د. صبحي ناظم توفيق
عميد ركــن متقاعد.. دكتوراه في التأريخ
23/12/2017
رسالة خاصة للأستاذ "عبدالأمير العبادي"
إلى حضرة الأستاذ عبدالأمير العبادي المحترم
من العميد الركن- المؤرخ- الدكتور صبحي ناظم توفيق
تحية طيبة لشخصكم المعروف بالأنامل البارعة والفكر الممتاز والطروحات المبدعة والمقالات الرائعة التي بلغ تعداد المنشورة منها العشرات بعناوين أخّاذة تُحسَدُ عليها.
لقد نشر لك موقع ((كتابات)) الأغر يوم (الأربعاء-20/12/2017) مقالتك الموسومة:- ((لا يادكتور حميد عبدالله الحرس القومي دموي))، فقرأتها بإمعان وبالأخص تلك التي إستجلَبتَ فيها إسمي وسط أسطر عديدة بحديثك الموجّه لزميلنا العزيز "الدكتور حميد العبدالله" وقتما قلتَ نصاً:-
((حتما ستعيد الاسطوانة المشروخة التي تحدث بها (المؤرخ) صبحي ناظم توفيق عن الشيوعين مزوراً الحقائق التي اشار لها "حنا بطاطو وليث الزبيدي ومكرم جمال" وغيرهم، متناسياً أن التركمان كانوا من من المسببين -وإلى اليوم- بعدم إستقرار المنطقة لتبعيّتهم القومية وإصطفاهم مع البعث وبعض القوى الرجعية للوقوف ضد الثورة، وما يثبت ذلك إشتغاله مع عبدالسلام عارف المشرف والمؤسس للحرس القومي))
ولما كان لديك أكثر من طرح يهمّني شخصياً وبشكل مباشر، فقد عزمتُ عدم السكوت لأجيبك بما يأتي:-
• أنك تعمّدتَ بوضع صفتي (المؤرخ) بين قوسين في قصد مظنون فيه... ووددتُ الإيضاح لك أني (((مؤرخ))) فعلاً كوني قد أصدرتُ (عشرة) كتب تأريخية منشورة، (ستة) منها وثائقية، تُضاف إليها العشرات من البحوث والدراسات والمقالات المنشورة والإستضافات ذات الصبغات التأريخية لدى القنوات الفضائية.
• أنا -يا أستاذ- لم أُزوّر الحقائق ((عن الشيوعين والتي أشار لها الأساتذة "حنا بطاطو وليث الزبيدي ومكرم جمال" وغيرهم))، وليس بإقتداري تزويرها أو المسّ بها... بل كنتُ شاهد عيان على أحداث دموية مروّعة عشتُ أيامها ولياليها بساعاتها خلال النصف الثاني لعام (1958) والنصف الأول من (1959)، كما كنتَ أنتَ شاهداً على آثار أعمال الحرس القومي (البعثي).
• وفي حين إعتمد أساتذتنا الثلاثة على وثائق لا ولم أمتلكها -وسوف لن أستطيع إمتلاكها- فلم يُتَح لي ما فُرِشَت أمام ناظرَيهم من مخزونات فضلاً عمّا سمعوه من هذا وذاك، فقد إعتمدتُ -أنا- على ما سجّلته من مشاهد كارثية خلال الأيام الثلاثة لـ"مجزرة كركوك" التي خُطِّطَت تفاصيلها ونُفِّذَت بكل قسوة على أيدي الشيوعيين والبارتيين واليساريين بحق أهلي وأقربائي ومواطني مدينتي الحبيبة، في وقت كنتَ -أنتَ- طفلاً لم يتعدَّ عمرك (أربع) سنوات متنعماً في "البصرة" الفيحاء -المسيطر عليها شيوعياً- بعيداً بواقع (800) كلم عن مجريات مثل هذه الأحداث، ولم تشاهد سوى مخلّفات (((قيل لك)))) أنها من جرائم الحرس القومي.
• ولقد وصفتَني -أنــا- بعبارتك:- ((متناسياً أن التركمان كانوا من من المسببين -وإلى اليوم- بعدم إستقرار المنطقة لتبعيّتهم القومية وإصطفاهم مع البعث وبعض القوى الرجعية للوقوف ضد الثورة))!!! لذلك يحقّ لي أن أُطالبك بإيضاح ما يأتي:-
1. متى وبأية مناسبة تسبب تركمان العراق في عدم إستقرار المنطقة؟؟ فهل ثاروا أو تآمروا أو خططوا لإنقلاب أو إعتصموا أو إنتفضوا أو حملوا السلاح ضد الدولة العراقية منذ تأسيسها ولحد اليوم؟؟ وهل قطعوا الطرق ونهبوا ممتلكات الدولة وسلبوا الآمنين وخطفوا الأبرياء؟؟ وهل قتلوا آلافاً من جنود الجيش العراقي وأفراد قواته المسلّحة؟؟ وهل هاجموا مؤسسات الدولة ودوائرها وسرقوها أو نهبوها وصادروا أسلحتها ومحتوياتها؟؟؟ وهل أحدثوا أية فوضى في ديارهم ومواطنهم أو أي بقعة من العراق؟؟ وهل حاولوا التمدد والتوغل في أرض غيرهم وتعشعشوا فيها وإستحوذوا عليها؟؟ وهل تسببوا في دمار إقتصاد العراق وحوّلوا موازناتها ومواردها إلى صروفات على الحروب والفتن؟؟ وهل آذوا مصالح الوطن وحوّلوا أخصب أراضيه إلى ميادين للقتال وقلبوا العراق من مصدّر للحبوب والمنتجات الزراعية والمواشي والدواجن إلى مستورد لجميعها؟؟ وهل طالبوا بإستقلال أو حكم ذاتي وإقليم فيدرالي ودولة منفصة؟؟ وهل إنضمّوا إلى فصائل إرهابية فجّرت وقتلت مئات الآلاف من الأبرياء بالجملة؟؟ وهل شكّلوا فصائل مسلّحة وميليشيات تتعدى على الناس؟؟ وهل دمّروا مدناً ونواحٍ وقرىً وإستباحوها وإنتهكوا الأعراض بالجملة؟؟ وهل تعاونوا مع أقطار الجوار ودول المنطقة وأُخرَيات عظمى وكبرى عبر البحار والمحيطات في غزو العراق بصحبة الغازي والمحتل؟؟ وهل شكّلوا طابوراً خامساً ودَلّوا الأجانب على مكامن وطنهم وخباياه وأسراره؟؟ وهل إستحوذوا أسلحة جيشهم وقواتهم المسلحة وسلّموها للأجنبي؟؟
فلماذا هذا الإجحاف غير المبرر بحق التركمان من لدنك؟؟؟؟؟؟؟؟
2. وأية ((ثورة)) تشير إليها وتتحدث عنها وتمتدحها؟؟ أهي ثورة الفوضى والدمار وعدم الإستقرار والقتل والقصف والمعتقلات والسجون والمذابح والمجازر والسحل بالحبال والتمثيل بالجثث وتعليقها على الأعمدة وقذفها في الشوارع والأزقة والمقابر الجماعية، والتي لم يألفها "العراق" قبل ((41/تموز/1958))؟؟ وإذا كانت هذه الثورة -العظيمة في أنظاركم- قد حققت كل هذه ((المنجزات العظيمة)) فمن حق التركمان -لو كانوا قد وقفوا ضدها وتصدّوا لها- أن يتشرفوا بذلك حتى لو إصطفّوا إلى جانب ((الشيطان)) حيالها.
3. وإذا كنتَ تقصد بعبارة ((تبعيّتهم القومية)) بإرتباط التركمان بقوميتهم التُركية، فلا ضَير ولا يُنكَر كونهم مرتبطين بأمّتهم العريقة بعرق واحد وأولاد عمومة... ولكن ذلك شرفٌ يفتخرون به ويزهون، بل ويصرّون أنهم لم يتبعوا أو يكونوا عملاء يوماً ما، لا لـ"موسكو" ولا "واشنطن" ولا "لندن" ولا "باريس" ولا "تل آبيب" ولا "طهران"... وفي حين لا يؤمن معظم التركمان بالعشائرية والقبائلية كونهم حَضَريّين ومَدَنيّين، فإنك أنتَ -ما دمتَ تحمل لقب "العبادي"- تقدّر إرتباطات الدم والجذر والأصل أكثر من التركمان بكثير.
4. أما عبارتك نحو التركمان بـ((إصطفاهم مع البعث وبعض القوى الرجعية للوقوف ضد الثورة)) فبها نأيتَ تماماً عن واقع "تركمان العراق" لبُعدك الجغرافي عنهم وعدم معايشتك لإياهم في مواطنهم... ففي الوقت الذي لا تُنكَر مقاومتهم للشيوعيين والبارتيين واليساريين حفاظاً على مواطنهم وأنفسهم، ولكنهم لم يصطفوا مع البعث بشكل مطلَق حتى بعد سيطرة هذا الحزب على سدة الحكم، سواء بعد (14/رمضان-8/شباط/1963) ولا حتى بعد (17/تموز/1968)، وذلك ما أغاظ حكومة البعث ضدّهم فأقدمت على جملة خطوات جادة لتذويبهم وتهجيرهم، ومئات الإجراءات لإيذائهم وتعريب مناطقهم، وذلك على عكس ((الغالبية الساحقة)) من أهل وسط العراق وغربيّه وجنوبيّه الذين تقلّب معظمهم من مَلَكيين إلى شيوعيين ثم بعثيين إلى قوميّين قبل أن يعودوا بعثيين مرة أخرى ولغاية غزو العراق وإحتلاله عام (2003)، حتى إنقلبوا بقدرة قادر إلى مظلومين.
5. وأُؤكّد لمقامك أن قلّة من التركمان من إنتمى للبعث في أوجّ سطوته بالحكم خلافاً لمن إستجلبهم هذا الحزب إلى صفوفه من أعراق العراق وطوائفه وأطيافه الأخرى... فلا أدري من أين أتيتَ بهذه الفرية يا أستاذنا الكبير!!!؟؟
• والآن فلنعرج على شخصي وقتما تسترسل في مقالتك بقولك:- ((وما يثبت ذلك إشتغاله مع عبدالسلام عارف المشرف والمؤسس للحرس القومي)) لأثير أزاءها ما يأتي:-
1. ما هذا الربط الساذج بين عبارتك ((تسبب التركمان بعدم استقرار المنطقة لتبعيتهم القومية واصطفاهم مع البعث وبعض القوى الرجعية للوقوف ضد الثورة)) وبين ((إشتغالي مع الرئيس "عبدالسلام عارف")) ضابطاً في الحرس الجمهوري؟؟؟
2. ويبدو أنك لا تعرف شيئاً عن العسكرية وقوانينها!! فهل من ضابط تخرّج لتوّه في الكلية العسكرية -أو حتى لدى كونه بأعلى الرتب- أن يرفض أمر مدير الإدارة بوزارة الدفاع ولا يلتحق بالوحدة العسكرية الـمُنَسَّب إليها، في وقت لم يكن جيشنا العراقي المنضبط أشبه بـ((جيش محمد العاكول))؟؟!!
3. وأُضيف لمعلوماتك -التي تبدو متواضعة وسطحية في هذا الشأن- أن "عبدالسلام عارف" بعد سيطرة البعث على الحكم في (8/شباط/1963) ولـ(تسعة) أشهر متلاحقات كان مجرد "رئيس جمهورية" بالإسم معدوم الصلاحيات، وأن "الحرس القومي" قد تقرّر تأسيسه عند التخطيط لتلك الحركة التي لم يكن "عبدالسلام عارف" على علم بها ولا ضلعاً فيها لغاية الساعة الثامنة من صباح ذلك اليوم... وأنه لـمّا تلمّس ما آل إليه العراق من فوضى وعدم إستقرار على أيدي قادة البعث وحرسهم القومي، فقد بادر لإنقاذ الوطن من براثن ((حرب بَينيّة)) يخوضها مسلّحو جناحا الحزب المتصارعان على الكراسي.
4. أما مقر "قيادة الحرس القومي" -تحت إمرة "المقدم الطيار منذر الونداوي"- فقد كان أول الأهداف التي قُصِفَ بالطائرات في "بغداد" وهاجمته وحدة من الجيش في الصباح الباكر ليوم (18/ت2-نوفمبر/1963) –((وكنتُ في حينه تلميذاً بالصف المتقدم من الكلية العسكرية))... كما قضت الخطة الإنقلابية على تجريد كل أفراد الحرس القومي من أسلحتهم وإعتقالهم كأسبقية أولى وقتل من يقاوم منهم.
5. وقد شَتـّتَ "عبدالسلام عارف" كوادر "البعث" وتنظيماته -العسكرية والمدنية- شذراً مَذَراً، وأبقاهم موقوفين أشهراً عديدة قبل أن يأمر بنقلهم إلى مناطق نائية وإبعاد ضباطهم من الصنوف الخطرة، كالقوة الجوية والدبابات والمدرعات... ولولا وفاته بحادث الطائرة مساء (13/نيسان/1966) لـما عاد "البعث" إلى سدّة الحكم مرة ثانية.
6. ذلك هو "عبدالسلام عارف" الذي خدمتُ في حرسه الجمهوري وحماية نظامه -ولكن بصفتي ضابطاً في الجيش العراقي- لعامين متتاليين بإخلاص –ولو على مضض- قبل أن أتقدّم بعريضة رجاء لمدير إدارة الجيش لنقلي إلى إحدى الوحدات العاملة في شمالي الوطن... وتمّ ذلك.
وختاماً أرجو قبول فائق إحترامي لقلمك المحتاج للكثير من المعلومات مع الأسف.
548 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع