الدكتور مليح صالح شكر
برهان الدين باش أعيان ،أول وزير للإعلام في تاريخ العراق
يقع العديد من المهمتين بتاريخ الصحافة واجهزة الاعلام الاخرى في العراق في التباس تاريخي حين ينسبون الى حكومة ثورة الرابع عشر من تموز عام ١٩٥٨ مبادرة انشاء اول وزارة للاعلام في العراق، أسمتها وزارة الإرشاد والتي تولاها صديق شنشل.
والحقيقة هي غير ذلك تماماً، لأن أول وزارة مختصة بالإعلام كان قد اعتمدها النظام الملكي قبل قيام النظام الجمهوري بعدة شهور .
فقد أعترف خطاب العرش للملك فيصل الثاني في افتتاحه الجلسة الأولى لمجلس النواب يوم ١ كانون الأول ١٩٥٧ ، بأثر الأعلام ( الفعال في الداخل والخارج)، وأرتأت الحكومة عند ذلك إنشاء ( وزارة للإرشاد والأنباء تبنى على أسس عصرية) .
بعد حين ، وعقب مداولات شاركت فيها مديرية التحقيقات الجنائية ، ( الأمن العامة) ومديرها بهجت العطية ، والزعيم محسن محمد علي مدير الدعاية بوزارة الداخلية ، ونتيجة لما سببته اجهزة الدعاية المصرية خلال حرب السويس١٩٥٦ من صداع للنظام الملكي العراقي آنذاك، أصبحت دوافع الحكومة واضحة لإنشاء وزارة الأنباء والتوجيه،التي أعلن عنها نوري السعيد في ١٧ نيسان ١٩٥٨ في حكومته الرابعة عشر ، وهي الحكومة الاخيرة له ، وأستوزر لها الوزير برهان الدين باش أعيان.
وبهذا ، يكون برهان الدين باش أعيان أول وزير للأعلام في تاريخ العراق ، وأحتفظ بمنصبه في الحكومة التالية التي شكلها أحمد مختار بابان، في ، ١٩ مايس ١٩٥٨ وأصبح السعيد في اليوم نفسه رئيساً للحكومة الاتحادية بين العراق والأردن.
ويتهم الدكتور فاضل الجمالي رئيس الحكومة في ١٩٥٣-١٩٥٤ ، في رسالتين خطيتين اجاب فيما من تونس في منتصف الثمانينيّات من القرن الماضي على أسئلتي بهذا الخصوص، زميله نوري السعيد بأنه ( كان بطيئاً في إدراك أهمية الدعاية وتأثير الإذاعة والصحافة) .
نقول هذا مع علمنا بأن السعيد لم يكن جاهلاً فعلاً بهذا المجال في عمله ، فهو كان مهتماً بعقد المؤتمرات الصحفية خلال عهد حكوماته والإدلاء بالأحاديث الإذاعية ، إضافة الى أنه يعرف جيداً أهمية الأعلام من خلال اطلاعه الواسع على مثل هذه النشاطات في رحلاته العديدة لبريطانيا وأوروبا .
كذلك كان السعيد يتردد كثيراً على دار الإذاعة العراقية، وله العديد من المناقشات والتصريحات والتعليمات والملاحظات تحدث عنها شاكر علي التكريتي وعبد الرحمن فوزي خلال عملهما في مديرية الدعاية العامة بوزارة الداخلية .
ومع أننا نميل الى الرأي القائل أن الجمالي كان أكثر إداركاً من السعيد لأهمية وسائل الأعلام، لكننا لا نعتقد بأن السعيد كان بطيئاً في إدراك ذلك ، بل المشكلة كانت في أسلوبه الأستبدادي في التعامل مع الأحداث، وهو ما دفعه بعيداً عن الاهتمام بإدارة الدولة للصحافة التي تعامل معها بذات الطريقة التي تعامل بها مع الحياة الحزبية والمعارضة والشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولم يكن ميالاً للإصلاحات ، معتمداً على ثقته بسلامة النظام السياسي ومستقبله وأن ( دار السيد مأمونة ) كما ينسب له قوله بسيطرته على الموقف، لكنه خسر في النهاية.
وعندما تولى أحمد مختار بابان مهام رئاسة الحكومة في مايس ١٩٥٨ أصبح اهتمام الدولة بأجهزة الأعلام والدعاية ، أكثر جدية ، فبدأت تسمح بنقل مناقشات مجلس النواب نقلاً إذاعياً مباشراً ، وقررت وقف الحملات الإذاعية ضد الجمهورية العربية المتحدة ، لكن وزير الأنباء والتوجيه برهان الدين باش أعيان وقع ضحية مراكز القوى التي كانت أكثر نفوذاً منه، فأحتج الزعيم محسن محمد علي ،الذي أصبح يشغل منصب مدير التوجه العام ،وينفذ أهداف حلف بغداد، على قرار وزيره بوقف تلك الحملات الإذاعية، متذرعاً بأن ( البلد معرض لحملة ظالمة من الإذاعات والصحف العربية).
ولكن هذا الاختلاف في التعامل مع الأعلام لم يدم طويلاً ، فبعد أربعة أسابيع داهمت ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ الجميع ، وأطاحت بالنظام الملكي كله .
ويصنف معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين ، برهان الدين باش أعيان ، شاعراً ، بالرغم من أن المعجم يعترف بأن لبرهان الدين قصيدة يتيمة واحدة بعنوان ( تعالي) نشرها في مجلة ( أبوللو ) المصرية عام ١٩٣٤.
ولد برهان الدين باش أعيان في البصرة عام ١٩١٥ وتوفي في العاصمة الأردنية عمان عام ١٩٧٥ ، وكان قد درس الحقوق ببغداد ثم التحق بالعمل الدبلوماسي حتى انتخب عام ١٩٤٩ نائباً عن البصرة ثم اصبح وزيراً للخارجية في عام ١٩٥٧ حتى أصبح وزيراً للأنباء والتوجيه في نيسان عام ١٩٥٨.
وترد تفاصيل أخرى عن سيرة برهان الدين باش أعيان، في كتاب نجله أحمد ، الذي ولد بالبصرة عام ١٩٥٠ وانتقل مع والده إلى السعودية أواخر عام ١٩٦٣حين عمل الوالد مستشاراً قانونياً حتى وفاته في أواخر عام ١٩٧٥ في الاْردن .
وحصل أحمد على الجنسية السعودية، وعمل في شركة أرامكو في الظهران، حتى تقاعده عام ٢٠١٠.
وترد تفاصيل اخرى عن برهان الدين باش أعيان عند المؤرخ عبد الرزاق الحسني في موسوعته المعروفة تاريخ الوزارات العراقية، وكذلك عند حميد المطبعي ، موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين .
703 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع