الديمقراطية ولعنة الموارد الطبيعية دروس مستوحاة من "الربيع العربي"

                                                  

                        لهب عطا عبدالوهاب

الديمقراطية ولعنة الموارد الطبيعية دروس مستوحاة من "الربيع العربي"

يذهب البعض إلى أن هناك علاقة (جدلية) تحكم الديمقراطية من جهة ، والموارد الطبيعية من جهة أخرى ، ويزعم هؤلاء إلى أن هناك تناسب عكسي بين هذين المتغيرين ، إذ تشير بعض الشواهد التاريخية إلى أن الدول الغنية بمواردها الطبيعية ؛ كالنفط والغاز ، تحتل فيها (الديمقراطية) درجات أدنى مقارنة بالدول شحيحة الموارد ، وهو ما ذهبت إليه دراسة حديثة صادرة عن دورية "الفورن آفيرز" الواسعة الانتشار.

خبايا النفط السرية :
لم يكن النفط دائماً عائقاً أمام ولوج الديمقراطية ، وحتى مطلع السبعينات من القرن الماضي ، فإن الدول المنتجة للنفط كانت أقل حظاً من بلوغ الديمقراطية شأنها شأن الدول النامية الأخرى . ويعزى ذلك ، إلى أنه حتى تلك الفترة ، فإن ما يعرف بـ (الأخوات السبع) وهي الشركات النفطية العملاقة التي كانت تهيمن على الصناعة النفطية للفترة الممتدة من منتصف الأربعينيات ولغاية أوائل السبعينات من القرن الماضي وتجني حصة الأسد من العوائد.

وقد ضمت هذه المجموعة الشركات التالية :
1. Standard Oil of New Jersey.
2. Standard Oil Company of New York (now ExxonMobil).
3. Standard Oil of California.
4. Gulf Oil.
5. Texaco (now Chevron).
6. Royal Dutch Shell.
7. Angelo-Persian Oil Company (now BP).


وحتى عام 1973 فإن الأخوات السبع كانت تسيطر على أكثر من 85% من الاحتياطات العالمية النفطية المؤكدة. أن هيمنة الشركات الأجنبية الكبرى على السوق النفطية حرم الدول النفطية من الاستفادة من العوائد ، إذ لم يدخل موازنتها الحكومية الا النزر اليسير. بيد أن هذا الوضع بدأ بالتغير بشكل جذري في مطلع السبعينات من القرن الماضي لتضافر عدد من الأسباب منها :
(1) إن السيطرة المطلقة "للأخوات السبع" على الصناعة النفطية بدأت بالتراجع مع ظهور شركات نفطية مستقلة مثل شركة Getty Oil والشركة الإيطالية الحكومية ENI .
(2) الإعلان عن إنشاء منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) في العاصمة العراقية بغداد في أيلول / سبتمبر من عام 1960 عزز من مكانة الدول النفطية لا سيما في قدرتها التفاوضية مقابل الشركات النفطية الأجنبية التي كانت تعمل وفقاً لنظام الامتياز.
(3) إعلان الحظر النفطي العربي ابان حرب أكتوبر عام 1973 الذي أفضى إلى ما يعرف بـ (الفورة النفطية) أو ما أصطلح عليه بـ الثروة النفطية الأولى حيث ارتفعت أسعار النفط من 2.50 دولاراً للبرميل عام 1972 إلى حوالي 12 دولاراً للبرميل عام 1974 . وللاستفادة من الارتفاع الكبير للأسعار ، شرعت غالبية الدول النفطية إلى "تأميم" الشركات النفطية الأجنبية العاملة في أراضيها لتحل محلها الشركات النفطية الوطنية التي أخذت على عاتقها إدارة الصناعة النفطية.

تداعيات تأميم الصناعة النفطية
لعل أبرز ما أفضت إليه عمليات تأميم الصناعة النفطية في الدول المنتجة هو (خلق) ثروة غير مسبوقة في هذه الدول ، وهو ما أصطلح عليه بـ "البترودولار" وقد قوبل تأميم النفط بمساندة جماهرية حاشدة في العديد من هذه الدول . كما إنها بالإضافة إلى ذلك كانت السبب الرئيسي (وراء الشعبية الجارفة) لعدد من زعماء الدول العربية ، فعلى سبيل المثال ، فإن أولى الخطوات التي اتخذها الزعيم الليبي معمر القذافي بعد نجاح إنقلابه العسكري في سبتمبر عام 1969 – الذي أطاح بالملك إدريس السنوسي – هو تأميم الصناعة النفطية ، ما مكنه من " وضع اليد " على العائدات النفطية التي تم توظيفها لتمويل أجندته الثورية وإلى (شراء) ولاءات زعماء القبائل التي كان يخشى أو يشك في عدم ولاءها للنظام.

وفي العراق ، كان المهندس الرئيسي لعمليات تأميم النفط نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في حينها (صدام حسين) والذي كان حتى تلك اللحظة (عام 1972) غير معروف إعلامياً على نطاق واسع ، إلا أن دوره الحاسم في الاستحواذ على موجودات الشركات النفطية الأجنبية العاملة في البلاد كانت (بوابته للشهرة) وفقاً لكاتب سيرته الذاتية Con Coughlin وقد مكنه استحواذه على ملايين الدولارات التي وفرتها العائدات النفطية من (إزاحة) الرئيس أحمد حسن البكر عن سدة الحكم عام 1979 ، ليصبح الحاكم المطلق للبلاد.

إن عمليات التأميم جعلت من حكومات الدول المصدرة للنفط أكثر غنى وسطوة مما كانت عليه من قبل ، كما مكن ذلك (الحكام) في الدول النفطية من توظيف الثروة النفطية لتمويل برامج اجتماعية لتحسين الخدمات العامة المقدمة لمواطنيها ، ما جعل حكامها في منأى عن موجة الديمقراطية التي اجتاحت العالم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي والتي أطاحت بالعديد من النظم ، لا سيما في الدول الشيوعية السائرة في فلك الاتحاد السوفيتي السابق (رومانيا وألمانيا الشرقية والمجر وبولندا).
إلى ذلك فإن استحواذ حكومات الدول النفطية على العائدات البترولية مكن النظم السلطوية من الاستمرار في الحكم من خلال :
(1) إن الثروة النفطية مكنتهم من تلبية رغبات شعوبها بتوفير الخدمات المتعددة لا سيما مجانية الصحة والتعليم دون أن يترتب على ذلك فرض الضرائب . وكما هو معلوم ، فإن العلاقة بين الضرائب والتمثيل السياسي تحكمها علاقة طردية No Taxation Without Representation إذ أن فرض الضرائب من قبل الحاكم يجب أن يقابله التمثيل السياسي لمواطنيها. وبالعودة بالذاكرة التاريخية قليلاً إلى الوراء ، فهناك تجارب لا تزال مائلة في الأذهان ، إذ تشير السجلات التاريخية إلى أن مواطني الولايات المتحدة في القرن الثامن عشر والتي كانت في ذلك الوقت مستعمرة بريطانية ، ثاروا منتفضين ضد حكامهم الإنكليز احتجاجاً على فرض الضرائب المجحفة دون أن يقابله المشاركة في الحياة السياسية ، إذ لم يكن لهم تمثيل يذكر في البرلمان البريطاني.
وفي الدول الشرق أوسطية اليوم ، يقابل حكام الدول النفطية مطالب شعوبهم بالمزيد من الانفتاح والمشاركة الشعبية في الحكم بتدابير ذات طابع مالي بزيادة الأجور والرواتب وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي ، وخلق الوظائف ودعم السلع والخدمات بما يؤمن لسكانها – المحليين من المواطنين والوافدين فيها – متطلبات العيش الكريم.
في المقابل فإن الحكام في النظم الشمولية العربية غير النفطية كنظام زين العابدين بن علي في تونس ونظام حسني مبارك في مصر ، لم يألوا جهداً باتخاذ إجراءات مماثلة لتلك الإجراءات التي اتخذها نظرائهم العرب في الدول النفطية ، بيد أنها كانت أقل حجماً وانتشاراً وبالتالي أقل فاعلية ، مما عجل في زوالهم.

(2) إن الثروة النفطية تمكن الحكام في النظم الشمولية من الإغداق على قواتها المسلحة بسخاء ، ما يمكنها من شراء ولاء الجيش للسلطة الحاكمة . ونتذكر على سبيل المثال ما قام به الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد من ترسية عقود بالمليارات لرجال أعمال مرتبطين بالحرس الثوري الإيراني لضمان وقوف الأخير بجانب الرئيس عندما تدلهم الخطوب.
وعلى الصعيد العالمي تفيد البيانات المنشورة إلى أن النظم السلطوية التي تفتقر إلى الثروات النفطية تنفق في المتوسط حوالي 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على قواتها المسلحة مقابل 3% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول النفطية.
بيد أن (لعنة الموارد الطبيعية) لا تعني بالضرورة عدم إمكانية قيام نظم ديمقراطية تعددية تمثيلية في الدول ذات الموارد النفطية الغنية ، ودليلنا على ذلك هو التحول نحو الديمقراطية الذي خبرته كل من أندونيسيا والمكسيك ونيجيريا في مطلع الألفية الثالثة ، وهي جميعها دول منتجة للنفط . وكانت قد سبقتها إلى ذلك ، فنزويلا ، أكبر دولة منتجة للنفط في أمريكا اللاتينية ، والتي انتقلت إلى نظام ديموقراطي عام 1958.

إلى ذلك يمكن القول أن (الربيع العربي) الذي اجتاح العديد من الدول العربية في المشرق وشمال أفريقيا ، يأتي متناغماً مع التوق العالمي لبلوغ الديمقراطية ، حيث الفيصل فيها هو لصناديق الاقتراع ، بدلاً من قرقعة السلاح التي سادت دول العالم الثالث في النصف الثاني من القرن العشرين ، إذ لا عودة إلى الوراء ، فالتغيير الديمقراطي آت لا محال .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2989 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع