القس لوسيان جميل
مساوئ اسطرة قصة الخطيئة الأصلية على الايمان المسيحي
لقد ذكرنا الايجابيات التي يمكن ان تكون موجودة في قصة او في اسطورة الخطيئة الأصلية وقصة خلق الانسان وعلاقة كل ذلك بكثير من الامور الانسانية والأخلاقية،او بالأحرى، في معاني هذه القصص، استنادا على قاعدة المعنى الخارجي والمعنى الداخلي الروحي الخفي المضمر. وعليه فإننا الآن نقسم الواقع الى الظاهر والباطن، الا اننا لا نهتم بالظاهر الا من حيث قدرته على الكشف عن الباطن، الذي قد يكون رائعا او يكون سيئا ومضرا.فقصة خلق الانسان في ثوبها البدائي الاسطوري وقصة الخطيئة الأصلية الممتلئة بالمعاني الانسانية مثل ظهور الروح في حياة الانسان بوضوح شديد وتطوره وتصاعده وترقيه وخيباته والأمل الذي يبقى للانسان من القيام من سقطاته لهو شيئ رائع بحد ذاته ولا يجب التنكر له بحجة ان الظاهر هو مجرد قصة او اسطورة موضوعة في الكتاب او في الكتب المقدسة. فنحن بالحقيقة اذا عرفنا ان نقرأ قصة الخلق وغيرها في العهد القديم او في العهد الجديد وعرفنا باطن هذه القصص جيدا، فان ما هو خارجي يخدمنا بقدر ما تكون القصة جميلة ومعبرة ولا تحوي تناقضا تكون مهمة ولا نتمنى ان يكون الكاتب قد نقل الينا حقائق انسانية وروحية عميقة باسلوب جامد يشبه الرياضيات والفيزياء والكيمياء. طبعا نحن لنا اممنا الفنون الجميلة والشعر في الأدب لتخبرنا كلها عن البعد الوجداني الذاتي عند الانسان. فإذا وجد الخلل فأين يكمن يا ترى؟
ان الخلل عزيزي القارئ يقع عند الانسان القارئ، سواء كان فردا او جماعة. فإذا قرأ هذا الانسان، سواء كان فردا او جماعة، وسواء كان يقرأ القصة لفائدته الشخصية او للتعليم فان هذا القارئ اذا لم يميز بين الظاهر والباطن وبين المبنى والمعنى حينئذ، شاء ام ابى، يقع في فخ الأسطورة والمعتقدات الباطلة، ويحب ظاهر اي نص هو الحقيقة الكاملة، ولا يعرف ان الظاهر جزء من الحقيقة وظيفته هي الكشف عن المعنى الباطني. كما نعرف ايضا، وبحسب فكر الأب تيار ده شاردن بأنه بقدر ما يتحسن الظاهر بقدر ذلك يكون الباطن اكمل وأوضح. علما ان تحسين الظاهر يعود الينا نحنن البشر، واعني الأدباء والفلاسفة واللاهوتيين والمختصين بالأمور الفكرية والروحية النظرية والعملية.
ولكن في الواقع ماذا حصل؟ ان الهيمنة على الواقع كانت ولا زالت بيد العناصر السلفية Traditionalistesحتى اليوم. فهذه العناصر، في الواقع كانت تعمل في الكنيسة منذ ما قبل افول نجم العهد القديم، وبداية العهد الجديد التبشيري. فهذه العناصر كانت قد بدأت تسعى الى تثبيت الشريعة الموسوية والختان في المحيط الرسولي نفسه، حسب ما نقرأ في سفر اعمال الرسل وتحديدا مباشرة قبل خطاب بطرس الرسول. واعتقادنا ان تلك العناصر نفسها بقيت على آرائها حتى بعد فرارها الى الجزيرة العربية وأعطي لها اسم الناصريين او النصرانيين او الناصوريين او النصارى، وكانت كل هذه الألقاب تعني اتباع يسوع الناصري، الذين كانوا يختلفون عن المسيحيين كثيرا. علما اننا نجد آثار النصرانية التي انقرضت في القرآن الكريم وفي التقليد الاسلامي، كما نجد في القرآن الكريم ان جميع المصطلحات الدينية تعود الى تلك الجماعة.غير اني لا اسهب في ذلك. فقط اقول: قد يمكننا ان نعد النصرانية ( وليس المسيحية ) تعبيرا عن ايمان شرقي غير مطعم بأية فلسفة، في حين اتجهت المسيحية نحو فكر غربي يوناني يأخذ الفلسفة اليونانية الأفلاطونية والأفلاطونية الجديدة كمنهج معرفي كان اللاهوتيون يعدونها منهجا يمثل الحقائق المطلقة.علما بأن توما الاكويني(القرن الثالث عشر ) قد اكمل المنهج الغيبي الغربي اليوناني عن طريق سلوك طريق المنهجية الأرسطية لبناء منهيته اللاهوتية الخاصة. هذا وعلى الرغم من ان توما الاكويني يوصف بأنه ينتمي الى مدرسة فلسفية واقعية Réaliste الا انه زاد في طين السلفية بللا لأن توما حاول ان يعقلن العقائد لا غير في حين كان يجب وضع العقائد في اطارها التاريخي الصحيح والقضاء عليها منذ ذلك الحين. غير ان شكل ايمان توما الحرفي لم يكن يسمح له بذلك.
معضلة السلفية: غير ان السلفية تبدأ معضلتها منذ بداية احتلال قسطنطين الملك منطقة الشرق ثم امتداد المعضلة الى الغرب عبر القرون الوسطى كلها. فمنذ ذلك الوقت تحول الايمان المسيحي الى انتماء والى مؤسسات. وكما نعرف ان المؤسسات بطبعها لا تريد ان تستسلم للتغيير، مهما كلف الأمر من تضحيات. الأمر الذي حدث مع الكنيسة المؤسسة التي كانت قد اندمجت مع المؤسسة السياسية: الامبراطورية الثيوقراطية المسيحية. هذا وعلى الرغم من ان الكنيسة المؤسسة تعرضت لهزة الانشقاق اللوثري ثم رضخت لضربة قوية على يد الثورة الفرنسية التي دمرت الملكية ورموزها ومرتكزاتها كلها، الا انها لم تتعظ وانما حصرت مقاومتها للتغيير بلاهوتها وشرائعها وعقائدها التي دمجت بشكل عنيف بينها وبين الايمان دون ان تقدم تعريفا لاهوتيا حقيقيا للإيمان. وهكذا بقيت الكنيسة المؤسسة تتشبث بضراوة بحرفية عقائدها ولا تميز بين لاهوتها وإيمانها، وجعلت من القصص الدينية بمظهرها الخارجي، عبارة عن سلسلة من الأساطير فرضتها على الناس. علما بأن الكنيسة والمسيحية في زمان لم يكن العلم بعد سائدا قد نجحت، في فرض اساطيرهم باسم الايمان احيانا كثيرا تحت طائلة الموت. مثلما حدث لكثيرين من العلماء، ومنهم كوبرنيكوس وغاليلو مع قصته المعروفة عن دوران الأرض حول الشمس. اما في المسيحية فيمكننا ان نرى كل عقائد الكنيسة تقريبا فيما نسميه قانون الايمان. مستندين على العقيدة نفسها وليس على البرهان العلمي، بحجة عدم تناقض الدين مع العلم. ولذلك نسأل ماذا ابقت الكنيسة المؤسسة المتشبثة بقصصها الى يومنا هذا ولم تأسطره وتدخله في خانة الايمان، بحسب افتراض اعتباطي يعتقد مجانا وبدون برهان من الافتراض الاعتباطي الذي يرى ان الله السماوي يتدخل في شؤون الأرض، وافتراض ان هذا الاله السماوي هو اب وابن وروح قدس ثلاثة اقانيم وطبيعة واحدة. وبما هذا القول كان غريبا بشكل كلي على طبيعة الانسان المعرفية فان سيف الهرطقة وسيف الايمان الاسطوري كان يهدد، ولا زال كل مجدد. اما اسطورة التجسد فكانت اشد غرابة من عقيدة الثالوث، لآن كا ما يخص يسوع يصدم الانسان ويصدم عقله الذي لا يعرف سوى ما يتطابق مع هذا العقل.
2018
1753 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع