ذاكرة الأمس / اجهزة الزمن الجميل المدفأة تجمع الاسرة والزمن يفرقها

                                                

                        محمد سهيل احمد

ذاكرة الأمس/اجهزة الزمن الجميل - المدفأة تجمع الاسرة والزمن يفرقها

مستلات 

1ــ /على الرغم من ان مبتكرات الثورة الصناعية كانت بطيئة الاداء ،الا انها اقترنت بالطابع الرومانسي الذي كان يغلف حياة الناس البطيئة الايقاع في ذلك الزمان السعيد نسبيا /
2ــ/ اذا كان الوضع المادي متعسرا ، كنا نكتفي عندئذ بخبز التنور الذي كان من اعداد جدتي او امي .غير ان ليالي تلك اللمبة كانت مشحونة برائحة الكاز وملونة بحكايات جدتي /

* شهدت البصرة على مر العقود أصنافا شتى من الأجهزة والأدوات التي هدفت في المقام الاول لتسهيل حياته اليومية . ومع تسارع الحياة وغزو عشرات الاختراعات المتلاحقة صار المواطن العراقي والمواطن البصري عموما يحن لأمسه الجميل حيث اقترنت تلك الاجهزة والالعاب والمبتكرات بذلك الماضي الذي لن يعود الا في ذاكرة كبار السن.
ثمة مبدأ يرى ان أي اختراع مهما بلغت طرافته لا يمكن له ان يؤثرفي حياة الناس اذا لم يدخل في دائرة الانتاج الكلي وينتشر وسط قطاعات عريضة من الناس .لهذا السبب يمكن ملاحظة ان مشروب الكولا على سبيل المثال بقي يستخدم على أضيق نطاق وبصفة شكل من أشكال الدواء اعتادت الصيدلية الامريكية بيعه لفترة طويلة قبل ان يصنع كمشروب مرطب شعبي واسع الشهرة والانتشار.
اما الفارق الكبير بين منتجات الثورة الصناعية ومنتجات ثورة الالكترونيات والديجتال فيكمن في ان الكثير من منتجات الصنف الأول. 
بقيت تستخدم على نطاق واسع قبل تتم ازاحتها عن طريق ابتكار حديث في تقنياته فالسينما اعتلت العرش لما يزيد عن نصف القرن قبل مقدم التلفاز الذي سحب البساط منها ولكن بعد حين وعلى نحو تدريجي.

هذا على سبيل الحصر لا التعميم .وعلى الرغم من ان مبتكرات الثورة الصناعية كانت بطيئة الاداء ،الا انها اقترنت بالطابع الرومانسي الذي كان يغلف حياة الناس البطيئة الايقاع في ذلك الزمان السعيد نسبيا.لكن لابد من الاشارة الى ان عددا من الاجهزة والادوات البدائية ما زال استخدامها قائما لاسيما في القرى والواحات والمدن ذات الحياة البسيطة والتي لم تنجرف مع لهاث الموبايلات ووحدات التبريد (السبلت) وافران المايكروويف وغيرها .اما منتجات الثورة الالكترونية فقد اسهمت اسهاما كبيرا في تسريع ايقاع الحياة وفرض اجواء متوترة على المتلقي لاسيما وان المبتكرات انهالت على المستهلك كالمطرالوبيل فالفيديو استبدل بالحاسوب والفلوبي استبدل بالقرص والياهو بالهوتميل وبرنامج الورد 2003 حل محله برنامج الـ 2007 وهكذا دواليك مما ادى الى قتل الروح الشاعرية لدى المستهلك مفقدا اياه تلك اللحظات الهنيئة من عمر الزمن !

في السطور التالية سنتعرض لنماذج من الادوات التي بقيت قيد الاستخدام اليومي لغاية السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات من القرن الماضي :

              


1ـ الطشت واللكن ..الطشت عبارة عن انية كبيرة ودائرية من النحاس والفافون .كانت النساء العراقيات يغسلن فيه ملابس اولادهن وازواجهن وحضائن الرضع .وقد وجده المنقب وعالم الاثار السير ليوناردو وولي في مقبرة أور المقدسة ضمن المقتنيات الثمينة التي صحبتها معها الى العالم الاخر الاميرة السومرية بو ــ أبي المسماة خطأً الاميرة شبعاد ، وكان الطشت السومري الملكي مصنوعا من احجار اللازورد ، كان ذلك قبل ان تكتشف شركة توشيبا غسالة الملابس الاوتماتيكية .وكان للطشت دور اكبر في كونه وعاء عجيبا كنا نراه بصحبة نسوة المدينة وهن يغسلن ملابس الاسرة.كما اقترن الطشت باللكن في استخدامه للضيوف بعد تناول وجبات الطعام .وكان الطشت النحاسي يباع في سوق الصفارين وكان سعره بالتأكيد اعلى من سعر الطشت المصنوع من مادة الفافون .

        


2ـ لمبة الشاي ..
كانت لمبة الرويال النفطية المستوردة من الصين جزء لايتجزأ من الاسرة العراقية حيث كنا نتحلق حولها طمعا في استكانة او كوب من الشاي اعتادت جدتي ان تتحفنا به في امسيات الشتاء او صباحات الافطار المبكر.وحين تكون وجبتنا مرفهة كنا نحظى برغيف خبز العروق أي الخبز الممزوج باللحم .اما اذا كان الوضع المادي متعسرا ، كنا نكتفي عندئذ بخبز التنور الذي كان من اعداد جدتي او امي .غير ان ليالي تلك اللمبة كانت مشحونة برائحة الكاز وملونة بحكايات جدتي .

       


3ــ بيت الأبر ..
اعتادت امهاتنا وعماتنا وحتى جداتنا ايداع بكرات وأبر الخياطة في علب الشيكولاتة التي بدلا من رميها ؛ تحتفظ بها امهاتنا كيما تكون مستودعا يضم مقصات وابرا وكشتبانات وبكرات اعتدنا ان نسطو عليها من اجل استخدام خيوطها لطائراتنا الورقية التي كانت تحلق باحلامنا الى الاعالي. اذكر مرة انني قررت ان اهدي واحدة من علب الماكنتوش الى معلم اللغة الانكليزية عرفانا مني بدوره في تشجيعي ومنحي اعلى الدرجات بسخاء منقطع النظير. ولما كانت تلك العلب تجلب من الكويت عن طريق الاقرباء او الدلالات .كلفت احد الاقرباء وكان مقيما بالكويت ان يجلب لي علبة ماكنتوش ففعل ،غير انه ــ وهو يناولني العلبة ــ نبهني الى ان حرارة الصيف قد جعلت الشيكولاته ترتخي بل تسيح ونصحني بأن اسرع بوضعها في فريز الثلاجة كي تستعيد عافيتها ففعلت وليتني لم افعل فقد نسيتها في الفريز لبضع ساعات ثم تنبهت بغتة الى انها قد تتجمد فهرعت للفريز وانتزعتها من مخالب الجليد واضعا اياها في مغلف مخصص للهدايا ومن ثم اسرعت بها الى معلمي الجليل
وكان جارا لنا وهو يضحك شاكرا لي حبة الشيكولاتة العملاقة التي كانت قد تجمدت حتى صعب عليه انتزاعها حبة تلو حبة بسبب تحولها الى كتلة ثلج متصلدة مرددا في سخرية ممزوجة بحس الفكاهة :
ـــ في الاتحاد قوة !

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

873 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع