د.علي محمد فخرو*
لا خوف على أجيال المستقبل
للذين يظنون بأن روح الرفض والتحدى والالتزام بثوابت أمتهم ووطنهم لدى شباب وشابات هذه الأمة قد ضعفت، أو أن قدرتهم على قول ألف «لا» فى وجه تراجعات تلك الثوابت فى الحياة العربية الراهنة قد تراجعت، أقول لهم بأنهم مخطئون وموهومون.
فإبان خطاب لى بمناسبة تخرج مجموعة من شابات وشباب هذه الأمة من جامعة عريقة مبهرة فى مستواها العلمى والأكاديمى، وبحضور مكثف من أقاربهم ومعارفهم تبين لى ذلك الخطأ وذلك الوهم. كان خطابى تنبيها لهم بأخطاء وخطايا العصر الذى تعيشه أمتهم العربية ويعيشه العالم العولمى التائه من حولهم.
لاحظت فى نظرات عيونهم المركزة، وفى رءوسهم المرفوعة المتشامخة، وفى ابتسامتهم العريضة الراضية، وفى القبول والاستحسان لنبرات صوتى الغاضبة عندما يعلو ويشجب ويتحدى، ولكلماتى عندما يشتد النقض وتفضح النوايا الخبيثة ويرفض ما يفعله البعض بهم وبوطنهم وبعالمهم.
وعندما كنت أعبر عن ألم وخيبة أمل شعرت بأن كل ذرة من كيانهم تتألم وتصرخ لتنقلب إلى نيران متقدة تريد النزال والمواجهة والانتصار.
وعندما، أخيرا، سمعت تصفيقهم لما قيل، ولما عبر عنهم بحركات الجسد المتعب، شعرت بالسلام والطمأنينة والثقة يملؤون روحى وعقلى، وتأكدت بأننى حقا أمام أجيال المستقبل العربى المشرق، فانحنيت لله شاكرا ولهذا الجيل ممتنا ومتعاطفا.
علمت آنذاك بأن أكاذيب إعلام العلاقات العامة لن تمر، وأن كلمات النفاق لن تخدع هذا الجيل، وأن عقد الصفقات مع هذا العدو أو ذاك المتآمر لن تقبل، وأن الإصلاحات المظهرية لن تكون كافية، وأن استعمال الدين وألقه فى انتهازيات السياسة لن يخدع إلا مستعمليه وأتباعهم فى الخيانات والنفاق والزبونية.
هذا جيل لن يقبل قط بتمرير صفقة القرن المطبوخة فى واشنطن وتل أبيب، والمحلاة فى هذه العاصمة العربية أو تلك، فهو يعرف الفرق بين الحق والباطل، بين الوقوف مع إخوة لهم مظلومين وبين طعنهم وطعن قضيتهم بخناجر الجبن وقلة المروءة.
هذا جيل لا يعرف الخسة فى تقديم المصالح المشتركة المؤقتة مع الخارج الاستعمارى على روابط العروبة القومية وإخوة الإسلام والمصير الواحد فى التاريخ والحاضر والمستقبل.
ولذلك لن يتفهم قط ولن يقبل قط بالتصويت فى محفل دولى مع دولة عدو على حساب دولة عربية شقيقة. هذا جيل لن ينجر إلى تقديم أى صراع وأى خلاف، مهما كان موجعا وغير مقبول، مع أى دولة غير عربية على صراع أمته الوجودى مع الفكر الصهيونى ومشاريعه الاستعمارية الاستئصالية، وبالتالى سيرفض مصافحة اليد الملطخة بدماء إخوته حتى ولو ألبست بألف قفاز من الكذب والمراوغة والابتسامات الشيطانية.
هذا جيل لن ينجر إلى ساحات الجهاد الجنونى الإرهابى المرتكب لجرائم الاغتصاب وقتل الأبرياء وحرق الأرض واللابس كذبا وبهتانا وتدليسا لعباءة دين الحق والقسط والرحمة، دين الإسلام.
هذا جيل لن يتنازل عن هدف وحدة أمته لتعيش منيعة أمام الطامعين فى ثرواتها، عن هدف تحررها من كل هيمنة استعمارية أجنبية، عن هدف انتقالها إلى ديمقراطية سياسية واقتصادية أساسها كرامة الإنسان والعدالة الاجتماعية والمواطنة الحقة والمتساوية، وعن هدف النهوض من التخلف التاريخى والالتحاق بركب الحضارة الإنسانية للعب دور إنسانى رفيع فى كل ساحاتها وأنشطتها.
كل ذلك وأكثر من ذلك رأيته فى عيون تلك المجموعة من شباب وشابات الأمة، ولمسته فى كل حركة جسدية تجاوبت مع كلمات ونبرات الإصرار على التغيير الكبير العميق المطلوب فى أرض العرب.
ولذا على الذين يراهنون بأنهم سيخدعون هذا الجيل أو سيتلاعبون بعواطفهم، أو سيسكتوه بقطع خبز جافة يرمونها تحت أرجله، أو سيسلطوا عليه كتبتهم وفقهاءهم وإعلاميهم.... عليهم جميعا أن يدركوا، قبل فوات الأوان، بأنهم إنما يراهنون على أوهامهم وخداعهم للنفس وقلة مروءتهم، وليس على هذا الجيل النبيل العف الغاضب.
*مفكر عربى من البحرين
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
943 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع