بقلم المحامي المستشار
محي الدين محمد يونس
العراق دولة المنظمة العلنية /الجزء الأول
مقدمة:
يتشكل العراق من عدد من الأديان والثقافات والقوى العرقية ومن الصعوبة بمكان الحصول على تصنيف إحصائي دقيق للسكان وذلك بسبب غياب الدقة عن البيانات الإحصائية مقروناً بالتلاعب الرسمي بها.
لقد خلق البريطانيون العراق من دمج ولايات بغداد والبصرة والموصل العثمانية السابقة وكان كل يدار في العهد العثماني من إدارة مستقلة ولكل منها روابط ضعيفة مع الولايات الأخرى .
وكانت النتيجة نشوء العراق كبلد هش , استمرار هذا الوضع يعود أساساً إلى أن مصادر عدم الاستقرار مازالت قائمة دون حل, حيث ان الأطراف الرئيسية في العراق (السنة والشيعة والكرد) لا يتفقون بخصوص طبيعة الدولة وبنيتها وهويتها, والصراع العرقي والمذهبي القائم في العراق حالياً لا يمكن أن يعزى إلى التمرد والإرهاب فقط.
من المؤكد أن النزاعات والانشقاقات بين الجماعات القومية والعرقيةوالدينية والمذهبية العراقية تمثل الجزء الأكثر جدية في المأزق العراقي, فالشعب العراقي مكون من أصول مختلفة والإقرار يهذا التنوع واحترام الاختلافات الثقافية والقومية للمجموعات العرقية المختلفة أمور يجب أن يتم التعامل معها دستورياً وكذلك مؤسساتياً.
ومن هذا المنطلق يجيء كتابي هذا الذي أخذت له هذا العنوان (العراق دولة المنظمة العلنية) على غرار العنوان الذي كان قد إختاره الكاتب والمفكر القدير (حسن العلوي) لكتابه (العراق دولة المنظمة السرية) الصادر في لندن عام 2000 يفضح فيه التجاوزات اللإنسانية والممارسات الإجرامية للنظام السابق البوليسي بالمعنى الدارج من خلال تحكم العديد من الأجهزة الأمنية القمعية في هذه الحقبة من تاريخ العراق ((ليست هناك جريمة ولكن بالرغم من ذلك يعيش الملايين خائفين فمجرد الاشتباه في عدم الولاء للدولة وقول الخطأ في الوقت الخطأ يمكن أن يرسل شخصاً برئياً إلى حتفه...)) مقتطف من كتاب (روب سميث – رجل النظام البوليسي).
وكان النظام قد خلق منظمته هذه بغطاء من الشرعية القانونية والهيكلية المؤسساتية على عكس النظام الحالي الذي يتميز بالشفافية والوضوح في كافة ممارساته القانونية الأصولية وأكثر شفافية ووضوحاً في جوانب الفساد والسرقات التي طالت المال العام ومصالح المواطنين.
إن الخوض في مسألة الهوية أمر حاسم إذا كان على المرء أن يفهم استقرار الدولة أو غيابه, وقد شهدت الكثير من الدول التي ولدت بعد الاحتلال صراعات عرقية ودينية طائفية خطيرة كنتيجة للمسائل الغير محلولة التي تحيط بالهوية الوطنية, وفهم الآليات التي يؤدي الصراع العرقي والمذهبي من خلالها إلى فشل الدولة ضروري لتحديد خيارات العراق وهو يحاول الخروج من محنته في الوقت الذي أحمل نظرة تشاؤمية عن حال العراق ومستقبله بسبب تجذر الإنقسامات بين مكوناته الرئيسية (الشيعة, السنة, الكرد) وتجاوزها مرحلة الاستمكان في زرع الألفة والمحبة والتفاهم ونكران الذات والاندماج الطوعي, بعد مرور قرن من الزمان على تأسيس هذه الدولة وصلنا إلى مرحلة فقدان القائمين على إدارة شؤونها إدراك التمييز بين الانتماء المذهبي والقومي والوطني وفقدان الوعي وعدم الاكتراث إلى خطورة المسار الذي سيؤدي إلى نتائج وخيمة ومدمرة يحتمها الإصرار على اتباع هذا النهج الذي يفتقر إلى العقلانية والتبصر حيث لا يزال السني يفكر في كيفية استرجاع السلطة التي فقدها بعد سقوط النظام والشيعي يفكر في كيفية الاحتفاظ بالسلطة التي كسبها بعد سقوط النظام والكرد بين هذا وهذا يتابع الوضع ويتحين الفرص للخلاص مما هو فيه.
نبدأ من حيث انتهينا
لا نجانب الصواب عندما نذكر بأن الوضع العام للعراق من كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبعد القضاء على النظام الحاكم السابق (نظام الرئيس صدام حسين) من قبل دول التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2003 وتحريره أو احتلاله وحسب التسمية التي تروق لكل طرف وحسب أهوائه ومصالحه التي خسرها أو التي حصل عليها نتيجة ذلك...
لقد عم الخراب في العراق ومرده الفساد الذي استشرى وأصبح سياقاً معتاداً لتسيير أمور الدولة في كافة المفاصل والأصعدة وكان من تداعيات ذلك انقسام المجتمع العراقي طائفياً وعرقياً وضعف الولاء الوطني وانتشار الجهل والفقر والتخلف, الوضع الجديد للنظام السياسي في العراق وما آلت إليه الأمور خلق القناعة لدى الكثيرين من أبناء الشعب العراقي في كون النظام السابق (نظام الرئيس العراقي صدام حسين) هو الأحسن والأكثر فائدة من نواحي كثيرة أهمها من حيث تطبيق القانون وتحقيق العدالة والمساواة واستتباب الأمن وشيوع النظام الاقتصادي الملبي لحاجات المواطنيين وخاصة من ذوي الدخول الضعيفة , هذا الاعتقاد مرده عدم الارتياح من الأوضاع السيئة الحالية والتغيرات السلبية التي رافقت ونتجت عن سقوط النظام السابق ولا يستغرب حين نسمع البعض عندما يترحمون عليه وهم يرددون ((جنه عايشين بخير)).
الرئيس العراقي السابق صدام حسين
نستطيع القول بأن هذا الاعتقاد ليس صحيحاً بشكل مطلق والمقارنة بين النظامين محصلتها جوانب إيجابية وجوانب سلبية في كليهما, فنحن ةعندما نتحدث عن النظام السابق لا يمكننا الجزم بافتقاره لأية جوانب إيجابية في خدمة المواطنين وأفضل مثال نورده هنا هو الجانب المتعلق بتوفير الكهرباء الدائم على مدار الساعة وهنا لا بد أن أشير إلى ما قامت به الحكومة العراقية في ظل النظام السابق عندما تعرضت محطات توليد الطاقة الكهربائية وملحقاتها للقصف من قبل دول التحالف في حرب تحرير الكويت عام 1991 مما سبب نقصاً كبيراً في إنتاج الطاقة الكهربائية إلا أنه وبفترة زمنية قياسية لم تتعدى السنة تم إصلاح ما خربته الحرب في هذا المجال, أما الآن وبالرغم من مرور ستة عشر عاماً على إسقاط النظام السابق والوضع البائس والمخزي لحالة الكهرباء على حالها رغم توفر الموارد المالية الهائلة وما صرف في هذا المجال دون نتائج إيجابية .
وبهذه المناسبة أود الإفصاح عن أفضل علاج لإصلاح الطاقة الكهربائية في العراق هو قطع التيار الكهربائي عن دوائر ودور المسؤولين الكبار ليشعروا بمعاناة المواطنين البؤساء, ومن المؤكد بأن هذا الإجراء سيدفعهم إلى الإهتمام وأخذ أمور إصلاح وتوفير الطاقة الكهربائية بجدية أكثر وعدم تعليق ذلك على شماعة الفساد والذي لا نستطيع أن نستثني منه الكثيرين.
استغرب عندما أرى من هو محسوب على النظام السابق كذلك من الذين تضررت مصالحهم في النواحي الاقتصادية أوالأمنية أو الاجتماعية من عامة الشعب بفعل هذا التغيير وهم يدافعون عنه بكل هذا الحماس من خلال إبراز الجوانب الايجابية فيه والتغاضي عن الجوانب السلبية وهم بذلك يتناسون ويتجاهلون إلزام أنفسهم عناء البحث وتقصي وتشخيص الأسباب التي كانت سبباً مباشراً فيما وصل إليه حال العراق وشعبه من وضع لا يطاق ومستقبل مجهول الآفاق.
الحاكم أصبح محكوماً والمحكوم أصبح حاكماً والمهجر والمعارض للحكم تبدل طيفه ولونه والمحافظات البيضاء توشحت بالسواد بعد أن تعرضت لأشرس هجمة من قبل عصابات داعش الإرهابية في عام 2014 تسبب في هجرة معظم سكانها وخراب البنى التحتية لمدنها وتسبب بقتل المئات من سكانها في عمليات تحريرها.
نائب رئيس الجمهورية السابق
لقد تمتعت هذه المحافظات بنوع مميز من الاستقرار منذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 وكان مواطنوها يحظون بنصيب وافر من الوظائف الحكومية وخاصة في المواقع الحساسة منها ولم تشهد أي نشاطات عسكرية أو أمنية منذ التاريخ المذكور ولحين سقوط نظام الرئيس العراقي (صدام حسين) في عام 2003 على عكس المناطق الأخرى من العراق في الجنوب وكردستان حيث شهدت نشاطات للأحزاب المعارضة لجميع أنظمة الحكم التي حكمت العراق, وبالمقابل كانت هناك فعاليات مضادة لها من قبل القوات العسكرية والمؤسسات الأمنية تركزت بشكل مستمر في كردستان العراق ومرد ذلك انكار هذه الحكومات للحقوق المشروعة للشعب الكردي وتجاهل خصوصياته الاجتماعية وحرمانه من المشاركة الحقة في حكم البلاد واقتصار ذلك على الوظائف الهامشية والصلاحيات المنقوصة وخاصة في فترة النظام السابق حيث لم يكن هناك وزيراً ذو شأن مهم, اما إذا تحدثنا عن (الطهيين) الكردي نائب رئيس الجمهورية (طه محي الدين معروف) فقد كان مسؤولاً وبهذا المنصب الكبير وبدون صلاحيات تذكر وأصبح منصبه هذا محل تندر من المواطنين الأكراد فقد كان بصريح العبارة ((لا يحل ولا يربط)) أما المسؤول الكردي المخضرم (طه ياسين رمضان) النائب الأول لرئيس الوزراء, فقد كان كردياً ولكن تجري في عروقه دماء عربية حسب إدعائه.
طه ياسين رمضان
أما إذا تطرقنا إلى مشاركة الأكراد في المؤسسات الامنية فإننا نصطدم بحقيقة مرة ففي كلا جهازي الأمن العامة والاستخبارات العسكرية لا يتعدى عدد الضباط الأكراد فيهما عدد أصابع اليد الواحدة في أحسن حال ونفس الحالة في جهاز المخابرات العراقي رغم كثافة عدد منتسبيه والأمر يختلف مع المكون الآخر للشعب العراقي ونقصد بهم (الشيعة) فقد كان وجودهم في مؤسسات الدولة جميعاً وابتداء من منصب رئيس الوزراء (سعدون حمادي) ظاهراً وبشكل ملفت للنظر لا يمكن قياسه مع حجم مشاركة الكرد المخجل في صياغة وتنفيذ القرار السياسي للبلاد.
رئيس الوزراء العراقي السابق سعدون حمادي
خلاصة القول في هذا المجال لقد عانى الشعب العراقي بكافة فئاته ومشاربه من قساوة العيش والظلم والاضطهاد والحرمان منذ تأسيس الدولة العراقية وليومنا هذا وما تعرضت له المناطق السنية العربية بعد اسقاط النظام ساهم في أن ينال الجميع من حصتهم دون استثناء من مآسي القتل والتهجير والإبادة الجماعية وبذلك تحققت نظرية النائبة (حنان الفتلاوي) سبعة x سبعة.
النائبة العراقية حنان الفتلاوي
معاناة العيش ينساها الإنسان بعد مرور فترة زمنية فمن طبيعته أن ينسى الجوانب السلبية وحياة الشقاء التي مرت به وهو عندما يعيد الحديث عنها يذكرها ضاحكاً لكونه لا يشعر بآلامها كما كان لحظة تعرضه لها, وغالبية الشعب العراقي يقوم بالمقارنة بين النظامين لكونه لم يشهد ولم يعيش في ظل نظام كامل المزايا والمواصفات تتوفر فيه سمات الحياة المعززة والكريمة, وصحيح بأن جميع أنظمة الحكم التي مرت بالعراق لم تكن بدرجة واحدة من السوء والإيجابية.
رغبتي تدفعني لاتسائل؟
أولا: ما هي المكاسب التي حصل عليها المكون الشيعي من جراء إسقاط النظام السابق, مكاسب هذا المكون لا يمكن إنكارها فالمسؤولين ورجال الدين ومن معهم في علاقات المصالح أصبحوا ينعمون بالرفاه وحياة الرغد وتأمين مستقبلهم ومستقبل أولادهم وأقربائهم من جراء الأموال الوفيرة التي حصلوا عليها ويحصلون عليها عن طريق مصادر الكسب الحلال أو الحرام, أما الفقراء من عامة الشيعة فقد حصلوا على مكسب مهم ألا وهو اللطم بحرية وتنظيم مناسباتها والمكسب الأهم هو نجاة شبابهم من السوق للخدمة العسكرية في جبهات القتال وزجهم في الحروب الطاحنة, حيث كان ينتظرهم المصير المفجع.
ثانياً: نعود فنذكر المتباكين على النظام السابق من أنهم على حق عندما يذكرون مساوىء النظام الحالي ولكنهم ليسوا على حق عندما يعتبرون ذلك النظام ورئيسه نموذجياً حقق كل طموحات الشعب العراقي وجعله في نعيم ورخاء وبدلاً من ذلك علينا أن نحدد الأخطاء الاستراتيجية التي وقع فيها الرئيس العراقي السابق (صدام حسين) وكانت سبباً مباشراً لما آلت إليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاعتبارية للعراق وشعبه في هوسه بدخول الحروب والمنازعات وإعجابه بكافة أنواع الأسلحة الجارحة والنارية وإطلاقه الرصاص من بنادق البرنو بعد رفعها بيد واحدة والمشاركة بالدبكة العربية (الجوبي) وهو يدخن السيكَار الكوبي الملفوف على سيقان الفتيات الكوبيات.
1- الحرب العراقية الإيرانية أو حرب الخليج الأولى وقادسية صدام في العراق والدفاع المقدس في إيران:
نشبت في 22 أيلول 1980 وتوقفت في 8 آب 1988 وخلفت نحو مليون قتيل وخسائر مادية بلغت 400مليار دولار أمريكي ودامت الحرب ثماني سنوات لتكون بذلك أطول نزاع عسكري في القرن العشرين وواحدة من أكثر الصراعات العسكرية دموية.
بدأت الحرب العراقية الإيرانية على أثر التوترات التي نشبت بين البلدين عام 1980 حيث بدأت الاشتباكات الحدودية المتقطعة ثم اتهمت حكومة العراق إيران بقصف البلدات الحدودية العراقية في 4 أيلول 1980 معتبرة ذلك بداية الحرب فعلى أثر ذلك قام الرئيس العراقي (صدام حسين) في 17 أيلول بإلغاء اتفاقية الجزائر عام 1975 مع إيران واعتبار مياه شط العرب كاملة جزءاً من المياه الإقليمية العراقية واشتدت الحرب لتشمل خط الحدود بين البلدين والذي يبلغ طوله 1200كم.
الشعارات التي رفعها النظام الجديد في إيران بعد نجاح ثورة الإمام الخميني في تصدير الثورة وجواب برقية التهنئة التي أرسلتها الحكومة العراقية له والتي كانت تحمل تهديداً مبطناً: ((السلام على من اتبع الهدى)) وسبق قيام الحكومة العراقية بطرد الإمام الخميني من العراق إلى الكويت ومن ثم رحيله إلى فرنسا وعودته إلى إيران منتصراً على الشاه (محمد رضا بهلوي) الذي غادرها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومن ثم إلى دولة مصر العربية, كل هذه الأحداث والمستجدات خلقت القناعة لدى الرئيس العراقي بضرورة الاستفادة من الفوضى التي خلفتها الثورة الإيرانية فيه فهاجمها دون سابق إنذار وكما ذكرنا في إحدى مقالاتنا السابقة ((من أجل أن يتغدى بالنظام الإيراني قبل أن يتعشى بيه )) وقبل أن يعيد تنظيم صفوفه وقدراته العسكرية.
تداعيات هذه الحرب كانت مكلفة على العراق وشعبه فبالإضافة للخسائر الكبيرة في الأرواح والجرحى والأسرى أدت إلى تدني الاقتصاد العراقي بشكل لم يسبق له مثيل وتدني سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي لمستويات أثرت في الوضع الاقتصادي للبلاد والحالة المعاشية للمواطنين وتقودني ذاكرتي عندما كنت جالساً أشاهد قناة التلفزيون العراقي في نهاية الثمانينات من القرن الماضي وكان المشهد لقاء الرئيس العراقي (صدام حسين) بمجموعة من الضباط وكان الحديث عن الحرب العراقية الإيرانية, حيث كان الرئيس العراقي (صدام حسين) يطلب من الضباط الحاضرين أن يقوم كل واحد منهم بالحديث عن دوره في هذه الحرب.
إحدى اجتماعات الرئيس العراقي بضباط الجيش العراقي
نهض أحد الضباط وكان برتبة عميد ركن وبعد أن أدى التحية العسكرية تقدم نحو المنصة وقدم نفسه وبدأ الكلام قائلاً:
(( سيدي اشتركت في معركة عبور نهر الكارون في بداية الحرب عام 1980 ...
سيدي وكانت معركة صعبة وشرسة ولكن بهمة المقاتلين وعزمهم استطعنا عبور النهر ...
سيدي وسيادتك كرمتنا على أثرها...
سيدي انطيتنا الضباط كل واحد ألف دينار...
سيدي : ألف دينار مال ذاك الوكت... ))
وهنا انتفض الرئيس العراقي غاضباً بوجهه : ((ماكو فرق ألف دينار مال ذاك الوكت مع ألف دينار مال هذا الوكت))
الضابط انتابه الخوف والفزع وأخذ يردد مباشرة : (( لا سيدي ماكو فرق ... ماكو فرق)) دون أن يستطيع أن يحلفه بضميره ويسأله: ((شلون ماكو فرق))
انتهت الحرب العراقية الإيرانية بعد أن تجرع الإمام الخميني السم وقبوله بقرارات الأمم المتحدة الداعية إلى إيقاف هذه الحرب.
الملاحظات التي تكونت لدي من أن العراق وإيران كانتا تدعيان بأن الحرب كانت مفروضة عليهما, لقد بات وجود هذين الدولتين وبهذه القوة والامكانيات في هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة من العالم يشكل تهديداً للسلم والاقتصاد العالمي ودول المنطقة وفعلاً تحقق ذلك عندما قامت القوات العراقية باحتلال دولة الكويت في 2 آب 1990 وتدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول الأخرى (العراق, اليمن, لبنان, سوريا) وهذه المشاكل والتدخلات أججت وأشعلت الصراعات العرقية والطائفية في المنطقة إلى يومنا هذا.
لقد كان للدول العظمى دور كبير في اشعال نار الحرب بين الدولتين لغرض اضعافهما وعدم تمكينهما من تحقيق أهدافهما ويقال أن دعاء أمراء الخليج في صلاتهم كان:
((ربي إجعل إيران تخسر الحرب))
((ربي لا تجعل العراق ينتصر في هذه الحرب))
صور من الحرب العراقية الايرانية
وفعلا انتهت هذه الحرب دون غالب أو مغلوب وتحمل الشعبين العراقي والإيراني أوزارها بعد مرور ثمانية سنوات عجاف استبشر الشعب العراقي من الخلاص منها ومن تداعياتها المؤلمة وعمت الاحتفالات كافة المدن العراقية بمناسبة الخلاص من هذه البلوة التي كانت نتائجها مرعبة وكارثية على الشعب العراقي وحصاد آلاف الأرواح من شبابه.
وكان أكثر من استشهد في هذه الحرب هم الشباب من مواليد 1949 بسبب خدمتهم الطويلة وتكرار حالات استدعائهم للخدمة العسكرية خلال الحرب ناهيك عن أعداد المصابين من أصبح منهم معاقاً ومصاباً بمختلف العاهات وكذلك من أسر وقضى زهرة شبابه في أقفاص الأسر في إيران ( الدولة الإسلامية), بالإضافة إلى أعداد النساء اللاتي ترملن والأطفال الذين تيتموا والأباء والأمهات و الأخوة والأخوات الذين فقدوا أعزائهم, وقد كانت وسائل إعلام النظام تبث الأناشيد والأغاني بهذه المناسبة التي كان يدعى النصر فيها, وكان ذلك يعني عند رأس النظام بقاءه في السلطة واستمراره في حكم العراق أما الجماهير فإنها كانت تحتفل بمناسبة خلاصها مما ورطهم فيه رئيسهم.
وبدأ الشعب العراقي بتنظيم حياته ومستقبله للمرحلة المقبلة وفاتهم بأن الرئيس العراقي لا يمكن أن يعيش ويترك شعبه يعيش دون حروب وكان لهم موعد مع صباحات يوم الثاني من آب عام 1990.
انتهى الجزء الأول...
1682 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع