الطغمويين، فعلى أغلب الظن سوف لا تجد هذه الجماهير حاجة لتشكيل إقليم خاص بها أصلاً بل ستكتفي بمجالس المحافظات المنتخبة مع منحها صلاحيات أوسع مما هي عليه الآن.
لقد حرَّم الشيخ عبد الملك السعدي، في فتوى أصدرها مؤخراً، المطالبة بتشكيل أقاليم.
ثانياً: على الجانب الكردي:
هنا أيضاً أميّزُ بين الحزب الديمقراطي الكردستاني (ح د ك) وباقي الأحزاب والحركات الكردية. إذ، بتقديري، أن (ح د ك) هو المهيمن على القرار السياسي الكردي عموماً وأن الباقين يتبعون خطاه بفعل إبتزاز المزايدات.
وكما في الحالة السنية العربية، أتوقع أن تعلن الأحزاب والجماعات الكردية المختلفة النأي بنفسها عن سياسة الحزب الديمقراطي الكردستاني لأنها إبتعدت عن التعويل على النضال الجماهيري المجرَّب في تحقيق الأماني القومية وإعتمدت أسلوب المغامرة والتعويل على الأطراف الخارجية المعادية للعراق والمذكورة سلفاً، التي بدأ بريقها يخفت بعد فشلها الذريع في إطاحة النظام السوري.
أن تجربة إقامة إقليم كردستان لم يثبت نظرية إنتهاء المشاكل بتشكيل الأقاليم، بل دحضها للأسف الشديد. فالإقليم هو في حالة إرتباط فيدرالي دستورياً، ولكنه كونفيدرالي شبه مستقل في واقع الحال، ومع هذا فالمشاكل قد تفاقمت وإقتربت من حد الإصطدام العسكري مع الجيش الفيدرالي.
هل كان الأمر سيختلف وهل كانت المشاكل ستختفي بين الإقليم والمركز لو كان السنة والشيعة في إقليمين مختلفين؟ كلا، وربما كانت المشاكل ستصبح أكثر خطورة بسبب الحرية التي سيتمتع بها الإقليمان الكردي والسني للتعاون فيما بينهما ومع الأطراف الخارجية لمحاولة السيطرة على إقليم الوسط والجنوب الذي، بدوره، سيكون بوضع إقتصادي ممتاز يمكنه من إقتناء والتحكم بأحدث التكنولوجيات العسكرية لمواجهتهما ومواجهة القوى التي تقف ورائهما.
هذا إذا لن يتفجر مجدداً صراع عنيف بينهما على المناطق المتنازع عليها في كركوك ونينوى وصلاح الدين وديالى.
إن المشاكل التي أثارتها حكومة إقليم كردستان وعلى رأسها عقد إتفاقيات نفطية سرية دون علم ودون موافقة الحكومة الفيدرالية، وإحتلال البيشمركة لبعض المناطق المتنازع عليها ضاربة أحكام الدستور، وخاصة المادة (140) منه، بعرض الحائط، والتعاون مع أطراف خارجية معادية للعراق وداخلية معادية للديمقراطية – كل هذه المشاكل ناجمة عن جشع "برجوازي – عشائري" معهود حتى لدى قيادات لشعب كان مضطهداً إلى عهد قريب.
دفع هذا الجشع قيادة (ح.د.ك.) إلى إتباع تكتيكات لا أخلاقية بمديات كريهة ومحتقرة تقع خارج حدود ما تتفهمها وتتقبلها الواقعية من سلوكيات لا أخلاقية في دنيا السياسة والمصالح.
فبعد أن حصل الأكراد على ما يريدون، وأكثر، عبر الديمقراطية العراقية، أدار قادة (حدك)، وتبعهم الآخرون صاغرين، ظهورَهم للعراق وراحوا ينشدون مزيداً من المكاسب غير المشروعة والمضرة حتى بالشعب الكردي، على المديين المتوسط والبعيد، وذلك بالإنخراط في مؤامرات السعودية وتركيا وقطر وإسرائيل وشركات النفط ضد العراق، والإنحطاط إلى مستوى تبنّي حربهم الطائفية.
من هذا فإن من يدعي بأنه يتملكه الخوف من أن الديمقراطية غير كافية لضمان أمنه بل أن تشكيل الأقاليم هو الكفيل بذلك، هو في واقع الحال تتملكه فكرة باطنية ترمي إلى ضمان تحقيق مسعاه في إمتطاء العراق للوصول إلى مرحلة الإنفصال بنمط مستعجل وعلى حساب المصالح الوطنية العراقية العامة، بدل إيكال ذلك، أي الإنفصال، إلى حق تقرير المصير الذي ينضج ويتبلور طبيعياً وليس قسرياً.
خلاصةً، فإن تشكيل الأقاليم سوف لا يحل المشاكل التي تُحل فقط، بوجود الأقاليم أو بغيابها، إذا جرى الإيمان الحقيقي بالديمقراطية العراقية والإمتثال لمقتضياتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): تمكن مراجعة مقال السيد كفاح محمود كريم على الرابط التالي:
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=24477
(2): للإطلاع على "النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه" و "الطائفية" و "الوطنية" راجع أحد الروابط التالية رجاءً:
-http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181
-http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995
http://www.baghdadtimes.net/Arabic/?sid=96305
708 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع