اسماعيل مصطفى
الأصمعي الجديد (الومبي)
تعتبر محلة الأصمعي الجديد المعروفة أيضا باسم "الومبي" من المناطق القديمة والعريقة في محافظ البصرة جنوب العراق. وسميت بهذا الاسم نسبة للشاعر المعروف (عبد الملك الأصمعي) المولود والمتوفى في البصرة.
أمّا كلمة الونبي أو الومبي ( 1 Bأو ONE B ) فقد ألحقت بهذه المحلة نسبة إلى الشركة البريطانية التي أنشأتها في خمسينات القرن الماضي. تبلغ مساحة هذه المحلة كيلو متر مربع واحد تقريباً، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام حسب عدد غرف الأبنية المتكونة منها، وهذه التقسيّمات عرفت باسم "أبو غرفة" و"أبو غرفتين" و"أبو ثلاث غرف".
ورغم قلّة مساحة هذه المنطقة إلّا أنها أنجبت الكثير من الشخصيات المعروفة والمهمة في مختلف المجالات الرياضية والفنية والأدبية والعلمية وغيرها.
واشتهرت محلة الومبي بكونها من المناطق التي تحيط بها أربعة أنهر متصلة بشط العرب الشهير في البصرة الذي يتكون من رافدي دجلة والفرات بعد التقائهما في في منطقة (گرمة علي) المدخل الشمالي لمدينة البصرة.
ومن أبرز معالم "الومبي" المدارس التي خرّجت الآلاف من خيرة رجال وشباب وطلبة البصرة الذين تبوؤا مناصب مهمة في شتى الميادين.
إلى جانب ذلك هناك الجوامع (المساجد) التي عرفت بها هذه المحلة والتي كانت هي الأخرى محط أنظار أهالي المنطقة والبصرة بشكل عام.
وامتازت محلة الأصمعي الجديد (الومبي) منذ بداية نشوئها بشوارعها وأزقتها المنظمة التي تدلل على ذوق المهندسين الذين خططوا وأشرفوا على تصميمها وبنائها.
من الميزات الأخرى لهذه المحلة كثرة الأشجار المتنوعة الثمار في بيوتها إلى درجة يمكن اعتبارها بمثابة حديقة واسعة فيها ما لذّ وطاب من الثمار كالتمر والنبق والبمبر* والتوت "التكي" والعنب والتين ومختلف أنواع الأزهار كالياسمين والرازقي والقدّاح وغيرها.
ومن الأمور الملفتة للنظر في محلة الأصمعي الجديد (الومبي) هي العلاقات الاجتماعية الواسعة بين مختلف شرائحها الاجتماعية إلى درجة يمكن القول معها بأنها أشبه بعائلة كبيرة يرتبط أعضاؤها بأواصر قوية على كافة الأصعدة.
كما تمتاز المحلة بأسواقها الشعبية التي فيها أيضاً ما لذّ وطاب من الأسماك ومختلف أنواع الطيور والفواكه والثمار التي لاتعد ولا تحصى. وهناك أشياء قد لايعرفها سوى أهل البصرة ومناطق قليلة أخرى مثل "دگ السبال" ويقصد به فستق العبيد والباصورك والچقچق والخرّيط وغيرها.
وعرفت محلة الأصمعي الجديد بكثرة ألعابها الشعبية من بينها لعبة الخرز"الدعابل" بنوعيها "الأورطة والطنب" والدوّامات "المرصاع" و"الطرّة - كتبة " و"عظيم الضاع" و"ولّي جاك" و"شرطة وحرامية" و"خريساني" و"روّت" و"سبع قبقات" و"صگيلة" و"جمّد" و"هويشة" و"طمّ خريزة" وغيرها الكثير الكثير.
كما عرفت هذه المحلة ببيع مختلف أنواع المأكولات الشعبية بينها "عسلية أم العسل" و"بيض اللگلگ" و"البخصم" و"طابق لوز" و"عالعودة" و"الدوندرمة" و"الليدي" و"شعر بنات" و"الشاميّة" وشيصمله "شيخ اسم الله" و"الگرگري" و"المشبوش" وغيرها مما لايعد ولايحصى.
وعرفت المحلة كذلك بصمّونها الحجري الشهير وخبزها المنوّع كالتفتوني والباكش والتمويني وخبز البيت وغير ذلك.
إلى جانب ذلك اشتهرت محلة الأصمعي الجديد بتنوع نسيجها الاجتماعي، ففيها المسلم والمسيحي والصابئي وأقوام وأعراق أخرى قدِمت إليها من مختلف مدن ومحافظات العراق لاسيّما محافظتي العمارة "ميسان" وذي قار "الناصرية" المجاورتين للبصرة.
وفي الومبي الكثير من أصحاب البشرة السوداء إلى جانب الكثير من أصحاب البشرة الحمراء الذين كنّا نقول عنهم أنهم مولودون في ليلة القدر.
وكان فيها أيضاً الكثير من البيوت التي تُربي المواشي كالأبقار والأغنام والماعز والدواجن والطيور بمختلف أصنافها من بينها "طيور الحُب" والببغاوات ودجاج خيبر "الفسيفس" والقِطا "الگطاية" وغيرها. كما يتم تربية "تدجين" العديد من الحيوانات غير الأليفة مثل "أبو العرس" وهو حيوان برّي أكبر من الجريدي وأصغر من القطّ وهو يمتاز بحركته السريعة وأسنانه الحادّة.
من الظواهر الاجتماعية في محلة "الأصمعي الجديد" ظاهرة جلوس الأهالي على شكل حلقات خارج البيوت من أجل التسامر وتجاذب أطراف الحديث. كما يمتاز أهالي الومبي بالعلاقات المتينة التي تبرز بشكل واضح خلال الأعراس ومجالس الفواتح والمآتم والأعياد وغيرها من المناسبات الدينية والاجتماعية.
ومن الغريب حقّاً أن محلة الونبي تضم في إطار نسيجها الاجتماعي مختلف أصناف البشر من حيث التحصيل الدراسي أو المستوى الثقافي وغير ذلك؛ فتجد بينهم الكثير من الأطباء والمهندسين والمحامين وخرّيجو شتى الكليات العلمية والأدبية إلى جانب الأُمّي ومربّي الأبقار والأغنام والماعز إلى درجة أن بعض الناس تخرج من بيوتها وهي تضع الورود على صدورها أو رؤوسها في حين ترى آخرين يمشون في الطرقات وهم حُفاة أو شبه عُراة بسبب الفقر تارة أو بسبب العادات الاجتماعية تارة أخرى.
ومن الظريف أن الكثير من الحيوانات الأليفة "كالمواشي والدواجن" تجدها في شوارع وأزقة المحلة دون أن يعترضها أحد، فهي تجوب الطرقات من الصبح وحتى المساء وكأنها جزء لايتجزأ من المحلة.
والومبي عُرف منذ نشوئه قبل حوالي 70 عاماً بتعرض الكثير من ساكنيه لاسيّما شريحة الشباب إلى الظلم الفادح من قبل معظم السلطات التي تعاقبت على حكم البلد بسبب ميولهم الدينية أو الفكرية التي تتقاطع في كثير من الأحيان مع ما تروّج له الأنظمة المستبدة التي تسعى لفرض أفكارها وآرائها على الناس بالقوة أو من خلال الزيف والخداع، ولهذا قدّمت المحلة الكثير من شبابها قرابين من أجل نيل الحرية والعزّة والكرامة التي تليق بالإنسان باعتباره خليفة الله في الأرض.
ولايفوتنا أن نذكر هنا أن محلة "الومبي" استطاعت أن تجد لنفسها مكانة خاصة بين باقي مناطق البصرة من خلال موقعها الجغرافي المتميز الذي يربط بين مناطق مهمة ومعروفة كالبصرة القديمة ومحلة الجمهورية "الفيصلية سابقاً" والموفقية و"الأصمعي القديم" والصبحة والعاليّة والروّاسة وحي الجمعيات غيرها.
----------
* البمبر، نبات يُطلق عليه أيضاً اسم سبستان دبق، الجاو، أبو الروان، والهمبو. وثماره تؤكل وتستخدم للشفاء من الأمراض وهي تتميز باللون الذهبي والمذاق الحلو، ومن فوائدها علاج أمراض الصدر.
- الخرّيط: مادة غذائية ودوائية تستخلص من نبات البردي الذي لا ينبت إلّا وسط مياه الأهوار، وتستخدم هذه المادة النادرة في معالجة الكثير من الأمراض وأبرزها القولون.
=======
انتهى الجزء الأول
4161 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع