عبدالجبارنوري*
المقدمة/الطغاة كالأرقام القياسية ، لابُدّ أن تتحطم في يومٍ من الأيام ، لأنّ الحياة صراع أزلي بين الخير والشر ، كان لابدّ من الطغاة والجبابرة كما وُجِدٌ الأخيار والمصلحين فيها ، وهؤلاء أن أختلفت أهدافهم وأسباب فسادهم ، ألا أنّهم لم يروا في البطش والدموية سوى الطريق الأمثل لتحقيق مآربهم السادية وأنحرافاتهم الشخصية والتي أبتليت بها البشرية مثل :
الفرعون والحجاج وأبو العباس السفاح وعبدالله أبن زياد ونيرون وهيرتزل وهولاكو وهتلر وصدام ، ويظن الطغاة والمفسدون أن الشعب عبيدٌ لهم ، وغاب عن بالهم أن هناك وراء الأفق أحرار وثوار جادوا بالنفس و " الجود بالنفس أقصى غاية الجودِ " قد ضحوا بأرواحهم في سبيل الحرية الحمراء ، وتحرير الأوطان ، وأنهاء الأستبداد ، وأن هؤلاء الثوار قد يتباينون منهم عاشوا وماتوا دون أن يتسلموا الحكم في بلادهم أمثال : غندي وجيفارا وعبد الخالق محجوب وسلام عادل وعمر المختار، ومنهم من أستلم مقاليد الحكم في بلاده وطبق مباديء الخير وسلك مسلكاً حميداً مثل نهرو ومانديلا .
بعض ملامح شخصيّة سعيد أبن جبير / أعلمْ أنّ الكثير لايعرفونهُ ، وبعضهم لا يريد أن يعرف ، وسوف أكتب عن هذا الأنسان الثائر الذي وصفهُ المؤرخون بواحد من أروع الأمثلة على رقي الأنسان ونبله وهو واقفٌ كالطود الشامخ ضد الباطل وحكام كم الأفواه من هواة لعبة السيف وسفك الدماء وعباد الكراسي والتحكم برقاب العباد تحت شعار تأليه صاحب ولي الأمر قُدس سره وهي تلك التهمة الجاهزة في قطع الأرزاق والأعناق بحججْ واهيةْ ومتهافتةٍ مشرعنة تحت ظل منطق القوّة بغياب قوّة المنطق والتي تمثلت بتلك الحقبة السوداء الدموية للحكم الأموي والتي دام ظلهُا الثقيل على العباد بسوداوية قاتمة أكثر من 170 سنة (من 41 هجري إلى 132 ) ، بأستثناء حكم الخليفة العادل " عمر أبن عبدالعزيز " الذي لُقبَ بالفاروق الثاني ودام حكمهُ أربعين سنة ، وللأسف هناك رجال أسود سرعان ما تلاشى ذكرهم عندما يموتون ، وقد تموت معهم أنجازاتهم بسبب تلوث أقلام وعاظ السلاطين ببعض فايروسات الأنا ، هو الثائر الشهيد سعيد أبن جبير أبن هشام أبو محمد ويقال أبو عبدالله الأسدي الوالبي 46-95 هجري ، تابعي ، حبشي الأصل ،عربي الولاء والأنتماء والمولد والنشأة ، تقياً عالما بالدين وأحوال الناس وطبقات المجتمع وملماً بأخبار ملوك بني أمية بشمولية الفضاءات الجغرافية للدولة الأسلامية ، درس العلوم عن حبر الأمة " عبدالله أبن عباس " وكذلك عبدالله أبن عمر بمكة وعن عائشة في المدينة المنورة ، وعن جماعة من الصحابة منهم أبي سعيد الخدري وعدي أبن حاتم الطائي ، وأبي موسى الأشعري وعلوم النحو لمدرسة علي أبن أبي طالب في الكوفة ، وسمي بجهبذ العلماء ، ودرس الثورة الحسينية في كربلاء من جوانبها الأنسانية التحررية بشكلٍ دقيق وعميق ، ونشر العلم في كل زمكنة ترحاله والتحريض على الرفض وأستهجان أستبداد الخليفة الأموي عبد الملك أبن مروان ومساعده الحجاج الذي هو أكثر ملكية من الملك كما يقال في التأريخ ، فأشتهر أسمهُ وعلمهُ وشخصنتهُ ، وفي فلسفته السياسية ( أن الظلم لو دام دمّرْ ، وأن الأمويين وجميع خلفائهم خارجين عن جادة الحق ، مستعبدين العباد ، ناكرين ما أنزل اللهُ من قيمٍ في كتابه " أن الأنسان خليفة الله محرّمٌ أسترقاقهُ وأستعبادُه ، رافعاً شعار " لا تعثوا في الأرض فسادا "وهو ذلك التابعي الحبشي الذي علّم العرب والعجم ، وهو الرحالة الذي نذر نفسهُ وحياتهُ لتهذيب طباع البشر ، وتقليم أظافر الطغاة ، وهو الثائر الحقيقي الذي قال ( لا) لطاغية العصر والتأريخ " الحجاج أبن يوسف الثقفي " وقد ذكرهُ المؤرخون بأن سعيد أبن جبير كان يحرض الناس وينصحهم بمخالفة الحجاج وفضح ظلمهِ وبطشهِ والوقوف في وجههِ حتى تفاعل بعض الناس معهُ .
وقرر الحجاج قتلهُ والتخلص من فتنتهِ ، و قد عينهُ على نفقانت الجند حين بعثهُ مع " عبدالرحمن أبن الأشعث " لقتال ملك الترك ، وثار أبن الأشعث وأعلن العصيان على الحجاج وخلع الخليفة عبدالملك أبن مروان وكان سعيد من المؤيدين والمبايعين لهذه الثورة فهاجر متخفياً لعدة سنوات في الأمصار وكان آخرها مكة حيث شاءت الأقدار أن يُعينْ خالد القسري والياً على مكة وهو من أشد أعوان الحجاج فظفر به وأرسله مخفوراً مقيّداً إلى الحجاج في الكوفة ، فأمر بقطع رقبته ، ودُفن في واسط ( قضاء الحي ) اليوم .
من هو قاتلهُ؟ : قتله صبراً أي أمر بضرب عنقهِ الحجاج أبن يوسف الثقفي 40- 95 هجري سنة 94 هجريه وكان بعمر 49 سنة ،وهو قائد أسىلامي في العهد الأموي في ظل حكم الخليفة عبدالملك ابن مروان ، داهيه ، سفاك ، خطيب مفوّه ، ولد ونشأ في الطائف ، وأنتقل إلى الشام ليلحق في خدمة عبدالملك ابن مروان ، أشتغل في ديوان الحسبة حتى رُقي إلى تقليد أمر العسكر قاتل عبدالله أبن الزبير وهدم الكعبة بالمنجنيق وصلب أبن الزبير ، وأستباح المدينة وأشعل النار فيها ، وقمع ثورات الكوفة بأفراط شديد فكان سفاكاً سفاحاً للدماء ، أرتبط أسمهُ بالبطش والقسوّة ، وخاطب أهل العراق بخطبة سياسية نارية شديدة ومليئة بالقسوة والتهديد ليملآ قلوب الناس خوفاً ورعباً منها { أن أمير المؤمنين رمى كنانتهُ وأختار أصلب عودٍ منها ورماني بكم ، وأيم الله لألحونّكم لحو العود ، ولأقرعنكم قرع المروة ، ولأضربنكم ضرب غرائب الأبل --- } ، ومات الحجاج بعد سنة من غدر سعيد أبن جبير بلسعة حشرة صغيرة وهي كافية لتفاهة نهايات الجبابرة ، التأريخ لايرحم من هو بطل الأمس فهو متهم اليوم ، أما أحرار الأمس فهم أبطال اليوم مسجلين كأرقامٍ مضيئة في أرشيف الذاكرة الأممية وحاضرتها الأنسانية .
الهوامش والمصادر/*السيوطي – طبقات المفسرين *العسقلاني – الأصابة في معرفة الصحابة * أبن كثير – البداية والنهاية ج9
*كاتب وباحث عراقي مغترب
967 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع