ألأخوّة بين المؤمنين ونماذج لها

                                             

                       يعقوب أفرام منصور

ألأخوّة بين المؤمنين ونماذج لها

ألمؤمنون بالله إخوة في الإيمان بالله الواحد، والآية الكريمة 285 من (سورة البقرة) تنصّ :" آمن الرسول بما أُنزِل إليه من ربّه، والمؤمنون؛ كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورُسله، لا نُفرّقُ بين أحدٍ من رُسلهِ". وفي حديث، يرجّح البعض كونه حديثًا شريفًا، يقول :" الأنبياء إخوة، أمهاتهم شتّى ودينهم واحد".

ألشاعر السوري المهجري، زكي قنصل، قد جسّد هذه الأخوّة بين الأنبياء، وبالتالي بين أتباعهم، لأن دينهم في الجوهر الأساس واحد، ألا وهو السجود والتعظيم والطاعة لله الواحد، ربِّ السماوات والأرض ومهندس الكون الأعظم؛ منه البدء، وإليه الإنتهاء. وقد ورد هذا التجسيد في قصيدته (عِرس الضياء) لمناسبة " عيد الفطر المبارك" :
عِرسَ الضياءِ وغُرّةَ الأعيادِ إنَ القلوبَ إلى نِداكَ صوادِ هشّت لمقدمِكَ السعيدِ حَواضِرُ وتهللتْ - لمّا هللتَ - بَوادِ إني لتربطني بركبِكَ نزعةٌ عربيةٌ ملكت عليّ قِيادي رمضانُ هَبني من أريجِكَ نفحةً ندياءَ تُحيي بالرجاءِ قؤادي يا من يعيبُ عليّ أني شاعزُ متعصّبٌ لعشيرتي وبلادي ما حيلتي في خافقٍ بأضالعي لا يَرعوي لِنَصيحةٍ ورشادِ حبُّ العروبةِ فيه داءٌ مُزمنٌ تمتدُّ عَدواهُ إلى العوّاد عبثًا تحاولُ أن تهزّ عقيدتي مَنذا يهزّ رَواسخَ الأطوادِ؟!
فمع كونه مسيحيّ العقيدة، نراه يحمل الطابع العربي الذي فرضته عليه بيئة مدينة (يبرود) السورية العربية، حيث قضاء (النبك) وسفح (القلمون)، بشكل خاص، والبيئة المجتمعية الوطنية بشكل عام، ذات اللسان العربي والثقافة العربية منذ أكثر من 1500 سنة، وهذي سمة غالبية مسيحيي سكّان سوريا الكبرى ( بلاد الشام = فلسطين ، لبنان، سوريا الحالية "المنكوبة الآن"، ألأردن) عمومًا، وجلّ مئات شعرائها وأدبائها ومفكّريها المعاصرين وعلمائها( منهم رشيد سليم الخوري، جورج صيدح، ألياس فرحات، شفيق معلوف، رشيد أيوب، جبران ،إيليا أبو ماضي ، ميخائيل نعيمة، البستانيون، اليازجيان)؛ حتى نجد زكي قنصل يطلب من شهر رمضان المتسم بمسحة إيمانية ـ روحية لدى العرب المسلمين خصوصًا، سائلاً إياه أن يلبّي له رجاءً لم يُسَمِّهِ، لكنّه مفهوم ـ بدليل الأبيات الأربعة لاحقًا ـ بكونه " رجاء " التآخي والتحبب والتوحّد في السرّاء والضرّاء بين أتباع الديانات الكتابية السماوية المشتركة بإيمان خليل الله إبراهيم، حتى إنه في بيت لاحق يُفصح بأنه لا يعبأ بمن يعيب عليه التعصّب لعشيرته العرب ولبلاده العربية، لأن فؤاده مفطور على هذه المشاعر الأخويّة، فلا جدوى من نُصحٍ وإرشااد يوجّهان إليه بالتخلّي عن هذه الأحاسيس الأخويّة، لأنها راسخة كالجبال، فيقول في ذلك:
عبثًا تحاولُ أن تهزّ عقيدتي مَنذا يهزّ رواسِخَ الأطوادِ ؟!
وتتجلّى هذه الأخوّة بين المؤمنين أيضًا في قصيدة (كنانة الله)، حيّا بهاً وقفةَ مصر الخالدة ضدّ العدوان الثلاثي في عام 1956، خاطب فيها الغربيين الذين وعدوا الشعوب َ بالسلام تضليلاً وكذِبًا:
تلك الوعود التي انقادت لها انفضحت فبانَ تحت إهابِ الشاةِ سرحانُ أبحتُمُ القدسَ للشُذّاذِ فاقتسمتْ عارَ الهزبمةِ أصلالٌ وذؤبانُ لو يستطيعُ لثارَ "المهدُ" من غضبٍ وانصبّ منه على الفُجّارِ طوفانُ أتباعُ طهَ حموا بالروحِ حُرمتَه وعزّ في دولةِ الإسلامِ رُهبانُ فكيفَ يحمي نصارى الغربِ من عبثوا فيهِ ويجري مع التيّارِ (جيرانُ)؟
ويشرح الشاعر في الهامش أن المقصود بكلمة (جيران)، هم الأتراك - جيران العرب - وكانوا من أوائل المعترفين ب "إسرائيل" قي عام 1948!!
في هذا الصدد تتوارد على الذكر أسماء نماذج أخرى جديرة بالذكر من شخصيات العراق البارزة، منهم: يعقوب نعوم سركيس، الولود في بغداد سنة 1876 من أسرة حلبية الأصل، أرمنية النحلة، ، وأنفق من عمره زهاء أربعين عامًا متنقلاً بين أنحاء الشطرة والحي وفلعة سكر والناصرية في لواء المنتفك، ليعيش شهرًا في الخيام والدور القروية، متعهّدًا أملاكه وزراعته. ولم يتخلَّ عن ذلك إلا في سن الكهولة، وكثيرًا ما تفاخر بأنه نصف بدوي أو فلاّح. عمل ونشر في الصحف والمجلات العراقية، وجمع كل الوثائق والمؤلفات الصادرة بلغات مختلفة عن تاريخ العراق و\اهمها مجموعة ضخمة من كتب الرحلات، كما آل إليه 61 دفترًاحوت مذكرات يوسف زفوبودا البغدادي الذي كان كاتبًا في شركة (لنج) للملاحة النهرية ( البصرة ـ بغداد) خلال 46 عامًا، وتوفي في 1908. ومن أهم مؤلفاته ( مباحث عراقية في التاريخ والجغرافية والآثار وخطط بغداد) بثلاثة مجلدات. وصف رقائيل بطّي ـ صاحب جريدة البلاد ـ أسلوبه بأنه أسلوب العلماء لإمتيازه بالمواد الدسمة والمراجع القصيّة. أمّا الأديب اليهودي مير بصري، فقال عنه ( إن أبحاث يعقوب سركيس ودراساته سوف تبقى مصدرًا من مصادر تاريخ العراق في العهد العثماني الأخير، يرجع إليها مؤرخ المستقبل في تحقيق موضوعه وتدوينه). كان موضع إعجاب عديدين من أجانب، منهم ماسينيون الفرنسي، ومن العراقيين مصطفى جواد، كوركيس عواد، مير بصري، وكتب عنه الأب الموسوعي أنستاس الكرملي في مجلة (لغة العرب)، كما كتب أسعد داغر في مصادر الدراسة الأدبية.
ومن الجدير بالذكر هنا الأب الجهبذ أنستاس الكرملي، المخلّد بمجلته (لغة العرب) وموسوعته (ألمساعد) وبمقولته الشهيرة :",ولدتُ عربيًا وعشتُ عربيًا وأموتُ عربيًا." والرسائل المتبادلة بينه وبين أعلام الفكر والأدب واللغة: أحمد تيمور ومحمود شكري الآلوسي؛ فهذه الآثار وغيرها كثير لهي دلائل تنطبق على مغزى عنوان المقال. كما لا أنسى ذكر العوّادَين كوركيس وميخائيل والصحافي والأديب والوزير رفائيل بطّي.
وقمينٌ بالذكر أيضًا ـ مع توخّي الإيجاز ـ إيراد أسماء ثلاثة شخوص بارزين من النحلة اليهودية الأصلاء: أولهم ساسون حسقيل وزيرالمالية في عهد الملك فيصل الأول، ثم الأديبان مير بصري وشاؤول. إضافة إلى ذلك، ثمة أفراد عديدون من ذكور وأناث إحترفوا الفنون الموسيقية عزفًا وإنشادُا، وتركوا خلفهم للوطن تراثًا أصيلاً وقيّمًا، ما برح قائمًا في ذاكرة ووجدان الكثيرين من المواطنين على اختلاف نِحَلِهم وأذواقهم
الشعور والإعتقاد بوجود هذه الأخوّة بين المؤمنين بإيمان أبي المؤمنين إبراهيم، بشكل سائد وعميم، والعمل الدائم بذلك الإيمان، يولّدان الضمان لمستقبل أفضل وأمثل لمكونات شعب الشرق الأوسط المتنوّع المتنافر حاليًا ومنذ عقدين، وخلافًا لذلك تخترق القوى الكبرى والصغرى كيانات هذه المنطقة، وهذه القوى الكبرى خصوصًا هي التي نجحت في تسخير الإرهابيين المتطرّفين لنشر الدمار والخراب والسفك والهمجية في الكيانات المذكورة، كي تحقق هذه القوى الطامعة مطامعها في الثروات الكثيرة في هذه الكيانات، وبقصد تفريق شملها، وإشاعة الفتن والتناحر والإحتراب الذي يرومه ويبثّه دهاقنة االساسة الطامعين و"المفسدين في الأرض"، كما حدث قبل قرن، وحدث في مطلع هذا القرن، ويجري حتى الآن باستخدام داعشيين وأندادهم، وسيجري طالما لبثت شعوب الشرق الأوسط غافلة متناحرة محترِبة بسبب تجرّدها من هذه الأخوّة الإيمانيّة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

785 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع