علي المسعود
الفيلم الفنلندي ( الجانب الآخر من ألأمل ) تجسيد للأغتراب داخل الوطن و خارجه !!
The Other Side of Hope
لعل قضية اللجوء بحرًا إلى أوروبا طغت في السنوات الأخيرة كإحدى المشكلات التي يحاول المجتمع الدولي إيجاد حلول لها، مع وصول ما يزيد عن 800 ألف لاجئ سوري إلى القارة الأوروبية معرضين أنفسهم لأقصى درجات الخطر بحثًا عن الأمان وقد باتت قضية اللاجئ السوري من القضايا المهمة لذا يتطلب تسليط الضوء على المحنة السورية ولهذا السبب نلاحظ الازمة السورية مطروحة بقوة في عالم الفن في ألاونة ألاخيرة. وقد وجد العاملين في السينما مادة غنية في نقل صورة الالم و المعاناة السورية .وفي هذا الاطار خرجت لنا العديد من الاشرطة السينمائية التي حازت على الاعجاب والجوائز في العديد من المهرجانات العالمية. وقد إستوحت هذه الافلام قصصا من المعاناة السورية والاثار الكبيرة للحرب والخراب الذي تركت ندوبها على ارواحهم و سلوكهم . ومن هذه الافلام الفيلم الفنلندي " ألجانب ألآخر من ألأمل " وهومن إخراج (لأكي كورسماكي ). في هذا الفيلم والذي أراد المخرج الكبير أن ينهي مسيرته الفنية و يعتزل أن يقدم آكي كوريسماكي في فيلمه رؤيا خاصة عن اللجوء لتصبح فكرة اللجوء اكبر وأشمل .
ترتكز أحداث هذا الفيلم حول شخصيتين رئيسيتين، الأولى هي شخصية السوري "خالد علي" والذي أدى دوره الممثل الشاب "شروان حجي"، الذي وصل فنلندا عبر باخرة لنقل الفحم اختبأ بداخلها حتى خرج وهو مغطى بالفحم و الاسود من الرأس إلى أخمص القدمين, وهو لاجئ سوري هرب من مدينة حلب بعد قصف منزله ومقتل جميع أفراد عائلته ما عدا شقيقته "ميريام". يجد خالد نفسه في العاصمة الفنلندية "هلسنكي" عن طريق الصدفة أثناء رحلته الوعرة بطول وعرض القارة الأوروبية بحثا عن شقيقته التي تاهت عنه أثناء وجودهما معا على الحدود الهنغارية، أللاجئ السوري خالد يجد طريقه إلى الحمام وينظف نفسه، وبعدها يسأل مسؤول محلي" أين يمكن العثور على الشرطة ؟"و لغرض تقديم اللجوء يقوم بتسليم نفسه كمهاجر غير شرعي ، في مركز استقبال اللاجئين يتحدث الى المحققة عن رحلته المضنية إلى فنلندا بعد خروجه من أنقاض حلب،ويبدأ في سرد مأساته بفقدان والدية وبيته بعد سقوط قذيفة عليه, وفي مقابلاته المتلاحقة في مكتب الهجرة يجيب على الأسئلة بكل رتابة مصرًا على الاستمرار خصوصًا بعد أن رفضت السلطات الفنلندية طلب لجوئه بحجة أن الوضع في مدينة حلب شمال سوريا جيد، والحياة هناك ممكنة. عند سؤال المحققة " هل أنت مسلم سني , أم شيعي , أم علوي؟ فيرد لها باجابة لها دلالتها وهي انه لاينتمي لاي من الثلاث وهي حالة رفض للمذهبية وغيرها من التقسيمات الطائفية التي هي السبب في الخراب الذي حل في وطنه وبسسب هذا الصراع فقد امه و ابيه و ضياع اخته مريم .وبات هدفه الذي رسمه عند هروبه من سوريا هو البحث عن اخته المفقودة "مريم " . قد يكون مشهد استجواب خالد في مركز الاحتجاز المريب هذا هو أكثر نشرة لحقيقة مايحدث في سوريا من فظائع واقعية حقيقية بسبب القتال الدائر سواءأ من الجماعات الارهابية او من النطام .
تتعقد الأمور أكثر حين يُقابَل طلب السوري " خالد علي " للجوء الى فنلندا بالرفض، مع صدور حكم قضائي بترحيله إلى بلده سوريا رغم ان نشرات الاخبار تعج بصور الدمار والدماء الذي يصبغ المدن والقرى السورية . لكنه ينجح في الفرار من مركز الحجز، ثم يتعرض خلال هروبه وكذالك إختفاءه لعدة إعتداءات من جانب الجماعات العنصرية الفنلندية، ونتابع قصة اللاجئ السوري خالد وصداقته مع الشاب العراقي هو الآخر لاجئ مازداك وقد أدى الدور الممثل (سيمون حسين البزون) والذي يزامله الإقامة في مركز الإيواء، ويساعده بشهامة وتضامن حقيقي في البحث عن شقيقته مريم .
على الجانب من كل هذا يعاني خالد من أزمة أخرى تزيد من الثقل والبرودة على قلبه، حيث تلاحقه مجموعة من النازيين الجدد من هؤلاء الذين يعتبرونه يهوديًا ويريدون القضاء عليه، عبر مراقبته والتعرض له، وأخيرًا طعنوه بسكين في بطنه، ليصبح خوف خالد مزدوجًا من الشرطة التي تريد طرده من فنلندا ومن العنصريين أيضًا ممن لا يعرفون الأشخاص إلا بأشكالهم . يسير الفيلم في البداية في خطين متوازيين، الخط الموازي والذي نتابع فيه مسار حياة المواطن الفنلندي " ويكستروم " وهو يشق طريقه وحيدا في حياته الجديدة متسلحا بشعار (ليس لديّ أصدقاء). وهذه الشخصية الثانية "ويكستروم" والذي يقوم باداء . الشخصية الثانية "ويكستروم" والذي يقوم باداء الدور المطرب و والممثل ( ساكاري كويسمانين) ، وهو رجل فنلندي متقدم في العمر يفترق عن زوجته التي يحبها بسبب إدمانها للكحوليات، ثم يبدأ في جمع المال عن طريق بيع أغراضه القديمة وكسب مبلغ ضخم من لعبة البوكر ليكوّن ثروة في مدة قياسية تمكنه من بدء مشروع استثماري بامتلاك وإدارة مطعم في أحد الأحياء بالعاصمة هلسنكي، ويشتري المطعم والذي يشككون موظفوه الثلاثة السابقة في إعادة نشاطه. ويكستروم يبحث عن حياة أخرى قد تكون ممكنة في هلسنكي، بعد قراره بالانفصال عن زوجته وترك البيت والعمل، والبحث عن فرصة أخرى للبدء من جديد، ويكستروم في منتصف العمر، بينما خالد أكثر شبابًا، نجدهما إلى جانب بعضهما في محطة واحدة من انتظار الأمل . فالدايمار يجد خالد مختبئا بالقرب من مطعمه ، ويعطيه ملجأ ، ويستأجره. فالديمار وموظفوه يساعدون خالد في الحصول على أوراق جديدة. ويكستروم يستأجر شابا يجيد تزوير بطاقات الهوية، يدفع له مقابل أن يستخرج لخالد بطاقة أمام عيون المجموعة داخل المطعم باستخدام جهاز كمبيوتر شخصي وآلة طباعة صغيرة، ثم يتفق مع سائق شاحنة على أن يأتي لخالد بشقيقته مريم من بلد آخر ويقوم بتهريبها سرا إلى هلسنكي، وهذا السائق نفسه يرفض أن يحصل على أجر مقابل هذه الخدمة الإنسانية، فالأقدار دائما ما تلعب دورها في تحقيق المعجزة الإنسانية التي ربما تغيب عن الواقع الحقيقي . إذا كانت مشكلة خالد هي الاغتراب في بلد جديد، فمشكلة ويكستروم هي الاغتراب في بلده وبحثه عن محاولة جديدة، فيتأمل يخطط وينفذ بنفسه ما يقترحه على نفسه، ليبدو هامش الحرية هذا كبيرًا عند ويكستروم و بالمقابل يكون معدومًا في حالة خالد، كما أن لدى ويكستروم حظ أقوى من حظوظ خالد فقد ربح الأول المال في لعبة قمار لن يعيدها، وتلك فسحت أمامه المجال للبدء من جديد، أما لعبة خالد فلم يحن موعدها بعدها.
يضعنا المخرج الفنلندي الرائع ( آكي كوريسماكي ) في فيلمه " الجانب آلاخر من ألأمل ". أمام نمطين أو صورتين من صور ألاغنراب الاولى الاغتراب داخل الوطن جسدها الفنلندي فالديمار و الثانية إغتراب السوري خارج وطنه والممثلة بغربة "خالد " عن وطنه.
ولابد لي في التعريف بالممثل السوري شيروان حاجي والذي لعب دور البطولة في فيلم ( آكي كوريسماكي ) عندما تخرّج الممثل السوري الشاب شيروان حاجي من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق كممثل لم يكن يعلم أي قدر ينتظره. عمل في بعض الأعمال التلفزيونية مع ممثلين مثل أيمن زيدان ورامي حنا قبل أن يقرر السفر إلى أوروبا لاستكمال دراسته في جامعة كامبريدج التي حصل منها على شهادة في الإخراج والإنتاج السينمائي. كان شيروان على موعد مع كتابة ذاكرة موازية أو بديلة عندما تلقى عبر الإيميل إعلاناً لجهة إنتاجية عن حاجتها لممثل من أصل عربي يعيش في فنلندا لأداء دور تمثيلي في أحد الأفلام، تقدّم بلا تردد معتقداً بأن دوره لن يكون أكثر من بائع مثلاً في خلفية أحد المشاهد أو كومبارس ولكنه يتفاجأ بأنه سيكون الشخصيّة الرئيسية في أحد أفلام أكثر المخرجين الفنلنديين تقديراً، الفنلندي الذي لا يمل من نصرة المسحوقين " آكي كوريسماكي" . فيلم "الجانب الآخر للأمل" يتضمّن أحداث ومشاهد عديدة مستلّة من الوقائع اليومية لطريقة معيشة الانسان الأوروبي، في ظلّ كثافة الحضور البشري لهاربين من خراب بلدان و دمارها و من بطش حكّامهم، وجرائم هؤلاء الحكّام بحقّ شعوبهم.
الفيلم يعتبر أحد أفضل الأفلام الأوروبية التي ظهرت عن المهاجرين العرب وأكثرها رقة وجمالا وبلاغة . وقد حاز الفيلم على جائزة الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي الدولي عام 2017 لأفضل مخرج ومن نصيب المخرج (أكي كوريسماكي ).
علي المسعود \المملكة المتحدة
1388 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع