علي الكاش
جهاد الأدعياء من أصحاب رفحاء
قبل الخوض في هذا الموضوع الشائك لا بد من تعريف الجهاد، وما هي أنواعه، وشروطه، وكيف يكون أجره، هل في الحياة الدنيا أم الآخرة؟
الجهاد لغة يُقصد به الطاقة، والعمل الشاق، والجهد المبذول، والوسع والمبالغة، والقتال في سبيل الله، لذا يقال جاهد جهادا ومجاهدة، اذا كثر عدد قتلاه من الأعداء، وتناولت المذاهب الإسلامية موضوع الجهاد بشكل واسع، واعتبر الفريضة السادسة في الإسلام، فهو مثلا عند الحنفية يقصد به الجهد المبذول بالقتال في سبيل الله، بغض النظر ان كان ذلك الجهاد بالنفس او المال او الكلام. في حين حصره الشافعية بالجهاد في قتال المشركين، وعده المالكية بقتال الكافرين لإعلاء راية الإسلام، أما الحنابلة فقد عدوا الجهاد بالإجتهاد في الحصول بما ترغبه من الإيمان، والعمل الصالح، والإبتعاد عن الكفر والكبائر وعصيان الله تعالى.
لذا يمكن اعتبار الجهاد ركنا اساسيا في الدين الإسلامي، ومن أعظم الطاعات بعد الفرائض الخمس. والجهاد لم يقتصر على الإسلام فحسب، بل معظم الديانات السماوية حظت عليه وعملت به. ومن أهم أهداف الجهاد، اعلاء راية الله اكبر، وهداية الناس الى طريق الحق القويم، القضاء على الكفر والشرك، وتوحيد الناس وارشادهم الى عبادة الله، ومحاربة الطغاة والظالمين، وإزالة الظلم وتعويض المظلومين، وارجاع حقوقهم لهم، توسيع رقعة الدين عبر الفتوحات والتوسع، والحفاظ على الدين والدفاع عن الشرع والعقائد ازاء الحركات المعادية والمنافقين.
وردت كلمة الجهاد في العديد من السور، قال تعالى في سورة التوبة/41 ((انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)).
وقال في سورة التوبة/ 43(( لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)).
وقال تعالى في سورة العنكبوت/69((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)). كما وورد في سورة التوبة/111(( ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم واموالهم بأن لهم الجنة، يُقتلون في سبيل الله فَيقتلون ويُقتلون)). وجعل العلماء الجهاد على أربع مراتب: جهاد النفس، جهاد الكفار، جهاد الشيطان، جهاد الزنادقة وأصحاب البدع والمنكر. وقد حدد الله تعالى شروطا في الجهاد في سورة التوبة/91((ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج)).
ما يهمنا بالدرجة الأولى ان الجهاد هو تكليف على البالغ، بمعنى من تجاوز الخامسة عشر من عمره، فقد رفض النبي (ص) طلب ابن عمر في الجهاد خلال معركة أحد لأنه عمره كان وقتذاك (14) عاما، وقبله في معركة الخندق عندما بلغ (15) عاما. وفرض على العاقل، والقادر، وغير المعيل لوالديه، فقد رفض النبي (ص) رجلا رغب بالجهاد وله والدين شيخين، فقال له: أحي والداك؟ فأجاب: نعم! فقال النبي: ففيهما جاهد! وفرض الجهاد أيضا على الرجال فقط.
الآن إستوفينا بعضا من ملامح الجهاد فيما ينفع موضوعنا، ولا نريد أن نعرج على مواضيع أخرى تتعلق بالجهاد نحن في غنى عنها حاليا، بسبب توسعها وتعدد الآراء بشأنها، وهي لا تفيدنا في هذا المبحث المتعلق بما يسمى بمجاهدي رفحاء.
من هم أصحاب رفحاء؟
عندما قامت مجموعة من العراقيين الغوغاء فيما يسمى (صحفة الغدر والخيانة) أو(الإنتفاضة الشعبانية) بإنتهاز فرصة إنسحاب الجيش العراقي من الكويت إنسحابا مذلا، فقاموا بنهب المؤسسات العامة وقتل عناصر الجيش المنسحبين من الكويت، سيما الضباط منهم، ومن غير أهالي المناطق الجنوبية، حيث تسامحوا معهم، وإكتفوا بتقريعهم وأخذوا تعهدأ منهم بأن لا يعودوا للخدمة في الجيش مرة أخرى. والحقيقة أن الجيش كان أول من إنتفض ضد النظام بسبب الهزيمة النكراء وعدم التكافؤ بين الجيش العراقي وقوات التحالف من حيث العدة والعدد والإعاشة والمعنويات، وذلك عندما اطلقوا الرصاص على نصب الرئيس صدام حسين، ومزقوا صوره، فسرق أهل الجنوب الإنتفاضة من الجيش وعبثوا فيها وحرفوها، ثم قام الحرس الثوري الإيراني بسرقتها من أهل الجنوب، مما جعل الرئيس الأمريكي بوش ينفض يديه منها، ويسمح للرئيس صدام حسين بإستئصالها.
أهم ما يمكن ملاحظته في هذا الشأن.
1. ان وصف المجاهدين لا ينطبق على أهل رفحاء، فهم أناس لم يجاهدوا، بل هربوا الى الدول المجاورة ايران والمملكة العربية السعودية، والجهاد يتعارض مع الهروب من أرض المعركة. الهروب من أرض المعركة جُبن، وهذا أمر لا جدال فيه.
2. معظم أهالي رفحاء كانوا من الأطفال وكبار السن، ولا تتوفر فيهم شروط الجهاد، فالأطفال غير بالغين ومستثنين من الجهاد، والشيوخ لا تتوفر فيهم القدرة على القتال، فأعفوا من الجهاد، وهذا ما يقال عن المرضى.
3. نسبة كبيرة من أهل رفحاء كانوا من الأناث، والجهاد لا يجوز للمرأة، ونقصد بذلك الجهاد بالنفس، وليس بالمال واللسان.
4. جميع أصحاب رفحاء من الشيعة، ومن المعروف ان المذهب الشيعي لا يجيز الجهاد إلا بعد ظهور المهدي وراياته. وهذا ما موجود في أمهات كتب الشيعة. عن علي بن الحسين قال" والله لا يخرج أحد منا قبل خروج القائم إلا كان مثله كمثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان وجثوا به". (وسائل الشيعة11/36)، ومن المحدثين الخميني بقوله" في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر – عجل الله فرجه – الشريف يقوم نوابه العامة وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام إلا البدأة بالجهاد". (تحرير الوسيلة1/482).
5. وصف المرجع الشيعي الأعلى الخوئي المنتفضين بالغوعاء في لقاء مع الرئيس صدام حسين، وذكر إنهم سرقوا سيارته. وقد إنسحب منها آية الله أحمد الحسني البغدادي بسبب" غياب المعارضة الوطنية والإسلامية". للمزيد من المعلومات عن ما يسمى بالإنتفاضة الشعبانية، يمكن مراجعة مقالنا (أإنتفاضة شعبانية أم صفحة غدر وخيانة؟)
6. تم توزيع أصحاب رفحاء على أرقى دول العالم كلاجئين، مثل النرويج والسويد وهولندا، وشملوا فورا بالمساعدات الإجتماعية، وهيْ لهم السكن والخدمات الصحية والتربوية مجانا، ومنحوا جميعا الجنسيات الأجنبية. والأطفال منهم آنذاك، وبعد أن كبروا لا يعرف الكثير منهم العراق، ولا يتكلموا العربية، فهم مواطنون أجانب، وله إمتيازات أقرانهم من مواطني الدول التي تجنسوا بجنسيتها.
7. لا يستحق الأطفال ولا النساء ولا الشيوخ وصف المجاهدين وفق للشرع الإسلامي، وعليه لا يجوز منحهم رواتب ومكافئات.
8. أجر الشهيد كما من المعروف يكون عند الله، وليس عند الحكومات، لأن الجهاد عمل مقدس لا تُستوفى عنه الأجور. فإذا حصل المجاهد على إمتيازات دنيوية فقد بذلك وصف المجاهد، وصار موظفا عند الدولة حاله حال الجندي.
9. منحت حكومة الإحتلال في العراق أصحاب رفحاء ثلاثة رواتب تقدر بعدة ملايين من الدنانير على إعتبار لهم خدمة جهادية، في حين لا الأطفال ولا النساء يستحقون رواتب عن الخدمة الجهادية ـ هذا إذا أفترضنا جدلا إنهم من المجاهدين ـ فهم لم يجاهدوا، ولم يقدموا خدمات جهادية، بل كانوا مصاحبين لآبائهم.
10. عاش أصحاب رفحاء عيشة رغد ورفاه، بحكم معيشتهم في أرقى دول العالم، وحصلوا على رواتيب مجزية وخدمات ممتازة، في الوقت الذي كان أقرانهم من العراقيين ممن لم يحالفهم حظ الرفحاويين، الحصار الإقتصادي الظالم، وذاقوا الأمرين، وباعاوا الأشياء الغالية والنفيسة لسد لقمة عيش أبنائهم، علاوة على إنتفاء الدواء والكثير من الخدمات كالماء الصالح للشرب والكهرباء وغيرها، لذا المجاهدون الحقيقيون هم من عاشوا داخل العراق وعانوا ما عانوا، وليس الذين عاشوا في السويد والنرويج وغيرها.
11. معظم الرفحاويين من الرجال بلغوا سن التقاعد في الدول التي عاشوا فيها (مابين 65 ـ67) سنة، وهم يحصلوا الآن على رواتب تقاعدية عالية، سواء عملوا أم لم يعملوا (النظانم في أوربا يمنح رواتب تقاعدية لكل من بلغ سن التقاعد سواء كان عامل أو غير عامل). لذا فهم ليسوا بحاجة الى آلاف الدولارات شهريا من الخزينة العراقية، تصرف لهم بلا وجه حق. في الوقت الذي بلغت نسبة الفقر في العراق ما يزيد عن 40%. ونسبة البطالة حوالي 35%.
12. في الموازنة العراقية هناك فقرة تمثل فاجعة، وهي تخصيص (30) ترليون عراقي حوالي (28) مليار دولار، مخصصة كرواتب لأصحاب رفحاء، وآخرين في الخارج لا نعرف عنهم شيئا، ولا عن خدماتهم الجهادية.
هل أهل نينوى والأنبار وصلاح الدين والبصرة أولى بهذه المليارات أم أصحاب رفحاء؟
13. بلغ العجز في الميزانية العراقية ما يقارب (19) ترليون دينار عراقي، وتبلغ الفوائد على القروض الخارجية ما يقارب (11) مليار دولار سنويا، وهذا يتطلب سياسة تقشف ولا هدر في الأموال العامة. بمعنى إن وقف رواتب الرفحاويين المدللين عند الحكومة، من شأنه ان يسد العجز في الميزانية، ويسد فوائد القروض الخارجية.
هذه واحدة من كوارث العراق، في ظل شعب جاهل، وغير واعي، ولا يعرف حقوقه، ولا يعرف كيف تتصرف الحكومة بثرواته، شعب منوم مسح كلمة الثورة على الظلم من قاموسه، وبلا خجل يرفع شعار(هيهات منا الذلة)!
علي الكاش
2670 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع