مذابح اسطنبول في ٦-٧ أيلول ١٩٥٥

                                            

                           آرا دمبكجيان


مذابح اسطنبول في ٦-٧ أيلول ١٩٥٥

قامت ألمانيا النازية بتدبير و ارتكاب ما أسمته "كريستال ناخت Kristallnacht" او كما تُرجِمت الى العربية بشكل "ليلة البلور المحطم" لإبادة مواطنيها اليهود في 1938، أعادت الحكومة التركية القدر نفسه ضد مواطنيها اليونانيين و الأرمن و اليهود في اقل من عقدين من الزمن، في 6-7 من أيلول 1955. قادت عمليات الأبادة في اسطنبول المنظمات الأمنية، الرسمية و الشعبية، مع المشاركة الفعلية للمجموعات القومية المتعصبة يقودها الحزب الديمقراطي الحاكم (1960-1950) و النقابات المهنية تحت سيطرة الحكومة.
دخلت عملية التتريك، التي بدأت في بداية القرن العشرين، المجال الأقتصادي و اتخذت محورا جديدا بعد الأبادات الجماعية التي بدأت في 1915-1922 في السنوات الأخيرة من الحكم العثماني. و في خلال العمليات الأجبارية لتبديل السكان بين تركيا و اليونان في 1924، لم يطل التبديل يونانيي اسطنبول. ثم أتُخِذَت سياسات تمييزية في اثناء حكم حزب الشعب الجمهوري ضد المواطنين من غير المسلمين و منها سن قوانين تستثني هؤلاء من وظائف معينة، و أعقبتها حملات بفرض اللغة التركية على الجميع إذ مُنِع المواطنون من غير الأتراك التعامل بلغاتها القومية، و كذلك حملات لإبادة اليهود في ثراقيا الشرقية (أدرنة، تيكيرداغ، كيركلاريلي، و الجزء الأوروبي من اسطنبول و جنة قلعة) في 1934، و فرض قانون "ضريبة الثراء" في 1942، و تجنيد هؤلاء في القوى العاملة في كتائب الجيش اثناء الحرب العالمية الثانية على غرار ما كان موجودا في بداية القرن جيث سيق الآلاف الى الجيش كعمالة للأشغال الشاقة في اثناء الحرب العالمية الأولى. و في تقرير لحزب الشعب الجمهوري (حكم من 1923-1950) عن الأقليات العرقية وردَ فيه ان هدف الحزب هو عدم إبقاء أي يوناني في اسطنبول في 1953 عند الأحتفالات بالذكرى 500 لأحتلال القسطنطينية.
تدهورت العلاقات اليونانية-التركية بعد 1953 عندما بدأ القبارصة اليونانيون كفاحهم المسلح لتحقيق الوحدة بين الجاليات اليونانية المختلفة بعد ضم و إلحاق قبرص، الواقعة تحت الأنتداب البريطني، الى اليونان. ناشدت اليونان الأمم المتحدة لأعطاء قبرص حق تقرير المصير في 1954، بينما كانت رغبة بريطانيا حل قضية قبرص بعيدا عن مجلس الأمن و الأمم المتحدة، و أنحازت الى جانب تركيا لإبطال مطالب اليونانيين.
بدأت الحملات الدعائية التركية المضادة لليونانيين في 1955 بقيادة الصحافة التركية لتهييج الرأي العام متضامنة مع المنظمات العنصرية التركية. أجبر الوضع المتفاقم البريطانيين على إقامة مؤتمر ثلاثي في لندن باشتراك تركيا و اليونان في 29 آب/أغسطس لغاية 6 أيلول/سبتمبر 1955 الذي أختصر أعماله عندما وصلت الأنباء عن إلقاء المتفجرات على القنصلية التركية في ثيسالونيكي (سالونيك) قرب الدار التي ولد فيها مصطفى كمال اتاتورك في 1881.
أسفرت التحقيقات عما يلي:
1- كانت التفجيرات بعلم وزارة الخارجية التركية.
2- ترك القنصل التركي موقع القنصلية و سافر الى اسطنبول قبل التفجيرات بمدة و ترك زوجته في مبنى القنصلية لإتمام "تفاصيل الدقائق الأخيرة" قبل أن تلتحق بزوجها.
3- من ضمن "تفاصيل الدقائق الأخيرة" كان عليها ان تتصل بستوديو للتصوير الفوتوغرافي في سالونيك و تؤجر مصورا يونانيا لتصوير داخل مجمع القنصلية المسوَّر.
4- ألتحقت بزوجها بعد عدة أيام من التصوير و بحوزتها الصور الفوتوغرافية.
5- تم التلاعب بالرقائق السالبة للصور و أظهرت آثار دمار في البناء.
بعد عدة ساعات من التفجيرات المزعومة أصدرت صحيفة اسطنبول أكسبريس في عددها عصر ذلك اليوم الصور المغشوشة التي تظهر الدمار في المجمع. قارن المحققون اليونانيون بين الصور المنشورة في الصحف و بين الصور الأصلية من المصور اليوناني. أُلقي القبض على طالب تركي يحمل الجنسية اليونانية و يدرس في جامعة سالونيك اسمه أوكتاي أنكين مع البواب التركي للمجمع.
سكتت الصحف التركية و لم تكتب شيئا عن إلقاء القبض على الطالب المشترك في الجناية بل على العكس، هيَّجت الرأي العام على يونانيي اسطنبول، فدخلت شاحنات مليئة بافراد الغوغاء التركي الذين اتجهوا نحو احياء اليونانيين. طالت عمليات الهجوم على ممتلكات اليونانيين لتسع ساعات مستمرة و امتدت نحو احياء الأرمن و اليهود ايضا. لم تتدخل الشرطة لوقف الأنتهاكات فاستمرت اعمال العنف الى ان لعلنت السلطات حالة الطوارئ في البلد و تدخَّل الجيش لإنهاء اعمال العنف.
بعد إعادة انتخابه على مركز السلطة عيَّنَ سليمان ديميريل الطالب التركي أوكتان انكين، الذي كان قد هرب الى تركيا بعد أشهر من التفجيرات، بمنصب مدير شؤون الجالية التركية في ثراقيا اليونانية بعد 37 سنة من العملية الأرهابية التي نفّذها.
أثبتت المحكمة العسكرية التركية في ياسيادا (1961-1960) تورط الحكومة التركية مع قنصلها في تفجيرات سالونيك في اثناء محاكمة رئيس الوزراء الأسبق عدنان منديريس (1960-1950) مع وزير خارجيته زورلو و اتهمت منديريس ايضا في تنظيم و تنفيذ عمليات استهداف المواطنين غير الأتراك انتقاما من اعمال التفجير.

      

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

860 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع