هيفاء زنگنة
«من هم أعداؤنا ومن هم أصدقاؤنا» في العراق؟
«العراق هو الرابط الذي يجمع بين العديد من القضايا ـ الإسلام مقابل الديمقراطية، الغرب مقابل محور الشر، القومية العربية مقابل بعض أنواع الثقافة السياسية المختلفة. إذا نجح الأمريكيون هنا، فإن هذا سيكون ضربة هائلة لكل شيء يرمز اليه الإرهابيون «. هذه الفقرة ليست مقتطعة من خطاب للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن أو وزير دفاعه دونالد رامسفيلد، في تسويقهما شن الحرب على العراق. أنه تصريح لبرهم صالح، رئيس الوزراء بالعراق، حاليا، حين كان رئيس وزراء كردستان، استهل به كليفورد ماي، رئيس مؤسسة أبحاث مكافحة الإرهاب، في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، محاججته حول ضرورة استمرار احتلال العراق، في مؤتمر « الجهاد في العراق» الذي انعقد بواشنطن في 5 أيلول / سبتمبر 2003. أي بعد الغزو والاحتلال الانكلو أمريكي بما يقارب الستة أشهر. لخص كليفورد طبيعة المشروع الأمريكي مصنفا اهل منطقة معينة بالعراق كإرهابيين، قائلا “أليس من الأفضل أن نستقطبهم بالعراق ونقصفهم بطائراتنا في تكريت، بدلاً من ان يعبروا الحدود الكندية والمكسيكية بحثاً عن مراكز التسوق لتفجيرها كانتحاريين؟». اعتبر كليفورد ان المقاومة ضد الوجود الأمريكي كمحتل هي تفجيرات إرهابية «تشير إلى أن جهادًا عالميًا يجري الآن ضد الولايات المتحدة ـ مع نقطة ارتكازها في العراق»، متسائلا « من هم أعداؤنا؟ من هم أصدقاؤنا؟ ما هي السياسة التي يجب على الولايات المتحدة اتباعها للدفاع عن نفسها وفي النهاية تحقيق النصر؟». هذه التساؤلات لاتزال قائمة بالنسبة الى كليفورد ماي ومن يمثلهم، كما انها تستدعي طرح أسئلة أخرى والعراق مقبل، شاء أم أبى، على وجبة ساسة لعبوا أدوارا مهمة في تسويق الاحتلال وها هم، يتسنمون المناصب بأقنعة جديدة.
فمن هو كليفورد ماي؟ وما هو مضمون رسالة برهم صالح التي استخدمها لتلخيص موقف « مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»؟ وما هو سبب الاهتمام بالعراق قبل 15 عاما؟ وماذا عن الآن؟
كليفورد هو رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD). وهي منظمة، أفرادها من المحافظين الجدد، تأسست في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر بهدف الضغط لشن «الحرب على الإرهاب» العدوانية في الشرق الأوسط والسياسات «الموالية لإسرائيل» في واشنطن. زعمت المجموعة في البداية أنها تشن معركة إيديولوجية مع «الحركة الإسلامية المتشددة» في «حرب عالمية… تشن ضد مجتمعات ديمقراطية». بينما تدعي أن مهمتها هي «تعزيز التعددية والدفاع عن القيم الديمقراطية ومحاربة الأيديولوجيات التي تدفع الإرهاب».
تعمل المؤسسة ضد الكيانات والقوى المعارضة للمشروع الأمريكي، خاصة «مشروع القرن الأمريكي الجديد»، التوسعي للمحافظين الجدد، في جميع أنحاء العالم، فتركز في عملها، بواسطة اللوبي النشط، والمؤتمرات « الاكاديمية والفكرية»، على التحريض ضد دول معينة باعتبارها، من أبرز أعداء أمريكا، وكونها « تحتضن عقائد متطرفة تغذي الإرهاب»، مركزة معظم أنشطتها في توجيه النقد والتحريض ضد هذه البلدان، الى حد التحريض على غزوها بعد تصنيفها كمعادية للمشروع الأمريكي « الديمقراطي» والصهيوني الاستيطاني بفلسطين.
فمؤسسة « الدفاع عن الديمقراطيات» معروفة بولائها المطلق لإسرائيل، وبتوجهاتها اليمينية المتشددة، وتتلقى تمويلا من منظمة المؤتمر اليهودي العالمي. حين قدم رئيسها كليفورد ماي طلبه الأول لتسجيل المؤسسة كمنظمة غير ربحية، في أمريكا، شرح أن هدف المؤسسة هو « توفير التعليم لتعزيز صورة إسرائيل في أمريكا الشمالية وفهم الجمهور للقضايا التي تؤثر على العلاقات العربية الإسرائيلية».
بالنسبة الى العراق، شنت المؤسسة حملة قوية لتسويق غزوه أو ما يسمونه «تحرير العراق»، وفق مشروع القرن الأمريكي الجديد. ففي 23 كانون الأول (ديسمبر) 2002 ـ نشر بول كريسبو، وهو ضابط سابق في مشاة البحرية وملحق عسكري، وزميل أقدم في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، موضوعا أكد فيه ان «النصر السريع في العراق يمكن أن يحوّل الشرق الأوسط». وان «العراق هو المركز الجغرافي ومركز الثقل الإستراتيجي للمنطقة.، وقد تم «تحييده بعد ان كان نظاما مارقا»، باحثا في إمكانية جعله « حليفا محتملا». وهو ذات المنظور الذي روج له برهم صالح، ولا يزال.
علينا الانتباه هنا الى انه ليس المنظور الليبرالي الذي يسقطه العديد من المحللين السياسيين على برهم صالح، كما فعلوا مع أحمد الجلبي الذي تم تلميعه بصبغتي الليبرالية والديمقراطية، بل انه منظور المحافظين الجدد، الذي يخطئ البعض حين يظنون انه انتهى مع إدارة بوش. فمشروعهم لايزال حيا ومتجددا من خلال مؤسسات فكرية واكاديمية وإعلامية يهيمن عليها الصهاينة، حماة إسرائيل، بقوة. وتكرس دورية « الحرب الطويلة» الصادرة عن المؤسسة، جهودها لتقديم تقارير وتحليلات عن الحرب الأمريكية الطويلة (المعروفة باسم الحرب العالمية على الإرهاب). ويتم إنجاز ذلك من خلال برامج مراسليها المعتمدين، وجمع الاخبار من جميع ارجاء العالم، والخرائط، والبث الالكتروني، وغيرها من وسائط التواصل المتعددة.
يتمثل مشروع المحافظين الجدد، بأوضح صوره، اذن، عبر عمل المؤسسة الدؤوب التي ترى ان ما حدث، بالعراق « أخطاء ـ رغم أنها هامة في بعض الحالات ـ لا تزال تكتيكية وقصيرة الأجل، وليست استراتيجية وطويلة الأجل». وأن الضبابية المحيطة بالوضع العام «لم تغير الأسباب التي دفعتنا الى خوض الحرب».
ان إزالة « ضبابية الوضع « بالعراق، يتطلب وجود ساسة عراقيين يواصلون عملها، لذلك، لاحظنا سيل المقالات المنشورة في الصحافة والمواقع اليمينية المتشددة ضد الإسلام، والمؤيدة لكيان الاحتلال العنصري، المؤسسة ومعهد المبادرة الأمريكي، المهللة لبرهم صالح بعناوين على غرار « الأكثر موهبة بين السياسيين الاكراد» و « على البرلمان العراقي اختيار برهم صالح رئيسا « وانه «الأفضل « ممن يستحسن التعاون معهم، على الرغم من صلاحياته المحدودة.
من جهة أخرى، رحب خليل زاد، أحد مهندسي الاحتلال البارزين والسفير الأمريكي السابق، بفوز تحالف مقتدى الصدر والحزب الشيوعي وحصولهم على 56 مقعدا في الانتخابات، واصفا مشاركة الصدر بالعملية السياسية التي كان ضدها، سابقا، باعتبارها نقطة تحول له من « متشدد الى قائد سياسي» وهو فعل « إيجابي. لأن تعريف النجاح هو تحويل الأعداء إلى شركاء بنائين». هذا الترحيب الأمريكي ـ الصهيوني، بالرئيس الجديد وتحول مقتدى الصدر من عدو الى شريك، يدل على ان اهتمام أمريكا بالعراق، لايزال ساري المفعول، وستشهد الأيام المقبلة صراعا دمويا بينها وإيران المحاصرة اقتصاديا، من خلال ميليشياتها، ولن يكون العراقيون غير ضحايا « أخطاء» او مجرد «خسائر» ثانوية.
848 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع