غانم العناز
خط انبوب النفط العراقي السعودي - العملاق النائم
لقد تم مد خطوط انابيب تصدير نفوط حقول العراق الشمالية كركوك وباي حسن وجمبور وعين زالة من قبل شركة نفط العراق المحدودة خلال فترة عملياتها بعد اكتشاف حقل كركوك في عام 1927 الى تاريخ تأميمها في 1 حزيران 1972 والتي ندرج مواصفاتها في الجدول ادناه حيث استمرت هذه الخطوط بادائها الجيد الى ما بعد التأميم حتى تم اغلاقها نهائيا ولحد الآن من قبل الحكومة السورية في عام 1982. اما بقية خطوط انابيب تصدير النفط العرااقي عبر الاقطار المجاورة فقد تم مدها بين الفترة 1975 الى 1987 كما مبين في الجدول ادناه.
جدول خطوط انابيب التصدير عبر الاقطار المجاورة:
* ترك الجزء ما بين محطة ك/3 قرب مدينة حديثة على الفرات وحيفا من هذا الخط في عام 1948 بسبب الاحداث في فلسطين.
** توقف العمل بمد هذا الخط ما بين محطة ك/3 وحيفا في عام 1948 بسبب الاحداث في فلسطين.
*** تم الاستفادة من خط طرابلس 12 عقدة ما بين محطة ضخ ك/2 قرب بيجي وطرابلس لتصدير نفط عين زالة في عام 1953.
ملاحظة – بلغ مجموع الطاقة التصديرية لهذه الخطوط في منتصف السبعينيات من القرن الماضي 1.4 مليون برميل باليوم وذلك بعد ان قامت الشركة العراقية للعمليات النفطية (نفط الشمال حاليا) ، بعد التأميم برفع الطاقة الانتاجية والتصديرية لحقول كركوك من مليون واحد الى 1.4 مليون برميل باليوم.
نفط العراق رهينة بأيدي الحكومات السورية
لقد اصبح تصدير النفط العراقي عبر الاراضي السورية الى البحر الابيض المتوسط مع مرور الزمن رهينة بيد الحكومات السورية المتعاقبة خصوصا بعد قيام الحكومة العراقية بتأميم نفطها في 1 حزيران 1972 وقيام الحكومة السورية بتأميم خطوط انابيب النفط العابرة لاراضيها والمذكورة في الجدول اعلاه حين طالبت الحكومة السورية بمضاعفة رسوم مرور النفط التي كانت تستلمها من شركة نفط العراق من 22 سنت امريكي الى 44 سنت للبرميل. يرجى الرجوع الى مقالة لنا بعنوان (خط انبوب النفط الاستراتيجي العراقي وخفاياه) المنشورة على شبكة الاقتصاديين العراقيين.
لم تنفع كافة الجهود التي بذلت مع الحكومة السورية للتوصل الى سعر معقول لرسوم المرور بالرغم من أن خبيرا النفط نقولا سركيس وعبد الله الطريقي قدرا الزيادة المعقولة في الرسوم لا تزيد عن 2 سنت لتكون التعريفة الجديدة 24 سنت للبرميل الواحد. علما بان سعر برميل النفط في ذلك الوقت كان يقل عن ثلاثة دولارات. اصرت الحكومة السورية على موقفها الابتزازي لعلمها بأن العراق لا خيار له إلا الاذعان لعدم وجود منفذ آخر لتصدير نفوط حقوله الشمالية فتم الاتفاق على مضض ان يكون سعر رسوم المرور 41 سنت للبرميل الواحد.
فك الخناق عن تصدير نفوط حقول كركوك وعين زالة
أقدمت الحكومة العراقية على إثر ذلك على فك الخناق السوري على نفوط حقول كركوك وعين زالة بانجاز المشاريع التالية :
الخط الاستراتيجي
ألذي انجز في كانون الاول 1975 والذي يربط الحقول الشمالية بموانئ تصدير النفط الجنوبية على الخليج العربي ألذي عطى المرونة اللازمة لتصدير نفوط الحقول الشمالية عن طريق الموانئ الجنوبية بطاقة 1,000,000 برميل باليوم وتصدير نفوط الحقول الجنوبية (الرميلة والزبير) عبر سوريا الى موانئ البحر الابيض المتوسط بطاقة 880,000 برميل باليوم.
الخط العراقي التركي الاول
كما تم في نفس الوقت اخذ الحيطة والحذر لفتح منفذ جديد لتصدير النفط العراقي الى البحر الابيض المتوسط في حالة غلق الخطوط السورية.
فتم بناء على ذلك المباشرة بتنفيذ الخط العراقي التركي الاول ليبدأ من كركوك وينتهي في ميناء جيهان على البحر الابيض المتوسط بطاقة تصديرية قدره 750,000 برميل باليوم وبطول قدره 1005 كيلومتر. تم انجاز المشروع في عام 1977 ليتدفق النفط العراقي عبره مما أعطى العراق مرونة أكثر في تصدير نفوطه الشمالية والجنوبية.
عودة الخناق هذه المرة على تصدير النفوط الجنوبية
أصبح للعراق بعد انجاز الخط الاستراتيجي والخط العراقي التركي الاول مرونة جيدة لتصدير نفوطه عبر موانئ بانياس في سوريا وطرابلس في لبنان وجيهان التركي على البحر الابيض المتوسط اضافة الى ميناءي البكر وخور العمية في الخليج العربي.
الا ان ذلك لم يدم طويلا بعد قيام الحرب العراقية الايرانية في ايلول 1980 التي نتج عنها تدمير ميناءي البكر وخور العمية ليفرض الخناق على النفوط الجنوبية وليجد العراق نفسه هذه المرة معتمدا على الخطوط السورية والخط العراقي التركي الاول لتصدير نفوط كركوك وعين زالة فقط لتنخفض تبعا لذلك طاقته التصديرية بصورة كبيرة في الوقت الذي كان بأمس الحاجة لزيادة عائداته النفطية لتمويل نفقات الحرب الآخذة بالازدياد.
إشتداد الخناق على النفوط الشمالية والجنوبية معا
لم تستمر هذه الحالة طويلا الا لتزداد سوءاً حين قامت الحكومة السورية في شهر نيسان 1982 بغلق كافة خطوط الانابيب المارة عبر اراضيها الى بانياس وطرابلس ليفرض الخناق الشديد على تصدير النفوط الشمالية والجنوبية معا ليصبح الخط العراقي التركي الاول ذو الطاقة المحدودة المقدرة ب 750,000 برميل باليوم المنفذ الوحيد لتصدير النفط العراقي بينما استمرت تكاليف الحرب بالازدياد دون هوادة.
فك الخناق عن النفوط الشمالية والجنوبية
أصبح الوضع عندئذ حرجا يتطلب ايجاد منافذ جديدة لتصدير النفط العراقي بالسرعة الممكنة الا ان المنافذ المتاحة كانت محدودة فهناك المنفذ الاول عبر الاردن الى خليج العقبة الذي قد يقع تحت تهديد اسرائيل والمنفذ الثاني الطويل والمكلف عبرالمملكة العربية السعودية الى ينبع على البحر الاحمر والمنفذ الثالث الى جيهان في تركيا.
وبذلك تقرر تنفيذ الخط العراقي التركي الثاني بموازاة الخط العراقي التركي الاول اضافة الى تنفيذ الخط العراقي السعودي من الزبير إلى ينبع على البحر الاحمر.
الخط العراقي التركي الثاني
وبما ان السرعة اصبحت عاملا اساسيا في ايجاد منافذ جديدة للنفط العراقي وبالنظر الى توفر التصاميم الهندسية ومحطات الضخ وميناء التصدير وخزاناته ومحطة قياس النفط على الحدود العراقية التركية اضافة الى توفر الطاقة الكهربائية والطرق وما الى ذلك من الخط العراقي التركي الاول فقد تقرر انشاء الخط العراقي التركي الثاني موازيا للخط العراقي التركي الاول الى جيهان بطاقة 750,000 برميل باليوم على الرغم من ان ذلك قد يجعل النفط العراقي رهينة هذه المرة بيد الحكومة التركية كما كان الحال مع الحكومة السورية.
تم بعد ذلك توقيع البروتوكول في آب 1984 ليتم توقيع الاتفاقية النهائية لتنفيذ المشروع بين الحكومتين العراقية والتركية في نيسان 1985. وقعت بعد ذلك اتفاقية تنفيذ المشروع في كانون الاول 1985 ليباشر بالاعمال الانشائية بعد ذلك بقليل ليتم اكمال المشروع في شهر حزيران ويفتتح الخط رسميا في 27 تموز 1987.
الخط العراقي السعودي
تم تنفيذ المشروع على مرحلتين كما يلي :
- المرحلة الاولى
بدأ العمل بالمرحلة الاولى في بداية 1984 ليتم انجاز المرحة الاولى من المشروع في منتصف عام 1986 والذي ندرج تفاصيله ادناه :
- بلغت طاقة الخط التصديرية نصف مليون برميل باليوم.
- يبدأ الخط من الزبير ليلتقي بالخط السعودي قطر 48 عقدة الممتد بين بقيق في شرق السعودية وينبع على البحر الاحمر في محطة الضخ الخامسة بالقرب من مدينة خريص.
- بلغ قطر الخط 48 عقدة وطوله 615 كم منها 150 كم في الاراضي العراقية والبقية في الاراضي السعودية.
- تم تشييد ثلاث محطات ضخ توربينية الاولى في الزبير والثانية بالقرب من الحدود السعودية والثالثة داخل الاراضي السعودية. تعمل المحطتين العراقيتين بالغاز بينما تعمل المحطة السعودية بالوقود السائل المنتج داخل المحطة بوحدة تصفية صغيرة. كما تحتوي المحطات على الخزانات ومعدات مكافحة الحرائق وغيرها اضافة الى كافة المرافق السكنية والترفيهية.
- يستلم النفط العراقي في حقل خزانات تم انشاؤه بالقرب من مدينة خريص ليتم ضخه في الخط السعودي على شكل دفعات ليتم استلامه في بعض الخزانات السعودية المخصصة للنفط العراقي في ميناء ينبع استعدادا لتصديره.
لقد استمر العمل بهذا الاسلوب بنجاح الى ان تم اكمال المرحلة الثانية من المشروع.
- المرحلة الثانية
أصبح مجمل الطاقة التصديرية للعراق الناتجة عن انجاز المرحلة الاولى من الخط السعودي 1.25 مليون برميل باليوم ، 750,000 منها عن طريق الخط التركي الاول و500,000 برميل باليوم عن طريق المرحلة الاولى من الخط السعودي وهي طاقة متدنية إذا ما قورنت بطاقة العراق الانتاجية التي وصلت في ذروتها في عام 1979 الى حوالي 3.5 مليون برميل باليوم.
كما ان استمرار الحرب العراقية الايرانية ونفقاتها الباهضة تطلبت الاسراع في تنفيذ المرحلة الثانية من المشروع لرفع الطاقة التصديرية للخط العراقي السعودي من نصف مليون برميل باليوم الى 1.6 مليون برميل باليوم.
بدأ العمل في هذه المرحلة في آذار 1987 ليتم انجازها وتشغيل الخط كاملا في كانون الثاني 1990. أما اهم تفاصيل هذه المرحلة فندرجها ادناه :
- بلغ طول الخط بين مدينة خريص وميناء ينبع 953 كم تم مد اول 863 كم منه باستعمال انابيب قطر 56 عقدة وال 90 كم الباقية حتى ينبع بأنابيب قطر 42 عقدة وبذلك يكون طول الخط النهائي ما بين الزبير وينبع 1568 كم.
خطوط انابيب تصدير النفط 1990
- تم تشييد أربع محطات ضخ توربينية في الجزء المحصور بين مدينة خريص وينبع تعمل بالوقود السائل المنتج بوحدة تصفية صغيرة داخل كل محطة. كما تحتوي المحطات على الخزانات ومعدات مكافحة الحرائق وغيرها اضافة الى كافة المرافق السكنية والترفيهية.
- تشييد حقل خزانات لتصدير النفط العراقي في مياء ينبع ، منفصل عن حقل الخزانات السعودي ، يحتوي على عشرة خزانات سعة كم منها مليون برميل.
- تشييد مرفأ منفصل لشحن النفط العراقي مع خطوط انابيبه البحرية وكافة المعدات اللازمة لذلك.
- تم فصل الخط العراقي عن الخط السعودي قرب مدينة خريص بعد اكمال هذه المرحلة ليعمل الخط بصورة منفردة ما بين الزبير وميناء ينبع بطاقته الكاملة البالغة 1.6 مليون برميل باليوم.
- تم اعداد التصاميم الهندسية من قبل شركة براون اند رووت الامريكية وتم تنفيذ اعمال المشروع داخل الاراضي العراقية من قبل شركة سبي كاباك الفرنسية واعمال مد الخط داخل الاراضي السعودية من قبل شركة سايبم الايطالية.
- تم تشييد حقل الخزانات في مرفأ ينبع من قبل شركة مسيوبيشي اليابانية بينما تم تنفيذ خطوط الانابيب البحرية ومرفأ الشحن البحري من قبل شركة هاينداي الكورية الجنوبية.
بلغت الكلفة الكلية للخط بمرحلتيه الاولى والثانية 2.6 مليار دولار وبذلك يعد واحدا من أكبر وأغلى المشاريع النفطية العراقية.
ألنهاية المفجعة للخط العراقي السعودي - ألعملاق النائم
إنه مما يؤسف له ان يتم غلق هذا الخط العملاق الباهظ التكاليف من قبل الحكومة السعودية بوجه النفط العراقي بعد غزو العراق للكويت في شهر آب 1990 أي بعد فترة حوالي ثمانية اشهر فقط من إنجاز مرحلته الثانية وتشغيله بطاقته القصوى لتلك الاشهر المعدودة حيث ان أمثال هذه الخطوط المحمية كاثوديا يتوقع لها ان تستمر بالعمل لعشرات السنين.
قامت المملكة العربية السعودية بعد ذلك بربط الجزء من الخط العراقي السعودي الممتد بين مدينة خريص وميناء ينبع بشبكة انابيبها النفطية.
وبذلك أسدل الستار على ذلك الخط الحيوي والباهض التكاليف ليقبع الجزء الممتد منه بين الزبير ومدينة خريص تحت الرمال حتى يومنا هذا تماما كما أسدل الستار على خطوط الانابيب العراقية السورية حتى يومنا هذا لتقبع عرضة للصدأ والتآكل.
ألمصيبة الكبرى – ألحصارالمشؤوم والنفط مقابل الغذاء
وأخيرا جاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 661 في 6 آب اغسطس 1990في الذي فرض الحصار المشؤوم على العراق ليتبعه القرار 712 في ايلول سبتمبر 1991 السيئ الصيت الذي وضع الحَجْر على تقنين صادرات النفط العراقي لتوضع عائداته في أيادي موظفي الامم المتحدة الفاسدين الذين تلاعبوا بطريقة صرف عائدات النفط تلك عن طريق شراء أردأ المواد الغذائية وأرخص السلع الاستهلاكية بأعلى الاسعار لتذهب فروقات الاسعار في جيوبهم ليعيش الشعب العراقي لسنوات طويلة على الفتات لتتدهور مؤسساته العلمية والخدمية والصحية والثقافية والصناعية والزراعية وغيرها الى الحضيض.
يرجى الرجوع الى الملحق للاطلاع على نص قراري مجلس الامن.
ألطامة العظمى – ألغزو الامريكي الطائش والغزو الهمجي لداعش والخراب الشامل الفاحش
لم تنتهي تلك المصائب الا ليلي ذلك الحصار الخانق الغزو الامريكي الوحشي الطائش في عام 2003 لتتدهور الاوضاع بصورة رهيبة ليتبعه في عام 2014 الغزو الهمجي لداعش لتصل الحالة الى ما نراه الآن من خراب كامل وفقر شامل وفقدان للامن عام وفساد للحكم تام تدمع له العيون مدرارا وتئن له القلوب نهارا جهارا.
كل ذلك والحكام ينعمون ، بغير وجه حق ، بخيرات البلاد النفطية والمعدنية والزراعية والصناعية وغيرها لا يعنيهم انين مريض أو بكاء يتيم أو عويل ثكلى أو نحيب عجوز أو نشيج ارملة أو دمار مدن عامرة او خراب خدمات وافرة او ستغاثة اهالي البصرة الكرام لتزويدهم بمياه الشرب الصافي ناهيك عن وسائل توفير سبل العيش الكريم لهم ولبقية المواطنين في طول البلاد وعرضها.
تُرى هل سيستفيق الخط العملاق من سباته الطويل؟
وهنا لابد لنا ان نتوقف لنسأل وزارة النفط ترى متى سسيستفيق ذلك الخط العراقي السعودي العملاق من رقدته التي بلغت 28 عاما ليعاد تأهيله كي يدخل الخدمة من جديد لتصدير نفوط البصرة الآخذة بالإزدياد بعد أن يتم إكمال تنفيذ وتشغيل الحقول العملاقة ذات الطاقات الانتاجية الهائلة كحقول غرب القرنة ومجنون وغيرها خصوصا بعد ان عادت العلاقات الاخوية بين الجارين ألعراق والمملكة العربية السعودية إلى سابق عهدها؟
نرجو ان يتم ذلك عن قريب وإلا سيصدأ ويتآكل هذا الخط العملاق الذي كلف الدولة العراقية أكثر من ملياري دولار كما صدأت خطوط انابيب النفط عبر سوريا التي مضى على غلقها 36 عاما.
وختاما متى سنتعلم؟
وختاما متى سنتعلم كيفية اتخاذ القرارات السياسية المهمة بحكمة وتعقل وبعد نظر لنتفادى توريط البلاد في حروب عقيمة وتناحرات حزبية سقيمة وحكومات فاسدة لئيمة يروح ضحيتها مئات الالوف من المواطنين وتبذر فيها خيرات البلاد الطائلة لينتشر الدمار والخراب في البلاد والفقر والجهل والامراض بين العباد؟
نرجو أن يكون ذلك قريبا بعد أن تستلم الحكومة الجديدة زمام الامور في العراق لينهض من جديد ويحتل مكانته المرموقة السابقة بين دول العالم.
غانم العـنّـاز
تشرين الاول 2018
واتفورد – ضواحي لندن
المصدر - كتابى العراق وصناعة النفط والغاز في القرن العشرين الصادر باللغة الانكليزية عن دار نشر جامعة نوتنكهام البريطانية في ايار 2012.
خطوط تصدير النفط العراقي عبر سوريا وتركيا الى الحر الابيض المتوسط وعبر المملكة العربية السعودية الى البحر الاحمر
884 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع