بالعزم والإرادة القوية ينتصر الأنسان

                                               

            المحامي المستشار محي الدين محمد يونس

          

بالعزم والإرادة القوية ينتصر الأنسان

كنا منشغلين في أداء الامتحانات النهائية للسنة الدراسية 66/ 1967 وكنت طالباً في المرحلة الأولى من طلاب كلية الشرطة في العاصمة بغداد (كانت هناك كلية واحدة فقط في جميع انحاء العراق) عندما اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية والتي سميت بحرب الأيام الستة من 5 حزيران 1967 ولغاية 10 حزيران وكانت نتائجها كارثية حيث أدت الى تمكن إسرائيل من احتلال سيناء وقطاع غزة من مصر والضفة الغربية من الأردن والجولان من سوريا ومنيت الجيوش العربية المشاركة في هذه الحرب بأبشع هزيمة منكرة لا زالت اثارها قائمة ليومنا هذا وكنا طلاب الكلية نتابع البيانات العسكرية التي تصدر بصدد مجريات الحرب في كافة الجبهات من أجهزة الراديو الصغيرة التي كانت بحوزة البعض من الطلاب داخل قاعة المنام المخصصة لطلاب مرحلتنا البالغ عددنا مائة طالب. كانت المارشات العسكرية والأغاني الحماسية تصدح ويتخلل قطعها أخبار الحرب وكنا نهرع مسرعين ونترك الدراسة والقراءة من أجل الوقوف على مستجدات الأخبار التي كانت تذاع بأصوات المذيعين وبشكل حماسي ومؤثر وكانوا يزفون البشرى تلو البشرى من الانتصارات العظيمة على الجيش الإسرائيلي في كافة الجبهات ويعددون مكاسب الجيوش العربية وخسائر الطرف الآخر ويبادر الطلاب على أثر ذلك وبعد انتهاء المذيع من كلمته بالهتاف والتصفيق والرقص على ضوء هذه النتائج وكان زميلي المرحوم (عبد الملك علي عثمان) والطالب معنا من محافظة السليمانية يسحبني جانباً ليخبرني بأن هذه البيانات كذب وهراء والإذاعات العالمية تتحدث عكس ذلك وسوف ترى، وقد صدقت توقعاته في خسارة الدول العربية لهذه الحرب لكونها قد تورطت فيها دون الاستعداد بشكل حقيقي والوقوف على أمكانيات وقوة الطرف المقابل واستعداداته الذاتية ومساندة الدول العظمى وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها من الدول الأوربية وكذب الوعود من جانب الاتحاد السوفيتي في مساندة الدول العربية والحديث عن هذه الحرب يطول وأسباب خسارتها ليست بخافية على أحد. وينطبق على نتائجها المثل الكردي القائل (راح يزين لحيته خله شاربه فوگاها. أي راح العرب لتحرير فلسطين خلوا القدس والضفة والجولان فوگاها) لم نتمتع بالعطلة الصيفية حيث تم 

      

   مع زميلي جاسم ونحن نسبح في نهر دجلة اتقاء حرارة الجو

توزيعنا مباشرة بعد انتهاء الامتحان على مراكز الشرطة داخل مدينة بغداد ونسبت مع اثنين من زملائي في مركز شرطة البتاويين وبقينا في المركز المذكور لمدة شهر واحد نجلس عند ضابط المركز بعض الأحيان عندما كان يستدعينا والأحيان الأخرى نجلس عند المفوضين في المركز لغرض الاطلاع على أسلوب العمل وكيفية إنجازه بغية الاستفادة من الجانب العملي الشرطوي. كان المركز مدار البحث من اهم مراكز الشرطة في العاصمة بغداد من حيث القضايا التي تعرض عليه ونوعيتها وخاصة في الفترة المسائية التي تمتد الى فترة متأخرة من الليل بسبب موقع المركز من المدينة حيث تكثر فيها الملاهي ومحلات شرب المشروبات الروحية بالإضافة الى الفنادق والأسواق والمطاعم وكانت قضايا السكر والمشاجرات والعربدة والبغاء اهم القضايا التي تعرض في هذا المركز ليلياً بالرغم من حالة الحرب والوضع غير الطبيعي للبلاد في تلك الفترة وكنا نحن الطلاب المطبقين الثلاثة نرتاح وننسجم من مشاهدتنا لهذه القضايا بسبب كوننا في مقتبل مرحلة الشباب ولم يسبق لنا الاطلاع على مثل هذه الأحداث والقضايا. بعد نهاية الشهر فوجئنا بنقلنا من المركز المذكور وتنسيبنا الى بناية جامعة بغداد في منطقة الجادرية والتي كان قد انتهى العمل فيها ولكنها لم تكن مشغولة بعد ولم يجر افتتاحها وأفهمنا بأن واجبنا في هذه البناية هو المحافظة على صافرة الإنذار في الطابق الأخير من البناية وكانت المنطقة حينذاك خالية من السكن وبعيدة نسبياً عن مدينة بغداد ولم تكن فيها سوى بعض البيوت الطينية لفلاحين مع عوائلهم يمارسون مهنة الفلاحة على الأرض الواقعة من البناية والى ضفاف نهر دجلة. لقد استمرينا في ذلك المكان لمدة عشرة أيام وبصعوبة بالغة بسبب عدم حصولنا على الطعام والمكان الملائم للمأوى بالإضافة الى تكليفنا بهذا الواجب الصعب ونحن لا زلنا طلاب في كلية الشرطة وغير مسلحين ونتيجة لمراجعتنا لمسؤولينا فيها تم سحبنا وبدأت خلال ذلك العطلة الصيفية وبعد ان انتهت الحرب العربية الإسرائيلية والتزام كل الأطراف بقرار وقف أطلاق النار الذي صدر من مجلس الأمن الدولي نتيجة تدخل الدول العظمى.

       


كاتب المقال مع زميله المرحوم عبد الكريم جمعة وخلفهما بناية الجامعة في الجادرية

في نهاية شهر تموز من نفس العام أصيب ابهام قدمي الأيمن بورم واحمرار صاحبه الم شديد لا يطاق استصحبني على أثر ذلك المرحوم والدي الى عيادة الطبيب العسكري والذي كان اسمه على ما أذكر (سالم خطاب عمر) في شارع السعدون في المنطقة الواقعة بين ساحة الخلاني وساحة التحرير. وبعد الكشف أوصى بشراء بعض الأدوية وبالرغم من استعمالي لها وحسب توصية الطبيب إلا أن نتائج ذلك لم تكن إيجابية وعلى العكس من ذلك فقد ازدادت العوارض في ساقي بالإضافة الى الآلام الفظيعة التي أجبرتنا على مراجعة الطبيب لمرة ثانية واستبدال الدواء والذي لم يكن بأفضل من سابقه وكانت المفاجئة تورم الركبة اليمنى من ساقي وعدم القدرة على الحركة بسبب عدم استطاعتي ثني ساقي الأيمن وعند مراجعتنا للمرة الثالثة وعند نفس الطبيب ومشاهدته لمستجدات حالتي انتابته الحيرة وبانت عليه علامات التعجب وذكر لنا بأنه لم يشاهد هكذا حالة في حياته وطلب من المرحوم والدي أن يصحبني الى الطبيب (راجي عباس التكريتي) ربما يكون بمقدوره معالجتي من ما اعاني منه ولم نكن قد سمعنا باسم هذا الطبيب سابقاً فترجاه والدي أن يتصل به هاتفياً ويوصيه بنا وفعلاً قام بذلك وخرجنا من عيادته واستفسرنا عن عنوان الطبيب (راجي عباس التكريتي) فأُخبرنا بأنها تقع في ساحة الوثبة (كانت في هذا المكان قبل انتقاله الى شارع السعدون) كنت اسير بصعوبة بالغة جداً بالاتكاء على كتف والدي، نقلتنا سيارة أجرة الى المكان المقصود وترجلنا منها وبعد الاستفسار من أحدى الصيدليات اهتدينا الى عنوان العيادة والتي كانت في عمارة قديمة في الطابق الأول ودرجها صعب المراس، حملني والدي على ظهره وهو يصعد الدرج (موقف لا يمكن أن أنساه ما حييت) ولما بلغنا صالة الاستقبال في عيادة الطبيب راجي ويصعب علىَّ وصف معاناتنا المرة والعذاب الذي قاساه والدي والذي انهار من التعب والإرهاق وحرارة الجو فسقط على الأرض وسقطت معه مما حدا بالجالسين من المراجعين في الصالة بالإسراع نحونا وهم يرددون (يا الله يا الله) ويحاولون مساعدتنا في النهوض وبصعوبة بقينا جالسين على الأرض والعرق يتصبب منا وخاصة من والدي وكانت المفاجئة عندما اخبرنا كاتب ضبط المواعيد لدى الطبيب بأن المواعيد مقبطة وأقرب موعد بعد خمسة عشر يوماً توسلنا به أنا ووالدي وأخبرناه بأن الطبيب (سالم خطاب) قد أتصل به قبل دقائق ( كانت فكرة صائبة من والدي عندما طلب من الطبيب سالم الاتصال بالطبيب راجي) والعامل الآخر الذي سهل قبول مواجهتنا للطبيب تأثر المراجعين لحالنا وعطفهم علينا عند مشاهدتهم لنا ونحن بهذا الحال الذي اثار وحرك نوازعهم الإنسانية وجعلهم يتنازلون عن دورهم وعدم ممانعتهم في سرعة مواجهتنا للطبيب وفعلاً تم ذلك بعد خروج المراجع الذي كان عنده وبمساعدة المتواجدين في رفعي من الأرض ودخولي متكئاً على كتف والدي وأسير بصعوبة بالغة وبعد السلام عليه بادرني (هاي شبيك) شرحت له حالتي بالتفصيل وعرضت عليه الأدوية التي كتبها لي الطبيب (سالم خطاب عمر) وبعد الفحص السريري المطول والدقيق أخبرنا وكانت المفاجئة وكلماته لا زالت عالقة في أذني (هذا مرضك لحد الآن لم يكتشف له علاج) كلماته أثرت في نفسي ومعنوياتي فسألته (زين دكتور جارة) (راح اكتبلك بعض الأدوية استعملها والله كريم وراجعني بعد أسبوع واوصيك بالراحة وعدم الحركة) خرجنا من عيادة الطبيب ونحن نودع ونشكر المراجعين على مساعدتهم لنا ونزلنا من البناية وكان النزول أسهل من الصعود إلا أن كلمات الطبيب أصابتني بالإحباط والتفكير بمصيري ومستقبلي. بعد شراء الدواء وكان من ثلاثة أنواع كبسولين وأثنا عشر ابرة روسية الصنع وسعرها جميعاً مائة وعشرون فلساً، فور عودتنا للبيت أرسلت شقيقي ليجلب لي المضمد جارنا (أبو قيس) وفعلاً حضر وبعد السؤال والاستفسار أشاد بالطبيب (راجي)، طلبت منه أن يزرقني بإحدى الإبر وكانت المفاجئة بعد دقائق معدودات حيث انزاحت الألآم من جسمي بشكل عجيب وأصبحت طبيعياً ومعافا وأهلي فرحين بتحسن حالتي الصحية، خرجت أبحث عن أصدقائي والذين فرحوا أيضاً عند مشاهدتهم لي وانا بهذه الحالة المهم.. طلب مني والدي بعد ثمانية أيام التهيؤ لغرض مراجعة الطبيب (راجي) إلا انني اقترحت عليه بدلاً من ذلك الاستغناء عن المراجعة وشراء علبة أخرى من الإبر وبالرغم من عدم استحسانه لمقترحي هذا إلا انه وتحت تأثير الحاحي عليه اشترى علبة ثانية من الدواء المذكور استعملتها بعد انتهاء العلبة الأولى وأردفتها بعلبة ثالثة إلا انني لاحظت زوال تأثير الابرة الثالثة منها على جسمي وعدم استجابة مواقع الألم لمفعوله وعودة الألآم كالسابق ولم يكن امامنا خيار سوى اللجوء الى عيادة الطبيب (راجي) والذي أستفسر مني.. ها وين صرت اشو ماكو لم أستطع الإجابة وتطوع والدي للإجابة بدلاً عني ليخبره بأنني قد تصرفت بشكل غير صحيح من خلال تكرار استعمال الإبر دون مراجعته واستشارته وعدم الركون الى الراحة، كان رد فعل الطبيب عنيفاً وهو يوبخني على تصرفي هذا ويهدد بالتوقف عن معالجتي ووالدي يترجاه بمسامحتي والاستمرار على علاجي وفعلاً استجاب وخصص لي علاجاً آخر مع التأكيد على الخلود للراحة وعدم الحركة وتجدد غضبه عندما أخبرته بأنني طالب في كلية الشرطة ويتحتم مباشرتي الدوام بعد أسبوع ومزاولة الرياضة والتدريب العسكري والفروسية وحضور المحاضرات... هاي مشكلتك وحالتك تحتاج راحة... وأنت بكيفك ودعناه وخرجنا من عيادته وفي الطريق كنت أفكر في وضعي الصحي المتدهور وأنا امام خيارين أحلاهما مر أما أترك الكلية وضياع مستقبلي أو العودة للدراسة وتحمل تداعيات هذا المرض الذي سبب لي القلق وعدم الارتياح وعند عودتنا للدار حصل نقاش بين والدىَّ وتوصلا الى قرار بأن أترك الدراسة في كلية الشرطة وأنصرف للعناية بصحتي وكان قراري عكس ما قرروه هما وكما يقول المثل العراقي " موته وحده" وأعلنت بأنني سوف أعود للدوام بعد أيام وأجمع كل ما أمتلك من أرادة وعزم وقوة لاجتياز هذه المرحلة الصعبة من حياتي وأن أعمل عكس توصية الطبيب (راجي) في الخلود للراحة وتصورت بأن الحركة والنشاط خير من ذلك.
باشرت الدوام وكنت بالرغم من معاناتي مع المرض والألم الشديد في ساقي اليمنى والذي لم أكن أستطيع ثنيه وتعديله إلا بصعوبة بالغة وبعد التدليك لدقائق معدودة بيدي وهذه الحالة أجبرتني على أن أبادر الى النهوض من النوم صباحاً قبل بقية الطلاب بنصف ساعة لغرض التهيؤ للتدريب وارتداء الملابس المخصصة لذلك وأصعبها كان احتذاء البسطال العسكري حيث كنت أعاني الأمرين عند محاولة لبسه وكنت أثناء التدريب والرياضة والفروسية أحاول السيطرة على نفسي والتغلب على معاناتي من خلال بذل الجهود الاستثنائية ومنافسة زملائي الطلبة اثناء أداء الحركات والركض والهرولة وكنت الاحظ تحسن وضعي الصحي تدريجياً وبعد مرور ثلاثة أشهر تماثلت للشفاء وفي العطلة المقررة بعد نصف السنة قمت بزيارة المرحوم الطبيب (راجي) في عيادته وبعد السلام عليه استفسر مني عن أسباب انقطاعي عن مراجعته ووضعي الصحي، استغرق ضاحكاً عندما أخبرته بأنني قد عملت عكس توجيهاته بلزوم الراحة وعدم الحركة وحدثته عن قراري بالدوام في الكلية وممارسة التدريب والرياضة وكما يقول المثل الكردي (لوهرة لو ورة) وعندما استفسر مني عن معنى المثل وعلاقة ذلك بوضعي الصحي أجبته بأن المثل يعني أن يجازف الأنسان في مثل هكذا حالات والنتيجة أما الموت أو الحياة... ابتسم وبارك لي تحسن حالتي الصحية وكتب لي بعض الأدوية المنشطة والفيتامينات وأوصى سكرتيره بأعاده مبلغ الكشفية لي، وودعته بعد ان شكرته على جهوده معي واستمرت علاقتي به من خلال مراجعته عندما كنت أشعر بأي عارض صحي أو أحد اقاربي او معارفي يدخل ضمن اختصاصه الطبي وأخيراً أرى من الصواب أن أختم مقالي هذا للحديث عن هذا الرجل وسيرته.

            

                     الحكيم راجي عباس التكريتي

المرحوم (راجي عباس التكريتي) 1933- 1993من مواليد مدينة تكريت طبيب عسكري تدرج في الرتب العسكرية الى رتبة فريق وفي المناصب العسكرية الى منصب مدير الأمور الطبية للجيش العراقي وكان يحب مناداته بالحكيم بدلاً من دكتور واللوحة التعريفية لعيادته الطبية في شارع السعدون كانت تقرأ ذلك وكان طبيباً ذائع الصيت في عموم العراق في مجال اختصاصه بجراحة العظام والمفاصل وهو من عائلة عريقة ومعروفة في تكريت.
يذكر سعد البزاز في مذكراته بأن الطبيب (راجي عباس التكريتي) كان على صلة قرابة مع (نوري الويس) سفير العراق في الأردن وصادف وجود الأول فيها لألقاء محاضرة في التراث في مؤسسة شومان فاستدعاه السفير في أحد الأيام على العشاء في منزله وأبلغه بأنه مرشح لشغل منصب وزير في التشكيلة الوزارية الجديدة التي ستعلن في بغداد وعليه التوجه الى هناك وتصديق المرحوم (راجي عباس) وتقبله هذا الطرح والتبليغ من قبل السفير الذي خصص له سيارته الدبلوماسية لنقله وما كادت السيارة تعبر نقطة طربيل الحدودية حتى تسلمت أجهزة الأمن العراقية المذكور من سيارة قريبه السفير ويوضع في سيارتهم وينقل الى بغداد مخفوراً مقيداً ليواجه مصيره المؤلم وجاء في وكالة النخيل بأن رغد صدام حسين قامت بتقبيل يد شقيقها (قصي) لأنفاذ حياته من الإعدام إلا أن الأخير لم يعدها بشيىء لأنه كان على يقين بأن والده صدام لن يغفر له تورطه في مؤامرة تستهدفه شخصياً بالإضافة الى فشل وساطة أخرى قام بها (الحاج خير الله) في هذا المسعى عند صدام حسين والذي أجابه بجملة (يحصل خير) إلا أنه أمر بإعدامه بعد أيام قليلة وانطلت عليه عملية استدراجه من العاصمة الأردنية عمان دون أن يفطن الى ما يخبئ له من مكيدة كلفته حياته بعد التنسيق مع قريبه السفير.
أسباب اعدام الطبيب (راجي عباس التكريتي) وكيفية وصور التنفيذ يكتنفها الغموض وهذا هو حال معظم من أعدموا او اغتيلوا في ظل النظام السابق وعلى سبيل المثال وليس الحصر: فاضل البراك، عبد الكريم الشيخلي، رياض أبراهيم، حردان التكريتي، بارق الحاج حنطة، عدنان الحمداني، عبد الخالق السامرائي، مرتضى سعيد عبد الباقي، هوشنك سيد أحمد والقائمة تطول وتطال الكثيرين حتى تصل إلى أقرب المقربين منه لأن الخوف على مصير كرسيه الذي حصل عليه بقدرة قادر هو الهاجس الوحيد الذي كان يفكر به ويدفعه لاتخاذ مثل هكذا قرارات في تصفية من يشك فيه ويعتقد من انه يشكل خطراً على مستقبله السياسي ومستقبل عائلته لاحقاً في حكم العراق والحديث التالي للرئيس العراقي صدام حسين أمام مجلس قيادة الثورة خير دليل على ما نعتقد به. "كل واحد يقف ضد الثورة.. يصير واحد، يصير ألف، يصير الفين، يصير عشرة آلاف، اكَصكَص رؤوسهم بدون ما ترتجف شعرة وحدة مني او يرجف كَلبي عليهم، وعندي كلب بلا مبالغة لو دست بالخطأ على ذيلة أحس بالألم يدكَ بكَلبي، ولكن هيجي نوع من البشر شكثر ما يكونون ما يأخذون من كَلبي أي اهتمام او رقة واللي من صفوف الأعداء يموت بالتحقيق.. مالة قيمة .. اللي يطلع مكسر واللي يطلع يلطع بجراحه واللي يندفن ويخيس ما نحس بالألم" 
بالعودة الى محاولة تشخيص الأسباب التي أوصلت المرحوم راجي التكريتي الى ذلك المصير هناك احتمالات عديدة نذكر ما يورده البعض الى العلاقة المتشنجة بينه وبين الرئيس العراقي صدام حسين تعود لفترات سابقة وبهذا الخصوص يذكر الدكتور (ناجي) في حديث اجراه معه الصحفي فؤاد حاتم ونشره في موقع المثقف حيث يذكر بأنه حذر شقيقه من المذكور والذي أجاب بأن صدام يعرف انني ليس لي نشاط سياسي ضده وعند الاستفسار منه فيما إذا كان يتوقع مقتل شقيقه الطبيب راجي أجاب.. بنعم وأستند الى حديث صدام في عام 1973 امام مجموعة من قيادة حزب البعث "لولا أخشى أن يموت حماد شهاب لقتلت راجي" وكان حماد شهاب في حينها وزيراً للدفاع وهو أبن عمة الطبيب ( راجي) كما وأضاف بأن شقيقه كان واحد من أربعة قوميين محسوبين على التيار القومي الناصري مع عارف عبد الرزاق، صبحي عبد الحميد، خير الدين حسيب اما شقيقه (حازم) فقد أضاف سبباً آخر لحقد صدام على راجي هو أن الأخير كان يعمل طبيباً في مستشفى الرشيد العسكري وكان حينها صدام معتقلاً في سجن المعسكر وطلب منه نقله الى المستشفى بذريعة أنه مريض ورفض طلبه قائلاً :"صدام مو راحة وأخشى أن يهرب من المستشفى ويسببنا مشكلة".
الأشقاء نفوا ما تداولته بعض وسائل الأعلام في حينها حول نقل شقيقهم الى إحدى المزارع وأطلاق الكلاب الجائعة عليه فقتلته اما القاضي منير حداد فيذكر في موقع كتابات بأن الطبيب راجي التكريتي قد تسبب بكسر ذراع صدام حسين نتيجة شجار بينهما في مرحلة الصبا ولم ينس هذه الإهانة رغم مرور هذه السنوات الطويلة بعد أن أصبح رئيساً للعراق الاحتمال الأخير الذي دفع صدام حسين للقضاء على حياة موضوع بحثنا وهو المرجح لدينا هو اتهامه بالاشتراك بالتآمر مع مجموعة من المعارضين لنظام الرئيس العراقي المتواجدين خارج العراق وبعض الأخبار تؤكد عدم اشتراكه في هذه المحاولة الانقلابية والذي جرى هو فقط مفاتحته للاشتراك فيها والذي شكل مع العوامل الأخرى آنفة الذكر سبباً لاتخاذ قرار وضع نهاية لحياة هذا الرجل لا يستحقها حيث كان طبيباً ناجحاً ومخلصاً لوطنه وشخصاً متواضعاً وخلوقاً وذو ثقافة عالية ومركز اجتماعي متميز، رحم الله الحكيم (راجي عباس التكريتي) وجعل مثواه الجنة. أستميحكم عذراً لأطاله الحديث عن معاناتي الشخصية جراء العارض الصحي الذي أصابني في صيف عام 1967 وقراري الجريء في عدم الاستكانة والخضوع للضغوط الجسدية والنفسية التي سببها لي هذا المرض وتجاوزها بصعوبة وإكمال مراحل الدراسة في كلية الشرطة وتخرجي منها وانتقالي الى مرحلة الحياة الوظيفية والتي قضيت فيها ثماني واربعون عاماً وانتهزت هذه الفرصة للحديث عن الحكيم المرحوم (راجي عباس التكريتي) وعلاقتي به من خلال هذا المرض وأخيراً كلي أمل في أن ينال مقالي هذا الرضا والاستحسان والتقبل لاسيما ونحن نعيش في هذه الفترة العصيبة من جراء تفشي فايروس (كورونا) الرهيب راجياً من الله العلي القدير أن يرفع عنا شره لنخرج من بيوتنا وننطلق الى ممارسة حياتنا الطبيعية... اللهم آمين.

    

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1281 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع