علاء الدين الأعرجي
مفكر/باحث عراقي مقيم في نيويورك
سجون العقل العربي
وهكذا فإنَّ العقـلَ العربيّ، وبالتالي الإنسان العربيّ العادي، سجين في سجون منيعة متعددة الأصناف والأسوار. وما أن يظهرَ بعضٌ من ذوي الأفكار الثورية النيّرة لتحرير الناس من سجونهم المركبة، حتى يتعاون على قمعه ورفضه وإلغائه كلٌ من السلطة الحاكمة(السجّان)، والمجتمع بأفراده "السجناء أنفسهم" الذين ألِـفوا سجنهم الدائم، واستساغوا قهرهم الأبدي. بل أن معظمهم لا يعيَّ سجنـَه، أي لا يدري أنه سجين أصلا ً، لأنه ولد وعاش في هذا السجن ِالكبير وسيموتُ ويدفن فيه.
وإثباتا ً لدعوى "سجن العقل العربي" نقدم بعضا من الأمثلة التي تبـيّـنُ مدى مسجونية العقل العربيّ أو الإنسان العربيّ المعاصر، وما هيّ أصناف السجون التي يخضع لها:
فالعقل العربيّ سجينُ سلطات متعددة ، سواء رسميّة أو مجتمعيّة، ثقافيّة ودينيّة، خارجيّة أو ذاتيّة، وكلها تتعاونُ وتتفاعلُ للتأثير المركبِ على طريقة تفكيره ثم على سلوكه وتصرفه ونظرته إلى الأمور، مثلا:
1-العقلُ العربيّ سجينُ السلطة الحاكمة القاهرة التي تواصلت منذ أكثر من ألف عام: الخلافات (جمع خِلافة) الفاسدة، والحكم المملوكي، والحكم العثماني، والحكم الاستعماري، وأخيرا الحكم الوطني الجائر الذي تجاوز في قهره وعسفه أحيانا جميع العصور السابقة.
2- العقلُ العربيّ سجينُ قَهره السياسيّ الذي يفرضُ عليه أن يُصفِـقَ للحاكم بأمره، أو ينتخبَه مثـنىً وثـلاثَ ورُباع، ويـُسبّـِح بَحمدِه جهرا ويلعنه سرا.
3-العقلُ العربيّ سجينُ ضرورات وحاجات الجسد اليومية من غذاء ودواء وبحث عن عمل يعيله وأسرته.
4-العقلُ العربيّ سجينُ تخلـُفِه الحضاريّ الذي دام أكثر من سبعة قرون، وخاصة منذ سقوط بغداد 1258.
5- العقلُ العربيّ سجينُ قَهره الاجتماعيّ الذي يفرضُ عليه أن يُفكِّرَ ويتصرَّفَ ويسلكَ تبعًا لِمُستلزماتٍ ومُحدَّدات ومسلمات العقل المجتمعيِّ السائد. والمفارقة الكبرى أن الإنسان العربي يخضع لهذه المسلمات القاهرة دون وعي، بل تصبح جزءا من عقله الواعي يدافع عنها ويتزايد عليها باعتبارها تمثلُ قيـَّمه الخاصة، كما سأفصله في الحلقة الثانية (الفصل التالي).
6-العقلُ العربيّ سَجين في “زنزانة” مُحكـَمة لا يرى فيها سوى أشباح السلـَف الصالح الذي عاش ومات قبل أربعة عشر قرنا، وهو لا يزال يتوسَّـل إليه وبه عبثا ً لحـّـِل مشاكل عصره الراهن!
7- العقلُ العربيّ سَجين لاتاريخيَّـته، التي تفرضُ عليه حضورَ القديم جنبًا إلى جنب مع الجديد، حضوراً يُنافسه بل يـُكـبِّـله. فالإنسان العربيّ يعيش ماضيه لا باعتباره يـُـشكلُ جزءًا أساسياً من حاضره وحسب، بل حتى من مستـقـبله أيضًا.
8- العقلُ العربيّ سجينُ خلافاته الدينيَّة والمذهبيَّة والطائفيَّة والإيديولوجيَّة، التي تمتدُّ جذورُها إلى الصراع الدَّمَويّ بشأن الخلافة منذ أكثر من 1400عام.
9- العقلُ العربيّ سجينُ تمزُقه بين عصرٍ متقدِّم يغلي بالحركة والتطوُّر، وعصرِه الثابت التالد، الذي لا يزال يعيش فيه في كنف الخليفة الراشد عُمر بن الخَطاب، والخليفة الرائد علي بن أبي طالب، والخليفة الصالح عُمَر بن عبد العزيز...
10-العقلُ العربيّ سجينُ بداوتِه العريقة التي لا تزال تفرضُ قِيَمَها العشائريَّة المؤدِّية، بين أُمورٍ أُخرى، إلى تفضيل النـَّسَب، والحسب والجاه ، لا الكفاءة، أساسًا لاختيار الرجُل الصالح في المنصب الملائم، كما إلى تمجيد السلف، واحتقارِ المِهنة (من فعل مَهَنَ أي حقـّرَ وأضعفَ).
11- العقلُ العربيّ سجينُ النظام الأبَويّ Patriarchy system الذي يفرضُ التراتب والفَوقيَّةَ الشموليَّة، وتمجيد الزعيم الأوحد، وينتظر المستبد العادل، فضلا عن احترام الراعي والأكبر والأقوى. كما يقبل سيادة الرأيَ الواحد، ويُحاربُ النقدَ والتعدُّديَّة الإيديولوجيَّة والاختلافَ الفكريَّ الذي يُؤدِّي إلى الإبداع والتقدُّم. ومن هنا أيضا يأتي وضعُ المرأةِ في مستوى أقل من الرجل دائماً.
1338 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع