من حكايات جدتي ... الرابعة والستين

                                      

                      بدري نوئيل يوسف

من حكايات جدتي ... الرابعة والستين

قرع الطبول

انه كان هناك صديقان يمشيان في الصحراء، وفي اثناء سيرهما، اختصما فصفع احدهما الآخر فتألم الصديق لصفعة صديقة فسكت ولم يتكلم بل كتب على الرمل (اليوم اعز اصحابي صفعني على وجهي)، وواصلا المسير ووجدا واحة غناء فقررا الاستحمام في بحيرة الماء ولكن الذي انصفع وتألم من صديقه علقت رجله في الطين وكاد يغرق فأنقذه صديقه الذي صفعه، ولما تمالك الغريق نفسه ابتسم لصديقه ثم قام وحفر على الصخر، (اليوم اعز اصدقائي انقذ حياتي)، فسأله صديقه: عندما صفعتك كتبت على الرمل، لكن عندما انقذت حياتك من الغرق كتبت على الحجر.لماذا ؟ فأبتسم وأجابه: عندما يؤذينا شخص فعلينا ان نكتب على الرمل لتأتي الريح تمحوه وتجلب معها المسامحة، عندما يؤدي لنا شخصا معروفاً، فيجب أن نكتب على الصخر ليبقى ذلك، برغم هبوب الرياح ، فلنتعلم أن نكتب آلامنا على الرمال، ونحفر التجارب الجيدة على الصخر شي رائع حتى يبقى في ذاكرة القلب حيث لا رياح تمحوه. هذه الحكاية اعجبتني فيها عبرة وحكمة جميلة تعلموا يا اولادي المسامحة والغفران.
نعود لحكايتنا هذه الليلة:يحكى أن كان هناك تاجر ذكي وأمين يدعي منصور، كان يتسم بالأمانة والصدق ويهتم ببيع أفضل أنواع البضائع، مما جعل جميع التجار والزبائن يتناقلون أسمه فى أنحاء السوق، حتى أصبح من أشهر وأغنى التجار، وصار كبار التجار يحسدونه على تجارته الرائجة، وحسن سمعته والبضائع الجميلة التي أشتهر بها دكانه، وتزاحم الزبائن عليه لشراء أجود أنواع الأقمشة والحرير، وذلك لأنه كان يبيع بأرخص الأسعار ويرضى بالقليل من الربح ويشكر الله عز وجل على رزقه، وكان منصور التاجر دوماً يردد كلمة (كن متسامحاً في بيعك تكسب كثيراً من الأصحاب والزبائن)،كان هذا مبدأ منصور التاجر فى البيع والشراء.
فى يوم من الأيام جاء رجل غريب عن السوق ووقف عند دكان التاجر منصور وأخذ يقلب فى الأقمشة ويتحسس الحرير وبدأ يختار أجود الأنواع قائلا لمنصور: أنا تاجر مثلك وقد أعجبتنى بضاعتك وأريد شراء كذا وكذا، ولكن للأسف ليس معى ما يكفي من المال لشرائها الآن، وإذا أتيت معى إلى مدينتي سوف أعطيك الثمن وأكرمك، رد منصور على الفور: لا بأس خذ كل ما تحتاج فأنا ليس من عادتى أن أرفض طلب أحداً أبداً، وفعلاً أختار الرجل الغريب كل ما أراد من القماش وساعده منصور فى حملها حتى وصل إلى اخر السوق وودعه وذهب.
وبعد مرور عدة أشهر أراد منصور التاجر أن يسافر إلى مدينة الرجل الغريب ويزوره ويطمئن على أحواله، ويقضى فترة راحة بعيداً عن السوق وعن عناء العمل، ويأخذ منه ثمن البضاعة التي اشتراها منه.
سافر منصور إلى المدينة وكان الطريق طويل جداً وشاق وبمجرد وصوله إلى السوق، أخذ منصور يسأل التجار عن الرجل الغريب حتى وقف أمام متجر كبير ملئ بخيرات الله، وفيه الكثير من العمال والزبائن وعلى باب المتجر وقف الرجل الغريب، دخل منصور إلى الدكان وسلم على الرجل ولكنه أنكر منصور وحلف أنه لم يره أبداً من قبل، ولم يأخذ منه أى شيء ولم يسافر إلى بلدته أبداً، وعندما صمم منصور على أنه يعرف الرجل، نادي الرجل عماله وطلب منهم أن يلقوه خارج المتجر، حزن منصور التاجر الأمين حزناً شديداً، وشعر أنه كان غبي عندما صدق هذا الرجل الغريب، وأعطاه بضاعته دون أن يقبض منه قرشاً واحداً، أخذ يفكر ماذا فعل وكيف يرد ماله وكرامته.
أخذ منصور يسير فى أنحاء وشوارع المدينة حتى أحس بالتعب فدخل إلى فندق صغير وبات فيه ليلتها، وعندما غلبة النعاس أستيقظ مفزوعاً على صوت قرع الطبول بجميع أنحاء المدينة، أستغرب منصور وسأل صاحب الفندق عن هذا الصوت فأجاب الرجل: أن هذه هى عادة المدينة عندما يموت شخص يدق الطبل أربع دقات بم بم بم بم ، وإذا كان الميت أرفع مكانة وعلماً دق الطبل عشر دقات، ولكن عندما يموت الأمير أو الملك يقرع الطبل عشرين مرة !
هنا خطرت على بال منصور الأمين فكرة ذكية جداً، ترك منصور غرفته وذهب إلى دكان قارع الطبل وطلب منه أن يقرع الطبل ثلاثين مرة! وبالفعل صنع قارع الطبول ما طلب منه منصور ودوي الصوت قوياً جداً فى أنحاء المدينة، سادت البلبلة والفوضى أرجاء المدينة وخرج الجميع يتساءل عن هذه الطبول، حتى وصلت الأخبار إلى قصر الأمير الذى أمر فوراً بإحضار قارع الطبول ليسأله عن سبب قرع الطبل ثلاثين مرة، قال قارع الطبول أن منصور التاجر هو من طلب منه ذلك وأعطاه مقابل فعلة ليرة ذهبية، غضب الأمير وطلب من رجاله أن يحضروا منصور التاجر على الفور. حضر منصور مبتسماً هادئاً ووقع أمام الأمير فى ثقة وشموخ، وعندما سأله الأمير عن سبب فعلته، رد منصور الذكي قائلا: إذا كانت وفاة الأمير تقرع لها عشرين قرعة طبل، فما العجب إن قرع لموت الأمانة والصدق ثلاثين قرعة، أعجب الأمير بذكاء منصور وحرصه على الأمانة والصدق وقال له: والله لن تموت الأمانة ولن يموت الصدق أبداً بين الناس، وأحضر الرجل المحتال وأمر بحبسه ودفع ثمن البضاعة إلى منصور.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

858 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع