عدنان الظاهر
21.8.2018
مُطاردٌ بين الله ويحيى علوان *
( قراءة في كتاب للكاتب الروائي الأستاذ يحيى علوان )
مقدّمة :
بسبب ظرفي الراهن لا أستطيع كتابة دراسة نقدية تحليلية مُعمقة لرواية الأستاذ يحيى علوان ( مُطاردٌ بين .... والحدود ) لذا سأقدم ملاحظات لا من ضرر فيها وقد تنفع. مجرد إختبار ساذج لقدراتي الذاتية كسؤال : هل فهمتُ ما كتب الأستاذ يحيى وهل نجح هو النجاح الأقصى فيما قد كتب ؟ هل فيما كتب هفوات أو مآخذ جديّة من هذه الزاوية أو تلك وما هي طبيعة هذه الهفوات والمؤاخذات وكيف فاتت الروائي وهو الكاتب المتمكن والمثقف ومالك نواصي اللغة العربية نحواً وصرفاً واشتقاقاً ؟
ليس يسيراً الإجابة على هذه الأسئلة خاصة وإني لم أخضْ ـ مثله ـ تجربة القتال ضد البعث في جبال ووديان كردستان العراق ولم أُعتقل مثله وأُعذّب في إيران وربما في غير إيران من البلدان التي مرَّ بها تهريباً أو بوثائق سفر مُزوّرة مشياً على قدمين متورمتين وركبة معطوبة أو على دراجة نارية رادفاً خلف مُهرِّب بساق خشبية كريه الرائحة. سأعرض ما استطعتُ ضبطه وما استهواني من مغامراته الرومانسية التي خاضها وهو واقع تحت أسوأ الظروف.
1ـ إستطرادات الكاتب
المؤاخذة الكبرى على يحيى أنه يترك الموضوع الرئيس الخاص بتشرده في بلدان شتى ومحنته مع غياب الوثائق الرسمية التي تخوله العبور من بلد إلى آخرَ مُجاور ... يترك الموضوع الأهم ويسيح في إستطراد جميل ساحر كسياحة متصوف ينسى نفسه وهو يؤدي الصلاة فيترك السجادة ويشرع برقصات عنيفة تنتهي به إلى حالة الغيبوبة. في سياحات يحيى هذه فلسفة ومناجاة وصلاة مُلحِدة وذكريات وأشعار وحنين لإبنته الصغيرة التي تركها في برلين ليقاتل البعث كنصير ومسؤول جهاز الإعلام المركزي للحزب الشيوعي العراقي في جبال كردستان. يستطرد فيأخذه ( عزمُ القصور الذاتي ) وقانون نيوتن الحركي ولا يتوقف إلاّ إذا تذكّر ابنته أو وجد صيداً ثميناً سرعان ما يقع في فخاخه وهو الهارب الدولي المفلس المتوعك الصحة الذي يمشي على عُكّاز يحسب نفسه ( دون جوان ).
إشتبك في علاقة جنسية مع طبيبة متزوجة فما أغراها فيه ؟ غريب مريض لا يتكلم الفارسية مفلس أو شبه مفلس يظلع وفي عينيه ضعف ( فصل روشنك / الصفحات 155 ـ 180 ). وأكثر ... مارس لُعبة الغزل بأصابع القدمين وأين ؟ في حافلة عمومية ( الصفحات 114 ـ 120 ).
أغرى السيدة سعيدة زوج مّنْ ساعده وأوصله إلى حدود أفغانستان الدولية الأغا إيهاب ... راودها وأغراها ثم واقعها ( فصل يتيم / الصفحات 284 ـ 303 )
وقد ذكر بايرون صاحب دون جوان من بين عديد مَنْ ذكر من أسماء لشعراء غربيين وفلاسفة وأدباء كبار ربما أحصيهم وأضعهم في قائمة خاصة. إستطرادات مُحكمة السبك لكنَّ جوهر الموضوع يضيع ويكاد يختفي في هذا الزحام الكثيف المُفرط. لذا كنتُ في بعض الأحيان أجد نفسي مُضطرّاً أنْ أعبر صفحاتٍ كاملةً لأدفع السأم عن نفسي لا لأنها مُكررة ولكنْ لأني لا أجد فيها جديداً يخص محنته الشخصية والسياسية والإنسانية. إنه يضع قارئه في مأزق أيحسبه روائياً أو كاتب سيرة ذاتية أو ناثرَ شعر ؟ إنه الجميع معاً وفي عين الوقت. ما يهمني هو سيرته الذاتية التي تشبه الأساطير وإنْ شابهه فيها عراقيون آخرون بهذا الشكل أو ذاك.
2ـ فوجئتُ أنَّ لي والأستاذ يحيى علوان أصدقاء ومعارف يعتز كلانا بهم منهم : مهدي عبد الكريم ورضا الظاهر وحكمت تاج الدين ويحيى مجيد بابان وقاسم حول وجلال الماشطة وعبد المنعم الأعسم والفنانة الراحلة زينب ( فخرية عبد الكريم ) وغائب طعمة فرمان وسعود الناصري والراحل الصديق العزيز معن جواد ( أبو حاتم ) و عبد الرزاق الصافي وكاظم حبيب وزميلي في كلية علوم جامعة بغداد المرحوم الدكتور محمد عبد اللطيف مطلب.
3ـ أتساءلُ عن أسباب ركوب الكاتب المُعاني ما ركب وما واجه من مصاعب ومصائب فترك جبال كردستان متوجهاً إلى إيران مُستهدفاً العاصمة الأفغانية كابول في حين أعرف شخصياً أفراداً وعوائل تركوا كردستان أو إيران إلى سوريا ومنها توجهوا إلى بلدان شتى مثل أمريكا وكندا وأستراليا والدول الإسكندنافية وغيرها دون أنْ يعانوا ما عانى صاحبنا من أهوال وعذاب وتعذيب ومشاق خاصة في سفرته الأكثر من خيالية من إيران إلى كابول. نجد في الفصل الخاص برحلته من طهران إلى مدينة مشهد ( حيث مرقد الإمام الرضا علي بن موسى الكاظم ) وصفاً دقيقاً وشروحات ضافية لما كان قد واجه وما عانى وأسمى هذا الفصل ( رِحلةُ الضنى، طهران ـ مشهد / الصفحات 241 ـ 271 ) . لا يفوتني أنْ أُشير إلى ملاحظة نقدية ساخرة لكنها بليغة أنقلها حرفياً لقوّة مغزاها :
(( ...همسَ مفيستو .. ثم أردفَ متسائلاً باستغراب: ما الذي جاء بك إلى هذا الطريق المُضني ؟! .. ستتعبُني معك يا هذا !.. رسمتُ ابتسامة هازئة وصِمتُ عن الإجابة.. ألحَّ مفيستو في معرفة ما دعاني للإبتسام ، قلتُ " لا شئ هو مجرّد خاطر عرض لي، تذكّرتُ فيه قول الشاعر :
سآتيكَ اضطراراً لا خياراً
فشتّانَ اضطرارٌ واختيارُ
لو في يدي كنتُ اخترتُ طريق الجو الذي سلكه المحظوظون! " ))
أو : (( ... لكنْ يا رفيق، ما تكلّي شلون تنحل؟ّ نسوانّة طلكنة وأطفالنا نسونه .. ربُعنة ما عوزهم شي! .. نسوانهم بأوربا وأطفالهم بإيفانوفا / ص 238 ))
4ـ ذكر المؤلف بعض أشعار جبران خليل جبران ( الصفحة 220 ) أعطني الناي ... التي غنّتها فيروز، وقصيدتين لأحمد شوقي ( ص 221 ) هما مُضناك جفاه مرقدهُ وجبل التوباد اللتين غنّاهما محمد عبد الوهاب. هل الشعر كان قد إستهوى الكاتب في ظروف نفسية معينة أم ألحان هذه الأشعار أم الإثنان معاً ؟ الميل للإحتمال الأخير عندي قوي، بدليل أنه، الراوي، ذكر المطربة شادية وأغنيتها المعروفة " قولوا لعين الشمس ما تحماشي / الصفحة 103.. " وقال فيها مَنْ قال إنَّ عين الشمس هو البطل المصري الذي قتل الجنرال الفرنسي إبّانَ غزوة نابليون لمصر.
5ـ إستعار الكاتب أسماء أو أقول العديد من مشاهير الكتاب والمفكرين والشعراء وسواهم وكان في أغلب ذلك موفّقاً دقيقاً صائباً فيما أخذ واستعار. لم يحشر حشراً ولم يُعظِلْ ولم يُقحمْ ما أخذ من باب الغرور أو تكبير الذات أو الإدّعاء الفارغ شأن الكثير من كتبة هذا الزمان. إذا ذكر الشاعر الإنكليزي جورج كوردون لورد بيْرِنْ فلأنَّ هذا يشترك مع الأستاذ يحيى علوان في محنتيهما بإبنتيهما، فزوج بايرون، ليدي بيرنْ، إنفصلت عنه وأبقتْ طفلتهما " آدة " معها، وحين ترك بريطانيا بلا عودة ظل يحن لإبنته وكتب لها مقطوعات شعرية قصيرة لكنها تنضح بالألم والحسرة والندم. أكيد يحيى يعرف هذا الكلام بحكم دراسته الأدب الإنكليزي في جامعة بغداد. كتب السيد يحيى في الصفحة 145 ما يلي :
(( ... ماذا أقولُ لها ؟ وهل ستشتمني مثلما فعلت أُمّها عندما اتصلتُ بها من طهران ؟ ))
كما ذكر الشاعر الفرنسي بودلير والفردوسي صاحب الشاهنامة ومحمد مهدي الجواهري ودوريل لورنس وسقراط والشريف الرضي وجلال الدين الرومي وعمانؤنيل كانت وبعض الأساطير القديمة سومرية وبابلية وإغريقية.
6ـ هِنات وأخطاء إملائية وقعت في الكتاب فكيف فاتت الأستاذ يحيى وهو الضليع من اللغة العربية الملم بشعابها ومنعرجاتها أم أحسبها ـ مجاملةً ـ أخطاء مطبعية ؟ أضرب أمثلة :
// الصفحة 97 / ببساطة، لا تجرؤون على فعل التجديد وخوض غمار المغامرة ...
الصواب : لا تجرأون على .... الهمزة هنا مفتوحة وليست مضمومة.
// الصفحة 119 / لكنْ سُرعان ما انجلت سحاباتٌ ...
الصواب : سَرْعانَ ...
// الصفحة 145 / بُنيتي، لو كنتِ تقرئين حرف الضاد، لكنتُ بعثتُ لكِ برسالة أو اثنتين ... الصواب هو : لو كنتِ تقرأين حرف الضاد ...الهمزة هنا مفتوحة وليست مجرورة.
// الصفحة 190 / كلما سنحت ليَ الفِرصة ...
الصواب : فُرصة . الفِرصة شئ آخر تستعمله النساء وقت الدورة الشهرية.
// الصفحة 234 / فبقينا أسبوعاً محضورٌ علينا أنْ نأتي بحركة ...
الصواب : محظورٌ علينا ... يعرف يحيى الفرق بين الحضور والحَظْر.
// الصفحة 308 / كانت ذخيرتي من الماء تشِحُّ بطرادٍ ...
الصواب إما باطرّاد أو باضطراد .
// الصفحة 350 / هنا خطأ كبير أوقع يحيى نفسه فيه . قال : كأنك ابنُ عمِّ محمد، أبا لهب، أتى هذه الرمضاء، يُطفئ حريق أبيه، وبزيت الخزامى يُمسّدُ موضع الحبل في جيد أمّه، حمالة الحطبِ.
الصواب : أبو لهب هو عم محمد النبي وليس ابن عمه ... وحمّالة الحطب، أم جميل، هي زوجة أبي لهب وليست أمّه. الإشارة بالطبع إلى سورة اللَهَب [[ تبّتْ يدا أبي لَهبٍ وتب. ما أغنى عنه مالُه وما كسبَ. سيصلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ. وامرأتُهُ حمّالةُ الحَطبِ. في جيدها حبلٌ من مَشَدٍ ]]
هل أخطأتُ قراءةَ ما كتب الأستاذ يحيى أم أخطأتُ قراءةَ تفسير القرآن ؟ ربّما.
ملاحظة أخيرة : ذكر الكاتب خبر وفاة أحد أصدقاء طفولته " أديب " غرقاً فأثار فيَّ شَجناً لم يفارقني طوال سنيِّ حياتي ذاك لأني فقدتُ شقيقتي الأصغر مني سناً " عدويّة "غرقاً في بئر دارنا وبعد عقود وتحت ظرف نفسي سئّ تذكرتها فكتبت عن حادث موتها غرقاً قصيدة شعرية أرسلتها للعزيز الأستاذ يحيى علوان فاعتذر الرجل أنه سبب لي كل هذا الشَجَن وأعاد لي حزناً كابدته لأزمان .
• * رواية " مُطارد بين ... والحدود " للأستاذ يحيى علوان. الناشر دار الفارابي بيروت ـ لبنان الطبعة الأولى كانون الثاني 2018 .
1149 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع