عباس العلوي
بحث تأريخي :
البصرة جنّـة ٌ فاقت الجنـــــان
في اللغــة : البـُصـْرُ والبـَصـْرُ : ألكذ ّان وهي الحجـارة التي ليست بصلبة .
وقـال الأزهري : ( البصـْر , الحجـارة الى البيـاض بالكسر ، فأذا جاؤك بالهـاء قالوا : بصـرة ثم يُقـال لمن انتسب إليهـا بصري )
والبصرتان : هي الكوفة والبصرة . قـال إبن الأنبـاري : < البصرة في كلام العـرب : الأرض الغـليظة > وقـال قطرب : < البصرة الأرض الغـليظة التي فيهـا حجـارة تقـلع وتقطع حوافر الدواب > .
وقـال إبن الأعـرابي : ( البصـرة حجارة صلاب ، وإنما سُميت بصرة لغلظها وشدتها كمـــا تقول : ذو بُصر وسقـاءٌ ذو بُصر ، إذا كان شديدا ً جيدا ً ) .
وفي بدء التسمية ذكر الشريف القطامي < إن المسلمين حين وافوا مكان البصرة للنزول بهـا نظروا إليهـا من بعـيد وأبصروا الحصى عليهــا فقـالوا : إن هـذه أرض بصـرة ، بعيون حصبة ، فسُميت بذلك > . وفي هـذا المعنى قـال الطرماح بن حكيم :
مؤلفــة ٌ تهـوى كمـــا هوى من النيـّقِ فوق البصرة المتطحـطح ُ
*ذكر يـاقوت الحموي :
روى أهل الأثر : أنه قـدم على الخليفة عمـر ( رض ) رجل من بني سدوس يُقــال له ثابت فقـال : ياأمير المؤمنين ، إني مررت بمكان دون دجلة فيه قصر وفيه مَسالح للعجــم ، يُـقـال له : الخـُربية ويُسمى أيضـا البصـيرة بينـه وبين دجلة أربعـة فراسخ ، له خليج يجـري فيه المـاء الى أجـَمة قصب فأعجب ذلك عمـر بعـد أن جاءته أخبـار الفتوح من ناحية الحيرة .
ثم أضـاف ياقوت : وكان تمصير البصرة على عهد الخليفة عمر في سنة 14 للهجــرة قبل الكوفة بستة أشهر , وكان أبو بكـرة أول من غرس النخـل في البصـرة وقـال : هـــذه أرض نخل ، ثم غرس النـاس بعــده .
*في فضلهـا قـال الأمــام علي < ع > :
[ إني سمعت رسول الله < ص > يقــول : تـُفـتح أرض يُقـال لهـا البصرة ، أقـوم ُ أرض الله قبـلة ، قـارئها أقـرأ النـاس ، وعـابدُهـا أعبدُ النـاس ، وعـالمُهـا أعـلم ُالنــاس ، ومتصدقهـا أعظم ُ النـاس صدقـة ] .
وقـال إبن أبي ليـلى : < مارأيت بـلدا أبكر الى ذكر الله من أهـل البصـرة > .
وقـال الأصمعــي سمعـت الرشيد يقــول : < نظرنـا فأذا كلّ ذهب وفضـة عـلى وجه الأرض لايبـلغ ثمن البصـرة > .
* البصرة والكوفـة :
مدينـتان شقيقـتان عمـلاقتـان في الفكر الأسـلامي والعـربي ، وقـد انفـردت كل واحـدة منهـما في تكوين مدرسة خاصة بهـــا في اللغـة والنحو والبــلاغـة ولهمـا مع التـاريخ مواقف عظيمـة ، وأخبـارهمـا كثيـرة ، والمنسوبون إليهمـــا من أهـل العـلم والأدب لايحصـون !!
والبصـرة : التي لقـب الحسن البصري نفسـه تيمنـا بهـا ، كانت ومـازالت مدينـة الخـير والعـطاء ، فمثلمـا أعطتنـا التمـر والحبّ والمـاء والنفـط ، أعطتنـا العباقـرة من الأدبـاء الأفـذاذ أمثـال : الفرزدق والجاحظ والفراهيدي والأصمعي والسيّاب والصكار والبريفـكان ، كمـا حباها الله بنعـمة خاصة حينما جعل دجــلة الخيـر يُـقبل خـدهـا الأيمن والفــرات العـذب يُـقبل خـدهـا الأيسـر وهي تزهـو مابينهمــا كالبـدر في ليلة تمامه وكمـاله !!
ومـا < المربـد > ومهرجاناته الشعـرية والأدبيـة التي تزاحم عليـه الفحول أيـام زمان إلا قـلادة ذهبية في جيد درّة الخـليج وعروس الرافـدين !!
*في مجـد البصـرة وسحرهـا وجمالها وتراثهـا الخـالد ، تغـزل المتغـزلون ، وتفنن الواصفون من العـلمـاء والأدبـاء والمؤرخين على مدار الأيــام . ذكر < المدائني > وصفـا رائعـا للبصرة ورد على لسـان خالـد بن صفوان قـــال فيه :
نحن أكثـر النـاس عاجـا وساجا ً وخـزّا ً وديبـاجا ً، بيوتنـا الذهب ، ونهـرنـا العجب ، أولـه الرطب وأوسطه العـنب وآخـرهُ القصب ، فـأمـا الرطب فمـن النخـل في مبـاركه كالزيتون عـندكـم في منـابته ، هـذا على أفنـانه كذاك عـلى أغصـانه ، هـذا في زمـانه كـذاك في إبّـانه . المـاءُ يقبـلُ عَـنقـا ً فيفيضُ مندفقـا ً فيغسل ُ غـثـّهـا ويبدي مبثـّهـا ، يأتينـا في أوان عطشنا ويذهب ُ في زمـان ريـّنّــا ، فنأخذ منه حاجتنـا , ونحن نيّـام على فرشنـا ، فيقبـل ُالمـاء وله إزديـاد وعبـاب ، ولايحجبنـا عنـه حجـاب ، ولاتـُغـلق دونه الأبواب ، ولايتنـافس فيـه من قلـة ، ولايحبس عنـا من عـلة .
فقـال له مسلمة : أنى لكم هـذا يابن صفـوان ولم تغـلبوا عليهـا ولم تسبقوا إليهـا ؟ فقـال : ورثنـاهـا عن الآبـاء ونعمـرّها للأبنـاء ويدفع لنـا عنهـا ربّ ُالسمـاء .
وفي هـذا المعنى قال معـن بن أوس الشـاعر :
فمهـما كان من خـير فأنـا ورثنـاها أوائل أولينـا
وإنـا مورثون كمـا ورثنـا عن الآبـاء إن مُتنـا بنيـنـا
* قال إبن عـينيّـه المهلبي يصف جمـال البصرة الفيحـاء :
يـا جنـة فـاقت الجنـان فمـا يَعـدِلهـا قيمــة ٌ ولا ثمـنُ
ألِفـتهــا فاتخـذتهـا وطنــــا ً إن فؤادي لمثـلهــــا وطن
زوّجَ حيتـــانـُهـا الضبابَ بها فهـــــــذه كنـّـة ٌ وذا ختن ُ
ومن سُـفـن ٍ كالأنعــام مُـقبلة ومن نَعـــام ٍ كأنهــا سفـن
* وفي أخـرى يتشوق إبن عـينيّـه الى البصرة ونهـر الأبلــة ـ أحدى معـالمها ـ أيـام زمـان
فأن أشك ُ من ليلي بجـرجان طوله فـقد كنت أشكو منـه بالبصـرة القصـرْ
فيـا نفس ُقـد بُدّلـت بؤسـا ًبنعمـــــة ويا عين ُ قـد بدلت من قـُرة ٍ عـبرْ
ويـا حبّـذاك السائلي فيم فكــــرتني وهمّي ألا في البصرة الهـم ّ والفـكرْ
ويـاحبـذا نهـر الأبــــــلة منظـــرا ً إذا مدّ في إبـانه المـاء أو جــزر ْ
وياحسن تلك الجـــاريات إذا غـدت مع المــاء تجــري مُصـّعـدات وتنحـــدرْ
وقـائلة ٌ : مـــــاذا نبـا بك عنهــــم فقلت لهـا : لاعلم َ لي فاسألي القــدر ْ
*الجاحظ
إبن البصرة وأديبهـا الخــالد ، بعـد أن يُعـدد الأعجوبات الثـلاث التي تفـردت بهـا البصرة يذكر بعضـا من عيوبهـا فيقول :
< من عيوب البصرة ، اختلاف أهوائهـا في يوم واحد ، لأنهم يلبسون القـمُـص مرّة والمبطنـات مرّة أخرى لاختـلاف جواهـر السـاعات > وقد وصف هذا الطقس المتقلب ( إبن لنك ) وقال :
نحن بالبصـرة في لـو ن ٍ من العيش ظريف
نحن ماهبـّت شمـال ٌ بين جنـّـات وريف
فـأذا هبـّــت جنـوب ٌ فكأنـا في كنيف !!
* ومن الطرائف
دخل فـتى من أهـل المدينـة البصـرة ، فلمـا انصرف قـال له أصحابه : كيف رأيت البصرة ؟
قــال : هي خـير ُ بـلاد الله للجـائع والغـريب والمـُفـلس !!
ملاحظة مهمّة :
نشر هذا المقال لأول مرة في منتصف أغسطس عام 1996 في الصحف العراقية والعربية الصادرة في لندن / بعد مرور 38 يوماً من هذا التأريخ قامت أجهزة المخابرات البعثية العراقية العاملة في أمريكا بأعادة نشره في مجلة جنسية فاضحة [ ناطقة بالعربية ] وضعت فيه اسم صاحب المقال بالبونط العريض كواحدة من الأساليب الخسيسة لأسقاطه اخلاقياً .
السويد في
12 / 4 / 2017
4800 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع