بقلم : د. بهنام أبو الصوف
ترجمة : عبدالسلام صبحي طه
رجل شانيدار: النيادرتال العراقي(١)
الصورة : الدكتور بهنام ابو الصوف متوسطا د. رالف سوليكي الى اليسار و زوجته د. روز سوليكي الى اليمين –ثمانينيات القرن المنصرم
في صباح يوم خريفي من العام 1951، قمنا طلاب الدفعة الأولى من قسم الآثار بزيارة إلى المدرسة المستنصرية في بغداد، التي يرقى زمنها إلى العصر العباسي، فصادفنا هناك رياضيا أمريكيا طويل القامة، قوي البنية، أجعد الشعر، يجلس في فسحة المدرسة وسط أكوام من الصوّان واللُقى الحجرية. كان يرتدي ملابس خاكية اللون، وكأنه جندي أمريكي في إجازة. اقتربنا منه ونحن نراقب طريقته في ترتيب القطع، فرفع رأسه وابتسم لنا، وتلقف ماكان يدور في أذهاننا، وقام بتقديم نفسه على أنه طالب الدكتوراه رالف سوليكي، وقد اختار أحد الكهوف الذي يحمل اسم شانيدار(2)، باحثا عن بقايا بشرية تعود إلى عصور ماقبل التاريخ, وأنه يقوم بترتيب أكوام الحجر هذه لكي يحدد الزمن الفعلي للكهف .
في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، ظهر الكثير من النشرات والكتب المختصة بموضوع الكشوفات التي حصلت في كهف شانيدار في منطقة راوندوز في محافظة أربيل وأهميته في فهم تطور البشر، وكان سوليكي يقوم باكتشاف مهم خلال مواسم العمل العديدة في ذلك الكهف. وقد وجد تحت أرضيته عدة طبقات من الاستيطان البشري تعود إلى أكثر من 70 ألف سنة. ومن بين ما وجده عظاما، وأحجارا وصخورا وهياكل كاملة لسلالة قديمة تدعى النيادرتال، وقد أطلق سوليكي عليه اسم إنسان شانيدار، وحدد من بين الهياكل المتبقية هياكل لبالغين وأطفال, وكذلك وجد هيكلا لإنسان مات جراء سقوط سقف عليه, وكان أصحابه، الذين حزنوا عليه، قد تركوه ليقوم بمسؤولية إيقاد النار في الكهف والاهتمام بالنساء أيضا، حيث وجدت بقاياه بالقرب من الفرن الذي كان مسؤولا عنه .
حالة أخرى حددها سوليكي, وكانت عبارة عن باقة زهور جميلة متيبسة موضوعة تحت رأس أحد النيادرتالات، وجرت دراسة الباقة فثُبت أن سكان كهف شانيدار كانوا، بالإضافة الى حبهم للطبيعة، يمارسون نوعا من طقوس بدائية .
الدراسات التفصيلية التي أجريت على هياكل النيادرتال العراقي والفلسطيني في مغارة السخول في جبل الكرمل، أثبتت ان نيادرتال الشرق الأدنى هو فصيلة متقدمة تسمى نيادرتاليود(3)، وكانت تشكل الحلقة المفقودة في التطور البشري من الهوموأريكتوس(4) الى الهوموسيبين(5).
يؤكد هذا أنه في هذا الجزء من العالم حصلت المراحل الأولى المتقدمة من الاستيطان والمعرفة الأولية بالتهجين للنبات والحيوان, والذي قاد لاحقا الى الزراعة وحياة القرية مع كل بداياتها التقنية في العمارة, والفخار, والألبسة, والمعتقدات، والأهم من هذا كله أنها شهدت تطور الإنسان منذ ما يقرب من 35 ألف سنة. وبمعرفة هذه الحقائق نحن مدينون إلى المنقبين لهذه الكهوف، والذين وضعوا بين أيدينا وتحت تصرفنا نتائج جهودهم الكبيرة والمضنية.
(1) نُشرت فيIraq Review, 15 July, 1985 .
(2) يقع الكهف على سفح جبل برادوست ضمن سلسلة زاكروس في شمال العراق (محافظة اربيل)، وكشف عنه فريق من جامعة كولومبيا في خمسينيات القرن المنصرم ومنهم د. سوليكي، وقد وجدت فيه 9 هياكل عظمية في أثناء تلك التنقيبات تتراوح أعمارها ما بين 35 الى 70 الف سنة، و هيكل عاشر وجد حديثا.
(3) رجل الكهف (المترجم).
(4) الإنسان المنتصب القامة (المترجم).
(5) الإنسان العاقل (المترجم).
702 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع