حسن ميسر صالح الأمين
(أقوال من أجل الموصل في محنتها ومستقبلها - 7) .
مفخرة أخرى من مفاخر بلدي العراق ومدينتي العزيزة الحدباء وقامة باسقة من قاماتها وشخصية علمية رصينة وعملية جادة في كل عطائها وإنجازاتها ممن تركوا فيها كلَ جميلٍ يُذكر وكلَ صنيعٍ يُؤثر ومن الذين إذا غابوا عُدّو وإذا حضروا تسّيدوا المكان بدماثة خُلقهم الرفيع وعلمهم الرصين وتواضعهم الحميد ، فأرتسم عطائها الثر لسنوات عديدة وأزمنة مديدة وتعدت نطاق الحصر والحدود لتعبر بخبراتها وتضع بصماتها في أكثر من دولة عربية وليزرعوا فيها بذرات ما صنعوا فكانوا نِعمَ النجوم المتلألة التي سطعت بضيائها بسماء الموصل ولاح لميع بريقها ليصل اليمن والإمارات وعُمان ، وغدت إنجازاتها العديدة هناك معلمًا يُشار إليه بالبنان على أنه صنيع عالمٍ عراقي موصلي الأصل ، مثلَ الموصل وأهلها خيرَ تمثيل وأتقن حمل أمانة العهد وقسمَ العلم بكل صون ورصانة ، عالم فذ ضليع عاملٌ بأختصاص نادر ، إنه الدكتور أمجد عبدالرزاق أحمد كرجية من مواليد الموصل عام (1944)، درس وأكمل جميع المراحل الدراسية (الإبتدائية ، المتوسطة ، الثانوية) في مدارس بغداد ، وأنهى دراسته في أعدادية الأعظمية للبنين فيها وكان من الأوائل على دفعته وعلى مستوى العراق فأختارته وزارة النفط لبعثة دراسية إلى بريطانيا كإستحقاق له وبجدارة ، حصل على شهادة البكالوريوس في الفيزياء من جامعة لندن عام (1968) وإلتحق بجامعة الموصل بعد عودته للعراق معيدًا في قسم الفيزياء بكلية العلوم ، رشحته وزارة التعليم العالي و البحث العلمي لبعثة دراسية إلى بريطانيا فحصل على الماجستير في هندسة الصوتيات والإهتزازات الميكانيكية من جامعة ساوثهامبتون في عام (1972) ثم حصل على شهادة الدكتوراه في الطاقة الصوتية من جامعة لندن عام (1976).
عاد للعراق و إلتحق بالهيئة التدريسية في كلية العلوم بقسم الفيزياء في نيسان (1976) ، بعدها بأسابيع معدوده تم تكليفه برئاسة قسم الفيزياء والرياضيات في كلية التربية والتي قد تم تأسيسها حديثًا عام (1976/ 1975) وعمل بكل جهد ومثابرة على تهيئة وإختيار كادر أكاديمي لها وإنجاز مبنى خاص لها حيث كان ذلك تحديًا كبيرًا له ، تمكن من التغلب على كل الصِعاب التي واجهته و أكمل كافة المتطلبات من خلال عضويته في ثلاث لجان رئيسية تم تشكيلها في مرحلة التأسيس وهي (لجنة البناية الجديدة للكلية ، لجنة تأثيث الكلية ، لجنة المناهج الدراسية) ، كما كان رئيس لجنة الأجهزة للمختبرات العلمية في الكلية لتجهيز مختبرات أقسام (الفيزياء و الكيمياء و علوم الحياة) بالأجهزة العلميه اللازمة ، وهو يُعد بذلك من المؤسسين الأوائل لكلية التربية بجامعة الموصل ، تولى رئاسة قسم الفيزياء بكلية العلوم في عام (1990) .
قام بتأليف الكتاب المنهجي (فيزياء الصوت و الحركة الموجية) بتكليف من وزارة التعليم العالي و البحث العلمي ، و بتكليف وزاري أيضا شارك بمعية أساتذة آخرين بتأليف (4) كتب منهجية في ( الثرموديناميكس ، التطبيقات الكهربائية و الالكترونية ، ميكانيك الكم ، الفيزياء العامة) ومشارك في تأليف كتاب للقراءة العامة (ما نسمع وما لا نسمع) وأشرف على (6) رسائل ماجستير وشارك بالإشراف على رسالة دكتوراه .
عضوًا في العديد من الهيئات و الجمعيات و اللجان العلمية (تحرير مجلة التربية و العلم التي تصدرها كلية التربية ، الهيئة الإدارية لمركز البحوث التطبيقية و الصناعية في كلية العلوم ، الهيئة الإدارية لمركز الحاسبة الإلكترونية بجامعة الموصل ، الهيئة المشرفة على المكتب الإستشاري العلمي بكلية العلوم ، عضو مجلس إدارة مركز تطوير طرق التدريس والتدريب الجامعي ، لجنة المناهج بوزارة التربية للتنسيق بين التعليم الثانوي و الجامعي ، جمعية الصوتيات البريطانية ، عضو ونائب رئيس الهيئة التأسيسية للجمعية العراقية للفيزياء و الرياضيات فرع نينوى) ، قدم العديد من الإستشارات العلمية والتطبيقية في المؤسسات الصناعية في الموصل ولا سيما لمعامل الغزل و النسيج و السكر ووضع الحلول لمعالجة مشكلة الضجيج الصناعي والحد من خطورته على العاملين في تلك المواقع .
نشر (10) بحوث علمية كما نشر العديد من المقالات الثقافية حول إسهامات العرب في إثراء العلوم الطبيعية ومقالات أخرى علمية حول تأثيرات الضجيج على الإنسان .
شعر أنه قد أستنفد كل طاقته و لم يعد بإمكانه تقديم خدمات جديدة للجامعة في ظل ظروف البلاد السائدة بعد تفاقم الوضع الإقتصادي نتيجة الحصار الظالم ورفضت رئاسة الجامعة طلب إحالته للتقاعد دون الآخرين ، ووافقت اللجنة الطبية في رئاسة الجمهورية على طلبٍ تقدم به مضطرًا لغرض السفر خارج العراق بدعوى العلاج على حسابه الخاص ، فغادر العراق عام (1997) ،
وأختار جامعة حضرموت للعلوم و التكنولوجيا في اليمن محطته الأولى بعد العراق فأنضم إليها و كُلفَ برئاسة قسم العلوم الأساسية في بادئ الأمر ويعتبر العراقي الأول في تلك الجامعة وتم إختياره عضو في اللجنة الإستشارية في الجامعة وعضو مجلس كلية الهندسة و البترول ، أشرف على تأسيس مختبرات الفيزياء فيها وفق أعلى المواصفات من حيث التصميم و التأثيث و التجهيز (نسخة من مختبرات الفيزياء في كلية التربية بجامعة الموصل) والتي نالت إعجاب وتقدير رئيس الجمهورية اليمنية عند زيارة الجامعة وأثنى كثيرًا على جهوده المبذولة وقال إن هذا ما نتوقعه من أبناء شعب العراق العظيم بعدما أبلغه رئيس الجامعة أن مؤسس هذه المختبرات هو أستاذ عراقي ، هذا الأمر حذا برئيس الجامعة بالبحث للتعاقد مع أساتذة عراقيين في الجامعات العراقية فقام بزيارة جامعة الموصل و التعاقد مع بعض الأساتذة ثم توسع بالتعاقد مع أساتذة من جامعات عراقية أخرى حتى بلغ عدد الأساتذة العراقيين بعد ثلاث سنوات أكثر من (100) أستاذ في تلك الجامعة .
ترك اليمن السعيد لينتقل إلى جامعة الغرير في دولة الإمارات العربية المتحدة محاضرًا فيها لثلاث فصول دراسية ثم أنتقل للعمل والتدريس في الكلية التقنية العليا بمسقط (عُمان) منذ عام (2001) وأنظم الى اللجنة العليا لتصميم المناهج الدراسية في الكليات التقنية في سلطنة عمان وتم تكليفه برئاسة لجنة المواد التعليمية فيها . وفي عام (2006) تم إختياره خبيرًا للتعليم التقني والذي من مهامه تطوير المناهج وضمان الجودة التعليمية و التدريبية وكذلك الإعتماد الأكاديمي والتحول من التعليم الورقي إلى التعليم التقني الرقمي ، نال على أكثر من (40) كتاب شكر و تقدير خلال فترة عمله داخل العراق و خارجه ، ولا يزال على رأس عمله في عُمان يفيضُ عطاءً غيرَ مجذوذ .
متابع لمجريات الأمور والأحداث التي ألمت بالعراق والموصل ولم يترك لها شاردةً ولا واردةُ إلا وكان له حضورٌ متميز ومقالات أثيره ، تابع أحداث الموصل آبان أحتلالها من الدواعش الأنجاس وواكب عمليات التحرير ساعة بساعة فنشر العديد من المقالات بما يخص كافة الجوانب التي رافقت هذه الحقبة الأليمة فشخص العديد من مواطن الخلل وشارك برأيه السديد في العديد مما نشر من مشاريع ومقترحات وحلول فكان له دور مميز فيها وتشخيص سليم لمقومات نجاحها وتطبيقها وينشد فيها ما يطمح له بأن يتم إعمار و بناء ما دمره وحوش العصر ألدواعش الأنجاس وأن يتحقق في الموصل تعليم متميز و مدارس و رياض أطفال بأعلى المواصفات العالمية مع تأسيس مكتبات عامة في كل أحياء الموصل وكذلك إنشاء منتزهات كبيرة موزعة بإنتظام في كل أرجاء الموصل والعمل على تحقيق مشروع زراعة مليون شجرة زيتون لإضافة مسحة للجمال فيها والذي يزرع البهجة في النفوس .
مشجع قوي جدًا لفعاليات العمل التطوعي لأبناء الموصل والتي أثبتت حضورها وجدوتها من خلال نتاجها المميز في حملات التطوع الشبابية التي نظمها شباب وشابات الموصل أثناء وبعد الإنتهاء من عمليات التحرير عبر حملات توزيع المساعدات الغذائية والمياه في المناطق المحررة وكذلك القيام بعمليات التنظيف ورفع الأنقاض وحملات التبرع بالدم وحملات جمع الكتب إضافة إلى عمليات صيانة وترميم وصبغ وإعادة إفتتاح العديد من المدارس والمؤسسات التعليمية والصحية كالمستوصفات والأقسام غير المتضررة في بعض المستشفيات علاوةً على إستقبال وتوديع الوفود القادمة للتهنئة بتحرير الموصل وغيرها الكثير ويتطلع إلى أن يكون للقطاع الخاص دورًا كبيرًا ومشاركة فعالة في تطوير الموصل في المرحلة القادمة .
سجل موقفًا إضافيًا مشرفًا لماضيه العلمي والعملي عندما أعلن مقولته كما في الصورة أدناه نهارًا جهارًا وعلى رؤوس الأشهاد وبكل ما عرف عنه من شجاعة في القول وصراحة في تشخيص الخلل ، مؤيدًا في تعليق له على مقالنا المنشور بتاريخ (30/حزيران/2017) بعنوان (ياخيل نينوى أركبي) ليقول للمعنيين في منشورنا بأن لا مكان لكم في قادم الأيام التي أثبتت فشلكم الذريع وكذب إدعائكم وشعاراتكم المزيفة وكنتم وستبقون سبب مأساتها وما عانت وأهلها فيما بعد من جراء إدارتكم الفاشلة لشؤونها في سابق عهدكم ، أنتهى عهدكم فيها فأرحلوا عنها كما رحل غربان الشر وولت طيور الظلام عنها ولا مكان لكم بيننا بعد الآن ، فالبدائل متوفرة ونينوى مليئة بالصادقين قولًا والمخلصين عملًا وفيها من الرجال و الكفاءات الكثير والقادرين على خدمة المحافظة بكل جدارة و إستحقاق ، أضعها أمامكم سادتي الكرام وأتمنى أن تروق لكم وتأخذ إستحقاقها في مشاركاتكم لزيادة رقعة نشرها ولتكون حكمةً ثابتة وقولٌ حق صدر في زمنٍ إلتزم الصمت فيه البعض وجافى الحقيقة فيه الكثير وتقبلوا وافر الإحترام والتقدير .
حسن ميسر صالح الأمين
10/8/2017
والمقولة هي :
إن من فشل في إدارة الموصل و أداء مهامه يجب أن ينسحب من الحياة السياسية و يتوارى عن الأنظار لأن الموصل لا تتحمل كارثة ثانية .
الدكتور
أمجد عبد الرزاق كرجيه
617 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع